ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 12

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الثانى من كتاب الخيارات و الجزء الثانى عشر من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع فى مسئلة عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الّا من اتى اللّه بقلب سليم.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

[تتمة القول في الخيار]

[تتمة أقسام الخيار]

[تتمة الثالث في خيار الشرط]

مسئلة لا اشكال و لا خلاف فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع،

و جريانه فى كل معاوضة لازمة، كالاجارة و الصلح و المزارعة و المساقات، بل قال فى التذكرة الاقرب عندى دخول خيار الشرط فى كل عقد معاوضة خلافا للجمهور.

و مراده: ما يكون لازما لانه صرح بعدم دخوله فى الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لان الخيار لكل منهما دائما

______________________________

(مسألة: لا اشكال و لا خلاف فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع و جريانه فى كل معاوضة لازمة) و ذلك لاطلاق «المؤمنون عند شروطهم» (كالاجارة و الصلح و المزارعة و المساقات) و الهبة المعوضة، و غيرها (بل) ظاهر العلامة الاجماع عليه فانه (قال فى التذكرة الاقرب عندى دخول خيار الشرط فى كل عقد معاوضة خلافا للجمهور) من العامة، فان ذكر مخالفة الجمهور دليل على وجود الاجماع عندنا.

ثم لا يخفى انه سيأتى من المصنف عدّ الصلح من موارد الاشكال، فهو مناف لعدّه هنا فيما لا اشكال فيه.

(و مراده) من كل عقد معاوضة (ما يكون لازما) فلا يشمل كلامه العقود الجائزة (لانه صرح بعدم دخوله) اى عدم دخول الشرط (فى الوكالة و الجعالة و القراض) اى المضاربة (و العارية و الوديعة) من العقود الجائزة (لان الخيار لكل منهما) اى من المتعاقدين (دائما).

ص: 3

فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه.

و الاصل فى ما ذكر عموم: المؤمنون عند شروطهم، بل الظاهر المصرح به فى كلمات جماعة دخوله فى غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد، بل اطلاقها يشمل العقود الجائزة، الا ان يدعى من الخارج

______________________________

فقوله «لكل منهما» خبر «لان الخيار» و «دائما» حال عن «الخيار» (ف) ان كان الخيار فى العقود الجائزة ف (لا معنى لدخول خيار الشرط فيه) اى فى العقد الجائز.

(و الاصل فى ما ذكر) من دخول الخيار فى كل عقد لازم (عموم:

المؤمنون عند شروطهم) فانه يشمل كل عقد (بل الظاهر المصرح به فى كلمات جماعة دخوله) اى دخول خيار الشرط (فى غير المعاوضات من العقود اللازمة) كالهبة، فانها عقد لازم- اذا كانت لذى رحم مثلا- مع انها ليست معاوضة (و لو من طرف واحد) كما فى الهبة بذى الرحم فانها من طرف الواهب لازمة، دون الطرف الموهوب له، فللموهوب له ردها.

و الحاصل: انه يدخل الشرط، فى غير المعاوضات حتى ما كان جائزا من الطرفين.

و لذا قال: (بل اطلاقها) اى اطلاق ادلة الشرط مثل «المؤمنون عند شروطهم» (يشمل العقود الجائزة) و لا مانع من ان يكون الجواز لجهتين، كما فى خيار الحيوان فى المجلس، فان هناك جوازين، جواز المجلس، و جواز الحيوان (الا ان يدعى من) الدليل (الخارج) عن اطلاق «المؤمنون ..»

ص: 4

عدم معنى للخيار فى العقد الجائز، و لو من الطرف الواحد.

فعن الشرائع و الارشاد و الدروس و تعليق الارشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط فى كل عقد سوى النكاح و الوقف و الابراء، و الطلاق و العتق، و ظاهرها ما عدا الجائز.

و لذا ذكر نحو هذه العبارة فى التحرير بعد ما منع الخيار فى العقود الجائزة.

______________________________

(عدم معنى للخيار فى العقد الجائز، و لو) كان الجواز (من الطرف الواحد) فلا خيار لذلك الطرف، و ان كان الخيار ثابتا من الطرف اللازم و كيف كان:

(فعن الشرائع و الارشاد و الدروس و تعليق الارشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط فى كل عقد سوى النكاح و الوقف و الابراء و الطلاق و العتق).

و المراد بالعقد: المعنى اللغوى الشامل لما ليس له طرفان، مثل قولهم عقد القلب، و الا كان استثناء الطلاق منقطعا (و ظاهرها) اى ظاهر العبارات المذكورة (ما عدا الجائز) فقولهم «كل عقد» يراد به «كل عقد لازم».

(و لذا ذكر نحو هذه العبارة) المتقدمة عن الكتب المذكورة (فى التحرير بعد ما منع الخيار فى العقود الجائزة).

لكن لا يخفى ان حمل كلام فقيه على كلام فقيه آخر يحتاج الى القطع المفقود فى المقام.

ص: 5

و كيف كان، فالظاهر عدم الخلاف بينهم فى ان مقتضى عموم ادلة الشرط الصحة فى الكل و انما الاخراج لمانع.

و لذا قال فى الدروس- بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط فى الصرف عن الشيخ قدس سره- انه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم.

فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم.

فنقول: اما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف فى عدم دخول الخيار

______________________________

(و كيف كان، فالظاهر عدم الخلاف بينهم فى ان مقتضى عموم ادلة الشرط الصحة فى الكل) اى كل عقد (و انما الاخراج) عن العموم (لمانع) من نصّ او اجماع.

(و لذا قال فى الدروس- بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط فى) بيع (الصرف عن الشيخ قدس سره-) «عن» متعلق «بالمنع».

قال (انه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم).

فالظاهر منه انه جعل الاصل دخول الخيار فى كل عقد، و انما يحتاج عدم دخوله فى مكان الى بيان المانع.

(فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم) بعد كون الاصل دخول كل عقد.

(فنقول: اما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف فى عدم دخول الخيار

ص: 6

فيها كما يرشد إليه استدلال الحلّى فى السرائر على عدم دخوله فى الطلاق بخروجه عن العقود.

قيل لان المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الاخبار و الايقاع انما يقوم بواحد.

و فيه ان المستفاد من الاخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه.

______________________________

فيها).

و لا يخفى ان الاستدلالات الآتية غير معتد بها، و ان كانت اشعارات و مؤيدات، و عدم الخلاف غير محقق، فالدخول- الا ما خرج بنص او اجماع- اقرب (كما يرشد إليه) اى الى عدم الخلاف (استدلال الحلّى فى السرائر على عدم دخوله) اى عدم دخول الخيار (فى الطلاق بخروجه) اى الطلاق (عن العقود) و الاستدلال يعطينا بان عدم الخيار فى غير العقد مسلّم.

(قيل) فى وجه عدم دخول الخيار فى الايقاع (لان المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الاخبار) فانها ذكرت الشرط فى ما كان بين اثنين (و الايقاع انما يقوم بواحد).

(و فيه ان المستفاد من الاخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه) اذ لا معنى للشرط بدون طرفين.

لكن فيه ان هذه الاستفادة غير تامة، بل اللازم ان يكون هناك الزام او شبه الزام، و ان لم يكن هناك طرف آخر، كالذى يجعل على

ص: 7

لا كونه متوقفا على الايجاب و القبول.

الا ترى انهم جوزوا ان يشترط فى اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم.

غاية الامر توقف لزومه كاشتراط مال على العبد على قبول العبد على

______________________________

نفسه عملا بشرط كذا، و ان لم يكن هناك طرف ثان، و لذا يصدق عرفا ان الّذي لا يعتقد بالله جعل على نفسه الامساك بشرط ان لا يضر بصحته فان هناك ليس طرف ثان من انسان او آله، و مع ذلك يصدق الشرط (لا كونه متوقفا على الايجاب و القبول).

(الا ترى انهم جوزوا ان يشترط فى اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم).

و يدل عليه- بالإضافة الى ذلك- صحيحة ابى العباس عن ابى عبد الله عليه السلام، قال سألته عن رجل قال غلامى حرّ، و عليه عمالة كذا و كذا، قال عليه السلام هو حرّ و عليه العمالة.

و صحيحة يعقوب ابن شعيب سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اعتق جارية و شرط عليها ان تخدمه عشر سنين، فابقت ثم مات الرجل، فوجدها ورثته، الهم ان يستخدموها؟ قال عليه السلام: لا، فان ظاهر هذه الرواية ان الشرط حيث كان خدمة نفس المولى و قد مات، فلا شرط عليها.

(غاية الامر توقف لزومه) اى لزوم الشرط على العبد (كاشتراط مال على العبد على قبول العبد على

ص: 8

قول بعض.

لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب و القبول.

فالاولى الاستدلال عليه مضافا الى امكان منع صدق الشرط، و انصرافه خصوصا على ما تقدم عن القاموس بعدم مشروعية الفسخ فى الايقاعات، حتى تقبل، لاشتراط التسلط على الفسخ فيها.

______________________________

قول بعض) فى قبال انه ليس بشرط قبول العقد لانه ملك للمولى، فقد اخرج بعض ملكه و ابقى الباقى، سواء قبل العبد، أم لا و يؤيده ظاهر الصحيحة الاولى.

(لكن هذا) كون الشرط قائما بين اثنين (غير اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب و القبول) اذ يشترط المولى على- مثلا- و لا حاجة الى قبول العبد.

(فالاولى الاستدلال عليه) اى على عدم دخول الشرط فى الايقاعات (مضافا الى امكان منع صدق الشرط، و) ذلك ل (انصرافه) اى الشرط (خصوصا على ما تقدم عن القاموس) بان الشرط الزام او التزام فى ضمن بيع و نحوه.

لكن فيه عدم تسليم الانصراف و عدم دلالة كلام القاموس على ذلك (بعدم مشروعية الفسخ فى الايقاعات) لان الايقاع تكوين، و الشي ء اذا وقع لا يقبل ان يكون كالعدم (حتى تقبل) الايقاعات (لاشتراط التسلط على الفسخ فيها).

و فيه: ان «عدم مشروعية الفسخ فى الايقاعات» خال عن البرهان.

ص: 9

و الرجوع فى العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعى فى بعض اقسامه لا يقبل الثبوت فى غير مورده، بل و لا السقوط فى مورده.

و مرجع هذا الى ان مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل و قد وجد فى

______________________________

و ما ذكر وجها له «لان الايقاع ... الخ» اشبه شي ء بالاستحسان.

(و) ان قلت: اذا لم يمكن الفسخ فى العدة، فكيف امكن الرجوع فى العدة، فان الرجوع فسخ للطلاق.

قلت: (الرجوع فى العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعى فى بعض اقسامه) فليس امرا طبيعيا عقليا قرره الشارع حتى يكون كسائر الحقوق.

و يدل على انه حكم شرعى انه (لا يقبل الثبوت فى غير مورده) كالطلاق البائن (بل و لا السقوط فى مورده) فلا يصح ان يطلّق بشرط ان لا يرجع فى العدة، و لو كان من قبيل الفسخ لكان بيد المطلق و المطلقة.

(و مرجع هذا) الّذي ذكرنا من ان الرجوع فى العدة حكم شرعى فلا يضر مع قاعدة الايقاعات: لا تقبل الفسخ (الى ان مشروعية الفسخ) مطلقا حتى فى العقود (لا بد لها من دليل).

و وجه «ان مرجع هذا الى ان ..» ان المستفاد من هذه العلة «علة الرجوع فى العدة» انه كلما حكم الشارع بالفسخ صح و كلما لم يحكم به لم يصح فان هذه العلة تسقط اصالة دخول الشرط فى كل مكان و تجعل الاصل عدم الدخول الا ما حكم الشارع (و قد وجد) الدليل (فى

ص: 10

العقود من جهة مشروعية الاقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غير هما فى بعضها، بخلاف الايقاعات، فانه لم يعهد من الشارع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها.

و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعى سببا، فاذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الايقاع او علم عدمه بناء على ان اللزوم فى الايقاعات

______________________________

العقود من جهة مشروعية الاقالة) برضا الطرفين (و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غير هما) كالغبن و العيب (فى بعضها) اى فى بعض العقود

و من ذلك يستكشف ان الشارع اجاز الشرط فى كل عقد من باب وحدة المناط (بخلاف الايقاعات، فانه لم يعهد من الشارع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك) النقض و الابطال (فيها) اى فى الايقاعات.

و فيه ان الاصل دخول الشرط فى الجميع الا ما خرج لان الشرط امر عقلائى أمضاه الشارع فالخارج يحتاج الى دليل.

(و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعى سببا).

فكما لا يصح ان يشترط فى ضمن عقد ان تكون بنت المشترى زوجة للبائع بدون العقد، او ان يكون المشترى من ورثة البائع بعد موته فيما لم يكن وارثا شرعا او شبه ذلك، فكذلك لا يصح ان يجعل بالشرط الايقاع غير القابل للانفساخ منفسخا (فاذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الايقاع او علم عدمه) اى عدم كون الفسخ سببا كما علمنا ذلك فى الطلاق (بناء على ان اللزوم فى الايقاعات

ص: 11

حكم شرعى، كالجواز فى العقود الجائزة، فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه فى متن الايقاع.

هذا كله مضافا الى الاجماع عن المبسوط و نفى الخلاف عن السرائر على عدم دخوله فى العتق و الطلاق

______________________________

حكم شرعى، كالجواز فى العقود الجائزة) لا انه حق عرفى أمضاه الشارع لانه اذا كان حقا كان المرجع فيه الى العرف.

فقوله «بناء» علة لقوله «او علمه» (فلا يصير) الفسخ (سببا ب) سبب (اشتراط التسلط عليه) اى على الفسخ (فى متن الايقاع).

و قوله «فلا» جواب «فاذا لم يعلم» و كان الافضل ان يقول «لا» بدون «الفاء».

اقول يرد على المصنف انه قد تقدم ان العقد و الايقاع امران عرفيان أمضاهما الشارع، و كذلك الشرط.

فكلما زاد الشارع او نقص يؤخذ به، و كلما لم يزد و لم ينقص من شرط او جزء او نحوهما فالمتبع اطلاق الادلة.

و عليه فما ليس بسبب مجردا عن اشتراطه يكون سببا اذا اشترط الا فيما علم من الشارع انه غير قابل للتغيير.

(هذا كله) وجوه استدلالية لعدم دخول الشرط فى الايقاع (مضافا الى الاجماع عن المبسوط و نفى الخلاف عن السرائر على عدم دخوله) اى الشرط (فى العتق و الطلاق).

و لعل مراده كل اقسام الطلاق كالمبارات و الخلع، لكن لا يبعد

ص: 12

و اجماع المسالك على عدم دخوله فى العتق و الابراء.

و مما ذكرنا فى الايقاع يمكن ان يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع و لو كان عقدا، كالصلح المفيد فائدة الابراء، كما فى التحرير و جامع المقاصد، و فى غاية المرام ان الصلح ان وقع معاوضة دخله خيار الشرط، و ان وقع عما فى الذمة مع جهالته او على اسقاط الدعوى قبل ثبوتها

______________________________

دخوله فيها، فان السيد الطباطبائى قال: لا مانع من جريانه فى الخلع و المبارات (و اجماع المسالك على عدم دخوله فى العتق و الابراء) لا يخفى انه ان تم الاجماع، فبها، و الا لم يكن فى مجرد دعواه- كما فى الابراء اذ لم يحقق فيه اجماع محقق- وجه للقول بعدم دخول الشرط فيه.

(و مما ذكرنا) وجها لعدم دخول الشرط (فى الايقاع يمكن ان يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع و لو كان عقدا).

وجه الامكان ان مثل هذا العقد فى الحقيقة ايقاع، فالدليل على عدم دخوله فى الايقاع يدل على عدم دخوله فى مثل هذا العقد لانه فى الحقيقة ايقاع (كالصلح المفيد فائدة الابراء) كما اذا قال «صالحتك على ان تسحب دعواك عنى و انت برئ عن طلبى منك» (كما فى التحرير و جامع المقاصد، و) قال (فى غاية المرام ان الصلح ان وقع معاوضة) كما اذا قال صالحتك عن هذا الكتاب مقابل هذا القلم (دخله خيار الشرط) لاطلاق ادلة الشرط، فانه فى الحقيقة بيع بصورة الصلح (و ان وقع عما فى الذمة مع جهالته) قيّد ب «مع جهالته» حتى لا يكون بيعا، اذ يشترط فى البيع عدم الجهالة (او على اسقاط الدعوى قبل ثبوتها) لان الدعوى

ص: 13

لم يدخله، لان مشروعيته لقطع المنازعة فقط.

و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافى مشروعيته.

و كل شرط ينافى مشروعية العقد غير لازم، انتهى.

و الكبرى المذكورة فى كلامه راجعة الى ما ذكرنا فى وجه المنع عن الايقاعات.

______________________________

اذا ثبتت قوبلت بالمال فيكون الصلح على اسقاطها كالبيع الّذي يدخله الخيار (لم يدخله) الخيار (لان مشروعيته) اى الصلح انما هى (لقطع المنازعة فقط).

(و اشتراط الخيار) الّذي يوجب الاخذ به (لعود الخصومة ينافى مشروعيته).

(و) من الواضح ان (كل شرط ينافى مشروعية العقد غير لازم، انتهى) لانه من قبيل الشرط المنافى لمقتضى العقد، كان يشترط فى عقد النكاح ان لا يكون بينهما علقة الزوجية لكن لا يخفى ان شرط الخيار لا ينافى مشروعية الصلح المذكور، بل هو من قبيل ان يقال ان مشروعية البيع لاجل التمليك، و اشتراط الخيار مناف للتمليك و كما ان هذا الاستدلال فى البيع باطل كذلك فى الصلح.

(و) كيف كان ف (الكبرى المذكورة فى كلامه) اى قوله «و كل شرط .. الخ».

و صورة القياس هكذا «الخيار ينافى المشروعية و كل خيار ينافى المشروعية، فهو باطل» (راجعة الى ما ذكرنا فى وجه المنع عن) دخول الشرط فى (الايقاعات) حيث قلنا ان الشرط ينافى تشريع الايقاع.

ص: 14

و لا اقل من الشك فى ذلك الراجع الى الشك فى سببية الفسخ لرفع الايقاع.

و اما العقود، فمنها: ما لا يدخله اتفاقا.

و منها: ما اختلف فيه.

و منها: ما يدخله اتفاقا.

فالاول النكاح، فانه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف، و المبسوط، و السرائر، و جامع المقاصد، و المسالك الاجماع عليه،

______________________________

(و) لا يخفى انه اذا لم نقطع بما ذكرناه من الدليل على عدم دخول الفسخ فى الايقاعات، ف (لا اقل من الشك فى ذلك الراجع الى الشك فى سببية الفسخ لرفع الايقاع) فالاصل عدمه.

و عليه فاذا جعل الشرط و فسخ لم يؤثر فسخه فى رفع الايقاع.

و فيه ان الشك مرجعه الى: عموم المؤمنون عند شروطهم، حسب ما ذكرناه سابقا هذا كله فى الايقاعات.

(و اما العقود، فمنها: ما لا يدخله اتفاقا).

(و منها: ما اختلف فيه) هل يدخله: أم لا.

(و منها: ما يدخله اتفاقا).

فالعقود بالنسبة الى دخول الفسخ على ثلاثة اقسام.

(فالاول) الّذي لا يدخله اتفاقا (النكاح) بقسميه الدائم و المنقطع (فانه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف، و المبسوط، و السرائر، و جامع المقاصد، و المسالك الاجماع عليه) و هذا هو سبب عدم دخوله فيه فان

ص: 15

و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا على الطلاق، و عدم مشروعية التقايل فيه.

و من الثانى الوقف فان المشهور عدم دخوله فيه و عن المسالك انه موضع وفاق.

و يظهر من محكى السرائر، و الدروس وجود الخلاف فيه.

و ربما علل باشتراط القربة فيه.

______________________________

الاجماع على ذلك قطعى (و لعله) اى لعل الاجماع نشأ (ل) اجل (توقف ارتفاعه) اى النكاح (شرعا على الطلاق) و انقضاء المدة فى المنقطع طبعا او هبة (و عدم مشروعية التقايل فيه) و الفسخ بالعيوب بدليل شرعى، فلا يستشكل بانه كيف لا يمكن فيه الفسخ؟ مع انه ورد الفسخ فيه بالعيوب.

نعم ذكروا فى كتاب النكاح دخول خيار الاشتراط فيه كما اذا شرط كون الزوج او الزوجة حرا او حرة، فبان خلاف ذلك، او شرط البكارة فبانت ثيبا.

(و من الثانى) الّذي اختلف فيه هل انه يدخله الفسخ أم لا؟ (الوقف) باقسامه من الذرّى، و الخيرى و غير هما (فان المشهور عدم دخوله) اى الفسخ (فيه) اى فى الوقف (و عن المسالك انه موضع وفاق).

(و) لكن (يظهر من محكى السرائر، و الدروس وجود الخلاف فيه) و ان هناك قولا بدخول الفسخ فيه و عليه فيصح الشرط فيه.

(و ربما علل) قول المشهور بامرين.

الاول: (باشتراط القربة فيه) و كلما يشترط فيه القربة لا يدخله الفسخ

ص: 16

و انه فك ملك بغير عوض.

و الكبرى فى الصغريين ممنوعة.

و يمكن الاستدلال له بالموثقة المذكورة فى مسألة شرط الواقف كونه احق بالوقف عند الحاجة، و هى قوله عليه السلام: من اوقف ارضا، ثم قال ان احتجت إليها فانا احق بها، ثم مات الرجل، فانها ترجع فى

______________________________

لما ورد من ان ما كان لله فلا رجعة فيه و الفسخ رجوع.

(و) الثانى: (انه فك ملك بغير عوض) و اذا خرج شي ء عن الملك لا يدخل ثانيا تحت الملك.

(و الكبرى) و هى «لما ورد ..» و «اذا خرج ..» (فى) كلتا (الصغريين) «باشتراط القربة ..» و «بانه فك ..» (ممنوعة).

اذ: لا دليل على انه اذا شرط فى «ما كان لله» ان يرجع، لم ينفذ شرطه.

اما قوله عليه السلام «ما كان لله ..» فالمنصرف عنه «ما كان بدون شرط» كما انه لا دليل على انه «اذا خرج شي ء عن الملك ..» فان الانسان اذا اعرض عن شي ء و القاه فى الشارع خرج عن ملكه مع انه يتمكن من ارجاعه الى نفسه.

(و يمكن الاستدلال له) اى للمشهور (بالموثقة المذكورة فى مسألة شرط الواقف) عند الوقف (كونه احق بالوقف عند الحاجة) إليه (و هى قوله عليه السلام: من اوقف ارضا، ثم قال ان احتجت إليها فانا احق بها، ثم مات الرجل، فانها) اى الارض (ترجع فى

ص: 17

الميراث، و قريب منها غيرها.

و فى دلالتها على المدعى تامل.

و يظهر من المحكى عن المشايخ الثلاثة فى تلك المسألة تجويز اشتراط الخيار فى الوقف، و لعله المخالف الّذي اشير إليه فى محكى السرائر

______________________________

الميراث، و) كذلك (قريب منها) فى المضمون (غيرها).

و وجه دلالتها على بطلان الشرط ان الامام عليه السلام بين ان هذا الشرط يبطل الوقف لانه عليه السلام قال: ان الوقف يرجع ميراثا و لا وجه لرجوعه ميراثا الا بطلان الوقف، اذ لو صح هذا الوقف كان قد بقى وقفا بعد ان لم يحتج الواقف، و اذا بقى فى زمان حياة الواقف وقفا استمر الى ما بعد مماته، فلا يرجع ميراثا.

(و) لكن (فى دلالتها) اى دلالة هذه الرواية (على المدعى) الّذي ذهب إليه المشهور (تأمل).

اذ من المحتمل ان يكون مراد الواقف «انا احق بها» احق بالتصرف فيها بان يكون من اقسام الوقف على النفس، و الوقف على النفس باطل فلا ربط للرواية بما نحن فيه «اعنى بطلانه لاجل جعل الشرط فيه».

(و يظهر من المحكى عن المشايخ الثلاثة) اصحاب الكتب الاربعة الكلينى و الشيخ و الصدوق (فى تلك المسألة) اى مسألة شرط الواقف كونه احق بالوقف (تجويز اشتراط الخيار فى الوقف، و لعله) اى كل واحد من المشايخ الثلاثة مثل قوله تعالى «وَ الْمَلٰائِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ» هو (المخالف الّذي اشير إليه فى محكى السرائر

ص: 18

و الدروس.

و اما حكم الصدقة فالظاهر انه حكم الوقف، قال فى التذكرة فى باب الوقف انه يشترط فى الوقف الالزام، فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه، و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة انتهى.

______________________________

و الدروس).

و الظاهر دخوله فى الوقف للرواية السابقة، و لخبر اسماعيل ابن الفضيل، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصدق ببعض ماله فى حياته فى كل وجه من وجوه الخير، و قال ان احتجت الى شي ء من المال فانا احق به، ترى ذلك له و قد جعله لله يكون له فى حياته فاذا هلك الرجل يرجع ميراثا الى اهله.

و كان هذا الخبر هو الّذي اشار إليه المصنف يقوله و قريب منها غيرها و ظاهر هما ان الرجل افتقر فى حياته و لذا صار الوقف ملكا للوارث، و يؤيده «المؤمنون» و قوله صلى الله عليه و آله و سلم «الوقوف على حسب ما وقفها اهلها» و «ما كان لله فلا رجعة فيه» يقيد بالدليلين، لانه مطلق و هما مقيدان، و كيف كان فتفصيل الكلام فى كتاب الوقف.

(و اما حكم الصدقة فالظاهر انه حكم الوقف) لوحدة المناط فيهما.

و لذا (قال فى التذكرة فى باب الوقف انه يشترط فى الوقف الالزام) للوقف اى جعله لازما (فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه، و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة) و هو صريح فى بطلان الصدقة بإدخال الخيار فيها (انتهى) كلام التذكرة.

ص: 19

لكن قال فى باب خيار الشرط: اما الهبة المقبوضة فان كانت لاجنبى غير معوض عنها، و لا قصد بها القربة، و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها، و ان اختل احد القيود لزمت.

و هل يدخلها خيار الشرط، الاقرب ذلك، انتهى.

و ظاهره دخول الخيار فى الهبة اللازمة حتى الصدقة.

و كيف كان، فالاقوى عدم دخوله فيها، لعموم ما دل على انه لا يرجع فيما كان لله

______________________________

(لكن قال) العلامة (فى باب خيار الشرط: اما الهبة المقبوضة فان كانت لاجنبى غير معوض عنها، و لا قصد بها القربة، و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها).

اما الهبة غير المقبوضة فلا انعقاد لها لان القبض شرط الهبة- كما قرر فى محله- (و ان اختل احد القيود) بان كانت الهبة لذى رحم، او زوج، او كانت معوضة، او قصد بها القربة، او تصرف المتهب- اى الموهوب له- فيها (لزمت) كما قرر فى باب الهبة.

(و هل يدخلها خيار الشرط) حتى تكون جائزة فى مورد اللزوم اذا لم يكن خيار (الاقرب ذلك) اى الدخول (انتهى).

(و ظاهره دخول الخيار فى الهبة اللازمة حتى الصدقة) لان الهبة التى كانت بقصد القربة تكون من اقسام الصدقة.

(و كيف كان، فالاقوى عدم دخوله) اى الشرط (فيها) اى فى الصدقة (لعموم ما دل على انه لا يرجع فيما كان لله) كقوله عليه السلام: انما

ص: 20

بناء على ان المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة، نظير الجواز للعقود الجائزة.

و لو شك فى ذلك كفى فى عدم سببية الفسخ التى

______________________________

الصدقة لله عز و جل، فما جعل لله عز و جل فلا رجعة له فيه.

و عن الصادق عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انما مثل الّذي يرجع فى صدقته كالذى يرجع فى قيئه، الى غيرهما من الروايات.

و انما قلنا «الاقوى ..» (بناء على ان المستفاد منه) اى من عموم ما دل على انه: لا يرجع فيما كان لله (كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة) فاذا كان اللزوم حكما شرعيا لم يضر بالشرط فكما انه لا يصح ان يعقد عقدا جائز او يشترط فيه اللزوم- فان الشرط باطل- اذا الجواز حكم شرعى، كذلك لا يصح الشرط فى العقد اللازم الّذي حكم الشارع بانه لازم- من باب الحكم لا من باب الحق- لكن فيه ان قوله «بناء ...» غير تام، اذ من اين هذا البناء، بل حالها حال سائر العقود اللازمة و «ما كان لله» مطلق قابل للتقييد «بما اذا لم يشترط» اذ المنصرف منه «ما كان لله على كل حال» فاذا شرط «لم يكن لله على كل حال».

(و لو شك فى ذلك) و ان اللزوم فى الصدقة هل هو حكم شرعى؟ أم حق (كفى) الشك (فى عدم سببية الفسخ) لرجوع تلك السببية (التى

ص: 21

يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها.

و توهم امكان اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع.

و منه الصلح فان الظاهر المصرح به فى كلام جماعة كالعلامة فى التذكرة، دخول الخيار فيه مطلقا، بل عن المهذب البارع فى باب الصلح: الاجماع على دخوله فيه بقول مطلق.

______________________________

يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها) اذ لو علم بالسببية صح الخيار، و ان لم يعلم بالسببية لم يصح الخيار.

(و) ان قلت: نثبت السببية من دليل: المؤمنون عند شروطهم.

قلت: (توهم امكان اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع) لان «الشرط» انما يصح عند تحقق موضوعه، اى «امكان السببية» فلا تثبت السببية بالشرط، فهو من قبيل اثبات الموضوع بسبب الحكم.

لكن فيه ان المقام من موارد التمسك بعموم الشرط، و سيأتى منه ره انه لو شك فى كون الشرط مخالفا، فالاصل عدم المخالفة.

(و منه) اى من اقسام ما اختلف فيه، و انه هل يدخل فيه الخيار أم لا؟

(الصلح فان الظاهر) عند المصنف (المصرح به فى كلام جماعة كالعلامة فى التذكرة، دخول الخيار فيه مطلقا) «مطلقا» مقابل التفصيل الآتى بين اقسام الصلح (بل عن المهذب البارع فى باب الصلح: الاجماع على دخوله فيه بقول مطلق) و هذا القول هو المتعين لاطلاق الادلة و عدم محذور فيه.

ص: 22

و ظاهر المبسوط كالمحكى عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا.

و قد تقدم التفصيل عن التحرير، و جامع المقاصد، و غاية المرام، و لا يخلو عن قرب، لما تقدم من الشك فى سببية الفسخ لرفع الابراء، او ما يفيد فائدته.

و منه الضمان فان المحكى عن ضمان التذكرة و القواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه، و هو

______________________________

(و) لكن (ظاهر المبسوط كالمحكى عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا) و لعله لما تقدم من ان الصلح شرع لحسم الخلاف.

فجعل الخيار فيه مخالف لهذه الحكمة فكان الشرط مخالف لمقتضى العقد.

و فيه ان الشرط مخالف لاطلاقه لا انه مخالف لمقتضاه.

(و قد تقدم التفصيل) بين اقسام الصلح (عن التحرير، و جامع المقاصد و غاية المرام، و لا يخلو عن قرب).

و حاصله ان كل شي ء لا يدخله الخيار يكون الصلح المفيد فائدته أيضا لا يدخله الخيار (لما تقدم من الشك فى سببية الفسخ لرفع الابراء او ما يفيد فائدته) اى الصلح المفيد فائدة الابراء، و قد عرفت الجواب عنه، كما ان مقتضى هذا التفصيل عدم دخوله فى مثل الصلح على العتق و على الوقف و نحوهما.

(و منه) اى مما اختلف فيه و انه هل يدخل فيه الخيار، أم لا؟ (الضمان فان المحكى عن ضمان التذكرة و القواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه، و هو

ص: 23

ظاهر المبسوط.

و الاقوى دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه.

و منه الرهن، فان المصرح به فى غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لان الرهن وثيقة للدين، و الخيار ينافى الاستيثاق.

و لعله لذا استشكل فى التحرير، و هو ظاهر المبسوط، و مرجعه

______________________________

ظاهر المبسوط) و كانه لاجل ان الضمان شرع لمصلحة المضمون له، فاذا دخله الخيار كان مخالفا لمقتضى العقد.

و فيه ان ذلك خلاف اطلاق الضمان لا انه مخالف مقتضى ذاته.

(و) لذا كان (الاقوى دخوله فيه) اى فى الضمان (لو قلنا بالتقايل فيه) بان قلنا: بصحة ان يبطلاه فانه اذا صح ان يبطلاه صح جعل الخيار فيه، لعدم الفرق بين الامرين، و الظاهر صحة التقايل فيه.

(و منه) اى مما اختلف فيه و انه هل يدخل فيه الخيار، أم لا؟ (الرهن فان المصرح به فى غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن).

اما المرتهن فيصح جعل الخيار له، لانه مقتضى اطلاق «المؤمنون عند شروطهم» بلا محذور فيه.

و اما عدم دخول الخيار للراهن ف (لان الرهن وثيقة للدين، و الخيار ينافى الاستيثاق).

اذ فسخ الرهن معناه ان يبقى الدين بلا وثيقة.

(و لعله لذا استشكل فى التحرير) فى دخول الخيار فى الرهن (و هو) اى الاشكال (ظاهر المبسوط، و مرجعه) اى مرجع ما تقدم فى

ص: 24

الى ان مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة، و الخيار مناف لذلك.

و فيه ان غاية الامر كون وضعه على اللزوم، فلا ينافى جواز جعل الخيار بتراضى الطرفين.

و منه الصرف، فان صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه، مدّعين على ذلك الاجماع.

و لعله لما ذكره فى التذكرة للشافعى المانع عن دخوله فى الصرف و

______________________________

الاستدلال لعدم الدخول من قولنا «لان الرهن» (الى ان مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا) أيضا (كونها وثيقة) الدين (و الخيار مناف لذلك) فهو خلاف مقتضى العقد، و الشرط المخالف لمقتضى العقد باطل

(و فيه) ان الشرط مناف لاطلاق العقد، لا انه مناف لمقتضاه، ف (ان غاية الامر كون وضعه) اى وضع الرهن (على اللزوم) لو خلى و طبعه (فلا ينافى جواز جعل الخيار بتراضى الطرفين) كالخيار فى البيع الّذي وضعه الاوّلى على اللزوم و مع ذلك يدخله الخيار.

(و منه) اى مما اختلف فيه و انه هل يدخل فيه الخيار، أم لا؟ بيع (الصرف) و هو بيع الاثمان كالذهب و الفضة (فان صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه، مدّعين على ذلك الاجماع) فاذا جعل لاحدهما الخيار بطل بيع الصرف.

(و لعله لما ذكره فى التذكرة) دليلا (للشافعى المانع عن دخوله) اى دخول الخيار (فى الصرف و

ص: 25

السلم من ان المقصود من اعتبار التقابض فيهما ان يفترقا و لا يبقى بينهما علقة، و لو اثبتنا الخيار بقيت العلقة.

و الملازمة ممنوعة كما فى التذكرة.

و لذا جزم فيها بدخوله فى الصرف، و ان استشكله أولا كما فى القواعد و من الثالث اقسام البيع ما عدا الصرف، و مطلق الاجارة

______________________________

السلم) فالسلم ان يعطى الثمن ليأخذ المثمن بعد مدة عكس النسيئة (من ان المقصود من اعتبار التقابض فيهما).

لان الشرط فى الصرف اعطاء الثمن و المثمن فى مجلس العقد.

و الشرط فى السلم الاعطاء و قبض الثمن فى المجلس (ان يفترقا و لا يبقى بينهما علقة) بالنسبة الى المثمن و الثمن فى الصرف، و بالنسبة الى الثمن فى السلم (و لو اثبتنا الخيار) فيهما (بقيت العلقة) لاحتمال البطلان فى البيع.

(و الملازمة) بين عدم بقاء العلقة، و بين عدم دخول الخيار (ممنوعة) فالخيار يدخل و ان لم تبق علقة (كما) ذكره (فى التذكرة) اذ العلقة من غير جهة الخيار تنقطع.

(و لذا جزم فيها) اى فى التذكرة (بدخوله) اى الخيار (فى الصرف، و ان استشكله) العلامة (أولا) فى التذكرة (كما فى القواعد) من الاستشكال.

(و من الثالث) و هو ما يدخله الخيار قطعا (اقسام البيع ما عدا الصرف) مثل النسيئة و النقد و بيع الحيوان و بيع الثمار، الى غير ذلك (و) كذا يدخل الخيار فى (مطلق الاجارة) اجارة الانسان و الحيوان و

ص: 26

و المزارعة، و المساقات، و غير ما ذكر من موارد الخلاف فان الظاهر عدم الخلاف فيها.

و اعلم انه ذكر فى التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط فى القسمة، و ان لم يكن فيها رد.

و لا يتصور الا بان يشترط الخيار

______________________________

العقار و غيرها (و المزارعة، و المساقات، و غير ما ذكر من موارد الخلاف فان) الخيار يدخل فى جميعها بل (الظاهر عدم الخلاف فيها).

و ذلك لاطلاق: المؤمنون عند شروطهم، بدون ان يكون هناك دليل مخصص له.

(و اعلم انه ذكر فى التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط فى القسمة، و ان لم يكن فيها رد) فان القسمة على نوعين.

الاول: ما ليس فيها رد، كما اذا كان منّ من الحنطة مشتركا بين اثنين فاقتسماها بان اخذ كل واحد منهما نصفها، و عند الاقتسام شرط الخيار بان يخلطاهما ثم يبقى على الشركة او يقسما هما بعد الخلط.

الثانى: ما فيها رد كما اذا كان جزءا شرح اللمعة مشتركا بين اثنين، و كان احد الجزءين يسوى دينارا و الآخر دينارا و نصفا، فاخذ احدهما ما قيمته دينار، و اخذ من الآخر ربع دينار «و هذا يسمى بالرد» ثم عند الاقتسام شرطا الخيار بان يكونا مشتركين فى الجزءين و يأخذ مالك الربع ربعه الّذي اعطاه لصاحبه.

(و) لا يخفى انه (لا يتصور) الشرط فى القسمة (الا بان يشترط الخيار

ص: 27

فى التراضي القولى بالسهام.

و اما التراضي الفعلى فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء على وجوب ذكر الشرط فى متن العقد.

و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار فى المعاطات، و ان قلنا بلزومها من اوّل الامر، او بعد التلف.

و السر في ذلك ان الشرط القولى لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلى

______________________________

فى التراضي القولى بالسهام) بان يقولا نقتسم بشرط الخيار.

(و اما التراضي الفعلى) بان قسّما بدون لفظ (فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء على وجوب ذكر الشرط فى متن العقد) اما بناء على صحة ذكر الشرط قبلا و بناء العقد عليه، فيمكن ان يذكر الشرط ثم يقتسمان عمليا بناء على ذلك الشرط المذكور، كما انه يمكن البناء على الشرط المتعارف و ان لم يذكراه لا قبلا و لا حين العقد، كما اذا كان المتعارف فى مكان الاقتسام العملى بخيار و يكون حال ذلك حال شرط الصحة فى اشتراء البيض و نحوه، فانه شرط و ان لم يكن لفظ حين العقد و مما ذكرنا ظهر الاشكال فى قول المصنف.

(و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار فى المعاطات، و ان قلنا بلزومها من اوّل الامر، او بعد التلف) لاحد العوضين.

(و السر فى ذلك) اى فى عدم دخول الخيار فى المعاطات (ان الشرط القولى لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلى).

و فيه انه لما ذا لا يمكن ارتباطه مع انه عرفى، فيشمله دليل العقد و

ص: 28

و ذكر فيهما أيضا دخول الخيار فى الصداق، و لعله لمشروعية الفسخ فيه فى بعض المقامات، كما اذا زوجها الولى بدون مهر المثل و فيه نظر و ذكر فى المبسوط أيضا دخول هذا الخيار فى السبق و الرماية للعموم.

اقول: و الا ظهر- بحسب القواعد- اناطة دخول خيار الشرط بصحة

______________________________

الشرط (و ذكر فيهما أيضا) اى المبسوط و التذكرة (دخول الخيار فى الصداق) المهر لاطلاق ادلة الشرط (و لعله لمشروعية الفسخ فيه فى بعض المقامات، كما اذا زوجها الولى بدون مهر المثل) فالنكاح صحيح لكن لها فسخ المهر، و أخذ مهر المثل و قد تقدم و يأتى: انه كلما صح الفسخ صح الشرط (و فيه نظر) لاحتمال ان لا يصح فى المهر الفسخ، فلا يصح فيه الشرط، و انما كان للمرأة ردّ المهر، لانه وقع فضولة، فانه ليس للولى ولاية العقد باقل من مهر المثل، فاذا ردت كان لها مهر المثل حسب القاعدة.

و كيف كان فقد عرفت ان الاصل نفوذ الشرط و ان لم يصح الفسخ، لعدم دليل على التلازم بين الامرين- و ان اصرّ المصنف على وجود التلازم-.

(و ذكر فى المبسوط أيضا دخول هذا الخيار) اى خيار الشرط (فى السبق و الرماية).

و ذلك (للعموم) اى عموم: المؤمنون عند شروطهم.

(اقول: و الا ظهر- بحسب القواعد-) كما يبين المصنف القاعدة بعد قليل (اناطة دخول خيار الشرط) فى عقد (بصحة

ص: 29

التقايل فى العقد، فمتى شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة احدهما او كليهما على الفسخ، فان اقدامه على ذلك- حين العقد- كاف فى ذلك، بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه على نفسه فيكون امر الشارع اياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه قائما مقام رضاه الفعلى بفعل صاحبه

______________________________

التقايل فى) ذلك (العقد، فمتى شرع التقايل مع التراضي) رضى المتعاقدان (بعد العقد) «بعد» متعلق ب «التقايل» (جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة احدهما او كليهما) «على» متعلق ب «تراضى» (على الفسخ) بان يجعلا فى العقد شرطا يقتضي ذلك الشرط تسلط المشروط له على الفسخ (فان اقدامه) اى احد هما او كلاهما (على ذلك) اى على الرضا بالفسخ بعد العقد اقداما (- حين العقد-) لان الشرط يجعل فى ضمن العقد (كاف فى ذلك) الفسخ، كاف (بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه على نفسه).

و عليه (فيكون امر الشارع اياه بعد العقد بالرضا) متعلق ب «امر» اى امره بان يرضى (بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام) اى سواء فسخ او التزام.

و قوله: (و عدم الاعتراض عليه) عطف على قوله: بالرضا (قائما مقام رضاه الفعلى) بعد العقد (بفعل صاحبه).

فكما انه اذا رضى فعلا بالفسخ بالتقايل ليوجب الفسخ، كذلك اذا

ص: 30

و ان لم يرض فعلا.

و اما اذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه لانه اذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد لسلطنة احد هما عليه لا يحدث له اثرا، لما عرفت من ان الالتزام حين العقد لا يفيد الا فائدة الرضا الفعلى بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا، و الله العالم.

______________________________

شرط قبلا فامر الشارع بصحة الشرط الموجب لاجازته فسخ ذى الخيار (و ان لم يرض) صاحبه (فعلا) اذ بعد قبوله الشرط حال العقد خرج الاختيار عن يده، و صح فسخ العقد رغما عليه.

(و اما اذا لم يصح التقايل فيه) اى فى العقد (لم يصح اشتراط الخيار فيه).

وجه التلازم (لانه اذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد) و ان كان الفسخ (عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد) بالشرط (لسلطنة احدهما) او كليهما (عليه) اى على الفسخ (لا يحدث له) اى للالتزام (اثرا) يوجب صحة الشرط (لما عرفت من ان الالتزام حين العقد لا يفيد الا فائدة الرضا الفعلى بعد العقد بفسخ صاحبه) «بفسخ» متعلق ب «الرضا» (و لا يجعل) الالتزام حال العقد (الفسخ مؤثرا شرعيا) فان الشرط لا يجعل ما ليس بسبب سببا (و الله العالم) و قد تقدم انه لا دليل على هذا التلازم كما لا حاجة إليه، بل المرجع فى مورد الشك اطلاق دليل: المؤمنون عند شروطهم و مما ذكرنا يظهر دخوله فى القرض و غيره من المعاملات.

ص: 31

الرابع خيار الغبن،

[الغبن لغة و اصطلاحا]

و اصله الخديعة، قال فى الصحاح هو بالتسكين فى البيع و الغبن بالتحريك فى الرأى، و هو فى اصطلاح الفقهاء تمليك ما له بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر و تسمية المملك غابنا

______________________________

(الرابع) من اقسام الخيار (خيار الغبن) على وزن فلس (و اصله الخديعة) و هى اخفاء شي ء و اظهار غيره (قال فى الصحاح هو بالتسكين) للباء (فى البيع) و كذا غير البيع كالاجارة و غيرها (و الغبن) على وزن «فرس» (بالتحريك) للباء يستعمل (فى الرأى) بان ينخدع فى الرأى فيرى ما ليس بواقع.

قال فى النصاب: غبن در زرها زيان است و غبن در رأيها (و هو) اى «الغبن» (فى اصطلاح الفقهاء) «فى باب البيع» (تمليك ما له بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر) فاذا لم يجهل الآخر لا يسمى غبنا.

لكن قد يسمى ذلك أيضا غبنا باعتبار انه أخذ منه المال اكثر من القدر اللازم، و ان كان عالما و لذا من يشترى الشي ء بقيمة أغلى- اضطرارا- يقال انه غبن، و ان علم بذلك.

و لذا تسمى يوم القيامة بيوم التغابن.

نعم اذا علم لا يكون له الخيار، لانه اقدم بنفسه على ضرر نفسه (و تسمية المملك) بالاكثر (غابنا) و «تسمية» عطف على «تمليك»

ص: 32

و الآخر مغبونا مع انه قد لا يكون خدع اصلا كما لو كانا جاهلين لاجل غلبة صدور هذه المعاوضة على وجه الخدع.

و المراد بما يزيد او ينقص العوض، مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط، فلو باع ما يساوى مائة دينار باقل منه مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن لان المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن

______________________________

(و الآخر مغبونا) فان غبن متعدّ، و لذا يأخذ المفعول (مع انه قد لا يكون خدع اصلا) لان الخدع ظاهر فى العمد (كما لو كانا جاهلين) فان الغابن لم يخدع، و انما يسمى غابنا فى صورة الجهل مع انه لا خدع (لاجل غلبة صدور هذه المعاوضة) الغبنية غالبا (على وجه الخدع) فاطلق «الغبن» على غير صورة «الخدع» أيضا من جهة الحاق الشي ء بالاعم الاغلب للتشابه صورة.

و منه يعلم ان تسمية بعض اللغويين مطلق «الغبن» بالنقص انما هو من باب التغليب، اذ ليس مع كل نقص خديعة و قد عرفت ان المعيار الخديعة على ما ذكره المصنف.

(و المراد بما يزيد) على قيمته (او ينقص) عن قيمته.

و فى الاول يكون المغبون البائع.

و فى الثانى المشترى (العوض) لان فيه الزيادة و النقص لكن لا العوض وحده بل (مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط) فان للشرط قسطا من الثمن او المثمن (فلو باع ما يساوى مائة دينار باقل منه مع اشتراط الخيار للبائع، فلا غبن) للبائع (لان المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن

ص: 33

المبيع بالبيع اللازم، و هكذا غيره من الشروط.

و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه، بخلاف الجهل بقيمته.

ثم ان ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الاصحاب و نسبه فى التذكرة الى علمائنا، و عن نهج الحق نسبته الى الامامية و عن الغنية و المختلف: الاجماع عليه صريحا.

______________________________

المبيع بالبيع اللازم).

و كذا اذا كان مع الثمن شرط، كان باعه ما يسوى مائة بتسعين بشرط ان يخيط المشترى للبائع ثوبا ثمن خياطته عشرة مثلا (و هكذا غيره من الشروط) سواء فى طرف المثمن او الثمن.

(و) هل يشترط فى صدق الغبن كون الزيادة كثيرة كعشرة فى مائة؟ أم يصدق الغبن و ان كانت الزيادة قليلة كفلس فى دينار، ف (الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه) اى عن مفهوم الغبن، فكل زيادة و لو قليلة غبن، لكن الزيادة المتسامح بها عرفا لا توجب الخيار بدليل خارجى (بخلاف الجهل بقيمته) فان الجهل شرط فى صدق الغبن، فاذا اشتراه عالما بالقيمة لم يصدق الغبن

(ثم ان ثبوت الخيار به) اى بالغبن (مع الشرط المذكور) اى الجهل بالقيمة (هو المعروف بين الاصحاب، و نسبه فى التذكرة الى علمائنا و عن نهج الحق نسبته الى الامامية) و كلاهما مشعر بالاجماع (و عن الغنية و المختلف: الاجماع عليه صريحا) فلا مخالف فى المسألة.

ص: 34

نعم المحكى عن المحقق قدس سره فى درسه انكاره، و لا يعد ذلك خلافا فى المسألة كسكوت جماعة عن التعرض له.

نعم حكى عن الاسكافى منعه، و هو شاذ.

[أدلة هذا الخيار]
[آية تجارة عن تراض]

و استدل فى التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ

______________________________

(نعم المحكى عن المحقق قدس سره فى درسه انكاره) و انه لا خيار للمغبون.

و لعله لاجل ادلة الوفاء بالعقد، و امكان تدارك الغبن بارجاع الغابن مقدار ما غبن الى المغبون، جمعا بين الدليلين، و انه مقتضى العرف و الشارع أمضاه لانه لم يذكر خلافه (و لا يعد ذلك خلافا فى المسألة) لان المحقق قال بخيار الغبن فى كتبه، و لعله قال ذلك فى درسه مناقشة لا اعتمادا (ك) ما انّ (سكوت جماعة عن التعرض له) اى لخيار الغبن لا يعد خلافا فى المسألة، اذ السكوت اعم من الانكار.

(نعم حكى عن الاسكافى منعه) اى منع خيار الغبن، فلا خيار للمغبون، و لعله يرى وجوب تدارك الغبن (و هو شاذ) لانفراده فى هذه الفتوى.

(و استدل فى التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) فالتجارة اللازمة هى ما كانت عن رضى، فاذا لم يكن رضى فلا لزوم، و انما نرفع، اللزوم، لا اصل التجارة، فلا نقول ببطلان البيع، لان الشارع انما قرر ما يراه العرف.

ص: 35

قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبنى على عنوان مفقود، و هو عدم نقصه عنه فى المالية، فكانه

______________________________

و لذا قالوا: ان المعاملات امضائيات، الا فيما زاد او نقص الشارع فيها، و العرف يرى الصحة مع الخيار او الصحة مع اخذ التفاوت، فاذا سقط اخذ التفاوت بقيت الصحة مع الخيار، و انما سقط اخذ التفاوت لما سيجي ء.

و اما عدم الرضا فى هذا البيع فلما ذكره بقوله: (قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض) و لما كان ظاهر الاستدلال انه لا رضا بالمعاملة الاعلى تقدير المساوات بين الثمن و المثمن يكون مقتضاه بطلان المعاملة رأسا، لا ان فيه الخيار.

قال المصنف: (و توجيهه) ان رضا المغبون بشراء ما يسوى درهما بدرهمين، ينحل الى رضاءين، رضا بشراء العين الخارجية و رضا بصفة انه يسوى بدرهمين.

و الرضا الاول معتبر فى الصحة.

و الرضا الثانى معتبر فى اللزوم.

و حيث ان الرضا الاول موجود فالبيع صحيح.

و حيث ان الرضا الثانى غير موجود، فلا لزوم، ف (ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبنى) خبر «رضا» (على عنوان مفقود، و هو عدم نقصه) اى نقص ما يأخذه (عنه) اى عن ما يدفعه (فى المالية فكانه)

ص: 36

قال: اشتريت هذا الّذي يساوى درهما بدرهم، فاذا تبين انه لا يساوى درهما تبيّن انه لم يكن راضيا به عوضا.

لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع، بان كان كسائر الصفات المقصودة التى لا يوجب تبين فقدها الا الخيار، فرارا عن استلزام لزوم المعاملة الزامه بما لم يلتزم و لم يرض به.

______________________________

اى المغبون (قال: اشتريت هذا الّذي يساوى درهما بدرهم) واحد، فكانه قال: انى راض باصل الاشتراء، و راض بان يكون البيع لازما، اذا كان تساويين ما آخذه، و بين ما ادفعه (فاذا تبين انه لا يساوى درهما) بل اقل من درهم (تبيّن انه لم يكن راضيا به عوضا) فقد انهدم الرضا الّذي هو مقوم للزوم.

(لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع) اى المساوات بين الثمن و المثمن (لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع، بان كان) حال هذه الصفة (كسائر الصفات المقصودة التى لا يوجب تبين فقدها الا الخيار) كما اذا اشترى على وصف الصحة، فتبين انه معيب.

و انما يوجب الخيار (فرارا عن استلزام لزوم المعاملة الزامه) اى المغبون (بما لم يلتزم و لم يرض به) اى لم يرض بان يكون لازما، لا انه لم يرض باصلها،.

و على هذا البيان.

ص: 37

فالآية انما تدل على عدم لزوم العقد فاذا حصل التراضي بالعوض غير المساوى كان كالرضا السابق لفحوى حكم الفضولى و المكره.

و يضعف

______________________________

(فالآية انما تدل على عدم لزوم العقد) لا على عدم صحته (فاذا حصل التراضي بالعوض غير المساوى) بان اجاز البيع و اسقط خياره (كان) هذا الرضا الطارئ (كالرضا السابق).

اى كما لو كان علم من الاول انه لا يسوى بدرهم، و مع ذلك اشتراه فكما انه بالرضا السابق يلزم البيع كذلك بالرضا الطارئ يلزم البيع و انما كان حال الرضا الطارئ حال الرضا السابق (لفحوى حكم الفضولى و المكره) فان الفضولى و المكره غير راضيين حال العقد، لكن رضا هما اللاحق كاف فى لزوم العقد، فما نحن فيه اولى بكفاية الرضا الطارئ، اذ لا اكراه و لا فضولة حال العقد.

(و يضعف) هذا التوجيه بامرين.

الاول: ان التساوى بين المبيع و الثمن ليس عنوانا حتى يوجب فقده الخيار، مثل فقد سائر الاوصاف، بل التساوى من قبيل الداعى و فقد الداعى لا يوجب الخيار.

الثانى انا نسلّم انه من قبيل العنوان لكن فقد العنوان لا يوجب الخيار، اذا لم يؤخذ فى العقد قيدا، و المفروض ان هذا العنوان لم يؤخذ فى العقد.

اقول يرد على الاول: انه عنوان لا داع.

ص: 38

بمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس الا من قبيل الداعى الّذي لا يوجب تخلفه شيئا، بل قد لا يكون داعيا أيضا، كما اذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم على اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الى احتمال ذلك مع ان اخذه

______________________________

و على الثانى: انه يكفى فى الخيار بناء العقد عليه، و ان لم يذكر فى متن العقد.

فحال هذا العنوان حال وصف الصحة.

و قد اشار المصنف الى اشكاله الاول بقوله: (بمنع كون الوصف المذكور) التساوى بين المثمن و الثمن (عنوانا بل ليس الا من قبيل الداعى الّذي لا يوجب تخلفه شيئا).

فان الانسان اذا جاءه الضيف و ذهب ليشترى لهم الطعام، داعيه الى الاشتراء اطعام الضيف، فاذا رجع و رأى ان الضيف قد ارتحل لم يكن تخلف داعيه موجبا لان يكون له خيار فى ارجاع الطعام (بل قد لا يكون داعيا أيضا، كما اذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته) اذ لا يهمه ذلك (فقد يقدم على اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الى احتمال ذلك) اى ان ثمنه اضعاف قيمته اما اذا علم ذلك فليس له الخيار لانه اقدم، و المقدم العالم لا يسمى مغبونا حتى يكون له الخيار.

و اشار الى اشكاله الثانى بقوله: (مع ان اخذه) اى الوصف المذكور

ص: 39

على وجه التقييد لا يوجب خيارا، اذا لم يذكر فى متن العقد.

[آية لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل]

و لو ابدل قدّس سرّه هذه الآية بقوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، كان اولى، بناء على ان اكل المال على وجه الخدع ببيع ما يسوى درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على ردّ المعاملة، و عدم نفوذ رده اكل المال بالباطل.

______________________________

(على وجه التقييد لا يوجب خيارا، اذا لم يذكر فى متن العقد) لما تقدم من ان القيد اذا لم يذكر فى متن العقد لم يشمله: المؤمنون عند شروطهم فلا يجب الوفاء به.

(و) حيث قد عرفت الاشكال فى استدلال العلامة على خيار الغبن بقوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» نقول (لو ابدل) العلامة (قدّس سرّه هذه الآية) إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً .. (بقوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، كان اولى) اذ لا يرد عليه الاشكال المتقدم.

وجه الاستدلال بالآية ما ذكره بقوله: (بناء على ان اكل المال على وجه الخدع) و ان لم يقصد الخادع الخدعة، بل كان جاهلا أيضا (ببيع) متعلق ب «اكل» (ما يسوى درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه).

و انما قال: بعد تبين خدعه، لما سيأتى من ان للمخدوع خيار الغبن اذا علم بالخداع و بالغبن (على ردّ المعاملة) متعلق ب «عدم التسلط» (و عدم نفوذ رده) عطف على «عدم تسلط» (اكل المال بالباطل) عرفا، و الشارع قرر ذلك كما قرر سائر المواضيع فى باب المعاملة.

ص: 40

اما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد اكلا بالباطل.

و مقتضى الآية و ان كان حرمة الاكل حتى قبل تبين الخدع الا انه خرج بالاجماع و بقى ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة.

لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ،

______________________________

(اما مع رضاه بعد التبين بذلك) الخدع (فلا يعد اكلا بالباطل) فلا خيار له اذا رضى.

و قوله «اما» اشارة الى ردّ توهم، و هو انه اكل للمال بالباطل و ان رضى.

(و) ان قلت: اكل الخادع قبل تبين الخدع أيضا اكل للمال بالباطل عرفا، فلما ذا لا تقولون به.

قلت: (مقتضى الآية و ان كان حرمة الاكل حتى قبل تبين الخدع، الا انه خرج بالاجماع) فقد قام الاجماع على ان المال يكون للغابن، و انما فعل حراما (و بقى ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة) فانه اذا لم يرد الغابن كان اكلا للمال بالباطل.

اما قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ثمن المسترسل سحت، فظاهره و ان كان حرمة الثمن، الا انه محمول على شدة المبالغة.

اقول: لا يخفى ان ظاهر الآية غير قابلة للتخصيص بعد ان كان الاكل قبل التبين أيضا اكلا للمال بالباطل.

اللهم الا ان يمنع ذلك فتأمل.

(لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)

ص: 41

بناء على ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي.

فمع التكافؤ يرجع الى اصالة اللزوم.

الا ان يقال ان التراضي مع الجهل بالحال يخرج عن كون اكل الغابن لمال المغبون الجاهل اكلا بالباطل.

______________________________

وجه المعارضة ان «لا تأكلوا» يقول: انه اكل للمال بالباطل، و ان «الا ان تكون» يقول: لا بأس بأكله، لانه عن رضا (بناء على ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي) و عليه فلا يمكن الاستدلال ب «لا تأكلوا».

(فمع التكافؤ) التساوى فى دلالة الآيتين على البطلان و الصحة (يرجع الى اصالة اللزوم).

اذ قد تقدم ان الاصل فى المعاملة: الصحة و اللزوم.

(الا ان يقال) بتقديم «عن تراض» على «لا تأكلوا».

ف (ان التراضي مع الجهل بالحال) اى جهل المشترى بانه مغبون (يخرج عن كون اكل الغابن لمال المغبون الجاهل) بالغبن (اكلا بالباطل).

وجه ذلك: ان المعتبر عند العقلاء الفعليات، لا التقديريات، فان من يشترى الدار بمائة راض بذلك، و ان كان لو علم انه بعد يوم تكون قيمة الدار خمسين لم يكن راضيا بها الآن و كذلك فى مسألة تخلف الداعى و نحوه.

ص: 42

و يمكن ان يقال: ان آية التراضي تشمل غير صورة الخدع، كما اذا اقدم المغبون على شراء العين محتملا لكونه باضعاف قيمته فيدل على نفى الخيار فى هذه الصورة، من دون معارضة فيثبت عدم الخيار فى الباقى بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهى المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل فيرجع

______________________________

(و يمكن ان يقال) فى وجه تقديم آية التراضي على آية اكل المال بالباطل (ان آية التراضي تشمل) صورة احتمال المشترى بالخداع فلا خيار، فتشمل صورة عدم علم المشترى لعدم القول بالفصل، فلا خيار أيضا فتشمل الآية (غير صورة الخدع، كما اذا اقدم المغبون على شراء العين محتملا لكونه باضعاف قيمته) فانه اذا اقدم محتملا للغبن فقد رضى فتشمله آية: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (فيدل على نفى الخيار فى هذه الصورة، من دون معارضة) لآية اكل المال بالباطل (فيثبت عدم الخيار فى الباقى) اى صورة جهل المشترى بالخدع، و عدم احتماله للخدع (بعدم القول بالفصل).

و عليه (ف) هذه الآية (تعارض مع آية النهى) و هى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ* (المختصة بصورة الخدع) لان صورة الخداع اكل للمال بالباطل (الشاملة) هذه الآية (غيرها) اى غير صورة الخداع و هى ما اذا اقدم محتملا كونه باضعاف قيمته (بعدم القول بالفصل).

اذ كل من يقول: بان صورة الخداع اكل للمال بالباطل، يقول:

بان هذه الصورة اكل للباطل، و اذا تعارضت الآيتان فى الدلالة (فيرجع

ص: 43

بعد تعارضهما- بضميمة عدم القول بالفصل، و تكافؤهما- الى اصالة اللزوم.

[ما في التذكرة و المناقشة فيه]

و استدل أيضا فى التذكرة بان النّبي صلى الله عليه و آله و سلم اثبت الخيار فى تلقى الركبان، و انما اثبته للغبن

______________________________

بعد تعارضهما) تعارضا (- بضميمة عدم القول بالفصل) فى كل آية كما عرفت- (و تكافؤهما-) عطف على «تعارضهما» (الى اصالة اللزوم) لان الاصل فى كل عقد شك فى جوازه و لزومه، هو اللزوم، كما سبق تقريره.

اقول: يمكن ان يستدل لخيار الغبن أيضا بما قاله بعض المحشّين من ادلة خيار العيب، و الرؤية، و الشركة، و تبعض الصفقة بدعوى ان ثبوت الخيار فى هذه الموارد انما هو للنقص.

و اوّل من اشار الى ذلك العلامة حيث قال فى محكى المختلف خيار العيب للغبن.

(و استدل أيضا) لخيار الغبن (فى التذكرة بان النبي صلى الله عليه و آله و سلم اثبت الخيار فى تلقى الركبان، و انما اثبته للغبن) فقد روى عنه صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: لا تلقوا الركبان، فان تلقى احدكم فاشترى فصاحب السلعة بالخيار اذا دخل السوق.

فان الظاهر عرفا انه لا وجه للخيار اذا دخل السوق، الا من جهة ظهور الغبن.

و اما السند فقد حكوا انه موجود فى كتاب الخلاف و النهاية و الغنية

ص: 44

و يمكن ان يمنع صحة حكاية اثبات الخيار لعدم وجودها فى الكتب المعروفة بين الامامية، ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

[الأقوى الاستدلال بقوله ص لا ضرر و لا ضرار]

و اقوى ما استدل به على ذلك فى التذكرة و غيرها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام.

و كان وجه الاستدلال ان لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون على فسخه ضرر عليه، و اضرار به فيكون منفيا.

فحاصل الرواية ان الشارع لم يحكم بحكم

______________________________

و قد عمل به الشيخ فى الخلاف و المبسوط، و السيد فى الغنية، و العلامة فى التذكرة، و ابن ادريس و غيرهم، و كفى بمثل ذلك دليلا خصوصا بعد ان كان ابن ادريس لا يعمل باخبار الآحاد (و) منه يظهر الاشكال فى قوله: (يمكن ان يمنع صحة حكاية اثبات الخيار) بمثل هذا الخبر (لعدم وجودها فى الكتب المعروفة بين الامامية، ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل)

(و) كيف كان، ف (اقوى ما استدل به على ذلك) اى على خيار الغبن (فى التذكرة و غيرها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام) و هو حديث متواتر سندا معمول به اجماعا فى مختلف ابواب الفقه (و كان وجه الاستدلال) به (ان لزوم مثل هذا البيع) الغبنى (و عدم تسلط المغبون على فسخه) بعدم الخيار له (ضرر عليه، و) اذا الزمه الشارع كان (اضرار) ا (به) اى بالمغبون (فيكون) اللزوم (منفيا) بمقتضى هذه الرواية.

(فحاصل) وجه الاستدلال بهذه (الرواية ان الشارع لم يحكم بحكم

ص: 45

يكون فيه الضرر، و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا، و لم يمض لهم من التصرفات ما فيه ضرر على الممضى عليه.

و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا على الممضى عليه، سواء كان من جهة الغبن، أم لا، و سواء كان فى البيع، أم فى غيره كالصلح غير المبنى على المسامحة

______________________________

يكون فيه الضرر).

و من المعلوم: ان اصل صحة البيع بدون الزامه به لا يكون ضررا فليس اصل الصحة مرتفعا، و انما الالزام و اللزوم ضرر، فهو المرتفع (و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا) هذا تفسير «لا ضرار» فانه مصدر باب المفاعلة.

فالحديث يقول: لا يضر انسان انسانا، و لا يضر هذا ذاك، و ذاك هذا (و لم يمض) الشارع (لهم من التصرفات) العقدية و الايقاعية (ما فيه ضرر على الممضى عليه) و اللزوم تصرف من المتعاقدين لانهما تصرفا هذا التصرف اللزومى فلم يمضه الشارع اذا كان ضرريا.

(و منه) اى من الاستدلال بدليل: لا ضرر على خيار الغبن (يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد) و دخول الخيار فيه (يكون لزومه ضررا على الممضى عليه، سواء كان) الضرر (من جهة الغبن، أم لا) كما اذا كان الضرر من جهة العيب او غيره (و سواء كان فى البيع، أم فى غيره، كالصلح غير المبنى على المسامحة).

اذ لو كان الصلح مبنيا على المسامحة كانا هما اقدما على الضرر و الضرر

ص: 46

و الاجارة و غيرها من المعاوضات.

هذا و لكن يمكن الخدشة فى ذلك بان انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل فى العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الامضاء بكل الثمن اذ يحتمل ان يتخير بين امضاء العقد بكل الثمن، و رده فى المقدار الزائد.

غاية الامر ثبوت الخيار للغابن.

______________________________

المنفى هو ما لم يقدم عليه المتعاقدان (و الاجارة و غيرها من المعاوضات) بل الايقاعات أيضا اذا لم يكن دليل خاص على عدم دخول الفسخ فيها.

(هذا و لكن يمكن الخدشة فى ذلك) اى فى دليل «لا ضرر» لاثبات الخيار (بان) لا ضرر يقول بالخيار وحده بل يقول بانه يصح بكل وجه يرفع الضرر، سواء كان بالفسخ او برد بعض الثمن او المثمن مما يرفع الضرر و الخسارة.

فان (انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل فى العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد) كلا (و الامضاء بكل الثمن، اذ) الدليل اعم من المدعى، ف (يحتمل ان يتخير) المغبون (بين امضاء العقد بكل الثمن و رده) اى رد العقد (فى المقدار الزائد).

مثلا: اذا اشترى كتابا يسوى بعشرة باحد عشر كان له استرجاع درهم.

(غاية الامر) اذا استرجع الدرهم (ثبوت الخيار) فى فسخ المعاملة (للغابن).

ص: 47

لتبعض المال عليه فيكون حال المغبون حال المريض اذا اشترى بازيد من ثمن المثل.

و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث اذا مات ذلك المريض المشترى فى ان له استرداد الزيادة من دون ردّ جزء من العوض، كما عليه الاكثر فى معاوضات المريض المشتملة على المحابات، و ان اعترض عليهم العلامة بما حاصله: ان استرداد بعض احد العوضين من دون رد

______________________________

و انما يثبت له الخيار (لتبعض المال عليه) و هذا هو المسمى بخيار تبعض الصفقة.

لكن يمكن ان يقال: لا حق للغابن اذ انه كان مجحفا و قد رفع اجحافه فلا وجه لخياره بعد ان كان البيع لازما (فيكون حال المغبون) فى استرجاعه قدر ما غبن فيه (حال المريض اذا اشترى بازيد من ثمن المثل) فان البيع يكون بذلك متزلزلا بالنسبة الى مقدار الزيادة.

(و حاله) اى المغبون (بعد العلم بالقيمة) بان علم انه قد غبن (حال الوارث اذا مات ذلك المريض المشترى فى ان له) اى لذلك الوارث (استرداد الزيادة) التى اخذها البائع من المريض (من دون ردّ جزء من العوض، كما عليه) اى على هذا الحكم فى المريض (الاكثر) من الفقهاء (فى معاوضات المريض المشتملة على المحابات) سواء كان المريض بائعا او مشتريا، او فى سائر المعاملات كالاجارة و نحوها (و ان اعترض عليهم العلامة بما حاصله: ان استرداد بعض احد العوضين) كما اذا استرد المشترى بعض الثمن لان البائع اخذ اكثر من الثمن منه (من دون رد

ص: 48

بعض الآخر ينافى مقتضى المعاوضة.

و يحتمل أيضا ان يكون نفى اللزوم بتسلط المغبون على الزام الغابن باحد الامرين من الفسخ فى الكل، و من تدارك ما فات على المغبون برد

______________________________

بعض) العوض (الآخر) فان البائع لا يسترد بعض المبيع فى المثال (ينافى مقتضى المعاوضة) اذ كانت المعاوضة بين مجموع المثمن قبال مجموع الثمن، فكيف يسترد بعض الثمن و لا يسترد بعض المثمن.

لكن الظاهر: ان هذا الاشكال غير وارد، اذ العرف يرى ان الغابن أخذ ما ليس له بحق، و ان حق المعاوضة التساوى، فاذا استرد المغبون قدر غبنه استرد ما لم يكن فى قبال العوض الآخر، و هذا هو الظاهر من تقرير الشارع ان ثمن المسترسل سحت، بل كون المعاملات امضائيات يقتضي امضاء الشارع لما يراه العرف.

اما عدم تملك الغابن لمقدار الزيادة فهو خلاف العرف لكنه ملك متزلزل، فلا يقال ان لازم الكلام السابق عدم تملك الغابن، فتأمّل.

(و يحتمل أيضا) عطف على «اذ يحتمل».

و الفرق بينهما ان الاول تخيير المغبون بين الرد بمقدار الغبن و بين الامضاء و هذا تخيير المغبون بين الامضاء و بين الفسخ، ان لم يرد الغابن التفاوت، و الا فلا حق له فى الفسخ، ب (ان يكون نفى اللزوم) العقد المستفاد من دليل لا ضرر (بتسلط المغبون على الزام الغابن باحد الامرين من الفسخ فى الكل) فيرجع كل مال الى صاحبه (و من تدارك ما فات على المغبون برد

ص: 49

القدر الزائد، او بدله.

و مرجعه الى ان للمغبون الفسخ اذا لم يبذل الغابن التفاوت، فالمبذول غرامة لما فات على المغبون على تقدير امضاء البيع، لا هبة مستقلة، كما فى الايضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بان الهبة المستقلة لا تخرج

______________________________

القدر الزائد) اذا كان موجودا (او بدله) اذا كانت العين تالفة، او فى حكم التلف.

(و مرجعه) اى مرجع هذا الاحتمال (الى ان للمغبون الفسخ اذا لم يبذل الغابن التفاوت) لا ان له الفسخ مطلقا، كما ان المشهور يقولون بذلك.

و عليه (فالمبذول) للمغبون (غرامة) لا جزء من الثمن او المثمن حتى يستشكل بانه كيف يكون جزءا؟ و الحال ان البيع كان لكل الثمن فى مقابل كل المثمن.

و معنى الغرامة ان الشارع يقول للغابن: ادفع شيئا من المال (لما فات على المغبون) بسببك (على تقدير امضاء البيع) «على» متعلق ب «المبذول» لان البذل انما هو فى حال امضاء البيع (لا هبة مستقلة) لا ربط لها بالمعاملة السابقة (كما فى الايضاح و جامع المقاصد) حيث قالا انه هبة مستقلة (حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت) «للتفاوت» متعلق ب «بذل» (بان) متعلق ب «انتصرا» (الهبة المستقلة لا تخرج

ص: 50

المعاملة عن الغبن الموجب للخيار و سيجي ء ذلك.

______________________________

المعاملة عن الغبن الموجب للخيار).

وجه الاستدلال: انه لو لم يكن له خيار كان و لا بدّ من بذل الغابن و البذل هبة و حيث لا يكون هبة- لان الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن اذ اى ربط بين الغبن و بين هبة مستقلة- فلا بد ان يكون للمغبون الخيار.

ثم انه مما يؤيد تخيير المغبون بين الرد و أخذ التفاوت ما رواه دعائم الاسلام عن ابى عبد الله عليه السلام انه قال: اذا باع رجل من رجل سلعة، ثم ادعى انه غلط فى ثمنها، الى ان قال: ثم قيل للمشترى ان شئت خذها بمبلغ القيمة، و ان شئت فدع، فان ظاهره التخيير بين الفسخ و بين الاخذ بما يساوى القيمة و استرجاع الزائد- كذا قيل فى تفسير الرواية- لكن لا يخفى اذ فيها احتمالان آخران.

الاول: ان المراد بمبلغ القيمة تمامها فتكون الرواية تأييدا للمشهور القائلين بالتخيير بين الاخذ بتمام القيمة و بين الفسخ.

الثانى: ان ما يأخذه المغبون من بعض القيمة بعض الثمن لا انه غرامة و هذا- هو الّذي تقدم منا- انه مقتضى ما يراه العرف فى باب الغبن، بل عليه بنوا العقلاء معاملاتهم، و لا دليل غير الشهرة على ان الشارع غيّر طريقة العقلاء (و سيجي ء ذلك) عند قوله- بعد اسطر- «ثم ان المبذول ليس هبة».

ص: 51

و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة فى التذكرة و احتمله فى القواعد من انه اذا ظهر كذب البائع مرابحة فى اخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشترى.

فان مرجع هذا الى تخيير البائع بين ردّ التفاوت، و بين الالتزام بفسخ المشترى.

و حاصل الاحتمالين: عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت

______________________________

(و ما ذكرنا) من كفاية الغرامة عن الفسخ، هو (نظير ما اختاره العلامة فى التذكرة و احتمله فى القواعد من انه اذا ظهر كذب البائع مرابحة فى اخباره برأس المال) كما لو قال: ان رأس المال مائة، و اربح عليه خمسة و عشرين فظهر انه اشتراه بخمسين، و خمسة عشرة (فبذل) البائع (المقدار الزائد) كالخمسين فى المثال (مع ربحه) العشرة (فلا خيار للمشترى) فى الفسخ.

(فان مرجع هذا) الكلام من العلامة (الى تخيير البائع) الكاذب (بين رد التفاوت، و بين الالتزام بفسخ المشترى).

معنى «الالتزام» انه اذا فسخ المشترى استجاب البائع لفسخه، و ليس له الممانعة.

(و حاصل الاحتمالين) الذين هما فى قبال المشهور (عدم الخيار للمغبون) فى الفسخ (مع بذل الغابن للتفاوت) بين القيمة المأخوذة و بين واقع القيمة.

ص: 52

فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل.

و لعل هذا هو الوجه فى استشكال العلامة فى التذكرة فى ثبوت الخيار مع البذل، بل قول بعض بعدمه كما يظهر من الرياض.

ثم ان المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال انها لا يخرج المعاملة المشتملة على الغبن عن

______________________________

اذا (فالمتيقن من ثبوت الخيار) و حق الفسخ (له) للمغبون (صورة امتناع الغابن من البذل) فليس له حق الفسخ فى صورة بذل الغابن للتفاوت.

(و لعل هذا) الّذي ذكرناه من حاصل الاحتمالين (هو الوجه فى استشكال العلامة فى التذكرة فى ثبوت الخيار مع البذل) اذ لا دليل على الخيار حينئذ، فقد عرفت ان عمدة دليل الخيار «لا ضرر» و هو يتدارك بالبذل (بل قول بعض بعدمه) اى انه لا خيار (كما يظهر من الرياض).

لكن قد تقدم ان هناك بعض الادلة الاخر، مثل: خيار تلقى الركبان اذا دخلوا السوق، و غيره مما يؤيد خياره فى الفسخ مطلقا اى و ان بذل التفاوت.

(ثم) يبقى اشكال انه اذا كان المبذول هبة مستقلة فان ذلك لا يوجب رفع الغبن، بل حال ذلك حال ما اذا وهب انسان آخر بمقدار الغبن اذا لم يفسخ المغبون، ف (ان المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال انها) اى الهبة المستقلة (لا يخرج المعاملة المشتملة على الغبن عن

ص: 53

كونها مشتملة عليه، و لا جزء من احد العوضين حتى يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضى المعاوضة، بل هو غرامة لما اتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية، فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الارش فى المعيب.

______________________________

كونها مشتملة عليه) اى على الغبن.

و انما قلنا «ليس» لان المبذول انما هو فى قبال الخسارة، لا انه معاملة مستقلة (و لا) ان المبذول (جزء من احد العوضين) الّذي ورد نقص فيهما بالغبن (حتى يكون استرداده) اى استرداد هذا الجزء (مع العوض الآخر) الكائن عند المسترد (جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض) و يكون ذلك الجمع (منافيا لمقتضى المعاوضة) اى مقتضاه ان يذهب كل احدهما و يرجع مكانه كل الآخر (بل هو)- المبذول- (غرامة) و خسارة للغابن (لما اتلفه الغابن عليه) اى على المغبون (من الزيادة) «من» بيان «ما» اتلافا (ب) سبب (المعاملة الغبنية).

و انما سمى اتلافا لانه ذهب من يد المغبون و ان كانت عينه باقية عند الغابن.

و حيث كان المبذول غرامة لا جزء (فلا يعتبر كونه من عين الثمن).

نعم لو كان المبذول جزء اعتبر كونه من عين الثمن اذا كان الثمن موجودا، و من مثله او قيمته اذا كان الثمن تالفا.

فحال هذا المبذول (نظير الارش فى المعيب) حيث انه غرامة، فلا يشترط ان يكون من عين الثمن.

ص: 54

و من هنا ظهر الخدشة: فيما فى الايضاح، و جامع المقاصد، من الاستدلال على عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب، بان بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لانها هبة مستقلة، حتى انه لو دفعه على وجه الاستحقاق لم يحل اخذه، اذ لا ريب فى ان من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره، انتهى

______________________________

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان المبذول غرامة (ظهر الخدشة: فيما فى الايضاح، و جامع المقاصد من الاستدلال على عدم السقوط) للخيار (مع البذل) للتفاوت (بعد الاستصحاب) اى استصحاب الخيار (بان بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية) و اذا بقيت على كونها غبنية كان للمغبون الخيار.

و انما البذل لا يخرجها عن كونها غبنية (لانها) اى البذل- و تأنيث الضمير باعتبار- هبة- (هبة مستقلة) و المعاملة المستقلة لا ترفع الغبن معامليا، و ان رفعت الغبن معنويا، بل هى من قبيل ان يضيف الغابن المغبون و يطعمه بمقدار التفاوت (حتى انه) اى الغابن (لو دفعه) اى البذل (على وجه الاستحقاق) و الارتباط بالمعاملة الغبنية (لم يحل) للمغبون (اخذه) اذ لا استحقاق للمغبون بعد ان كانت المعاوضة بين تمام الثمن فى قبال تمام المثمن فلا يكون البذل الا هبة و هى لا تنفع (اذ لا ريب فى ان من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره) فأي علاقة بين الهبة و بين المعاملة الغبنية، و العلاقة المعنوية لا تكفى فى اسقاط الخيار و كذلك فى سائر الخيارات كخيار العيب و خيار الرؤية و غيرهما (انتهى) كلام الايضاح و جامع

ص: 55

بمعناه، وجه الخدشة ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما اتلفه الغابن على المغبون قد دل عليه نفى الضرر.

و اما الاستصحاب ففيه ان الشك فى اندفاع الخيار بالبذل لا فى ارتفاعه به، اذ من المحتمل ثبوت الخيار على الممتنع دون الباذل.

______________________________

المقاصد (بمعناه).

اقول (وجه الخدشة) فى كلامهما (ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما اتلفه الغابن على المغبون) بان اخذه منه بالمعاملة بدون ان يدفع عوضه إليه.

و انما نقول بهذه الغرامة لما (قد دل عليه نفى الضرر) فان لا ضرر يقول بوجوب رفع الضرر عن المغبون، و يكون الرفع بالتدارك، فلا يقال ان دليل «لا ضرر» ينفى و لا يثبت،- كما قرر فى الاصول-.

(و اما الاستصحاب) الّذي استدلا به على بقاء الخيار (ففيه) ان اركانه غير تامة، لانه يحتاج الى يقين سابق بوجود الخيار، و لا يقين سابق فيما يبذل التفاوت، و انما اليقين فيما لا يبذل.

ف (ان الشك فى اندفاع الخيار بالبذل) و انه لا يتحقق الخيار من اوّل العقد (لا) انه يقين بوجود الخيار و انما نشك فى انه هل ارتفع الخيار بسبب البذل، أم لا، فليس الشك (فى ارتفاعه) اى الخيار (به) اى بالبذل و انما كان الشك فى وجود اصل الخيار (اذ من المحتمل ثبوت الخيار على) الغابن (الممتنع) عن البذل، و اذا جاء الاحتمال لم يكن يقين بوجود الخيار (دون الباذل).

ص: 56

ثم ان الظاهر ان تدارك ضرر المغبون باحد الاحتمالين المذكورين اولى من اثبات الخيار له، لان الزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من اعواض اموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و ان لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون، الا انه يصلح مرجحا لاحد الاحتمالين المذكورين على ما اشتهر من تخييره بين الردّ و الامضاء

______________________________

و فى بعض النسخ مكان «المحتمل» لفظ «المتيقن» و كلاهما يؤديان معنى واحدا.

(ثم) اذا كان رفع ضرر المغبون يمكن بسبب الخيار و يمكن بسبب الغرامة فالثانى اولى، ف (ان الظاهر ان تدارك ضرر المغبون باحد الاحتمالين) السابقين (المذكورين) عند قولنا «يحتمل» و «يحتمل» (اولى من اثبات الخيار له) اى للمغبون.

وجه الاولوية (لان الزام الغابن بالفسخ) و ذهاب ما انتقل إليه عن يده (ضرر) على الغابن (لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من اعواض اموالهم) و الا لم يقدموا على التعامل و التبادل (خصوصا) اذا كان الغابن البائع، و استلم (النقود) اذ النقود يتأتى منها اعمال كثيرة بخلاف البضائع (و نقض الغرض ضرر) بمعنى الضرر الاعم (و ان لم يبلغ) ضرر الغابن فى فسخ المعاملة (حد المعارضة لضرر المغبون) حتى يتساقطان و يكون المرجع دليل آخر (الا انه) ضرر الغابن بسبب الفسخ (يصلح مرجحا لاحد الاحتمالين المذكورين) فى قولنا «يحتمل» و «يحتمل» (على ما اشتهر من تخييره) اى المغبون (بين الردّ و الامضاء) «على» متعلق

ص: 57

بكل الثمن، الا ان يعارض ذلك بان غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة، لكون المقصود اقتنائها للتجمل، و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمّل، فتأمل.

______________________________

ب «مرجحا» اى ان احد الاحتمالين يرجح على قول المشهور الذين قالوا بان المغبون يكون له الفسخ او امضاء المعاملة (بكل الثمن) متعلق ب «الامضاء» (الا ان يعارض ذلك) اى ضرر الغابن (ب) ضرر آخر للمغبون، ففى جانب الغابن ضرر غرضى و فى جانب المغبون ضرر غرضى و ضرر مالى و الغرضيان يتساقطان، فيبقى الضرر المالى للمغبون بلا مزاحم.

ف (ان غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة) «ذات» صفة «عين».

مثلا: تعلق فرض المغبون المشترى للدار بعين هذه الدار التى لها قيمة كذا (لكون المقصود) من العين يفوته اذا ردّها، مثلا كان مقصوده دارا قريبة من حرم الحسين عليه السلام، او كان المقصود من اشتراء هذه الآنية العتيقة (اقتنائها للتجمل، و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمّل) الى غير ذلك من الاغراض.

فالفسخ اذا خلاف غرض الغابن، و خلاف غرض المغبون (فتأمل) اشكال على قوله «لان الزام الغابن بالفسخ ضرر».

و وجه الاشكال ان تخلف الغرض ليس من الضرر، لا لغة و لا عرفا و ان كان ربما يطلق عليه الضرر مجازا.

ص: 58

و قد يستدل على الخيار باخبار واردة فى حكم الغبن،

فعن الكافى بسنده الى اسحاق ابن عمار، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت.

و عن الميسر عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المؤمن حرام.

و فى رواية اخرى لا تغبن المسترسل، فان غبنه لا يحل.

و

______________________________

(و قد يستدل على الخيار) خيار الغبن (ب) ما ذكره الشيخ على فى خياراته من (اخبار واردة فى حكم الغبن، فعن الكافى بسنده الى اسحاق ابن عمار، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت) بضميمة انه اذا اراد المغبون ارجاع ثمنه كان له ذلك، و الا كان اكله للغابن سحتا لقيام الاجماع على انه ليس بحرام، اذا لم يرد ارجاع ماله.

و ان شئت قلت: ان اطلاق «سحت» يقتضي انه سحت على كل حال لكن الاجماع قيده بصورة إرادة المغبون ارجاع ماله.

(و عن الميسر عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المؤمن حرام) (و فى رواية اخرى) قال عليه السلام (لا تغبن المسترسل، فان غبنه لا يحل).

و وجه الاستدلال بهما كالاستدلال بالرواية الاولى.

(و) الكلام فى هذه الرواية أولا فى معنى الاسترسال، و ثانيا فى الاستدلال بها على المطلب.

ص: 59

عن مجمع البحرين ان الاسترسال الاستيناس، و الطمأنينة الى الانسان و الثقة به فيما يحدثه، و اصله السكون و الثبات.

و منه الحديث ايّما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه، فهو كذا، و منه غبن المسترسل سحت، انتهى.

و يظهر منه ان ما ذكره أو لا حديث رابع.

و الانصاف عدم دلالتها على المدعى، فان ما عدا الرواية الاولى ظاهرة فى حرمة الخيانة فى المشاورة.

______________________________

فنقول حكى (عن مجمع البحرين) انه قال (ان الاسترسال الاستيناس و الطمأنينة الى الانسان، و الثقة به فيما يحدثه) كان المسترسل يذهب مع المحدث، و هو من «رسل» و منه على «رسلك» اى لا تقف، بل سر و اجر (و اصله السكون و الثبات) مراده ثبات النفس، لا ان الاسترسال معناه ذلك، اذ قد عرفت ان معناه السير و الجرى.

(و منه الحديث ايّما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه، فهو كذا، و منه غبن المسترسل سحت، انتهى) كلام مجمع البحرين.

(و يظهر منه ان ما ذكره أو لا حديث رابع) لانه ينقل نص الاحاديث هذا تمام الكلام فى لفظة «الاسترسال».

(و) اما دلالة الحديث على الخيار، ف (الانصاف عدم دلالتها) اى الروايات المذكورة (على المدعى).

وجه عدم الدلالة (فان ما عدا الرواية الاولى ظاهرة فى حرمة الخيانة فى المشاورة) كانه قال: اذا استرسل الى رأيك فخدعته فى

ص: 60

فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.

و اما الرواية الاولى فهى و ان كانت ظاهرة فيما يتعلق بالاموال.

لكن يحتمل حينئذ ان يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت فى استحقاق العقاب على اصل العمل، و الخديعة فى اخذ المال.

______________________________

الرأى فقد فعلت حراما.

و عليه (فيحتمل كون الغبن بفتح الباء) اى ان قوله عليه السلام «غبن المؤمن» من «الغبن» فى الرأى لا «الغبن» بالسكون بمعنى الخدعة فى المعاملة، كما انه يحتمل انه بالسكون فالمراد المجاز حيث شبه الخدعة فى المشورة بالخدعة بالمال.

و انما قلنا بانه ظاهر فى المشورة، لقوله عليه السلام «حرام» اذ الحرمة ظاهرة فى الفعل لا المال، لكن لا يبعد انصراف معنى المال من الروايتين، بل لعله اظهر، فالدلالة فى الروايات كلها على نسق واحد.

(و اما الرواية الاولى فهى و ان كانت ظاهرة فيما يتعلق بالاموال) لقوله عليه السلام «سحت» و السحت يكون فى المال.

(لكن) حيث ان الاجماع قام على صحة المعاملة و الصحة تلازم حلية المال، بل يؤيده «خيار تلقى الركبان» و غيره حيث لا يقال ببطلان البيع (يحتمل حينئذ) اى حين ظهورها فى المال (ان يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت) الّذي هو اشدّ انواع الحرام (فى استحقاق العقاب على اصل العمل، و) المراد بالعمل المستحق عليه العقاب (الخديعة فى اخذ المال) فلا دلالة للرواية على خيار الغبن.

ص: 61

و يحتمل ان يراد كون المقدار الّذي يأخذه زائدا على ما يستحقه بمنزلة السحت فى الحرمة و الضمان.

و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت فى تحريم الاكل فى صورة خاصة و هى اطلاع المغبون، و رده للمعاملة المغبون فيها.

و لا ريب ان الحمل على احد الاولين اولى و لا اقل من المساوات للثالث

______________________________

(و يحتمل ان يراد) بالرواية ان (كون المقدار الّذي يأخذه زائدا على ما يستحقه) من القيمة السوقية (بمنزلة السحت فى الحرمة و الضمان)

لكن المشهور لا يقولون بحرمة القدر الزائد و لا الضمان اذا لم يسترجعه المغبون.

(و يحتمل إرادة) الرواية (كون مجموع العوض) ثمنا كان او مثمنا (المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت فى تحريم الاكل) لكن حرمة الاكل (فى صورة خاصة و هى اطلاع المغبون) اذ بدون الاطلاع لا خيار، كما سيأتى الكلام فيه ان شاء الله تعالى (و رده للمعاملة المغبون فيها).

و انما كان سحتا، لانه اكل لمال الناس بالباطل، فان العقد ينفسخ بعد الرد- كما هو واضح-.

(و لا ريب ان الحمل) اى حمل الرواية (على احد) الاحتمالين (الاولين) من الاحتمالات الثلاثة (اولى) لانه لا وجه للثالث الّذي يقول بان مجموع العوض سحت (و لا اقل من المساوات) اى مساوات الاحتمالين الاولين (للثالث).

ص: 62

فلا دلالة،

فالعمدة فى المسألة الاجماع

المحكى المعتضد بالشهرة المحققة.

و حديث نفى الضرر، بالنسبة الى خصوص الممتنع عن بذل التفاوت

ثم ان تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل.
اشارة

______________________________

و عليه فلا ظهور فى الرواية فى شي ء (فلا دلالة) لها على الخيار كما يراه المشهور.

اذا (فالعمدة فى المسألة) اى مسألة خيار الغبن بنظر المصنف (الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة المحققة) مما يجعل الاجماع صالحا للاستناد.

(و حديث نفى الضرر) عطف على «الاجماع»- كما تقدم تقريره- (بالنسبة الى خصوص) الغابن (الممتنع عن بذل التفاوت).

لكن لا بدّ من جعل الخيار حينئذ بعد عدم امكان استنقاذ الحق من الغابن بسبب الحاكم أولا، بسبب الاقتصاص، و الله سبحانه العالم.

(ثم ان تنقيح هذا المطلب) اى مطلب خيار الغبن (يتم برسم مسائل) فنقول.

ص: 63

مسئلة يشترط فى هذا الخيار امران.
الأول عدم علم المغبون بالقيمة،

فلو علم بالقيمة فلا خيار، بل لا غبن كما عرفت بلا خلاف و لا اشكال، لانه اقدم على الضرر.

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرّة او ملتفتا إليها، و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه،

______________________________

(مسألة: يشترط فى هذا الخيار امران).

(الاول عدم علم المغبون بالقيمة) اطلاقا او لم يعلم ان المقدار الزائد كثير، كما اذا ظن ان قيمة السوق عشرة فاشتراه باحد عشر، بينما كانت قيمة السوق خمسة- مثلا- (فلو علم بالقيمة) و انها اقل من الثمن الّذي يأخذه البائع- مثلا- (فلا خيار، بل لا غبن) اصلا (كما عرفت) فى اوّل المبحث، و اطلاق الغبن عليه مجاز للمشابهة (بلا خلاف و لا اشكال) فى هذا الشرط.

و انما لا خيار (لانه اقدم) بنفسه (على الضرر) و العاقل غير السفيه اذا اقدم على ضرر نفسه ضررا غير محرم شرعا لم يكن له شي ء.

(ثم ان الظاهر عدم الفرق) فى وجود خيار الغبن (بين كونه) اى المغبون (غافلا من القيمة بالمرّة او ملتفتا إليها) لكنه يجهل كونها كذا و ان ما يأخذه الغابن اكثر من القيمة السوقية (و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه) اذ لا تأثير للعلم السابق اذا جهل حالا فى عدم تسمية الامر غبنا

ص: 64

و لا بين الجهل المركب، و البسيط، مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة او الظن بهما، او الشك.

و يشكل فى الاخيرين اذا اقدم على المعاملة بانيا على المسامحة على تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم، بل الشاك فى الشي ء اذا اقدم عليه بانيا على تحمله فهو فى حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه،

______________________________

(و لا بين الجهل المركب) بان لا يعلم القيمة و يقطع بانه يعلم (و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة) فيظن بان ما اعطاه من الثمن هو القدر المساوى للقيمة السوقية بلا زيادة او نقيصة (او الظن بهما) بان ما اعطاه ازيد من القيمة او اقل (او الشك) بان ما اعطاه ثمنا هل هو ازيد او انقص او متساوى.

(و يشكل) ثبوت خيار الغبن (فى الاخيرين) اى فى صورة الظن و الشك يشكل (اذا اقدم على المعاملة بانيا على المسامحة) و الاغماض عن الغبن (على تقدير الزيادة) فى الثمن (و النقيصة) فى المثمن بان باع داره بالف محتملا بان الألف انقص من قيمة الدار، لكنه تسامح (فهو) فالظان و الشاك مع المسامحة (كالعالم) فى انه يصدق انه غير مغبون (بل) لا اشكال فى الشاك، اذ (الشاك فى الشي ء اذا اقدم عليه بانيا على تحمله فهو فى حكم العالم) فاذا شك فى ان هذا الاناء هل هو سمّ أم لا؟ فتنا و له و كان سمّا اجرى العرف عليه حكم العالم، و نحوه بفعله، فالشاك كالعالم (من حيث استحقاق المدح عليه) اى على اتيانه

ص: 65

او الذم.

و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي ء مما يعذر الغافل فيه.

و الحاصل ان الشاك الملتفت الى الضرر مقدم عليه.

و من ان مقتضى عموم نفى الضرر، و اطلاق الاجماع المحكى ثبوته بمجرد تحقق الضرر، خرج المقدم عليه

______________________________

بالفعل المشكوك حسنه كما اذا شك فى ان صديقه هل يأتى من السفر هذا اليوم، فاستقبله و جاء الصديق كان مستحقا للمدح (او الذم) كما فى مثال السمّ.

(و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي ء) المشكوك (مما يعذر الغافل فيه) فان الشاك فى انه سمّ لا يعذر فى شربه، بينما يعذر الغافل كما هو واضح.

و منه يعلم ان الشاك فى الضرر مقدم على ضرر نفسه، بخلاف ما اذا كان غافلا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 66

(و الحاصل ان الشاك الملتفت الى) احتمال (الضرر مقدم عليه) اى على الضرر فلا خيار له اذا كان مغبونا، هذا كله وجه عدم الخيار للثالث المقدم.

(و) اما وجه الخيار فهو ما ذكره بقوله: (من ان مقتضى عموم نفى الضرر، و اطلاق الاجماع المحكى) على ان المغبون له خيار الغبن (ثبوته) اى الخيار (بمجرد تحقق الضرر) عالما كان المقدم، او جاهلا جهل شك، او ظن، او وهم (خرج) من العموم و الاطلاق (المقدم عليه)

ص: 66

عن علم، بل مطلق الشاك ليس مقدما على الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه.

و مساواته للعالم فى الآثار ممنوعة حتى فى استحقاق المدح و الذم لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الاقدام عليه.

______________________________

اى على الضرر (عن علم) بالضرر و بقى الباقى (بل) نقول: ان الاستدلال بعدم الخيار للشاك لانه اقدم، غير صحيح.

اذ (مطلق الشاك ليس مقدما على الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه) فلا يكون مقدما حتى يكون قد اسقط خياره بنفسه.

(و) القول ب (مساواته) اى الشاك فى الضرر (للعالم فى الآثار) و هى الذم و العقاب و نحوهما (ممنوعة) اذ ليس العالم كالجاهل فى منطق الشرع او العقل.

و لذا ورد: ليس من يعلم كمن لا يعلم، و قال تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ، الى غير ذلك.

و يرى العقلاء ان من ضرب ابن المولى عالما بانه ابن المولى اشدّ عقوبة ممن ضربه جاهلا به.

و لذا نرى العقلاء يقدمون على ركوب البحر مع احتمالهم الغرق كما لا يقدمون على الركوب مع علمهم بالغرق، الى غير ذلك من الامثلة.

فليس العالم كالشاك (حتى فى استحقاق المدح و الذم، لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك) المدح و الذم «لدى العلم به» (عند الاقدام عليه) «عند» متعلق ب «يترتب».

ص: 67

و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه على الغبن حالة اخرى لو حصلت له قبل العقد، لم يقدم عليه.

نعم لو صرح فى العقد بالالتزام به و لو على تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا الى اسقاط الغبن.

و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و ان كان قادرا على السؤال كما صرح به فى التحرير و التذكرة.

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرناه بان الشك ليس كالعلم (قد يحصل للشاك) فى الغبن (بعد اطلاعه على الغبن حالة) نفسية انفعالية (اخرى لو حصلت) تلك الحالة (له قبل العقد لم يقدم عليه) فان هذا دليل على ان الشك ليس كالعلم.

(نعم) احيانا يكون الشك «الاعمّ من الظن و الوهم» موجبا لسقوط الخيار، و ذلك فيما (لو صرح فى العقد بالالتزام به) اى بالعقد (و لو على تقدير ظهور الغبن) «لو» وصلية (كان ذلك) الالتزام (راجعا الى اسقاط) خيار (الغبن) و «كان» جواب «لو صرح».

(و مما ذكرنا) من ان الاطلاق و العموم يدلان على عموم خيار الغبن (يظهر ثبوت الخيار للجاهل) بالقيمة (و ان كان قادرا على السؤال) اذ قدرته لا ترفع غبنه، كما لا توجب ان يكون مقدما على الضرر حتى يسقط الاقدام خياره (كما صرح به) اى بثبوت الخيار (فى التحرير و التذكرة) هذا.

ص: 68

و لو اقدم عالما على غبن يتسامح به، فبان ازيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم، فلا يبعد الخيار و لو اقدم على ما لا يتسامح، فبان ازيد بما يتسامح به منفردا، او بما لا يتسامح، ففى الخيار وجه.

______________________________

(و لو اقدم) المغبون (عالما على غبن يتسامح به) كواحد فى مائة مثلا- (فبان) الغبن (ازيد بما لا يتسامح بالمجموع منه) اى من الزائد (و من المعلوم) كما اذا كان اثنين فى المائة، و الاثنان لا يتسامح به، و ان كان الواحد الزائد على الواحد الّذي يتسامح به، و اقدم عليه هو أيضا يتسامح به لو كان منفردا (فلا يبعد الخيار) لصدق الغبن الموجب لشمول ادلة الخيار له.

و اما وجه احتمال عدم الخيار، فهو ان القدر المعلوم لا يوجب الخيار و الزائد عليه مما يتسامح به، فلا يوجب الخيار، و الجمع بين الامرين الذين لا يوجبان الخيار لا يسبب الخيار، فانه كالجمع بين الاصفار مما لا يوجب تكون العدد.

لكن فيه انه قد يكون للجمع حالة غير حالة الافراد، يقول الشيخ البهائى ره «كما ان الجوهر الفرد عند مثبتيه ليس بجسم و ان تألفت منه الاجسام» (و لو اقدم على ما لا يتسامح) كعشرة فى المائة (فبان ازيد بما يتسامح به منفردا) مثل واحد فكانت الزيادة احدى عشرة (او بما لا يتسامح) مثل خمسة، فكانت الزيادة خمس عشرة (ففى الخيار وجه).

وجهه فى «بما يتسامح» ما تقدم فى «بما لا يتسامح بالمجموع».

و وجهه فى «بما لا يتسامح» انه لا يتسامح به فيكون من الغبن.

ص: 69

ثم ان المعتبر القيمة حال العقد.

فلو زادت بعده، و لو قبل اطلاع المغبون على النقصان حين العقد لم ينفع، لان الزيادة انما حصلت فى ملكه، و المعاملة وقعت على الغبن و يحتمل عدم الخيار حينئذ لان التدارك حصل قبل الرد، فلا يثبت الردّ المشروع لتدارك

______________________________

و اما وجه عدم الخيار فى زيادة لا يتسامح بها فهو انه حيث اقدم على الضرر الكثير لم يكن فرق بين الضرر القليل و الكثير، فلا يشمله دليل الخيار، لكنه كما لا يخفى وجه عليل.

(ثم ان المعتبر) فى زيادة القيمة التى توجب الغبن (القيمة حال العقد) فاذا كانت القيمة حالة العقد زائدة كان له الخيار- مطلقا-.

(فلو زادت) القيمة السوقية (بعده) اى بعد العقد (و لو قبل اطلاع المغبون على النقصان) اى نقصان ما أخذه بالنسبة الى مقابله الّذي دفعه (حين العقد) متعلق بالنقصان (لم ينفع) ذلك فى رفع الغبن.

و انما لم ينفع (لان الزيادة انما حصلت فى ملكه) اى فى ملك المغبون (و المعاملة وقعت على الغبن) فله الخيار، و هو مثل عكسه بما اذا كان حال العقد قيمة عادلة، ثم ارتفعت السلعة حيث لا يوجب ذلك الخيار لصاحب المثمن، اذ لم يكن غبن حال العقد.

(و يحتمل) احتمالا ضعيفا (عدم الخيار حينئذ) اى حين زادت القيمة بعد العقد (لان التدارك) التلقائى (حصل قبل الرد) للعقد (فلا يثبت الردّ المشروع) اى الردّ الّذي شرعه الشارع (ل) اجل (تدارك

ص: 70

الضرر، كما لو برئ المعيوب قبل الاطلاع على عيبه، بل فى التذكرة انه مهما زال العيب قبل العلم، او بعده قبل الرد سقط حق الرد.

و اشكل منه ما لو توقف الملك على القبض، فارتفع الغبن قبله، لان الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص فى قيمته.

نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد كما صرح به العلامة فى الصرف

______________________________

الضرر) فانه لا ضرر حينئذ حتى يتدارك (كما لو برئ المعيوب قبل الاطلاع على عيبه) حيث لا خيار للعيب (بل فى التذكرة) ذكر ما هو اكثر مما ذكرناه

قال: (انه مهما زال العيب قبل العلم) بالعيب (او بعده قبل الرد سقط حق الرد) لان الرد شرع لاجل العيب فاذا زال العيب فلا وجه للرد.

(و اشكل منه) اى من الفرض السابق الّذي قلنا انه اذا زادت القيمة قبل الرد سقط الخيار، و كونه اشكل بمعنى ثبوت الخيار اشكل (ما لو توقف الملك على القبض) كما فى الصرف و السلم (فارتفع الغبن قبله) اى قبل القبض.

و انما كان ثبوت الخيار فى هذه الصورة اشكل (لان الملك قد انتقل إليه) اى الى المغبون (حينئذ) اى حين القبض (من دون نقص فى قيمته) فلما ذا يكون له الخيار.

(نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد) فى الصرف و السلم، مما يتوقف العقد فيه على القبض (كما صرح به) اى بوجوب التقابض بمجرد العقد (العلامة فى) بيع (الصرف) و هو بيع الاثمان

ص: 71

يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب اقباض الزائد فى مقابلة الناقص.

لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض.

و لو ثبت الزيادة، او النقيصة بعد العقد، فانه لا عبرة بهما اجماعا، كما فى التذكرة.

ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل فى مجرد العقد،

______________________________

(يثبت الخيار) و ان ارتفع النقص حال القبض.

و انما يثبت الخيار على قول العلامة (لثبوت الضرر بوجوب اقباض) المغبون (الزائد فى مقابلة الناقص) فله الخيار.

لكن يمكن ان يقال: الوجوب وحده لا يوجب الضرر، بعد ان كان وقت التسليم لا غبن.

(لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض) هذا تمام الكلام فيما اذا كان الغبن وقت العقد ثم ارتفع الغبن.

(و) اما عكسه بما (لو ثبت الزيادة، او النقيصة بعد العقد) بان كان النقد يساوى السلعة حال العقد ثم ارتفعت قيمة السلعة او انخفضت (فانه لا عبرة بهما) اى بالزيادة و النقيصة الحادثتين (اجماعا، كما فى التذكرة) دعوى الاجماع على ذلك.

ثم انه لو اختلفا فى حصول الزيادة و النقيصة حال العقد او بعده فيما كان تفاوت فى الحكم، فالاصل مع مدعى عدم التغيير.

(ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل فى مجرد العقد) فيما اذا كان وكيلا فى اجراء الصيغة فقط، و ذلك لانه لا شأن لهذا الوكيل فى اى امر سوى اجراء

ص: 72

بل العبرة بعلم الموكل و جهله.

نعم لو كان وكيلا فى المعاملة و المساومة، فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل.

و مع جهله يثبت الخيار للموكل

______________________________

العقد، فحاله حال الآلة (بل العبرة بعلم الموكل و جهله) فان كان عالما بالضرر حال العقد و لم يسحب الوكالة- مع قدرته على السحب- لم يكن له خيار، لانه اقدم على الضرر، بخلاف ما اذا كان جاهلا او لم يقدر على سحب الوكالة.

(نعم لو كان وكيلا) مطلقا (فى المعاملة و المساومة) السوم هو البيع و الشراء، و منه سوم الحيوان اى رعيه فى المرعى فى قبال المعلوفة التى تعطى العلف و يسمّى الحيوان سائما لانه يذهب و يجي ء مطلقا فى اكل ما يشاء (فمع علمه) اى الوكيل بالغبن (و فرض صحة المعاملة حينئذ) اى كون الوكيل له ان يعامل معاملة غبنية، كما اذا كان ذلك من مصلحة الموكل، و قد وكله فى ان يفعل ما هو بمصلحته و يكون الصلاح- مثلا- بان يقصد من اعطاء زيادة القيمة جلب البائع الى طرف الموكل فى جلبه الى جانب الموكل فائدة (لا خيار للموكل) لاصالة عدم الخيار، و لا للوكيل لانه كان عالما بالغبن.

(و مع جهله) اى جهل الوكيل المفوض بالقيمة (يثبت الخيار للموكل) لاطلاق ادلة الخيار الشاملة لصورتى ان يعامل الانسان بنفسه او بوكيله.

ص: 73

الا ان يكون عالما بالقيمة و بان وكيله يعقد على ازيد منها، و يقرره له، و اذا ثبت الخيار فى عقد الوكيل، فهو للموكل خاصة، الا ان يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ، فانه كالولى حينئذ.

و قد مرّ ذلك مشروحا فى خيار المجلس.

______________________________

اما الوكيل فلا خيار له الا اذا كان وكيلا فى كل شي ء حتى الخيار كما سيأتى (الا ان يكون) الموكل (عالما بالقيمة) السوقية (و) عالما (بان وكيله يعقد على ازيد منها) اى من القيمة، و لم يقدر على سحب الوكيل.

اذ لو كان عاجزا عن سحب وكالته- حين علم بالقيمة، و علم بان وكيله يعقد على ازيد منها- لم يكن وجه لعدم خياره (و يقرره له) عطف على «عالما» اى قرر الموكل للوكيل- بعد ان كان للموكل العلم- و لم يسحبه.

فقوله «يقرره» بيان لما ذكرناه بقولنا «و لم يقدر» (و اذا ثبت الخيار فى عقد الوكيل) بما تقدم فى قولنا «الا ان يكون عالما بالقيمة» (فهو للموكل خاصة) لانه صاحب المال الوارد عليه الغبن فالخيار له (الا ان يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل) اطلاق وكالته (مثل الفسخ فانه) اى الوكيل (كالولى) للصغير و المجنون، و الحاكم الّذي هو ولى الغائب و نحو الغائب (حينئذ) اى حين كان وكيلا مطلقا.

(و قد مرّ ذلك) الخيار للوكيل و الولى (مشروحا فى خيار المجلس) فراجع هناك.

و على كل حال فليس للوكيل خيار الغبن لنفسه، و انما الخيار لموكله

ص: 74

ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة ان تحققت، و بقول مدعيه مع اليمين لاصالة عدم العلم الحاكمة على اصالة اللزوم

______________________________

و للوكيل اخذه، هذا كله بالنسبة الى ثبوت اصل الخيار.

و اما بالنسبة الى مقام الاثبات فقد اشار إليه بقوله: (ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن) انه غبن، و ان المغبون كان جاهلا و الجهل و ان كان من الامور القلبية الا انه يعرف بالآثار، كسائر الامور القلبية (و بالبينة ان تحققت) لامكان ان يعلم الشاهد ان فلانا جاهل بالقيمة، كما يعلم انه جاهل بالفقه و بالحساب و ما اشبه ذلك (و بقول مدعيه) اى المغبون الّذي يدعى انه جاهل (مع اليمين).

و انما يحتاج الى اليمين، لان الغابن مدّع لعلم المغبون فلا خيار، و المغبون منكر فيشمله قاعدة «البينة على المدعى و اليمين على من انكر».

و انما قال (لاصالة عدم العلم) لبيان انه منكر، اذا المنكر هو من وافق قوله الاصل.

مثلا: اذا ادعى رجل زوجية امرأة، و انكرت المرأة كان اليمين على المرأة لانها منكرة حيث يوافق قولها الاصل.

فاصالة عدم العلم هى (الحاكمة على اصالة اللزوم) للمعاملة، اذ الشك فى ان المعاملة لازمة، أم لا، ناش من الشك فى ان المغبون هل هو عالم، أم لا؟

و مع جريان الاصل فى الشك السببى لا يجرى الاصل فى الشك

ص: 75

مع انه قد يتعسر اقامة البينة على الجهل.

و لا يمكن للغابن الحلف على علمه، لجهله بالحال، فتأمّل، هذا كله اذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة، بحيث لا يخفى عليه القيمة الا لعارض، من غفلة، او غيرها، و الا فلا يقبل قوله كما فى الجامع و المسالك.

______________________________

المسببى كما قرر فى محلّه.

ان قلت: فاذا كان المغبون منكرا فكيف قال المصنف بان جهله يثبت بالبينة مع ان البينة على المدعى لا على المنكر.

قلت: اطلاق ادلة البينة يقتضي قبوله حتى من المنكر، اذا لم يكن للمدعى بينة (مع) انه لو قلنا: ان المغبون مدع للجهل، و الغابن منكر نقول: بثبوت دعوى المدعى المغبون باليمين، ل (انه قد يتعسّر اقامة البينة على الجهل) فلا يقدر على اثبات حقه.

(و لا يمكن للغابن) المنكر لجهل المغبون (الحلف على علمه) اى علم المغبون فلا يمكنه الحلف (لجهله) الى الغابن (بالحال) اى بحال المغبون، هل هو عالم او جاهل؟ فاللازم رد اليمين على المغبون (فتأمّل) فانه لو كان المغبون مدعيا لم تقبل يمينه، و لو كان منكرا لم تقبل بينته، اذ كيف يمكن قبول كل من البينة و اليمين من انسان واحد (هذا كله) فى قبول قول المغبون بيمينه (اذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة، بحيث لا يخفى عليه القيمة الا لعارض، من غفلة، او غيرها) كالسهو و النسيان (و الا) فلو كان من اهل الخبرة (فلا يقبل قوله) بانه كان جاهلا (كما فى الجامع و المسالك) حيث ذكرا عدم قبول قوله.

ص: 76

و قد يشكل بان هذا انما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر على الاصل.

فغاية الامر ان يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعى لما تعسّر اقامة البينة عليه و لا يعرف الا من قبله يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا من هذا القبيل، الا ان يقال ان مقتضى تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدعيا يجرى عليه جميع احكام المدعى حتى فى قبول قوله اذا تعسّر عليه اقامة البينة.

______________________________

(و قد يشكل) عدم قبول قول المغبون اذا كان من اهل الخبرة (بان هذا انما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر) ظهور حال اهل الخبرة فى انه عالم (على الاصل) اى اصالة عدم علمه بالقيمة.

(فغاية الامر) فى هذا التقديم (ان يصير) المغبون (مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن) هذا لا يسبب عدم قبول قوله.

فان (المدعى لما تعسّر اقامة البينة عليه) لان الجهل امر قلبى لا تعلمه البينة غالبا (و لا يعرف) جهله (الا من قبله) فيكون حال الجهل حال «النية» ف (يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا) المغبون (من هذا القبيل) لا كما ذكره الجامع و المسالك من انه لا يقبل قوله مطلقا (الا ان يقال ان مقتضى تقديم الظاهر) على الاصل (جعل مدعيه) مدعى الظاهر و هو الغابن (مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه) و هو المغبون (مدعيا يجرى عليه جميع احكام المدعى حتى) يقبل قوله بيمينه، فيكون كالمنكر (فى قبول قوله اذا تعسّر عليه اقامة البينة) اذ كونه مدعيا يحتاج الى دليل مفقود.

ص: 77

الا ترى انهم لم يحكموا بقبول قول مدعى فساد العقد اذا تعسر عليه اقامة البينة على سبب الفساد.

هذا مع ان عموم تلك القاعدة ثم اندراج المسألة فيها محلّ تأمل.

و لو اختلفا فى القيمة وقت العقد، او فى القيمة بعده

______________________________

(الا ترى) انه يشهد لما ذكرناه- من عدم كون المدعى كالمنكر فى قبول قوله بيمينه- (انهم لم يحكموا بقبول قول مدعى فساد العقد اذا تعسّر عليه اقامة البينة على سبب الفساد) فلم يجعلوه كالمنكر فى قبول قوله باليمين، مع انه تعسرت عليه اقامة البينة.

(هذا مع ان عموم تلك القاعدة) و هى: كلما كان اقامة البينة متعسرة كفى قول المدعى بيمينه (ثم اندراج المسألة فيها) بان تكون اقامة البينة على جهل المغبون متعسرة (محل تأمل).

اما القاعدة: فلانه لا دليل عليها.

و اما وجه التأمل فى اندراج المسألة فى القاعدة المذكورة فلان اقامة البينة على الجهل ليست متعسّرة، بل كثيرا ما يمكن اقامة البينة عليه.

(و لو اختلفا فى القيمة وقت العقد) فقال احدهما: غبنت، و قال الآخر: لم تغبن، و كان الاختلاف فى الغبن من جهة الاختلاف فى القيمة وقت العقد (او فى القيمة بعده) اى بعد العقد، مع اتفاقهما على كون القيمة وقت العقد متحدة مع القيمة بعد العقد مما يوجب رجوع اختلافهما هذا الى حصول الغبن فى حال العقد.

ص: 78

مع تعذر الاستعلام فالقول قول منكر سبب الغبن، لاصالة عدم التغيّر و اصالة اللزوم.

و منه يظهر حكم ما لو اتفقا على التغير

______________________________

و يحتمل ان قوله: او فى القيمة بعده، اشارة الى ما سبق من المصنف من انه لو كان غبنا حال العقد لكنه رفع بعد العقد سقط خيار الغبن (مع تعذر الاستعلام) اى استعلام القيمة حال العقد، او استعلام القيمة بعد العقد (فالقول قول منكر سبب الغبن، لاصالة عدم التغيّر) فى القيمة

مثلا: اتفقا على ان قيمة السلعة كانت عشرة قبل العقد، و قد اشتراها بعشرة، لكن البائع يدعى ان القيمة وقت العقد كانت قد ارتفعت الى خمس عشرة فيقول انا مغبون، و المشترى يقول لم ترتفع القيمة بل كانت وقت العقد عشرة فالاصل عدم الارتفاع، فلا غبن.

لكن يرد على هذا الدليل ان الاصل قد يكون على خلاف ذلك فليس التمسك بالاصل كليا.

مثلا: كانا متفقين على ان القيمة قبل العقد كانت عشرة و قد اشتراها بخمسة فالمشترى يدعى تغيير القيمة فلا غبن، و البائع يدعى عدم تغيير القيمة فهو مغبون، فاصالة عدم تغيير القيمة تجعل الاصل مع البائع (و اصالة اللزوم) لان الاصل فى العقود: اللزوم مطلقا، كما سبق تحقيق ذلك فى اوّل البيع.

(و منه) اى مما ذكرنا من التمسك باصل اللزوم- اما اصل عدم التغيير فقد عرفت عدم كليته- (يظهر حكم ما لو اتفقا على التغير) فى

ص: 79

و اختلفا فى تاريخ العقد.

و لو علم تاريخ التغير فالاصل و ان اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد عن القيمة، الا انه لا يثبت به وقوع العقد على الزائد، حتى يثبت العقد.

______________________________

القيمة (و اختلفا فى تاريخ العقد) هل كان قبل التغير، او بعد التغير فانه اذا اتفقا على وقوع العقد و اتفقا على التغير، فالصور أربعة.

فانهما اما معلوما التاريخ، او مجهولا التاريخ، او تاريخ العقد معلوم و تاريخ التغير مجهول، او تاريخ العقد مجهول و تاريخ التغير معلوم.

نعم واضح ان الصورة الاولى و هى صورة العلم بالتاريخين خارجة عن محل الكلام.

(و لو علم تاريخ التغير) و جهل تاريخ العقد (فالاصل و ان اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد عن القيمة) لاصالة تأخر الحادث (الا انه لا يثبت به) اى بهذا الاصل (وقوع العقد على الزائد، حتى يثبت العقد) كذلك، و يكون موجبا لخيار الغبن.

و حيث كرّر بحث التاريخين فى مواضع متعددة من الاصول و الفقه لم يكن داع الى تكراره هنا.

ثم انه من المسائل السابقة تعرف مسألة اختلافهما فى مكان الاشتراء الناشئ منه اختلافهما فى الغبن، كما ان قيمة البضاعة فى النجف كانت مائة و فى كربلاء كانت تسعين، كما تعرف مسألة اختلافهما فى حالة

ص: 80

الأمر الثانى: كون التفاوت فاحشا،

فالواحد بل الاثنان فى العشرين لا يوجب الغبن.

و حدّه عندنا، كما فى التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله.

______________________________

السلعة عند البيع هل اشترى الشاة مثلا فى حالة سمنها او حالة هزالها؟

و كذلك لو اختلفا فى ان الأب الخبير بالقيمة كان البائع- مثلا- او الابن الجاهل بالقيمة، فلا حاجة الى تفصيل الكلام فى هذه المسائل

(الامر الثانى) من شرطى خيار الغبن (كون التفاوت فاحشا) عرفا (فالواحد بل الاثنان فى العشرين) فلسا مثلا (لا يوجب الغبن).

(و حدّه) اذا لم ينضم الواحد و الاثنان الى وحدات اخرى (عندنا، كما فى التذكرة) فى (ما لا يتغابن الناس بمثله) اى لا يعدونه غبنا

و لذا كان الواحد فى الليرات الذهبية غبنا و ان كانت فى الخمسين بل العشرين.

و كذا اذا باعه الف شي ء كل شي ء بواحد و عشرين فلسا بينما قيمة كل واحد عشرون فلسا فانه غبن، لخسارته دينارا فى المجموع، و الى هذا اشار بقوله «و حدّه».

و لا فرق فى ذلك بين ان يكون بيوع او بيع واحد.

مثلا: كان يشترى منه كل يوم ثلاث مرات خبزا بواحد و عشرين فلسا فانه بعد السنة يكون الفرق ما يقارب الدينار و هو غبن عقلائى.

ص: 81

و حكى فيها عن مالك ان التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، و ان كان باكثر من الثلث اوجبه، و رده بانه تخمين لم يشهد له اصل فى الشرع، انتهى.

و الظاهر انه لا اشكال فى كون التفاوت بالثلث، بل الربع فاحشا.

______________________________

(و حكى) العلامة (فيها) اى فى التذكرة (عن مالك) امام المالكية (ان التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، و ان كان باكثر من الثلث اوجبه و) قد (ردّه) العلامة (بانه تخمين) اى قول اعتباطى (لم يشهد له اصل فى الشرع، انتهى) بل و لا فى العرف.

و لعل نظر مالك الى ما كانت قيمته ثلاثة افلس مثلا، فاشتراها بأربعة، فانه فى بعض المقامات يتسامح العرف بمثله.

نعم لا اشكال فى عدم التسامح حتى بالواحد فى الألف اذا كانت الوحدات بالملايين.

(و الظاهر انه لا اشكال فى كون التفاوت بالثلث، بل الربع فاحشا) يوجب الخيار.

كما ان الظاهر انه لا اشكال فى الخمس بل و العشر الا فى الأشياء المحقرة.

الا ترى انه لو باع بضاعته التى تسوى بالف، بالف و مائة او بتسعمائة رآه العرف غبنا.

نعم لو باع ما قيمته عشرة افلس باحد عشر فلسا، لم يكن غبنا عرفا.

ص: 82

نعم الاشكال فى الخمس و لا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه، كما سيجي ء التصريح من المحقق القمى فى تصويره لغبن كلا المتبايعين.

ثم الظاهر ان المرجع عند الشك فى ذلك هو اصالة ثبوت الخيار لانه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه.

و يحتمل الرجوع الى اصالة اللزوم لان الخارج هو الضرر الّذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر.

______________________________

فقول المصنف (نعم الاشكال فى الخمس و لا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه) لا بدّ و ان يراد به الاشياء الحقيرة و الا ففى الاشياء الخطيرة المقطوع به عدم المسامحة (كما سيجي ء) الكلام فى الخمس و (التصريح من المحقق القمى) صاحب القوانين (فى تصويره لغبن كلا المتبايعين) و اللازم تحويل موضوع الغبن الى العرف، فانه لا شك فى ان الزمان و المكان و القدر و غيرها لها مدخلية فى الصدق تارة و عدم الصدق تارة اخرى.

(ثم الظاهران المرجع عند الشك فى ذلك) هل انه غبن عرفا، أم لا؟

(هو اصالة ثبوت الخيار، لانه ضرر) بلا اشكال، و (لم يعلم تسامح الناس فيه) فهو غبن فان ما ليس بغبن هو ضرر علم تسامح الناس فيه.

(و يحتمل الرجوع) فى مورد الشك (الى اصالة اللزوم) فان الاصل فى البيع اللزوم، الا ما علم خروجه، و لم يعلم خروج المورد (لان الخارج) من اصالة اللزوم (هو الضرر الّذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر) و مع الشك لم يعلم انه مما يتفاحش فيه.

ص: 83

بقى هنا شي ء و هو ان ظاهر الاصحاب و غيرهم ان المناط فى الضرر الموجب للخيار: كون المعاملة ضررية، مع قطع النظر عن ملاحظة حال اشخاص المتبايعين.

و لذا حدّوه بما لا يتغابن به الناس، او بالزائد على الثلث كما عرفت عن بعض العامة.

و ظاهر حديث نفى الضرر المستدل عليه فى ابواب الفقه

______________________________

لكن الظاهر هو الخيار، اذ مقتضى القاعدة: ان البيع الضررى فيه الخيار، الا ما خرج، و الا لزم تحميل الشارع الضرر على الانسان و هو خلاف اطلاق ادلة «لا ضرر».

(بقى هنا شي ء، و هو ان ظاهر الاصحاب و غيرهم) من العامة الى (ان المناط فى الضرر الموجب للخيار: كون المعاملة ضررية) بنفسها، حتى يقال عرفا: انها معاملة ضررية (مع قطع النظر عن ملاحظة حال اشخاص المتبايعين) و انهما من الاغنياء او الفقراء يتضرران بهذه المعاملة- عرفا- او لا يتضرران، مثلا: اذا تضرر الغنى دينارا، لا يقال انه تضرر بخلاف ما اذا تضرر الفقير.

(و لذا حدّوه) اى الضرر (بما لا يتغابن به الناس) اى لا يتحمّلون الغبن فيه (او) حدّدوه (بالزائد على الثلث كما عرفت) هذا التحديد (عن بعض العامة) فان التحديد بالثلث مطلقا يشمل كل انسان من غير ملاحظة حالته المادّية.

(و) لكن (ظاهر حديث نفى الضرر المستدل عليه فى ابواب الفقه

ص: 84

ملاحظة الضرر بالنسبة الى شخص الواقعة.

و لذا استدلوا به على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير، اذا اضرّ بالمكلف و وجوب شرائه بذلك المبلغ على من لا يضر به ذلك، مع ان اصل شراء الماء باضعاف قيمته معاملة ضررية فى حق الكل.

و الحاصل: ان العبرة اذا كان بالضرر المالى لم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف

______________________________

ملاحظة الضرر بالنسبة الى شخص الواقعة) الخاصّة مع لحاظ الزمان و المكان، و شخص المتبايعين، و سائر الامور المكتنفة بالمعاملة التى بها يختلف صدق الضرر- عرفا-.

(و لذا) الّذي كان المعتبر ملاحظة الضرر بالنسبة الى شخص الواقعة (استدلوا به) اى بدليل: لا ضرر (على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير، اذا اضرّ بالمكلف) بملاحظة شخص هذا المكلف (و) قالوا ب (وجوب شرائه بذلك المبلغ) بعينه (على من لا يضر به ذلك).

فمثلا: الغنىّ يشترى الماء بدينار، و الفقير يتيمم و لا يشترى الماء بدينار، لان الدينار يضر بالفقير و لا يضر بالغنى (مع ان اصل شراء الماء باضعاف قيمته معاملة ضررية) فى نفسها، من دون ملاحظة ان المشترى فقير او غنى (فى حق الكل) فيظهر منهم ان الاعتبار فى الضرر خصوص الواقعة، لا كون المعاملة ضررية.

(و الحاصل: ان العبرة) المستفادة من دليل: لا ضرر (اذا كان بالضرر المالى) فى نفس المعاملة (لم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف

ص: 85

قيمته، و ان كانت بالضرر الحالى تعين التفصيل فى خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره.

و الاظهر اعتبار الضرر المالى لانه ضرر فى نفسه من غير مدخلية لحال الشخص.

و تحمله فى بعض المقامات انما خرج بالنص.

______________________________

قيمته) و ان كان المشترى غنيا، اذ الضرر المالى موجود فى الغنى، كما هو موجود فى الفقير (و ان كانت) العبرة (بالضرر الحالى) و ملاحظة حالة كل انسان انسان، لزم ان يقال: كلما كان ضرر حالى، لا يجب فى ماء الوضوء و فى خيار الغبن و كلما لم يكن ضرر حالى وجب شراء ماء الوضوء و خيار الغبن، فاذا كان الاعتبار بالضرر الحالى (تعين التفصيل فى خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره) فاذا اضر كان له الخيار، و اذا لم يضر- كما فى الغنى- لم يكن له خيار.

(و الاظهر اعتبار الضرر المالى) اى ما هو ضرر فى نفسه (لانه ضرر فى نفسه) فيرفعه دليل: لا ضرر (من غير مدخلية لحال الشخص).

(و) ان قلت: فكيف يجب شراء الماء للوضوء باضعاف قيمته.

قلت: وجوب (تحمله) اى الضرر المالى (فى بعض المقامات) كماء الوضوء (انما خرج بالنص) الدال عليه، و دليل: لا ضرر قابل للتخصيص كما فى باب الخمس و الزكات و الكفارات و الجهاد و غيرها، فليكن باب الوضوء منه.

ص: 86

و لذا اجاب فى المعتبر عن الشافعى المنكر لوجوب الوضوء فى الفرض المذكور: بان الضرر لا يعتبر مع معارضة النص.

و يمكن أيضا ان يلتزم الضرر المالى فى مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفى الضرر بالنص، بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر، كما يشير إليه قوله عليه السلام- بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه باضعاف قيمته- ان ما يشترى به مال كثير.

______________________________

(و لذا) الّذي يكون باب الوضوء خارجا بالنص (اجاب فى المعتبر عن الشافعى المنكر لوجوب الوضوء فى الفرض المذكور) اى فرض تضرر المشترى- مالا- (بان الضرر لا يعتبر) رافعا للحكم (مع معارضة النص) الدال على وجوب الحكم و ان كان ضررا هذا بيان ان حكم الوضوء مع الضرر من باب تخصيص: لا ضرر.

(و يمكن) ان يقال: (أيضا) ان حكم الوضوء من باب التخصص، و انه ليس بضرر اصلا، و ان كان الثمن اضعاف القيمة السوقية، و ذلك ب (ان يلتزم الضرر المالى فى مقام التكليف) بالوضوء (لا لتخصيص عموم:

نفى الضرر بالنص) كما ذكرنا أولا (بل لعدم كونه) اى بذل المال الكثير (ضررا).

و انما لم يكن ضررا (بملاحظة ما بإزائه) اى بمقابل اعطاء المال الكثير (من الأجر، كما يشير إليه) اى الى انه ليس بضرر (قوله عليه السلام- بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه باضعاف قيمته-) قال عليه السلام (ان ما يشترى به مال كثير) فانه اشارة الى الاجر الّذي حصله من جراء هذا

ص: 87

نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفى، بادلة نفى الحرج لا دليل نفى الضرر، فنفى الضرر المالى فى التكاليف لا يكون الا اذا كان تحمله حرجا.

اشكال ذكر فى الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد فى اقسام

______________________________

الضرر المالى القليل.

ان قلت: اذا كان الضرر هنا غير رافع للتكليف يلزم على الغنى ان يشترى الماء و لو باموال كثيرة مثل الف دينار.

قلت: لا يجب ذلك لا لادلة: لا ضرر، بل لما اشار إليه بقوله: (نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفى) الوجوب (ب) سبب (ادلة نفى الحرج) فان من الحرج النفسى اعطاء هذا المبلغ، و ادلة الحرج كما انها ترفع ما كان حرجا على الجسم ترفع ما كان حرجا على النفس (لا) ب (دليل نفى الضرر).

و على هذا (فنفى الضرر المالى فى التكاليف) كما اذا استلزم الوضوء و الغسل و الحج و غيرها ما لا كثيرا اكثر من القيمة السوقية (لا يكون الا اذا كان تحمله حرجا).

اقول: انه اذا عدّ عرفا ان بذل مثل ذلك المال ضرر، كفى فى رفع التكليف، لان الضرر موضوع عرفى، فاذا تحقق كفى فى رفع التكليف و مسألة الاجر بمعزل عن صدق الضرر عرفا.

(اشكال) و هو انه (ذكر فى الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد فى اقسام

ص: 88

الغبن ان المغبون اما ان يكون هو البائع او المشترى، او هما، انتهى فيقع الاشكال فى تصور غبن كل من المتبايعين معا.

و المحكى عن بعض الفضلاء فى تعليقه على الروضة ما حاصله:

استحالة ذلك، حيث قال قد عرفت: ان الغبن فى طرف البائع انما هو اذا باع باقل من القيمة السوقية و فى طرف المشترى اذا اشترى بازيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الاثمان او العروض، او مختلفين.

و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين، و الا

______________________________

الغبن ان المغبون اما ان يكون هو البائع او المشترى، اوهما، انتهى) كلامهم (فيقع الاشكال فى تصور غبن كل من المتبايعين معا).

(و المحكى عن بعض الفضلاء) و هو الشيخ احمد التونى (فى تعليقه على الروضة ما حاصله: استحالة ذلك) اى غبن كليهما (حيث قال) فى وجه الاستحالة (قد عرفت: ان الغبن فى طرف البائع انما هو اذا باع باقل من القيمة السوقية) كما اذا باع دارا قيمتها الف بتسعمائة (و فى طرف المشترى اذا اشترى بازيد منها) كما اذا اشترى الدار المذكورة بالف و مائة (و لا يتفاوت الحال) فى ان ميزان الغبن ما ذكرناه (بكون الثمن و المثمن من الاثمان) و النقود (او العروض) و السلع (او مختلفين) احدهما سلعة و الآخر نقد.

(و حينئذ) اى حين كان الغبن فى احدهما بالزيادة و فى الآخر بالنقيصة (فلا يعقل كونهما معا مغبونين، و الا) بان كانا معا مغبونين

ص: 89

لزم كون الثمن اقل من القيمة السوقية، و اكثر و هو محال، فتأمل انتهى و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك فى بعض الفروض منها: ما ذكره المحقق القمى صاحب القوانين فى جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة قال: انها تفرض فيما اذا باع متاعه بأربعة توامين من الفلوس، ان يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا انها يسوى بأربعة توامين، ثم تبين ان المتاع يسوى خمسة توامين.

______________________________

(لزم) التناقض ب (كون الثمن اقل من القيمة السوقية، و اكثر) فى حال واحد (و هو محال، فتأمل).

و لعله احتمل امكان ذلك ببعض الاجوبة الآتية، و لذا امر بالتأمل (انتهى) كلام التونى.

(و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك فى بعض الفروض) (منها: ما ذكره المحقق القمى صاحب القوانين فى جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة) ذكر الجواب فى كتابه جامع الشتات فى مسألة غبن كليهما فى معاملة واحدة بما اذا كانت المعاملة مشتملة على شرط، فهى بملاحظة نفسها غبن احدهما، و بملاحظة الشرط غبن الآخر.

ف (قال: انها تفرض فيما اذا باع متاعه بأربعة توامين من الفلوس) اى من النقد على شرط (ان يعطيه) المشترى (عنها) اى بدل أربعة توامين (ثمانية دنانير) فى حال كون البائع (معتقدا انها) ثمانية دنانير (يسوى بأربعة توامين، ثم تبين) انه اشتبه فى الامرين.

الاول: (ان المتاع يسوى خمسة توامين) فصار البائع مغبونا، لانه

ص: 90

و ان الدنانير يسوى خمسة توامين، إلا خمسا، فصار البائع مغبونا من كون الثمن اقل من القيمة السوقية بخمس تومان و المشترى مغبونا من جهة زيادة الدنانير على أربعة توامين فالبائع مغبون فى اصل البيع و المشترى مغبون فى ما التزمه من اعطاء الدنانير عن الثمن، و ان لم يكن مغبونا فى اصل البيع، انتهى.

______________________________

باع بأربعة اقل من القيمة السوقية.

(و) الثانى: (ان الدنانير يسوى خمسة توامين، إلا خمسا) اى خمس تومان، فصار المشترى مغبونا، لانه عوض ان يدفع ما يعادل اقل من ثمانية دنانير التزم ان يدفع ثمانية دنانير (فصار البائع مغبونا من) جهة (كون الثمن) أربعة توامين (اقل من القيمة السوقية بخمس تومان) اذ القيمة: خمس و قد باعه بأربع، و اربع اقل من الخمس بالخمس (و) صار (المشترى مغبونا من جهة) انه كان من المقرر ان يعطى أربعة توامين او ما يعادل أربعة توامين بينما ثمانية دنانير اكثر من أربعة توامين و قد سبّب غبن المشترى الشرط لما عرفت من (زيادة الدنانير) الثمانية (على أربعة توامين).

و على هذا (فالبائع مغبون فى اصل البيع، و المشترى مغبون فى) الشرط، اى (ما التزمه من اعطاء الدنانير) الثمانية بدلا (عن الثمن) الّذي هو أربعة توامين (و ان لم يكن) المشترى (مغبونا فى اصل البيع انتهى).

مثال آخر: كتاب يسوى دينارا اشتراه بدينار و درهم، و شرط ان

ص: 91

اقول: الظاهر ان مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل الى البائع، بسبب مجموع العقد و الشرط، كما لو باع شيئا يسوى خمسة دراهم بدرهمين، على ان يخيط له ثوبا مع فرض كون اجرة الخياطة ثلاثة دراهم.

و من هنا

______________________________

يعطيه عوض الدينار و الدرهم، تسعمائة و خمسين فلسا، بزعم انه يساوى الدينار و الدرهم فالمشترى مغبون لزيادة القيمة بدرهم- و البائع مغبون لانه يأخذ عوض الدينار و الدرهم- تسعمائة و خمسين فلسا.

(اقول: الظاهر) ان تصوير المحقق غير تام، لان البيع و الشرط ان كانا شيئا واحدا لوحظ المجموع معا، فلا يمكن الا ان يكون احدهما مغبونا، و ان كانا شيئين لم يكن غبن المتبايعين فى معاملة واحدة بل فى معاملتين.

ف (ان مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه) اى فى البيع (حاصل ما يصل الى البائع، بسبب مجموع العقد و الشرط) و هل انه ازيد من متاعه، او اقل، او مساو؟ (كما لو باع شيئا يسوى خمسة دراهم بدرهمين، على) شرط (ان يخيط) المشترى (له) اى للبائع (ثوبا مع فرض كون اجرة الخياطة ثلاثة دراهم).

فان العرف يرى ان القيمة مساوية للسلعة، لان مجموع الثمن و الشرط خمسة و السلعة تسوى خمسة.

(و من هنا) ملاحظة مجموع الشرط و الثمن، او مجموع الشرط، و

ص: 92

يقال: ان للشروط قسطا من العوض.

و ان ابيت إلا عن ان الشرط معاملة مستقلة، و لا مدخل له فى زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كل من المتبايعين فى معاملة واحدة.

لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد و منها: ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما اذا باع شيئين فى عقد واحد بثمنين، فغبن البائع فى احدهما و المشترى فى الآخر.

______________________________

المثمن (يقال: ان للشروط قسطا من العوض) ثمنا كان العوض او مثمنا.

(و ان ابيت إلا عن ان الشرط معاملة مستقلة، و لا مدخل له) اى للشرط (فى زيادة الثمن) فلا يجمع الشرط مع الثمن (و خرج ذلك) المثال الّذي مثله المحقق القمى (عن فرض غبن كل من المتبايعين فى معاملة واحدة).

و على كلا التقديرين، فلا غبنان فى معاملة، اما لتعدد الغبن و تعدد المعاملة و اما لوحدة الغبن و وحدة المعاملة.

(لكن الحق ما ذكرنا) من قولنا «يلاحظ فيه حاصل ...» (من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد) فقط.

(و منها) اى من الفروض التى ذكروها لمثال غبن كليهما (ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما اذا باع شيئين فى عقد واحد بثمنين، فغبن البائع فى احدهما و المشترى فى الآخر).

كما اذا كان كتاب الرسائل بدينار، و المكاسب بدينار فباعهما فى

ص: 93

و هذا الجواب قريب من سابقه فى الضعف لانه ان جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لاحدهما خاصة حتى يجوز له الفسخ فى العين

______________________________

بيع واحد بدينارين، ثلاثة ارباع الدينار للرسائل، و دينار و ربع للمكاسب، فان البائع مغبون فى الرسائل و المشترى مغبون فى المكاسب (و هذا الجواب قريب من سابقه فى الضعف).

و تقريب وجه الضعف: ان الانسان قد يجمع بيعين فى بيع واحد، بان يكون هناك بيعان فى صيغة واحدة، حتى اذا كان فى احدهما عيب او غبن او ما اشبه لم يكن له خيار الا فى ذلك الشي ء فقط، فيكون حاله حال ما اذا جمع نكاحين او طلاقين فى لفظ، كما اذا قال: انكحتك موكلتى فاطمة و زينب، ثم بعد ذلك تبين ان فاطمة اخته من الرضاعة، فانه يبطل نكاح فاطمة دون زينب.

و كذا اذا قال لهما: انتما طالقان، ثم تبين ان فاطمة كانت فى طهر المواقعة، حيث يبطل طلاقها دون طلاق زينب.

و قد يكون البيع واحدا و ان كانت السلعة متعددة حتى ان الغبن يوجب فسخ الجميع، او اجازة الجميع، و كذا العيب و نحوهما.

اذا عرفت ما ذكرنا فنقول: ان هذا الجواب ضعيف (لانه ان جاز التفكيك بينهما) اى بين بيع الشيئين (عند فرض ثبوت الغبن لاحدهما خاصة) بان كان هناك بيعان و ان كان اللفظ واحدا و الفرق بين كونه بيعا واحدا او بيعين انما يكون بالقصد (حتى يجوز له الفسخ فى العين

ص: 94

المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن فى كل واحدة منها لاحدهما خاصة فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمى غبن البائع خاصة، و المشترى خاصة.

و ان لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن اصلا مع تساوى الزيادة فى احدهما للنقيصة فى الآخر.

______________________________

المغبون فيها خاصة) دون ما سواها لانه لا علاقة بين هذه العين و تلك العين فلا يسرى الغبن فى احدهما الى الغبن فى الاخرى (فهما معاملتان مستقلتان) لا علاقة لإحداهما بالاخرى و ان جمعتا فى لفظ واحد.

ف (كان) جواب «ان» (الغبن فى كل واحدة منها) اى من المعاملتين (لاحدهما) اى لاحد المتبايعين (خاصة) فهناك معاملتان فى إحداهما الغبن للبائع، و فى الاخرى الغبن للمشترى (فلا وجه لجعل) الشهيد و المحقق الثانى (هذا) الّذي يجمع فيه المعاملتان فى صيغة واحدة (قسما ثالثا لقسمى غبن البائع خاصة، و المشترى خاصة) بل هذا القسم منحل الى القسمين الاولين و حاله كما اذا كانت صيغتان لبيعين كان فى إحداهما غبن البائع و فى الاخرى غبن المشترى.

(و ان لم يجز التفكيك بينهما) بان كان بيع واحد على سلع متعددة (لم يكن غبن اصلا مع تساوى الزيادة فى احدهما، للنقيصة فى الآخر) كما تقدم فى مثال كتابى الرسائل و المكاسب.

ص: 95

و مع عدم المساوات، فالغبن من طرف واحد.

و منها: ان يراد بالغبن فى المقسم معناه الاعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده، او خروج ما اخبر البائع بوزنه على خلاف خبره.

و قد اطلق الغبن على هذا المعنى الاعم

______________________________

(و مع عدم المساوات، فالغبن من طرف واحد).

فان زاد المثمن فالغبن للبائع، و ان زاد الثمن فالغبن للمشترى (و منها) اى من تصويرات غبن كليهما فى معاملة واحدة (ان يراد بالغبن فى المقسم معناه الاعم) اذ: للغبن اطلاقان.

الاول: زيادة الثمن او المثمن.

الثانى: ما يراد به ظهور الثمن او المثمن على خلاف الرؤية السابقة او خلاف الوصف السابق.

و قد يطلق الغبن على الاعم من المعنيين و على هذا فيمكن «غبن كليهما» بان يراد بالغبن فى قول الشهيد و المحقق الثانيين انه قد يكون الغبن للبائع، و قد يكون للمشترى، و قد يكون لكليهما «معناه الاعم» (الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده) ف «سابقا» متعلق بالمشاهدة و «على» متعلق ب «خروج» (او خروج ما اخبر البائع بوزنه) او وصفه (على خلاف خبره) حسنا او قبحا.

ففى الاول يكون البائع مغبونا، و فى الثانى يكون المشترى مغبونا (و قد اطلق الغبن على هذا المعنى الاعم) من كلا الامرين

ص: 96

العلامة فى القواعد، و الشهيد فى اللمعة.

و على هذا المعنى الاعم تحقق الغبن فى كل منهما و هذا حسن.

لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة ما عنون به هذا الخيار، و هو الغبن بالمعنى الاخص على ما فسروه به.

و منها: ما ذكره بعض، من انه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد فى مكانين، كما اذا حصر العسكر

______________________________

(العلامة فى القواعد، و الشهيد فى اللمعة) كما انه غبن لغة و عرفا.

(و على هذا المعنى الاعمّ تحقق الغبن فى كل منهما).

مثلا: لم ير البائع قطيعه و قد سمن عن حالته السابقة، حتى انه لو رآه لم يبعه، ثم باعه بالوصف، بان وصفه المشترى له باكثر من قيمته السوقية، فالبائع مغبون من جهة تحسن وصف القطيع، و المشترى مغبون من جهة اكثرية الثمن عن القيمة السوقية (و هذا) وجه (حسن) فى توجيه: غبن كليهما.

(لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة) غبن كليهما تحت عنوان (ما عنون به هذا الخيار) اى خيار الغبن (و هو) اى ما عنون (الغبن بالمعنى الاخص) و هو زيادة القيمة او نقصان القيمة (على ما فسروه) اى فسروا الغبن (به) و على هذا التفسير فلا يمكن غبن كليهما.

(و منها) اى من تصويرات غبن كليهما فى معاملة واحدة (ما ذكره بعض، من انه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد فى مكانين) كل مكان يختلف فيه قيمة السلعة عن المكان الآخر (كما اذا حصر العسكر

ص: 97

البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته فى البلد فاشترى بعض اهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشترى مغبون لزيادة الثمن على قيمة الطعام فى مكانه و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة فى مكانه.

و يمكن رده بان المبيع بعد العقد باق على قيمته حين العقد و لا غبن فيه للمشترى ما دام فى محل العقد و انما نزلت قيمته بقبض المشترى و نقله اياه الى مكان الرخص.

______________________________

البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته فى البلد فاشترى بعض اهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين).

مثلا: كانت القيمة خارج البلد دينارا، و داخل البلد نصف دينار، فاشتراه ذلك البعض بثلاثة ارباع الدينار (فالمشترى مغبون لزيادة الثمن على قيمة الطعام فى مكانه) داخل البلد اذا كان المشترى داخل البلد (و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة فى مكانه) و هو خارج البلد، اذا كان البائع خارج البلد.

(و يمكن ردّه بان المبيع بعد العقد باق على قيمته حين العقد) و قيمته حين العقد كانت قيمة سوقية (و لا غبن فيه للمشترى ما دام فى محل العقد) الّذي هو خارج البلد حسب الفرض (و انما نزلت قيمته بقبض المشترى) اياه (و نقله اياه الى مكان الرخص) داخل البلد.

فهو كما اذا اشترى متاعا فى بلد قيمة المتاع فيه غالية، ثم نقلها

ص: 98

و بالجملة: الطعام عند العقد لا يكون الا فى محل واحد له قيمة واحدة.

و منها: ما ذكره فى مفتاح الكرامة من فرضه فيما اذا ادعى كل من المتبايعين الغبن، كما اذا بيع ثوب بفرس، بظن المساوات، ثم ادعى كل منهما نقص ما فى يده عما فى يد الآخر، و لم يوجد المقوّم ليرجع إليه فتحالفا فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه

______________________________

الى مكان قيمة المتاع فيه رخيصة، فان ذلك لا يوجب كونه مغبونا حتى يكون له الخيار.

(و بالجملة: الطعام عند العقد لا يكون الا فى محل واحد له قيمة واحدة) و تلك القيمة معتدلة لا غبن فيها.

و تضرر المشترى انما يكون بفعله، حيث نقل الطعام لا انه تضرر من جهة زيادة القيمة فى مكان البيع.

(و منها) اى من تصويرات غبن كليهما فى معاملة واحدة (ما ذكره فى مفتاح الكرامة من فرضه) المسألة (فيما اذا ادعى كل من المتبايعين الغبن، كما اذا بيع ثوب بفرس، بظن المساوات، ثم ادعى كل منهما نقص ما فى يده عما فى يد الآخر) بان قال صاحب الفرس: انه اقل قيمة من الثوب، و قال صاحب الثوب: انه اقل قيمة من الفرس (و لم يوجد المقوّم ليرجع إليه) او كل مقوم صدق احدهما (فتحالفا) كل على دعواه (فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه) و حينئذ يكون لكل منهما خيار

ص: 99

و قال: و يتصور غبنهما فى احد العوضين كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم ثم ادعى البائع كونه يسوى بمائتين، و المشترى كونه لا يسوى الا بخمسين و لا مقوّم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما، انتهى.

و فيه ان الظاهر ان لازم التحالف عدم الغبن فى المعاملة اصلا مع ان الكلام فى الغبن الواقعى دون الظاهرى.

و الاولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث

______________________________

الغبن (و قال: و يتصور غبنهما) معا (فى احد العوضين) بخلاف المثال السابق الّذي كان الغبن المزعوم فى كلا العوضين (كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم، ثم ادعى البائع كونه يسوى بمائتين) فالبائع مغبون (و) ادعى (المشترى كونه لا يسوى الا بخمسين) فالمشترى مغبون (و لا مقوّم يرجع إليه) او اختلف المقوّمون (فيتحالفان) لان كلا منهما مدع و حكم ذلك التحالف (و يثبت الفسخ لكل منهما، انتهى).

(و فيه) أولا: (ان الظاهر ان لازم التحالف عدم الغبن فى المعاملة اصلا) لان الحلفين يسقطان، و تبقى اصالة اللزوم، فلا يصحح ذلك غبن كل منهما، كما نحن بصدده.

و ثانيا: (مع ان الكلام فى الغبن الواقعى) و هو لا يكون فى كليهما (دون) الغبن (الظاهرى) و ما فرضه مفتاح الكرامة غبن ظاهرى.

(و) كيف كان، ف (الاولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث)

ص: 100

و اللّه العالم.

______________________________

فى نفسه و ان كان خلاف ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين.

فالمراد الاولوية فى نفس تصوير الغبن (و الله) سبحانه (العالم).

و حيث ان «صورة غبن كليهما» ليست فى كلام المعصوم، فلا يهم ان كانت صحيحة أو لا.

ص: 101

مسئلة ظهور الغبن شرط شرعى لحدوث الخيار، او كاشف عقلى عن ثبوته حين العقد،

وجهان، منشأهما اختلاف كلمات العلماء فى فتاويهم و معاقد اجماعهم و استدلالاتهم.

فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو: الاول، و فى الغنية الاجماع على ان ظهور الغبن سبب للخيار.

و ظاهر كلمات آخرين: الثانى، و فى التذكرة

______________________________

(مسألة: ظهور الغبن) بان يفهم المغبون انه غبن، هل هو (شرط شرعى لحدوث الخيار)؟ فعليه لا خيار قبل ظهور الغبن (او كاشف عقلى عن ثبوته) اى الخيار (حين العقد) فالعقد اذا كان غبنيّا يوجب الخيار سواء فهم المغبون، أم لا؟ و انما يكون فهمه كاشفا عن ان يكون له الخيار عند العقد (وجهان منشأهما اختلاف كلمات العلماء فى فتاويهم و معاقد اجماعهم) معقد الاجماع اذا كان للاجماع لفظ مثل ان يقال «اذا ظهر الغبن كان الخيار اجماعا» و قد لا يكون للاجماع معقد، بان قال: كل فقيه كلاما استفيد من مجموعه ان فى المسألة اجماعا (و استدلالاتهم).

(فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو: الاول) بل (و فى الغنية) دعوى (الاجماع على ان ظهور الغبن سبب للخيار).

(و ظاهر كلمات) فقهاء (آخرين: الثانى) و هو ان الخيار من حين العقد، و الظهور كاشف عقلى (و) هو ظاهر ما (فى التذكرة) حيث قال:

ص: 102

ان الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا، و قولهم: لا يسقط هذا الخيار بالتصرف فان المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر فى ثبوته.

و مما يؤيد الاول انهم اختلفوا فى صحة التصرفات الناقلة فى زمان

______________________________

(ان الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا، و) كذا يظهر هذا القول من (قولهم: لا يسقط هذا الخيار بالتصرف).

وجه الظهور ما ذكره بقوله: (فان المراد التصرف قبل العلم بالغبن) اذ: التصرف بعد العلم يسقط هذا الخيار، فالمراد التصرف قبل العلم (و عدم سقوطه) اى الخيار (ظاهر فى ثبوته) فتبين ان الخيار ثابت قبل العلم.

(و مما يؤيد الاول) اى ان الظهور شرط شرعى لثبوت الخيار، و ان قبل الظهور لا خيار، انهم لم يحكموا ببطلان تصرفات الغابن حين جهل المغبون، مع انهم اختلفوا فى صحة التصرفات الناقلة من غير ذى الخيار فى زمن الخيار، فلو كان قبل ظهور الغبن للمغبون خيار، لكان اللازم ان يختلفوا فى صحة تصرفات الغابن، لا ان يتفقوا، اى لم يحكموا بصحة تصرفات الغابن.

و بعبارة اخرى: تصرف غير ذى الخيار- فى زمن الخيار- مختلف فى صحته، و تصرف الغابن حال جهل المغبون متفق على صحته.

فيظهر ان حال جهل المغبون ليس بزمان الخيار.

ف (انهم) قد (اختلفوا فى صحة التصرفات الناقلة فى زمان

ص: 103

الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون، بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون- بعد ظهور غبنه الى البدل.

و يؤيده أيضا الاستدلال فى التذكرة، و الغنية على هذا الخيار

______________________________

الخيار) اى التصرفات التى تصدر ممن لا خيار له هل هى صحيحة، أم لا؟

(و) الحال انهم (لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون) بانه غبن (بل صرح بعضهم بنفوذها) اى تصرفات الغابن (و) حكموا ب (انتقال المغبون- بعد ظهور غبنه- الى البدل) اى بدل ما تصرف فيه الغابن.

فاذا فرضنا ان زيدا باع عمروا دارا باقل من قيمتها، فكان البائع مغبونا،- و كان البيع يوم الجمعة صباحا- ثم المشترى باع الدار عصر الجمعة، و علم البائع بالغبن يوم السبت، كان البيع صحيحا، و كان البائع المغبون ان يرجع الى المشترى الغابن ببدل الدار اى قيمتها السوقية، اذا فسخ المغبون البيع.

فتحصّل انه لو كان للمغبون الخيار من حين البيع، لزم ان يختلفوا فى صحة معاملة الغابن.

فعدم اختلافهم دليل على انه ليس خيار المغبون من حين البيع بل خياره من حين ظهور الغبن.

(و يؤيده أيضا) اى يؤيد ان الخيار من حين الظهور، لا من حين البيع (الاستدلال فى التذكرة و الغنية على هذا الخيار) اى خيار الغبن

ص: 104

بقوله صلى الله عليه و آله و سلم- فى حديث تلقى الركبان- انهم بالخيار، اذا دخلوا السوق فان ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن هذا.

و لكن لا يخفى امكان ارجاع الكلمات الى احد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا فى المعنى الآخر.

و توضيح ذلك انه ان اريد بالخيار السلطنة الفعلية التى يقتدر بها على

______________________________

(بقوله صلى الله عليه و آله و سلم- فى حديث تلقى الركبان- انهم) اى الركبان الذين اشترى منهم المتاع (بالخيار، اذا دخلوا السوق).

وجه الاستدلال ما ذكره بقوله: (فان ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول) فى السوق ذلك الدخول (الموجب لظهور الغبن) لانهم اذا دخلوا السوق، و عرفوا القيمة السوقية علموا بانهم قد غبنوا، فيفيد الحديث انهم قبل ذلك- حال البيع- لا خيار لهم (هذا) تمام الكلام فى وجه القولين.

(و لكن لا يخفى امكان ارجاع الكلمات) التى ذكرها العلماء (الى احد الوجهين) لانها قابلة لكلا الامرين.

و ذلك (بتوجيه ما كان منها ظاهرا فى المعنى الآخر) الى المعنى الّذي يراد توجيهه إليه.

(و توضيح ذلك) اى توضيح ارجاع كلماتهم الى احد الوجهين، و قد اراد المصنف بهذا التوجيه الجمع بين كلماتهم (انه ان اريد بالخيار) اى خيار الغبن: (السلطنة الفعلية التى يقتدر بها) المغبون (على

ص: 105

الفسخ و الامضاء قولا، او فعلا، فلا يحدث الا بعد ظهور الغبن.

و ان اريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم، و انما يتوقف على العلم اعمال هذا الحق.

فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه، او بحكم خيارى المجلس او الحيوان او غيرهما.

ثم ان الآثار المجعولة للخيار

______________________________

الفسخ و الامضاء قولا) كان يقول: فسخت او امضيت (او فعلا) بان يرسل المتاع الى الغابن فسخا او يتصرف فيه امضاء (فلا يحدث) هذه السلطنة الفعلية (الا بعد ظهور الغبن) اذ قبله لا يعلم حتى يمضى او يفسخ.

(و ان اريد) بالخيار (ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه) من فسخ او امضاء (فهو ثابت قبل العلم) لان الغبن سبب هذا الخيار، و الغبن موجود من حين العقد (و انما يتوقف على العلم اعمال هذا الحق) لا اصل هذا الحق.

(فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن) و ان له خيار الغبن (كالجاهل بحكمه) كما اذا علم انه مغبون، لكن لا يعلم ان له خيار الغبن (او) الجاهل (بحكم خيارى المجلس او الحيوان او غيرهما) فى انه مع الجهل بان له الخيار لا يكون عنده القدرة الفعلية على الأخذ بالخيار.

هذا بالنسبة الى اصل الخيار، و قد تبين انه موجود من حين العقد.

(ثم ان الآثار المجعولة للخيار) على قسمين.

ص: 106

بين ما يترتب على تلك السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف، فانه لا يكون الا بعد ظهور الغبن، فلا يسقط قبله، كما سيجي ء.

و منه: التلف فان الظاهر انه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن، كما جزم به بعض و تردد فيه آخر.

______________________________

فهى (بين ما يترتب على تلك السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف، فانه) اى السقوط بالتصرف (لا يكون الا بعد ظهور الغبن، فلا يسقط) خيار الغبن بالتصرف (قبله) اى قبل ظهور الغبن، فاذا لم يعلم المغبون بانه مغبون و تصرف فى ما انتقل إليه، لم يسقط خياره (كما سيجي ء) الكلام فى ذلك.

(و منه) اى من الآثار المترتبة على السلطنة الفعلية (التلف) فيختلف فى كونه من الغابن، او المغبون و كونه قبل ظهور الغبن او بعده (فان الظاهر انه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا) لانه ليس له خيار الآن قبل ظهور الغبن، فتلفه يكون منه بخلاف ما اذا ظهر الغبن فان التلف يكون من الغابن لقاعدة ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن) «لمثل» متعلق ب «عموم» (كما جزم به) اى بالعموم (بعض) الفقهاء.

اما لو لم نقل بالعموم، فالتلف من كيس المغبون، سواء قبل ظهور الخيار او بعده (و تردد فيه) اى فى العموم بعض (آخر) من الفقهاء.

ص: 107

و بين ما يترتب على ذلك الحق الواقعى كاسقاطه بعد العقد قبل ظهوره.

و بين ما يتردد بين الامرين، كالتصرفات الناقلة، فان تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذى الخيار من العين ظاهر فى ترتب المنع على وجود نفس الحق، و ان لم يعلم به.

و حكم بعض من منع من التصرف فى زمان الخيار، بمضى التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه

______________________________

(و بين ما يترتب على ذلك الحق) اى حق الخيار (الواقعى) عطف على قوله «بين ما يترتب» (كاسقاطه) اى الخيار (بعد العقد قبل ظهوره) فانه اذا باع او اشترى، و قال: اسقطت كل خيار لى، سقط خيار الغبن و ان لم يعلم انه مغبون.

(و بين ما يتردد بين الامرين) فلا يعلم هل ان هذا الاثر للغبن مترتب على الحق الواقعى؟ او على ظهور هذا الحق (كالتصرفات الناقلة) كما اذا باع المغبون ما انتقل إليه (فان تعليلهم المنع عنها) اى عن التصرفات الناقلة فى حال الخيار (بكونها مفوتة لحق ذى الخيار من العين) اى حقه فى العين (ظاهر فى ترتب المنع على وجود نفس الحق و ان) لم يظهر، و (لم يعلم) المغبون (به) اى بان له الحق.

(و حكم بعض من منع من التصرف) اى تصرف غير ذى الخيار (فى زمان الخيار، بمضى) الجار متعلق ب «حكم» اى حكمه بان (التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون) ماضية و نافذة (يظهر منه) اى من

ص: 108

ان المنع لاجل التسلط الفعلى، و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الاثر على نفس الحق الواقعى، و لو كان مجهولا لصاحبه.

و قد يظهر منه ترتبه على السلطنة الفعلية.

و تظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا، او بظن وجود سبب معدوم

______________________________

هذا الحكم (ان المنع) عن التصرف الناقل، انما هو (لاجل التسلط الفعلى) للمغبون على الفسخ (و) اذا كانت آثار الغبن على ثلاثة اقسام بالنسبة الى ما ذكره الفقهاء، اثر مترتب على السلطنة الفعلية بعد ظهور الغبن، و اثر مترتب على نفس الحق من حين العقد، و اثر يتردد هل انه مترتب على السلطنة، او على نفس الحق ف (المتبع) فى ان الاثر كيف هو (دليل كل واحد من تلك الآثار) المترتبة على الغبن.

(فقد يظهر منه) اى من الدليل (ترتب الأثر على نفس الحق الواقعى) الثابت من حين العقد (و لو كان) الغبن (مجهولا لصاحبه) اى المغبون.

(و قد يظهر منه) اى من الدليل (ترتبه) اى ترتب الاثر (على السلطنة الفعلية) التى هى بعد ظهور الأثر.

(و تظهر ثمرة الوجهين) فى ان الخيار يكون قبل ظهور الغبن، او بعد ظهوره (أيضا) كما ظهرت فى التصرف، و نحوه (فيما لو فسخ المغبون الجاهل) بانه مغبون (اقتراحا) لا لعلمه بانه مغبون، بل لانه لم يرد البضاعة فردها (او) فسخ (بظن وجود سبب) كالعيب (معدوم) ذلك

ص: 109

فى الواقع فصادف الغبن.

ثم ان ما ذكرناه فى الغبن من الوجهين جار فى العيب.

و قد يستظهر من عبارة القواعد فى باب التدليس: الوجه الاول قال و كذا «يعنى لا رد» لو تعيّبت الامة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس، انتهى، فانه ذكر فى جامع المقاصد انه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده،

______________________________

السبب (فى الواقع) اذ لم يكن عيب (فصادف) الفسخ (الغبن) فانه ان كان خيار الغبن من حين العقد، صح الفسخ مطلقا، و ان كان من حين علم المغبون، و ظهور الغبن لم يصح الفسخ.

(ثم ان ما ذكرناه فى الغبن من الوجهين) هل ان الخيار من حين العقد، او من حين ظهور الغبن؟ (جار فى) خيار (العيب) أيضا، هل هو من حين العقد، او من حين ظهور العيب؟

(و قد يستظهر من عبارة القواعد فى باب التدليس: الوجه الاول) و ان الخيار من حين ظهور العيب لا من حين العقد (قال و كذا «يعنى لا رد» لو تعيّبت الامة المدلسة) كالتى دلست فى جمالها او بكارتها او نحو ذلك (عنده) اى عند المشترى، فانه لو لم تتعيّب كان للمشترى الردّ بخيار التدليس، اما لو تعيّبت عند المشترى فليس له الرد بخيار التدليس (قبل علمه بالتدليس، انتهى) كلام العلامة.

وجه الاستدلال بكلامه للوجه الاول ما ذكره بقوله: (فانه ذكر فى جامع المقاصد انه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده) فانه اذا تعيّبت

ص: 110

لان العيب مضمون على المشترى.

ثم قال الا ان يقال ان العيب بعد العلم غير مضمون على المشترى، لثبوت الخيار.

و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب لكون العيب فى زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له.

لكن الاستظهار المذكور مبنى على شمول

______________________________

لا يحق للمشترى ارجاعها، سواء كان العيب قبل علم المشترى بالتدليس، أم بعد علمه بالتدليس (لان العيب مضمون على المشترى) فكيف يمكنه ردّ ما هو ضامن له.

(ثم قال: الا ان يقال) فى الفرق بين التعيب قبل العلم او بعده، ف (ان العيب) الّذي يحصل عند المشترى (بعد العلم) اى بعد علم المشترى بالتدليس (غير مضمون على المشترى، لثبوت الخيار) اى خيار التدليس بعد علم المشترى بالتدليس.

فيكون تعيب الجارية من البائع لقاعدة ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

(و ظاهره) اى ظاهر كلام جامع المقاصد من قوله «الا ان يقال» (عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب) اذ لو كان قبل العلم خيار التدليس موجودا، لكان العيب أيضا من البائع (لكون العيب فى زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له).

(لكن الاستظهار المذكور) اى قولنا «و ظاهره» (مبنى على شمول

ص: 111

قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب.

و سيجي ء عدم العموم ان شاء الله.

و اما خيار الرؤية فسيأتى ان ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها

______________________________

قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب).

اذ على هذه القاعدة يكون العيب بعد العلم من كيس البائع.

(و) لكن (سيجي ء عدم العموم ان شاء الله) اى عدم عموم القاعدة لخيار العيب، فلا يصح الاستظهار المذكور، فلا يتم قول جامع المقاصد «الا ان يقال» و لا وجه لكلام العلامة «قبل علمه».

و الحاصل: ان الفرق بين «قبل العلم و بعده يتوقف على عموم قاعدة التلف فى زمن الخيار ...» و حيث انه لا عموم فلا فرق.

(و اما خيار الرؤية فسيأتى ان ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه) اى اسقاط الخيار (قبلها) اى قبل الرؤية، لانه من اسقاط ما لم يجب.

اقول: لكن الظاهر ان خيار الغبن و العيب و غيرهما يثبت بالعقد لا بالعلم، و انما العلم كاشف فقط.

ص: 112

مسئلة: يسقط هذا الخيار بامور.
احدها: اسقاطه بعد العقد،

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن فلا اشكال فى صحة اسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لا مع الجهل بها اذا اسقط الغبن المسبب عن اى مرتبة كان، فاحشا كان او افحش.

و لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة ففى السقوط وجهان من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق، كما لو اسقط حق عرض

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار) اى خيار الغبن (بامور).

(احدها: اسقاطه بعد العقد) بان يقول المغبون: اسقطت خيارى مثلا- (و هو) اى الاسقاط (قد يكون بعد العلم بالغبن) و حينئذ (فلا اشكال فى صحة اسقاطه بلا عوض) فى قبال ان يسقط الخيار بمقابل عوض يأخذه من الغابن (مع العلم بمرتبة الغبن) كان يعلم ان قدر الغبن العشر مثلا (و لا مع الجهل بها) اى بمرتبة الغبن، هل انه العشر او الخمس مثلا؟ (اذا اسقط) فى صورة الجهل (الغبن المسبب عن اى مرتبة كان) لان الخيار حقه فله اسقاطه، و لا يشترط فى الاسقاط العلم بالقدر (فاحشا كان او افحش) لانه اسقطه بكل مراتبه.

(و لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة ففى السقوط وجهان) وجه عدم السقوط (من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار) الكبير (من الحق) فحاله (كما لو اسقط حق عرض

ص: 113

بزعم انه شتم لا يبلغ القذف فتبين كونه قذفا.

و من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الّذي لا يتسامح به، و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الاسقاط.

و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان.

و اما الاسقاط بعوض بمعنى المصالحة عنه

______________________________

بزعم انه شتم لا يبلغ القذف) بالزنا و نحوه (فتبين كونه قذفا) فان له المطالبة بالحق، لان ما اسقطه لم يكن، و ما كان لم يسقطه و هنا كذلك فعشرة الساقطة لم تكن و المائة الكائنة لم يسقطها.

(و) وجه السقوط (من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الّذي لا يتسامح به) فسواء كان التفاوت كثيرا او قليلا فليس للمغبون الا حق خيار واحد (و لا تعدد فيه) اى فى الخيار (فيسقط بمجرد الاسقاط) سواء علم بقدره أم لا.

(و) اما المثال بالقذف ففيه انه فرق بين حق القذف و حق الخيار فان (القذف و ما دونه من الشتم) كاللّعن و نحوه (حقان مختلفان) و لذا لهما اثران مختلفان، فليس معنى اسقاط احدهما اسقاط الآخر، بخلاف الخيار فهو حق واحد- كما عرفت-.

و الاظهر عدم السقوط لانه لم يسقطه و انما اسقط ما لم يكن، فحاله حال ما اذا اسقط غبنه فى الكتاب، فتبين انه مغبون فى القلم.

(و اما الاسقاط) لخيار الغبن (بعوض) كما اذا اسقط خياره بعوض ان يعطيه الغابن عشرة دنانير- مثلا- (بمعنى المصالحة عنه) اى عن

ص: 114

به فلا اشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن، او التصريح بعموم المراتب، و لو اطلق و كان للاطلاق منصرف، كما لو صالح عن الغبن المحقق فى المتاع المشترى بعشرين بدرهم، فان المتعارف من الغبن المحتمل فى مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة او خمسة فى العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم.

فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر، و ان المبيع يسوى درهمين، ف

______________________________

الخيار (به) اى بالعوض، بل لا يبعد بيعه بذلك او هبته، هبة معوضة او ما اشبه ذلك (فلا اشكال فيه) لان الصلح جائز بين المسلمين (مع العلم بمرتبة الغبن) كما لو علم انه عشرة (او التصريح) فى عقد الصلح (بعموم المراتب) و ان الغبن لهما كان صالحه بعشرة (و لو اطلق) الغبن (و كان للاطلاق منصرف) عند الصلح حتى وقع الصلح على ذلك القدر المنصرف (كما لو صالح عن الغبن المحقق) ذلك الغبن (فى المتاع المشترى بعشرين) اى صالح (بدرهم) واحد (فان المتعارف من الغبن المحتمل فى مثل هذه المعاملة) التى هى بثمن عشرين (هو كون التفاوت) الى (أربعة او خمسة فى العشرين، فيصالح) المغبون (عن) مثل (هذا المحتمل بدرهم) مثلا حتى يكون المبيع عليه بثلاثة و عشرين، او أربعة و عشرين مثلا.

(فلو ظهر كون التفاوت) كثيرا، و انه غبنه بقدر (ثمانية عشر) مثلا (و ان المبيع يسوى درهمين) فقط (ف) الظاهر بطلان الصلح، لان ما قصد لم يكن و ما كان لم يصالح عليه، و يبقى الخيار على حاله الا ان يكون

ص: 115

فى بطلان الصلح لانه لم يقع على الحق الموجود، او صحته مع لزومه لما ذكرنا من ان الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الّذي له افراد متعددة فاذا اسقطه سقط، او صحته متزلزلا، لان الخيار الّذي صالح عنه باعتقاد ان عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل فى مقابله ازيد من الدرهم ضرورة انه كلما كان التفاوت المحتمل ازيد يبذل فى مقابله

______________________________

على وجه الداعى لا التقييد بل الخطاء فى التطبيق فان الظاهر فيه الخيار.

لكن المصنف قال: (فى بطلان الصلح لانه لم يقع على الحق الموجود) فان حق المغبون ثمانية عشرة لا أربعة او خمسة (او صحته مع لزومه لما ذكرنا من ان الخيار حق واحد له سبب واحد و) السبب الواحد (هو التفاوت) بين القيمة السوقية، و القيمة المجعولة (الّذي له افراد متعددة).

فان التفاوت قد يكون واحدا، و قد يكون عشرة و قد يكون ثمانية عشر و هكذا (فاذا اسقطه) اى الخيار (سقط) فلا وجه لعدم سقوطه، اذ نفس صاحب الحق اسقطه (او صحته) اى الصلح (متزلزلا) فللمغبون الخيار فى ابطال الصلح، او اجازته (لان الخيار الّذي صالحه عنه باعتقاد ان عوضه المتعارف درهم) لان الصلح يقع بين عوضين، عوض الدرهم، و عوض قدر الغبن (تبين كونه مما يبذل فى مقابله ازيد من الدرهم).

فالمغبون فى اصل المعاملة مغبون فى اصل الصلح أيضا (ضرورة انه كلما كان التفاوت المحتمل ازيد يبذل فى مقابله.

ص: 116

ازيد مما يبذل فى مقابله لو كان اقل، فيحصل الغبن فى المصالحة اذ: لا فرق فى الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه، و بين كونه لاجل الجهل بعينه، وجوه، و هذا هو الاقوى، فتأمل.

______________________________

ازيد مما يبذل فى مقابله لو كان) التفاوت (اقل) كما انه كذلك فى كل صلح.

مثلا: كانت الدعوى على مائة دينار، فاراد المتهم اسقاط الدعوى بالصلح فانه يصالح عن المائة المحتملة بخمسين مثلا.

اما اذا كانت الدعوى على الف، فان الصلح يكون على خمسمائة.

و عليه: (فيحصل الغبن فى المصالحة) و كما يدخل الغبن فى المصالحة اذا تبين ان العين الخارجية غير العين المصالح عليها، كما اذا صالحه بدرهم عن الحديد فظهر نحاسا، فيما لو كانت المصالحة على الفلز، لا خصوص الحديد، و الا بطلت المصالحة، كذلك اذا تبين التفاوت فى المالية المصالح عليها (اذ لا فرق فى الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه) بان علم انه دراهم، لكن جهل كونه عشرة او اكثر- مثلا- (و بين كونه لاجل الجهل بعينه) و انه حديد او نحاس مثلا- (وجوه، و هذا) الوجه الاخير (هو الاقوى) عند المصنف.

و قوله «وجوه» مبتدأ لقوله- قبل اسطر- «ففى بطلان الصلح» (فتأمل).

لعله اشارة الى ما ذكرناه من الفرق بين التقييد فالبطلان، و بين الخطأ فى التطبيق فالصحة مع الخيار.

ثم انه ان صح الصلح مع الخيار فابطل الصلح عاد خيار الغبن فى

ص: 117

و اما اسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن، فالظاهر أيضا جوازه.

و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء على كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار اذ يكفى فى ذلك تحقق السبب المقتضى للخيار، و هو الغبن الواقعى، و ان لم يعلم به.

و هذا كاف فى جواز اسقاط المسبّب قبل حصول شرطه كإبراء

______________________________

اصل المعاملة، لان سقوطه كان متوقفا على الصلح، فاذا سقط الصلح عاد الخيار.

(و اما اسقاط هذا الخيار) اى خيار الغبن (بعد العقد قبل ظهور الغبن) عطف على قوله- فى اوّل المسألة- «قد يكون بعد العلم بالغبن» (فالظاهر أيضا جوازه) و انه يسقط الخيار بذلك.

(و لا يقدح عدم تحقق شرطه) الّذي هو الظهور (بناء على كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار) مقابل ان يكون اصل الغبن موجبا للخيار سواء ظهر او لم يظهر.

و انما قال «فالظاهر أيضا جوازه» (اذ يكفى فى ذلك) الاسقاط (تحقق السبب) الاصلى (المقتضى للخيار) عند العقد (و هو الغبن الواقعى، و ان لم يعلم) المغبون (به) اى بالغبن.

(و هذا) القدر و هو وجود السبب الاصلى للغبن من حين العقد (كاف فى جواز) اى نفوذ (اسقاط) المغبون (المسبّب) اى الخيار (قبل حصول شرطه) اى شرط الخيار الّذي هو ظهور الغبن، و ذلك (كإبراء

ص: 118

المالك الودعى المفرط عن الضمان، و كبراءة البائع من العيوب الراجعة الى اسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها.

و لا يقدح فى المقام أيضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق.

______________________________

المالك) للوديعة (الودعى) الّذي اودع عنده المال (المفرط) فى الوديعة (عن الضمان).

مثلا: يريد زيد ايداع كتابه عند عمرو، و عمرو لا يقبل، لانه يخاف ان يفرط فيه فيضمن له، فيقول زيد- عند ايداعه الكتاب- اسقطت ضمانك فانه يسقط ضمانه و ان لم يجد الآن سبب الضمان و هو الافراط فى الكتاب و انما يسقط، لان السبب الاصلى للضمان و هو الايداع حاصل الآن و ان لم يحصل شرطه الآن الّذي هو الافراط فى حفظ الكتاب (و كبراءة البائع من العيوب) فاذا باع داره قال للمشترى: انى بري ء من عيوبها حتى لا يكون لك خيار العيب اذا ظهرت معيبة.

فان هذه البراءة (الراجعة الى اسقاط الحق) اى حق الخيار (المسبب) ذلك الحق (عن وجودها) اى وجود العيوب، تفيد اسقاط الخيار على فرض وجود العيوب مع ان حال العقد لا حق للمشترى (قبل العلم بها) اى بالعيوب.

و سيأتى ان شرط خيار العيب العلم بالعيب- على قول جماعة من الفقهاء-.

(و لا يقدح فى المقام) اسقاط خيار الغبن بعد العقد قبل ظهور الغبن (أيضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق).

ص: 119

اذ لا مانع منه الا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه فى العقود فضلا عن الايقاعات.

و هو غير قادح هنا، فان

______________________________

و لا يخفى انه فى اسقاط الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن اشكالان الاول: كونه اسقاطا لما لم يجب و قد اشار إليه المصنف بقوله «و لا يقدح عدم تحقق شرطه ..» و اجاب عنه بانه ليس اسقاطا لما لم يجب بل لما وجب و يكفى لثبوته حصول سببه الاولى.

الثانى: استلزام الاسقاط التعليق على تحقق الخيار، و التعليق لا يصح فى العقود و الايقاعات، و الابراء من الخيار ايقاع، فكما لا يصح ان يقول: ان جاء زيد فزوجتى طالق، و لا يقع الطلاق بذلك، كذلك لا يصح ان يقول: ان كان غبن فالغابن بري ء.

و انما لا يقدح (اذ لا مانع منه) اى من الاسقاط للخيار (الا التعليق و عدم الجزم) ف «عدم الجزم» عطف على «التعليق» (الممنوع عنه فى العقود فضلا عن الايقاعات) فان الايقاع تكوين و ايجاد، و الايجاد لا يعقل تأخره عن الوجود، و التعليق يستلزم ايجاد الشي ء الآن و وجوده بعد حصول المعلق عليه.

(و) لكن هذا التعليق (هو غير قادح هنا) فى مسألة اسقاط الخيار قبل ظهور الغبن (فان) التعليق قسمان.

الاول: التعليق على ما يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه، كان يقول:

ان كانت هند زوجتى فهى طالق، فان مفهوم الطلاق يتوقف على كونها

ص: 120

الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه.

و اما ما نحن فيه و شبهه، مثل طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق مشكوك الرقية منجزا او الابراء عما احتمل الاشتغال به، فقد تقدم فى شرائط الصيغة انه لا مانع منه لان مفهوم العقد معلق عليها فى الواقع

______________________________

زوجة له، سواء قال: ان كانت هند زوجتى، أم لم يقل.

و مثل هذا التعليق لا بأس به لانه ليس بتعليق واقعا، بل هو راجع الى الصفة فمعناه: زوجتى هند طالق.

الثانى: التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه مثل: ان جاء زيد فزوجتى طالق، و هذا هو المبطل للعقد و الايقاع، لانه ينافى الانشاء.

اذا عرفت ذلك قلنا: ان (الممنوع منه) اى من التعليق (هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه) كما ذكرناه فى القسم الثانى.

(و اما ما نحن فيه) اى اسقاط خيار الغبن لو كان غبن (و شبهه) من القسم الاول (مثل طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق مشكوك الرقية) طلاقا و اعتاقا (منجزا) لانه لو لا التنجيز لم يكن إنشاء كما عرفت وجهه قبل اسطر (او الابراء) منجزا (عما احتمل الاشتغال به) كما اذا احتمل ان زيدا مديون له، فيقول: أبرأتك (فقد تقدم فى شرائط الصيغة انه لا مانع منه)

و انما لا مانع منه (لان مفهوم العقد) و الايقاع (معلق عليها) اى على الزوجية و الرقية و اشتغال الذمة (فى الواقع) اذ لا طلاق إلّا على الزوجة

ص: 121

من دون تعليق المتكلم.

و منه البراءة عن العيوب المحتملة فى المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير.

نعم قد يشكل الامر من حيث العوض المصالح به فانه لا بدّ من وقوع

______________________________

و لا عتق الا على العبد و لا ابراء الاعلى الدين (من دون تعليق المتكلم) فاذا اظهر التعليق لم يكن أتى الا بالوصف المحقق للموضوع.

(و منه) اى من هذا الباب الّذي هو معلق فى الواقع (البراءة عن العيوب المحتملة فى المبيع) اذ البراءة لا تكون عن عيب فى المبيع (و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير) كان يقول: اشتريت منك على شرط ان تكون ضامنا اذا ظهر المبيع للغير، فانه لا يضرّ، لانه شرط واقعى.

(نعم قد يشكل الامر) اى امر المصالحة فيما لا يعلم هل هناك غبن أم لا؟ كما اذا قال: اشتريت منك هذا الكتاب بدينار، و صالحت عن الغبن المحتمل بان تعطينى درهم، فان هذا الصلح مشكل، اذ لعله لا غبن فلا مقابل للدرهم الّذي صالح به عن الغبن المحتمل، و الصلح لا بد له من طرفين.

فيشكل الامر (من حيث العوض المصالح به) اى الّذي يأخذه الانسان المحتمل غبنه عن الانسان المحتمل كونه غابنا بعنوان الصلح عن الغبن قبل ان يعلم هل هناك غبن أم لا- (فانه لا بدّ) فى الصلح (من وقوع

ص: 122

شي ء بإزائه و هو غير معلوم.

فالاولى ضمّ شي ء الى المصالح عنه المجهول التحقق، او ضمّ سائر الخيارات إليه، بان يقول: صالحتك عن كل خيار لى بكذا.

و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه لان المعدوم انما دخل

______________________________

شي ء بإزائه) اى بإزاء المصالح به، كالدرهم فى المثال (و هو) اى كون شي ء بإزائه (غير معلوم) لانه لا يعلم هل هناك غبن أم لا؟

(فالاولى) اى اولوية تعيينه (ضمّ شي ء الى المصالح عنه المجهول التحقق).

مثلا: يقول بعتك الكتاب بدينار، و صالحت عن الغبن المحتمل بضميمة قلم بدرهم فيعطى البائع الكتاب و درهم و يأخذ الدينار و القلم (او ضمّ سائر الخيارات إليه) اى الى خيار الغبن فى صيغة الصلح (بان يقول) المشترى: اشتريت منك الكتاب بدينار و (صالحتك عن كل خيار لى) من المجلس و الحيوان و الغبن- ان كان غبن- (بكذا) درهم مثلا، فانه لا يهم بعد ذلك وجود الغبن و عدمه، اذ وقع فى قبال الدرهم شي ء مقطوع به و هو الخيار فى الجملة.

(و) حينئذ (لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض) اى الدرهم (عليه) اى على الغبن و غيره، حتى يقال: ان الدرهم الصلحى كان فى قبال ثلاث خيارات، فاذا لم يكن للمشترى احدها اى الغبن لم يستحق المشترى إلا ثلثي الدرهم.

و انما لم يقسط (لان المعدوم) و هو خيار الغبن (انما دخل) فى

ص: 123

على تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

الثانى من المسقطات اشتراط سقوط الخيار فى متن العقد

و الاشكال فيه من الجهات المذكورة هنا او المتقدمة فى اسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها.

نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار، و خيار الرؤية و هو لزوم الغرر من اشتراط اسقاطه

______________________________

الصلح (على تقدير وجوده) بان كان هناك غبن يسبب الخيار (لا) انه دخل (منجزا باعتقاد الوجود) له، حتى اذا فقد كان له قسط من عوض الصلح الّذي هو الدرهم.

(الثانى من المسقطات) لخيار الغبن (اشتراط سقوط الخيار فى متن العقد) فانه يوجب سقوطه بمقتضى: المؤمنون عند شروطهم (و الاشكال فيه) اى فى اشتراط السقوط فى متن العقد (من الجهات المذكورة هنا) اى فى مسألة خيار الغبن (او المتقدمة) اى الاشكالات المتقدمة (فى اسقاط الخيارات المتقدمة) التى تقدمت على خيار الغبن (قد علم التفصي) و التخلص (عنها) فلا اشكال فى شرط سقوط خيار الغبن فى متن العقد.

(نعم هنا وجه آخر للمنع) اى منع شرط سقوط الخيار (يختص) هذا الاشكال (بهذا الخيار، و خيار الرؤية) بل و خيار تلقى الركبان، و خيار العيب، و غيرها (و هو لزوم الغرر من اشتراط اسقاطه) لان اشتراط سقوط الخيار يوجب الجهل بمقدار مالية المبيع.

مثلا: لو باعه بمائة، فالمشترى لا يعلم هل يسوى مائة او عشرة و هذا اشد

ص: 124

قال فى الدروس فى هذا المقام ما لفظه: و لو شرطا رفعه او رفع خيار الرؤية، فالظاهر بطلان العقد للغرر، انتهى.

ثم احتمل الفرق بين الخيارين بان الغرر فى الغبن سهل الازالة

______________________________

انواع الغرر، و كذا فى خيار العيب لانه قد يكون لا يسوى عشرة لانه معيب بينما اشتراه بمائة لظنه صحته اما اذا كان خيار فهو ضرر متدارك فليس غررا.

(قال فى الدروس فى هذا المقام) مقام اشتراط اسقاط خيار الغبن (ما لفظه: و لو شرطا رفعه) اى رفع خيار الغبن (او رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد) لان بطلان الشرط يوجب بطلان العقد (للغرر) الناشئ من هذا الشرط (انتهى) كلام الدروس.

(ثم احتمل) الشهيد ره (الفرق بين الخيارين) خيار الرؤية، فلا يصح اشتراط سقوط الخيار فيه، و خيار الغبن فيصح اشتراط سقوط الخيار فيه (بان الغرر فى الغبن سهل الازالة) فيصح اشتراط اسقاط الخيار فيه، فان المغبون حصل على بغيته و انما غبن فى القيمة، و هذا قليل الاهمية، بخلاف خيار الرؤية فلا يصح اشتراط اسقاط خياره، لان المغبون لم يحصل على بغيته، و لذا كان اسقاط الخيار موجبا لتضرره ضررا بالغا، و سيأتى من المصنف وجه آخر للفرق بين اسقاط الغبن و اسقاط الرؤية حيث قال: لكن الاقوى ... فى تصحيح الاول، و قال و اما خيار الرؤية، فى عدم صحة الثانى.

ص: 125

و جزم الصيمرى فى غاية المرام ببطلان العقد و الشرط.

و تردد فيه المحقق الثانى، الا انه استظهر الصحة.

و لعل توجيه كلام الشهيد هو ان الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع، كالجهل بصفاته لان وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه الى الجهل بمقدار ماليته.

و لذا

______________________________

(و جزم الصيمرى فى غاية المرام ببطلان العقد و الشرط) اذا شرط سقوط خيار الغبن، فان شرط بطلانه يسرى الى بطلان العقد.

(و تردد فيه) اى فى بطلان العقد (المحقق الثانى) أوّلا (الا انه استظهر الصحة) اخيرا.

(و لعل توجيه كلام الشهيد) القائل ببطلان العقد (هو ان الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع) ان تدورك ببقاء خيار الغبن لم يكن جهلا ضارا، لان الخيار يتداركه، اما اذا لم يتدارك بان اشترط سقوط الخيار كان حال هذا الجهل (كالجهل بصفاته) اى بصفات المبيع، و الجهل بالصفات يوجب الغرر فالبطلان، و كذلك الجهل بالقيمة.

و انما كان حال الجهل بالقيمة حال الجهل بالصفات (لان وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه) اى رجوع الجهل بالصفات (الى الجهل بمقدار ماليته) فاذا كان الجهل بالصفات ايجابه الغرر من جهة رجوعه الى الجهل بالمالية، كان الجهل بالمالية اولى بالغرر.

(و لذا) الّذي كان سبب الغرر الجهل بالصفات هو رجوعه الى

ص: 126

لا غرر مع الجهل بالصفات التى لا مدخل لها فى القيمة.

لكن الاقوى الصحة لان مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك فى القيمة و يضافان ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لاجل الخيار حتى يكون اسقاطه موجبا لثبوته، و الا لم يصح البيع.

اذ لا يجدى فى الاخراج عن الغرر ثبوت الخيار لانه حكم شرعى لا يرتفع به

______________________________

الجهل بالمالية (لا غرر مع الجهل بالصفات التى لا مدخل لها فى القيمة)

كما اذا باعه حنطة لم يعلم انها عراقية او ايرانية- بعد ان كان هذا الوصف لا يوجب تفاوت القيمة-.

(لكن الاقوى الصحة) للعقد الّذي اشترط فيه اسقاط خيار الغبن (لان مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا) يوجب البطلان (لم يصح البيع مع الشك فى القيمة) مع انه صحيح بلا اشكال (و أيضا) اشكال آخر على الشهيد، و هو انه قال: ان الغرر يرتفع بالخيار مع انه غير تام (فان ارتفاع الغرر عن هذا البيع) الّذي كان مغبونا فيه (ليس لاجل الخيار حتى يكون اسقاطه) اى اسقاط خيار الغبن (موجبا لثبوته) اى لثبوت الغرر (و الا) فلو توهم ارتفاع الغرر بسبب ثبوت الخيار فيه (لم يصح) هذا التوهم بل كان اللازم بطلان (البيع) حتى فى صورة وجود الخيار.

(اذ لا يجدى فى الاخراج عن الغرر ثبوت الخيار).

و انما لا يجدى (لانه) اى الخيار (حكم شرعى لا يرتفع به) اى بهذا

ص: 127

موضوع الغرر و الا لصح كل بيع غررى على وجه التزلزل و ثبوت الخيار كبيع المجهول وجوده، و المتعذر تسليمه.

و اما خيار الرؤية فاشتراط سقوطه راجع الى اسقاط اعتبار ما اشترطاه من الاوصاف فى العين غير المرئية، فكانهما تبايعا، سواء وجد فيها تلك الاوصاف، أم لا.

______________________________

الحكم الشرعى (موضوع الغرر) فان بالاحكام الشرعية لا ترتفع الموضوعات الخارجية (و الا) فلو كانت الاحكام الشرعية كالخيار ترفع الموضوعات العرفية (لصح كل بيع غررى على وجه التزلزل) بان يشترط فيه الخيار مع وضوح انه لا يصح البيع الغررى و ان كان فيه خيار.

و لا يخفى ان قول المصنف: و الا لم يصح البيع غير مستقيم، بل كان الاحسن اسقاط هذه الجملة، فشرحنا لهذه الجملة بما ذكرناه تكلف اضطررنا إليه (و ثبوت الخيار كبيع) الشي ء (المجهول وجوده) فانه غرر و لا يصححه جعل الخيار فيه (و) بيع الشي ء (المتعذر تسليمه) فانه غرر و لا يصححه جعل الخيار فيه.

(و اما خيار الرؤية ف) لا يصح اشتراط اسقاطه، لان (اشتراط سقوطه راجع الى اسقاط اعتبار ما اشترطاه من الاوصاف) التى اشترطوها (فى العين غير المرئية) اذ فى العين الحاضرة المشاهدة ترفع الغرر، اما فى العين الغائبة فالاوصاف ترفع الغرر (فكانهما) اى المتبايعين اذا اسقطا خيار الرؤية (تبايعا، سواء وجد فيها) اى فى العين الموصوفة (تلك الاوصاف) التى ذكراها حال البيع (أم لا) لانه اذا لم تكن تلك الاوصاف لا

ص: 128

فصحة البيع موقوفة على اشتراط تلك الاوصاف و اسقاط الخيار فى معنى الغائها الموجب للبطلان، مع احتمال الصحة هناك أيضا، لان مرجع اسقاط خيار الرؤية الى التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط، لا الى عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف.

و لا تنافى بين ان يقدم على اشتراء العين بانيا على وجود تلك

______________________________

خيار له، لتدارك النقص.

(ف) الوصف و اسقاط الخيار مناقض، اذ (صحة البيع موقوفة على اشتراط تلك الاوصاف) التى ذكروها حال البيع (و اسقاط الخيار فى معنى الغائها) اى الغاء تلك الاوصاف (الموجب) الغائها (للبطلان) اى بطلان البيع، اذ يكون حينئذ من بيع المجهول هذا (مع احتمال الصحة هناك) و هو اشتراط الغاء خيار الرؤية (أيضا) كما صح الغاء خيار الغبن (لان مرجع اسقاط خيار الرؤية الى التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط) اى شرط الاوصاف المأخوذة عند العقد على العين الغائبة (لا الى عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف) فانه لا تنافى بين الالتزام، و بين عدم الضمان فى صورة تخلف الالتزام.

وجه عدم التنافى ان الالتزام نوع من تطمين الطرف الّذي يعتمد بالتزام الملتزم و لا يلازم ذلك انه لو تخلف كان ضامنا.

(و لا تنافى بين ان يقدم على اشتراء العين بانيا على وجود تلك

ص: 129

الاوصاف، و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت، فتأمل، و سيجي ء تمام الكلام فى خيار الرؤية.

و كيف كان فلا ارى اشكالا فى اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر اذ لو لم يشرع الخيار فى الغبن اصلا لم يلزم منه غرر.

الثالث: تصرف المغبون باحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة

بعد علمه بالغبن.

______________________________

الاوصاف) التى وصفت عند المعاملة (و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت) الاوصاف، فلم تكن العين كما وصفت (فتأمل).

كانه اشارة الى وجود التنافى، كما سيأتى تفصيل الكلام فيه فى بحث خيار الرؤية ان شاء الله تعالى (و سيجي ء تمام الكلام فى خيار الرؤية).

(و كيف كان) الامر فى خيار الرؤية (ف) الكلام هنا فى خيار الغبن و هل يصح اشتراط اسقاطه حال العقد، أم لا؟

و (لا ارى اشكالا فى اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر) فاشتراطه لا يوجب الغرر (اذ لو لم يشرع الخيار فى الغبن اصلا لم يلزم منه غرر) فكذلك اذا شرع و لكنه اسقط بالشرط و الله سبحانه العالم.

(الثالث) من مسقطات خيار الغبن (تصرف المغبون باحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة) صفة التصرفات.

اذ قد تقدم فى تلك الخيارات ان بعض التصرفات مسقطة، و بعضها غير مسقطة اذا تصرف (بعد علمه بالغبن) فان مثل هذا التصرف مسقط للخيار.

ص: 130

و يدل عليه ما دل على سقوط خيارى المجلس و الشرط به، مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان و هو اطلاق بعض معاقد الاجماع، بان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه اجازة و فيما انتقل عنه فسخ.

و عموم العلة المستفادة من النص فى خيار الحيوان المستدل بها فى

______________________________

(و يدل عليه) اى على كون مثل هذا التصرف مسقطا (ما دل على سقوط خيارى المجلس و الشرط به) اى بذلك التصرف (مع عدم ورود نص فيهما).

اذ لا نص على ان خيارى المجلس و الشرط يسقطان بالتصرف (و اختصاص النص بخيار الحيوان) و انه يسقط بالتصرف (و) الدليل الدال على اسقاط التصرف بخيار الغبن- اذا حدث بعد علمه بالغبن- (هو اطلاق بعض معاقد الاجماع، بان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه اجازة) توجب سقوط الخيار (و فيما انتقل عنه فسخ) للمعاملة، فلو انتقل الحيوان الى زيد فى قبال دينار، ففى مدة خيار الحيوان- ان تصرف زيد فى الحيوان- كان تصرفه اجازة، و ان تصرف فى الدينار كان فسخا (و عموم) هذا دليل ثان لسقوط الخيار بالتصرف فى الشي ء المغبون فيه، و هو معطوف على اطلاق (العلة المستفادة من النص فى خيار الحيوان) العلة التى تقول بان التصرف يوجب اسقاط الخيار، لانه رضى فان قوله عليه السلام «لانه رضى» شامل للتصرف فى المغبون فيه (المستدل بها فى

ص: 131

كلمات العلماء على السقوط و هى الرضا بلزوم العقد.

مع ان الدليل هنا اما نفى الضرر، و اما الاجماع.

و الاول منتف، فانه كما لا يجرى مع

______________________________

كلمات العلماء على السقوط) للخيار (و هى الرضا بلزوم العقد) المنكشف ذلك الرضا من التصرف فى ماله فيه الخيار.

و هذان «الاجماع، و لانه رضى» هما الدليلان على ان التصرف فى المغبون فيه يسقط الخيار، هذا.

(مع ان الدليل) على اصل خيار الغبن (هنا) دليل لا يشمل ما بعد التصرف.

و عليه فهنا سببان لعدم خيار الغبن بعد التصرف.

الاول: هو ان دليل خيار الغبن لا يشمل ما بعد التصرف.

الثانى: هو انه على تقدير شمول دليل خيار الغبن لما بعد التصرف هناك دليلان يدلان على سقوط الخيار بالتصرف، و هما: الاجماع على السقوط و شمول العلة المسقطة، لانه رضا لما بعد التصرف.

و حيث ذكر المصنف السبب الثانى أولا حيث قال «و يدل عليه ..»

ذكر هنا السبب الثانى بقوله: ان الدليل على اصل خيار الغبن (اما نفى الضرر) لان تحمل الغبن بدون الخيار ضرر على المغبون (و اما الاجماع) على خيار الغبن.

(و الاول) اى نفى الضرر (منتف) بعد التصرف و علمه بالغبن.

وجه انتفائه ما ذكره بقوله: (فانه كما لا يجرى) دليل نفى الضرر (مع

ص: 132

الاقدام عليه، فكذلك لا يجرى مع الرضا به بعده.

و اما الاجماع فهو غير ثابت مع الرضا، الا ان يقال: ان الشك فى الرفع لا الدفع فيستصحب، فتأمل.

او ندّعى ان ظاهر قولهم فيما نحن فيه ان هذا الخيار لا يسقط بالتصرف

______________________________

الاقدام عليه) فلا يكون له خيار الغبن اذا اقدم على البيع، و هو عالم بانه ضررى (فكذلك لا يجرى) دليل نفى الضرر (مع الرضا به) اى بالبيع (بعده) اى بعد البيع، فالمسقط للخيار الرضا، سواء كان رضا قبل العقد او كان رضا بعد العقد.

(و اما) الثانى: و هو (الاجماع) على خيار الغبن (فهو غير ثابت مع الرضا) بالمعاملة بعد علمه بالغبن (الا ان يقال) فى دفع قولنا «مع ان الدليل هنا ...» (ان) الخيار ثبت بالغبن، و لا يعلم ارتفاعه بالتصرف لان (الشك فى الرفع) و هل انه رفع الخيار بالتصرف أم لا؟ (لا الدفع) اى ليس الشك فى انه هل ثبت الخيار أم لا؟ «حتى يقال: بان الاصل عدم الخيار» بل الشك فى انه هل ارتفع الخيار أم لا؟ (فيستصحب) ثبوت الخيار بعد التصرف (فتأمل) اذ لا يبقى شك مع عدم شمول دليل الخيار «نفى الضرر و الاجماع» لما بعد التصرف الكائن بعد علمه بالغبن فلا مجال لاستصحاب الخيار.

(او ندّعى) عطف على «الا ان يقال» و قصده بذلك اسقاط قوله «و يدل عليه» و اذا فلا دليل على سقوط خيار الغبن بالتصرف (ان ظاهر قولهم فيما نحن فيه) اى خيار الغبن (ان هذا الخيار لا يسقط بالتصرف)

ص: 133

شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك.

لكن الانصاف عدم شمول التصرف فى كلماتهم لما بعد العلم بالغبن.

و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار ان التصرف مسقط لكل

______________________________

عدم اجماعهم على ان خيار الغبن يسقط بالتصرف.

فما تقدم من «الاجماع على ان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه اجازة» لا يشمل خيار الغبن، ف (شموله) اى شمول قولهم المذكور (للتصرف) من المغبون (بعد العلم بالغبن) فلا سقوط لخياره بالتصرف بعد العلم (و اختصاص هذا الخيار) اى خيار الغبن (من بين الخيارات بذلك) اى بعدم السقوط بالتصرف.

اما سائر الخيارات فان التصرف مسقط لها.

و قوله «و اختصاص» عطف بيان لقوله «شموله» كما ان «شموله» خبر لقوله «ان ظاهر ...».

(لكن الانصاف) ان قولنا «او ندّعى» غير تام، ل (عدم شمول التصرف فى كلماتهم) التى قالوا ان «التصرف فى خيار الغبن ليس بمسقط» (لما بعد العلم بالغبن) بل مرادهم ان التصرف قبل العلم بالغبن لا يسقط الخيار.

(و غرضهم من تخصيص الحكم) اى الحكم بعدم السقوط بالتصرف (بهذا الخيار) اى بخيار الغبن، حيث قالوا «ان خيار الغبن ليس كسائر الخيارات» (ان التصرف) من ذى الخيار (مسقط لكل

ص: 134

خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار كما فى العيب و التدليس سوى هذا الخيار.

و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من ان التصرف قبل العلم بالعيب، و التدليس ملزم، لدلالته على الرضا بالبيع فيسقط الرد.

و انما يثبت الارش فى خصوص العيب لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب و كيف كان فاختصاص التصرف غير المسقط

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 135

______________________________

خيار و لو وقع) التصرف (قبل العلم بالخيار، كما فى العيب و التدليس) فانه اذا تصرف ذو الخيار و لو قبل ان يعلم بالعيب و التدليس سقط خياره و له حق الارش خاصة (سوى هذا الخيار) اى خيار الغبن، فان التصرف قبل العلم بالغبن لا يسقط خياره.

(و يؤيد ذلك) اى يؤيد ان خيار الغبن لا يسقط بالتصرف- اذا كان التصرف قبل العلم بالغبن- انهم خصوا اسقاط التصرف للخيار بخيارى التدليس و العيب، فلو كان خيار الغبن مثلهما لم يكن وجه للتخصيص فالمؤيد لذلك هو (ما اشتهر بينهم من ان التصرف قبل العلم بالعيب، و) ب (التدليس ملزم) للعقد فلا خيار بعد التصرف (لدلالته) اى التصرف (على الرضا بالبيع ف) اذا رضى بالبيع (يسقط الرد) اذ لا خيار

(و انما يثبت الارش فى خصوص العيب) لا فى التدليس، لانه لا ارش فيه، اذ لا نقصان (لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب) و انما يدل على الرضا بالعقد فقط، و لا تلازم بين الرضاءين.

(و كيف كان) وجه التأييد المذكور فانه يحتمل عدم التأييد- اذا ثبات الشي ء لا ينفى ما عداه- (فاختصاص التصرف غير المسقط) لخيار الغبن

ص: 135

فى كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفى على المتتبع فى كلماتهم.

نعم لم اجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكى عن صاحب المسالك و تبعه جماعة.

لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل مما لا ينبغى

______________________________

(فى كلامهم بما) كان التصرف (قبل العلم) بالغبن و اما التصرف بعد العلم فهو مسقط لخيار الغبن (لا يكاد يخفى على المتتبع فى كلماتهم) فان هذا يستفاد من انصراف كلامهم.

(نعم لم اجد لهم تصريحا بذلك) و ان التصرف غير المسقط هو ما كان قبل علم المغبون (عدا ما حكى عن صاحب المسالك) و هو الشهيد الثانى (و تبعه جماعة) آخرون.

(لكن الاستشكال) فى سقوط الخيار عند التصرف بعد العلم بالغبن (من جهة ترك التصريح) من قدماء الفقهاء (مع وجود الدليل) على سقوط الخيار.

و الدليل هو ما ذكرناه من الاجماع على السقوط اذا كان بعد العلم و العلة فى قوله عليه السلام «لانه رضى» (مما لا ينبغى).

ان قلت: كيف قال المصنف: انهم لم يصرحوا او قال: انه اجماع على الحكم.

قلت: الاجماع مستفاد من انصراف كلامهم، و ان لم يكن تصريح فى كلمات القدماء.

اذا لا ينبغى الاشكال فى سقوط خيار الغبن اذا تصرف المغبون بعد

ص: 136

بل ربما يستشكل فى حكمهم بعدم السقوط بالتصرف قبل العلم، مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم.

و الاعتذار بالنص انما يتم فى العيب دون التدليس، فانه مشترك مع خيار

______________________________

علمه بالغبن.

(بل ربما يستشكل فى حكمهم بعدم السقوط) اى عدم سقوط خيار الغبن (بالتصرف) فى المغبون فيه (قبل العلم) اى قبل علمه بالغبن (مع) انه لا بدّ من القول بالسقوط قبل العلم أيضا بدليل (حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم) اى قبل علمه بالتدليس و العيب.

فاذا كان التصرف قبل العلم مسقطا لكان مسقطا فى خيار الغبن أيضا، و ان لم يكن مسقطا لم يكن مسقطا حتى فى العيب و التدليس.

(و) ان قلت: انه ورد الدليل بان التصرف فى المعيب قبل العلم يسقط الخيار، و لم يرد مثل هذا الدليل فى خيار التدليس.

قلت: (الاعتذار) للفرق (بالنص) غير تام، لانه (انما يتم فى العيب) اذ ورد النص فى سقوط الخيار بالتصرف فى المعيب، اذا كان التصرف قبل العلم (دون التدليس) فالتدليس مثل الغبن لا نص فيهما.

فاللازم اما القول بسقوط الخيار فيهما بالتصرف قبل العلم، و اما القول بعدم سقوط الخيار فيهما فلما ذا قالوا بسقوط خيار التدليس مع قولهم بعدم سقوط خيار الغبن؟ (فانه) اى التدليس (مشترك مع خيار

ص: 137

الغبن فى عدم النص.

و مقتضى القاعدة فى حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد.

و التحقيق ان يقال: ان مقتضى القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد، و تحمل الضرر

نعم قد ورد النص فى العيب على السقوط و ادعى عليه الاجماع مع ان ضرر السقوط فيه متدارك

______________________________

الغبن فى عدم النص) الدال على انه هل يسقط خيار هما بالتصرف قبل العلم او لا يسقط؟.

(و) الحال ان (مقتضى القاعدة فى حكم التصرف قبل العلم فيهما) اى فى الغبن و التدليس (واحد).

و مقتضى القاعدة هو ما ذكره بقوله: (و التحقيق ان يقال: ان مقتضى القاعدة عدم السقوط) للخيار فى التدليس و الغبن اذا تصرف قبل العلم بالتدليس و الغبن (لبقاء الضرر) الّذي كان سببا للحكم بالخيار فيهما (و عدم دلالة التصرف مع الجهل) من المتصرف بالغبن و التدليس (على الرضا بلزوم العقد) حتى يقال: ان الرضا اسقط الخيار (و) على (تحمل الضرر) حتى يقال: انه اقدم بنفسه على ضرر نفسه، فلا خيار له بعد الاقدام.

(نعم قد ورد النص فى العيب على السقوط) اى سقوط خيار العيب بالتصرف قبل العلم بالعيب (و ادعى عليه الاجماع) فاللازم القول بالسقوط (مع ان ضرر السقوط) للخيار (فيه) اى فى خيار العيب (متدارك

ص: 138

بالارش، و ان كان نفس امساك العين قد تكون ضررا، فان تم دليل فى التدليس أيضا قلنا به، و الا وجب الرجوع الى دليل خياره.

ثم ان الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن، مبنى على ما تقدم فى الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد

______________________________

بالارش) فلا يقاس خيار العيب بخيارى التدليس و الغبن اللذين لا تدارك فيهما بعد سقوط الخيار (و ان كان نفس امساك العين) المعيبة (قد تكون ضررا) على المتصرف و ان اخذ الارش، الا ان النص و الاجماع يحكمان بان التصرف موجب بسقوط الرد، فلا بد من القول به (فان تم دليل) ان التصرف قبل العلم موجب لاسقاط الخيار (فى التدليس أيضا) كما تم فى العيب (قلنا به) و ان خيار التدليس يسقط بالتصرف، اذا كان التصرف قبل العلم، اما التصرف بعد العلم فاسقاطه للخيار واضح (و الا) يتم دليل فى التدليس (وجب الرجوع الى دليل خياره) اى خيار التدليس.

و الدليل يدل على اطلاق الخيار الشامل لما بعد التصرف- فيما كان التصرف قبل العلم-.

(ثم ان الحكم بسقوط الخيار ب) سبب (التصرف بعد العلم) اى علم المغبون (بالغبن، مبنى على ما تقدم فى الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد) فيكون الرضا اللاحق كما اذا كان راضيا بالغبن قبل العقد و اقدم عليه، حيث ان ذلك يوجب عدم

ص: 139

و الا كان اللازم فى غير ما دل فعلا على الالتزام بالعقد من افراد التصرف الرجوع الى اصالة بقاء الخيار.

الرابع من المسقطات: تصرف المشترى المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك على وجه اللزوم، كالبيع و العتق
اشارة

فان المصرح به فى كلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ.

و قيل انه المشهور، و هو كذلك بين المتأخرين.

نعم ذكر الشيخ فى خيار المشترى مرابحة

______________________________

الخيار له لانه اقدم على ضرر نفسه (و الا) يكن التصرف دليلا على الرضا بقول مطلق (كان اللازم فى غير ما دل فعلا) اى بالفعل (على الالتزام بالعقد من افراد التصرف) «من» بيان «ما» (الرجوع الى اصالة بقاء الخيار) لاستصحاب بقائه بعد الشك فى زواله بالتصرف.

(الرابع من المسقطات) لخيار الغبن (تصرف المشترى المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك) اخراجا (على وجه اللزوم) لا على وجه الجواز (كالبيع و العتق) لا كالهبة الجائزة (فان المصرح به فى كلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ) اى حين التصرف المخرج.

(و قيل انه) اى سقوط خياره بالتصرف المخرج هو (المشهور، و هو كذلك) مشهور (بين المتأخرين) اما بين المتقدمين اى ما قبل المحقق فلا (نعم) من المتقدمين (ذكر الشيخ) هذه المسألة (فى خيار المشترى) اذا اشترى (مرابحة) بان قال له البائع: ان رأس المال

ص: 140

عند كذب البائع انه لو هلك السلعة او تصرف فيها سقط الرد.

و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن، كما يظهر من جامع المقاصد فى شرح قول الماتن، و لا يبطل الخيار بتلف العين، فراجع.

و استدل على هذا الحكم فى التذكرة بعدم امكان استدراكه مع

______________________________

كذا، و آخذ كذا عليه ربحا (عند كذب البائع) بان ظهر للمشترى ان البائع كذب فى اخباره برأس المال.

مثلا قال له: انه اشتراه بمائة، فظهر انه اشتراه بثمانين.

قال الشيخ: (انه لو هلك السلعة او تصرف فيها) المشترى (سقط الرد).

(و) هذا الكلام بضميمة ان (الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن) لان كليهما خيار من جهة غبن البائع للمشترى، اما غبنا فعليا كما فى خيار الغبن و اما غبنا من حيث ان المشترى دخل باعتبار قيمة اختارها، لا باعتبار قيمة اخبر بها كذبا يفهمنا ان الشيخ يرى كون التصرف مسقطا و لا يخفى ان اتحاد هذين الخيارين (كما) ذكرنا وجهه (يظهر) أيضا (من جامع المقاصد فى شرح قول الماتن) الّذي هو العلامة (و لا يبطل الخيار بتلف العين، فراجع).

و قد ذكر كلامهما العلامة الشهيد ره فى تعليقة على المتن.

(و) كيف كان، فقد (استدل على هذا الحكم) سقوط خيار الغبن بتصرف المشترى قبل علمه بالغبن، تصرفا مخرجا عن الملك (فى التذكرة بعدم امكان استدراكه) اى الاخذ بالخيار (مع

ص: 141

الخروج عن الملك، و هو بظاهره مشكل، لان الخيار غير مشروط عندهم بامكان رد العين.

و يمكن ان يوجه بان حديث: نفى الضرر لم يدل على الخيار، بل المتيقن منه جواز ردّ العين المغبون فيها، فاذا امتنع ردها فلا دليل على جواز فسخ العقد.

و

______________________________

الخروج عن الملك).

اذ مقتضى الفسخ رد كل شي ء الى صاحبه و كيف يمكن ذلك مع تلف العين او خروجها عن ملك المشترى خروجا لازما؟ (و هو) اى استدلال العلامة (بظاهره مشكل، لان الخيار غير مشروط عندهم بامكان رد العين) بل له الاخذ بالخيار، فان لم يتمكن من رد العين رد بدلها من المثل او القيمة.

(و يمكن ان يوجه) كلام العلامة (بان حديث: نفى الضرر) الّذي كان مستندا لخيار الغبن (لم يدل على الخيار، بل المتيقن منه جواز ردّ العين المغبون فيها) فان الرد كان ممنوعا- بدليل لزوم البيع- فلا ضرر يرفع هذا المنع (فاذا امتنع ردها) لتلف العين، او انتقالها انتقالا لازما (فلا دليل على جواز فسخ العقد) بل الاصل فيه اللزوم، بدليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و) ان قلت: فاذا لم يقدر المغبون من الفسخ تضرر، و لا ضرر فى الاسلام.

ص: 142

تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فان دفع الضرر من الطرفين انما يكون بتسلط المغبون على رد العين، فيكون حاله من حيث ان له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة فى ان له ان يشترى و ان يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه مع ان اخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر، و لو جهلا منه به

______________________________

قلت: (تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن) لا ينفع، لانه (معارض بتضرر الغابن بقبول البدل) اذ الغابن لا يريد بدل ماله فيسقط الضرران احدهما بالآخر، فلا يبقى دليل على فسخ المغبون (فان دفع الضرر من الطرفين) بان لا يتضرر المغبون بزيادة القيمة، و لا يتضرر الغابن برد بدل ماله (انما يكون بتسلط المغبون على ردّ العين) فاذا لم تكن العين لم يكن المغبون مسلطا على الرد (فيكون حاله) اى حال المغبون- اذا كانت العين موجودة- (من حيث ان له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة فى ان له ان يشترى و ان يترك) الاشتراء، فاذا اشترى جاهلا بالغبن كان له الرد و القبول مع وجود العين (و ليس هكذا) اى ليس له الرد و القبول (بعد خروج العين عن ملكه) اذ: الرد يستلزم تضرر الغابن لاجل انه لا يريد بدل متاعه و انما يريد عينه.

اقول لا وجه لادعاء تضرر الغابن فى المثلى و انما يمكن ادعائه فى القيمى (مع ان اخراج المغبون العين عن ملكه التزام) منه (بالضرر) و اقدام عليه، و مع الاقدام على الضرر لا خيار (و لو جهلا منه به) اى بالضرر

ص: 143

هذا، و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد فى اللمعة بما توضيحه ان الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه، لما عرفت من ان الخارج عن عموم نفى الضرر ليس إلا صورة الاقدام عليه عالما به فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها على ملكه، و بدلها مع عدمه.

______________________________

(هذا، و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدّس روحه السعيد) و «قدس» اى نزّه عن العذاب و الالم فى الآخرة دعاء، و «السعيد» لانه لم يكن شقيا فى الدنيا (فى اللمعة بما توضيحه) ملخصا ان الضرر ثابت حتى مع التصرف جهلا، و لا ضرر يقول بجواز رده حتى بعد التلف و لا ضرر على الغابن برد المثل و القيمة، ف (ان الضرر الموجب للخيار قبل التصرف) اى قبل تصرف المغبون (ثابت مع التصرف) فان التصرف ليس مزيلا للضرر (و التصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه) اى ليس اقداما على الضرر، حتى يكون الاقدام اسقاطا للخيار (لما عرفت من ان الخارج عن عموم نفى الضرر ليس إلا صورة الاقدام عليه) اى على الضرر (عالما به) و الا لا يسمى اقداما حتى يكون مسقطا لخياره، و حيث لم يقدم المغبون على ضرر نفسه (فيجب تدارك الضرر باسترداد) المغبون (ما دفعه من الثمن الزائد) اى كل الثمن اصله و زيادته، فانه يسترد الثمن (ب) مقابل (رد) ه (نفس العين مع بقائها على ملكه، و) برد (بدلها مع عدمه) سواء كان عدمه لتلفها، او كان لاجل نقله العين الى الغير نقلا

ص: 144

و فوات خصوصية العين على الغابن ليس ضررا، لان العين المبيعة ان كانت مثلية، فلا ضرر بتبدلها بمثلها.

و ان كانت قيمية فتعريضها للبيع يدل على إرادة قيمتها، فلا ضرر اصلا فضلا عن ان يعارض ضرر زيادة الثمن على القيمة خصوصا مع الافراط فى الزيادة.

______________________________

لازما.

و لا يخفى ان كلام الشهيد فيما اذا كان المغبون المشترى، و لذا قال: ما دفعه من الثمن و إلا فنفس الكلام يأتى فيما كان المغبون هو البائع.

(و) ان قلت: ان رد البدل يوجب ضرر الغابن حيث لم ترد عليه عينه.

قلت: (فوات خصوصية العين على الغابن ليس ضررا).

و ذلك (لان العين المبيعة) التى باعها المغبون (ان كانت مثلية فلا ضرر) للغابن (بتبدلها بمثلها) لان المثلين متساويان فى الخصوصيات (و ان كانت قيمية فتعريضها) اى تعريض البائع الغابن (للبيع يدل على إرادة) اى إرادة البائع الغابن (قيمتها) فاذا اعطاه المشترى المغبون القيمة (فلا ضرر اصلا) على الغابن (فضلا عن ان يعارض) ضرر الغابن، ل (ضرر زيادة الثمن على القيمة) الّذي هو ضرر المغبون (خصوصا مع الافراط) اى افراط الغابن (فى الزيادة) فانه لو فرض ضرر الغابن بالتبديل يكون ضرر المغبون- فى حالة الافراط- اكثر من ضرر

ص: 145

و الانصاف ان هذا حسن جدا.

لكن قال فى الروضة ان لم يكن الحكم اجماعا.

اقول: و الظاهر عدمه لانك عرفت عدم عنوان المسألة فى كلام من تقدم على المحقق فيما تتبعت.

ثم ان مقتضى دليل المشهور عدم الفرق فى المغبون المتصرف بين البائع و المشترى.

______________________________

الغابن فيقدم: لا ضرر المغبون، على: لا ضرر الغابن.

(و) المصنف يقول (الانصاف ان هذا) الكلام من الشهيد الاول (حسن جدا).

(لكن قال) الشهيد الثانى (فى الروضة) شرح اللمعة فى رد الشهيد الاول (ان لم يكن الحكم) بسقوط خيار المغبون- بسبب تصرفه- (اجماعا) اما اذا كان اجماع على سقوط خيار المغبون بسبب تصرفه فلا موقع لكلام الشهيد الاول.

(اقول: و الظاهر عدمه) اى عدم الاجماع (لانك عرفت عدم عنوان المسألة فى كلام من تقدم على المحقق فيما تتبعت) الّا الشيخ.

و من المعلوم ان عدم فتوى القدماء بذلك يوجب عدم تحقق الاجماع (ثم ان مقتضى دليل المشهور) الذين قالوا بان تصرف المغبون قبل علمه بالغبن يسقط خياره، و قد تقدم ان دليل المشهور ما ذكره العلامة: بعدم امكان استدراكه مع الخروج عن الملك (عدم الفرق فى المغبون المتصرف) فى السلعة (بين البائع و المشترى) فايهما تصرف

ص: 146

قال فى التحرير- بعد ان صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان او مشتريا- و لا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد.

و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم، و بين فك الملك، كالعتق و الوقف، و بين المانع عن الردّ مع البقاء على الملك كالاستيلاد بل و يعم التلف و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشترى فان اراد و اقصر الحكم

______________________________

لم يحق له الأخذ بالخيار.

(قال فى التحرير- بعد ان صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان او مشتريا-) قال: (و لا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد) فان المفهوم امران.

الاول: انه ان تصرف المغبون تصرفا يوجب عدم امكان رده لم يكن له الخيار.

الثانى: انه ان تصرف تصرفا يمكنه الرد مع ذلك لم يسقط خياره.

(و مقتضى اطلاقه) اى اطلاق مفهوم قوله «مع امكان الرد» (عدم الفرق بين الناقل اللازم، و بين فك الملك، كالعتق و الوقف، و بين) التصرف (المانع عن الرد مع البقاء على الملك كالاستيلاد).

فان المولى اذا استولد الامة لم يمكنه نقلها ما دام ولدها موجودا لانها فى سبيل التحرر (بل و يعم) التصرف الموجب لبطلان الخيار (التلف) لانه لا يتمكن من رده مع التلف (و عن جماعة تخصيص العبارة) اى عبارة: ان المغبون لا يمكنه الفسخ اذا تصرف (بالمشترى ف) نقول:

(ان اراد و اقصر الحكم

ص: 147

عليه فلا يعرف له وجه، الا ان يبنى على مخالفته لعموم دليل: الخيار اعنى نفى الضرر فيقتصر على مورد الاجماع.

ثم ان الظاهر: التقييد بصورة امتناع الرد.

و ظاهر التعليل بعدم امكان

______________________________

عليه) اى على المشترى، و ليس تصرف البائع مسقطا لخياره- اذا كان البائع مغبونا- (فلا يعرف له وجه).

لان الدليل الّذي يدل على الحكم فى المشترى يدل على الحكم فى البائع (الا ان يبنى) قصر الحكم على المشترى (على مخالفته) اى مخالفة هذا الحكم- و هو سقوط الخيار بالتصرف قبل العلم بالغبن- (لعموم دليل: الخيار).

اذ دليل الخيار يقول: ان الخيار ثابت للبائع و المشترى- اذا تصرف قبل العلم- و قد خرج عن هذا العموم تصرف المشترى، و ذلك للاجماع على ان تصرفه مسقط لخياره، اما حيث لا اجماع فى البائع، لم يكن وجه للقول بسقوط خياره بالتصرف، و دليل الخيار (اعنى) به (نفى الضرر) الشامل لخيار البائع و خيار المشترى (فيقتصر) فى الخروج عنه (على مورد الاجماع) و هو مورد المشترى، و عليه فالبائع لا يسقط خياره ان تصرف قبل العلم تصرفا مخرجا لشمول: لا ضرر له، و لا اجماع فيه.

(ثم ان الظاهر: التقييد) تقييد سقوط الخيار (بصورة) تصرف المغبون تصرفا يسبب (امتناع الرد) فلا يتمكن من رد البضاعة اورد الثمن (و ظاهر التعليل) فى كلام العلامة المتقدم (بعدم امكان

ص: 148

الاستدراك ما صرح به جماعة من ان الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار اذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن، لعموم: نفى الضرر.

و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن.

و

______________________________

الاستدراك) للذى انتقل عن المغبون او تلف عنده (ما صرح به جماعة) هذا خبر «ثم ان» (من ان الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار اذا فسخه) اى فسخ المغبون النقل الجائز بحيث رجع إليه المال، فان له حق الاخذ بخيار الغبن فيرد عين المال الى الغابن (فضلا عن مثل التدبير) و هو ان يقول المولى لعبده: انت حرّ دبر وفاتى، فانه اذا مات المولى صار العبد حرّا (و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا) فان الانسان اذا اوصى بما له لم يخرج ما له عن ملكه، بل له ان يرجع فى وصيته (و هو) اى كون امثال هذه التصرفات، لا توجب سقوط خيار الغبن (حسن، لعموم: نفى الضرر) فانه يوجب خيار المغبون حتى فيما اذا تصرف فى البضاعة امثال هذه التصرفات.

(و) ان قلت: قد خرج الشي ء عن ملك المغبون فكيف يأخذ بالخيار قلت: (مجرد الخروج عن الملك) بامثال هذه الامور الناقلة نقلا جائزا (لا يسقط) الخيار الّذي هو (تدارك ضرر الغبن) الوارد على المغبون.

(و) اما فى التصرفات اللازمة التى ذكرنا انها تمنع الاخذ بالخيار، ف

ص: 149

لو اتفق زوال المانع، كموت ولد أمّ الولد، و فسخ العقد اللازم لعيب او غبن ففى جواز الردّ وجهان، من انه متمكن حينئذ.

و من استقرار البيع.

و ربما يبنيان على ان الزائل العائد كالذى لم يزل او كالذى لم يعد

______________________________

(لو اتفق زوال المانع، كموت ولد أمّ الولد) فان الاستيلاد يوجب المنع عن الردّ و الاخذ بالخيار.

اما اذا مات الولد رجعت الامة ملكا طلقا للمولى (و فسخ العقد اللازم لعيب او غبن) مثلا: لو باع المغبون البضاعة التى غبن فيها فظهر فى الثمن عيب بحيث يحق للمغبون فسخ العقد، او غبن المغبون فى هذه المعاملة الثانية بحيث يحق له فسخ هذا العقد الثانى (ففى جواز الردّ) اى ردّ المغبون ما وقع عليه العقد اللازم (وجهان).

وجه الجواز (من انه متمكن حينئذ) من الردّ فاللازم ان يكون له حق الردّ.

(و من استقرار البيع) الاول، اذ حينما نقل المغبون البضاعة سقط رده، فاذا عادت إليه لم يكن له الرد بعد سقوط الرد.

(و ربما يبنيان) الوجهان (على ان الزائل العائد) اى الملك الّذي زال ثم عاد (كالذى لم يزل) فله الرد (او كالذى لم يعد) فليس له الرد

وجه الاول: تمكنه الآن من الرد، و اى فرق بين ان يزول و يعود او ان لا يزول.

و وجه الثانى: استصحاب عدم صحة رده بعد انه لم يصح رده بسبب

ص: 150

و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا اولى، لان العود هنا بسبب جديد.

و فى الفسخ برفع السبب السابق و فى لحوق الاجارة بالبيع، قولان من امتناع الرد، و هو مختار الصيمرى، و ابى العباس.

______________________________

نقله المال عن ملكه.

(و كذا) يأتى (الوجهان) اى جواز الرد و سقوط الخيار (فيما لو عاد) ما نقله المغبون (إليه) عودا (بناقل جديد).

كما اذا باع الجنس المغبون فيه، ثم اشتراه ثانيا، فهل انه لم يبعه حتى يكون له الخيار، او لا خيار له بعد ان باعه و خرج عن ملكه (و عدم الخيار هنا اولى، لان العود هنا بسبب جديد) فكانه شي ء آخر، لا انه نفس المتاع المغبون فيه.

(و) ليس العود بسبب جديد حاله حال الفسخ للمعاملة الثانية، حيث ان فى صورة الفسخ للمعاملة الثانية يحق له الرد.

اذ (فى الفسخ) يكون العود (برفع السبب السابق) فكانه لم يخرج عن ملكه.

و حيث انه لم يخرج عن ملكه كان له الخيار و حق الرد (و فى لحوق الاجارة) فيما اذا آجر المغبون المتاع (بالبيع) فهل ان الاجارة تمنع الرد، أو لا؟ (قولان).

وجه المنع (من امتناع الرد) فى حال كونه تحت اجارة الغير (و هو مختار الصيمرى، و ابى العباس).

ص: 151

و من ان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك و هو المحكى عن ظاهر الاكثر.

و لو لم يعلم بالغبن الا بعد انقضاء الاجارة توجه الرد.

و كذا لو لم يعلم به حتى انفسخ البيع.

و فى لحوق الامتزاج مطلقا، او فى الجملة

______________________________

و فيه: لعل الاجارة كانت لساعة و نحوها، فلا تمنع الرد، اما احتمال ان نفس الاجارة و لو لساعة تمنع الرد فلا وجه له.

(و من ان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك) فان المغبون له حق الفسخ، و استثنى من هذا ما لو كان الشي ء و قد خرج عن ملكه، و الاجارة لا تخرج عن الملك (و هو المحكى عن ظاهر الاكثر) و هذا هو الاقرب.

(و لو لم يعلم بالغبن الا بعد انقضاء الاجارة توجه) القول الّذي يقول: ان له (الرد) اذ لا محذور فى الردّ اصلا، فانه لا دليل على ان الاجارة بنفسها مانعة عن الردّ.

(و كذا) له الرد لو باع المتاع و (لو لم يعلم به) اى بالغبن (حتى انفسخ البيع) لان الانفساخ يجعل البيع كان لم يكن، فلا مانع من ردّ الشي ء الى الغابن.

(و) لو اشترى اللبن- مثلا- بالغبن فمزجه بلبن نفسه، ثم ظهر له انه مغبون فيه، ف (فى لحوق الامتزاج مطلقا) سواء كان بمال المغبون او بمال غيره (او فى الجملة) اى فيما لم يكن بمال الغابن نفسه كما لو

ص: 152

بالخروج عن الملك، وجوه.

أقواها اللحوق، لحصول الشركة فيمتنع رد العين الّذي هو مورد الاستثناء.

و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة.

______________________________

مزج حليب الغابن بحليب اشتراه منه (بالخروج عن الملك) فى ان ذلك يسقط خيار رده (وجوه) ثلاثة.

(أقواها اللحوق) مطلقا (لحصول الشركة) فى البيع (فيمتنع رد العين الّذي هو مورد الاستثناء) اى ان صورة امكان رد العين هى مورد الاستثناء عن قاعدة لزوم البيع، فان البيع لازم و ليس للمغبون الخيار الا اذا تمكن من رد العين.

و وجه عدم اللحوق: اطلاق دليل: لا ضرر، الموجب للخيار، و لم يخرج منه إلا صورة النقل عن الملك، و الشركة ليست نقلا عن الملك.

و وجه التفصيل انه ان مزجه بمال الغابن لم تحصل الشركة، فلا مانع من الرد، و ان مزجه بمال نفسه او مال انسان ثالث حصلت الشركة فلا يقدر على الرد.

و هذا الوجه اقرب الوجوه لو لم نقل بان له حق الردّ مطلقا مع تحمله ضرر الغابن ان احدث له ضررا.

(و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة) كما لو هزلت الشاة، او ذاب الثلج ففيه وجوه ثلاثة.

1- اطلاق: لا ضرر المقتضى للخيار.

ص: 153

و لو تغيرت بالزيادة العينية، او الحكمية، او من الجهتين فالاقوى الرد فى الوسطى بناء على حصول الشركة فى غيرها المانعة عن ردّ العين فتأمل، هذا كله فى تصرف المغبون.

______________________________

2- و ان الخيار آت مع رد العين و هذا لا يتمكن من ردّها فلا خيار

3- و التفصيل بين ما لو كان النقص قليلا بحيث لا يعتنى به العرف فله الرد، و الا لم يكن له الرد.

و التفصيل هو الاقرب.

(و لو تغيرت بالزيادة العينية) كما لو سمنت الشاة (او الحكمية) كما لو ارتفعت قيمتها عنده (او من الجهتين) العينية و الحكمية (فالاقوى الردّ فى الوسطى) اى الزيادة الحكمية فقط، لان العين قائمة فلا مانع من الردّ.

نعم الظاهر ان للمغبون الحق فيها باعتبار ان الزيادة السوقية حصلت فى ملك المغبون فهى له.

اما فى الزيادة العينية و فى الزيادة العينية و الحكمية فلا خيار للمغبون فى ردّها (بناء على حصول الشركة فى غيرها) اى فى غير الزيادة الحكمية فقط، اذ الزيادة العينية توجب الشركة، لان الزائد ملك المغبون (المانعة) تلك الشركة (عن رد العين) كما تقدم وجهه (فتأمل)

لعل وجهه: ان الزيادة الحكمية أيضا توجب الشركة، فلو كانت الشركة مانعة سقط خياره فى الزيادة الحكمية أيضا (هذا كله فى تصرف المغبون) فى العين المغبون فيها.

ص: 154

و اما تصرف الغابن فالظاهر انه لا وجه لسقوط خيار المغبون به.

و حينئذ فان فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق او الوقف او البيع اللازم، ففى تسلطه على ابطال ذلك من حينه او من اصلها كالمرتهن و الشفيع، او رجوعه الى البدل،

______________________________

(و اما تصرف الغابن) فى المال المنتقل إليه (فالظاهر انه لا وجه لسقوط خيار المغبون به) اى بتصرف الغابن و احتمال سقوط خياره، لان الخيار عبارة عن استرداد ماله مقابل اعطاء ما عنده، و المغبون لا يتمكن من استرداد ماله اذا تصرف الغابن، ففيه انه اذا لم يتمكن من الاسترداد استردّ بدله.

(و حينئذ) اى حين كان تصرف الغابن لا يضر بخيار المغبون (فان فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه) اى عن ملك الغابن خروجا (لزوما بالعتق او الوقف او البيع اللازم) او الهبة اللازمة او غيرها (ففى تسلطه) اى المغبون (على ابطال ذلك) العمل الّذي عمله الغابن فى المال (من حينه) اى حين الابطال، و هو وقت الأخذ بالخيار (او من اصلها) اى اصل تلك التصرفات، حتى كأنّ تصرف الغابن كلا تصرف (كالمرتهن) فانه اذا تصرف فى العين و بعد فك الرهن وجد الراهن العين فى حيازة غيره ابطل تصرف المرتهن من اصله (و الشفيع) فانه اذا باع احد الشريكين نصف داره- مثلا- لانسان، و ذلك المشترى باعها من انسان آخر، فالشريك اذا اخذ بالشفعة ابطل تصرف المشترى من حين تصرفه لا من حين اخذ الشفيع بالشفعة (او رجوعه الى البدل) فلا يحق

ص: 155

وجوه من وقوع العقد فى متعلق حق الغير فان حق المغبون باصل المعاملة الغبنية.

و انّما يظهر له بظهور السبب فله الخيار فى استرداد العين اذا ظهر السبب و حيث وقع العقد فى ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس.

و من ان وقوع العقد فى متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس،

______________________________

للمغبون ابطال عمل الغابن، لا من حين الفسخ، و لا من اصله، بل اذا فسخ اخذ بدله من الغابن (وجوه) ثلاثة.

وجه ابطاله من حينه ما ذكره بقوله: (من وقوع العقد فى متعلق حق الغير) فالغابن عقد على مال المغبون (فان حق المغبون ثابت باصل المعاملة الغبنية) فان الغبن المقارن للعقد سبب الخيار.

(و انما يظهر) الحق (له) اى للمغبون (بظهور السبب) اى الغبن و اذا كان له الحق من حين العقد (فله) اى للمغبون (الخيار فى استرداد العين اذا ظهر) له (السبب) الّذي هو الغبن هذا وجه حق المغبون فى استرداد العين.

اما وجه ان الاسترداد من حين الفسخ لا من اصله، فهو ما ذكره بقوله (و حيث وقع العقد فى ملك الغابن فلا وجه لبطلانه) اى بطلان عمل الغابن (من رأس) اى من اوّل ما عقد.

و اما وجه الاسترداد من اصل عقد الغابن و عمله فقد اشار إليه بقوله (و من ان وقوع العقد فى متعلق حق الغير يوجب تزلزله من راس) و من اوّل العقد، فالغابن حيث اوقع العقد فى متعلق حق المغبون تزلزل

ص: 156

كما فى بيع الرهن.

و مقتضى فسخ البيع الاول تلقى الملك من الغابن الّذي وقع البيع معه، لا من المشترى الثانى.

و من انه لا وجه للتزلزل.

اما لان التصرف فى زمان خيار غير المتصرف صحيح لازم، كما سيجي ء فى احكام الخيار

______________________________

عقده من اوّل ما عقد (كما فى بيع الرهن) فان من عنده الرهن اذا باعه كان البيع متزلزلا، لانه وقع فى حق الراهن.

(و مقتضى فسخ البيع الاول) اى المغبون (تلقى الملك) اى استرجاعه (من الغابن) نفسه (الّذي وقع البيع) الغبنى (معه، لا من المشترى الثانى) الّذي باع الغابن له.

و على هذا فاذا فسخ المغبون كانت القاعدة بطلان المعاملة الثانية من اصلها، لا من حين فسخ المغبون.

ثم اشار المصنف الى وجه الاحتمال الثالث، و هو: رجوع المغبون الى البدل بقوله: (و من انه لا وجه للتزلزل) اى تزلزل عقد الغابن، فعقد الغابن صحيح لازم، و اذا فسخ المغبون و لم يقدر على العين رجع الى بدله، كما اذا فسخ و قد اتلف الغابن العين.

(اما لان التصرف) اى تصرف الغابن (فى زمان خيار غير المتصرف) و هو المغبون (صحيح لازم) لاطلاق ادلة لزوم البيع و نحوه، فلا وجه لتزلزل عقد الغابن (كما سيجي ء فى احكام الخيار) و اذا كان تصرف الغابن

ص: 157

فيسترد الفاسخ البدل.

و اما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا على وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار، كما هو ظاهر الجماعة هنا، و فى خيار العيب قبل ظهوره فان غير واحد ممن منع من تصرف غير ذى الخيار بدون اذنه او استشكل فيه، حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب.

و هذا هو الاقوى، و سيأتى تتمة لذلك فى احكام الخيار.

______________________________

صحيحا (فيسترد الفاسخ البدل) اذا لم يجد العين.

(و اما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن) ظهورا (فعلا على وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار) اى الغابن (كما هو) اى عدم تحقق الخيار قبل ظهوره (ظاهر الجماعة هنا) فى باب خيار الغبن (و فى خيار العيب) أيضا (قبل ظهوره) اى قبل ظهور العيب (فان غير واحد ممن منع من تصرف غير ذى الخيار بدون اذنه) اى بدون اذن ذى الخيار (او استشكل فيه) اى فى تصرف غير ذى الخيار، فى خيار الشرط و نحوه (حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب).

و عليه: فلا خيار فى المقام قبل ظهور الغبن، فلا يضرّ تصرف البائع للغابن، و لا يكون تصرفه متزلزلا.

(و هذا) اى الوجه الثالث، و هو الرجوع الى البدل اذا فسخ المغبون (هو الاقوى، و سيأتى تتمة لذلك فى احكام الخيار) ان شاء الله تعالى.

ص: 158

و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد.

و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه على الاستيلاد.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا جريان الحكم فى خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز، لان معنى جوازه تسلط احد المتعاقدين على فسخه.

______________________________

(و كذا) اى مثل حكم ما لو نقله الغابن نقلا لازما- من انه لو فسخ المغبون رجع الى بدل العين- (الحكم لو حصل) عند الغابن (مانع من رده) اى ردّ الشي ء المغبون فيه (كالاستيلاد) للامة فيها اذا اشترى امة و غبن المشترى البائع فى قيمتها.

(و يحتمل هنا) اى فى الاستيلاد (تقديم حق الخيار لسبق سببه على الاستيلاد).

فاذا فسخ البائع العقد رجعت الامة الى البائع و ان استولدها الغابن، لان حق الفسخ عند العقد و هو مقدم على حق الامة بالاستيلاد الّذي حصل لها بعد العقد، و اللّه العالم.

(ثم ان مقتضى ما ذكرنا) من رجوع المغبون الى البدل اذا فسخ، فوجد الغابن قد نقل المال عن ملكه (جريان الحكم) المذكور، و هو الرجوع الى البدل (فى خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز) كما اذا وهبه الغابن هبة جائزة، و لا حق للمغبون فى استرداد عين المال (لان معنى جوازه) اى جواز عقد الغابن (تسلط احد المتعاقدين) الغابن، و الموهوب له- مثلا- (على فسخه).

ص: 159

اما تسلط الاجنبى و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا.

و فى المسالك: لو كان الناقل مما يمكن ابطاله كالبيع بخيار، الزم بالفسخ.

فان امتنع فسخه الحاكم، و ان تعذر فسخه المغبون.

و يمكن النظر فيه بان فسخ المغبون اما بدخول العين فى ملكه.

______________________________

(اما تسلط الاجنبى و هو المغبون) فانه اجنبى عن هبة الغابن (فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا) لما تقدم فى ان الغابن مالك فيصح له اجراء العقد بيعا او هبة او غيرهما على الشي ء الّذي غبن فيه.

(و) لكن (فى المسالك) ذكر ما ينافى ما حكمنا به.

قال: (لو كان الناقل) اى العقد الّذي نقل به الغابن المال عن نفسه (مما يمكن ابطاله كالبيع بخيار) ففسخ المغبون لم يرجع المغبون الى بدله بل (الزم) المغبون الغابن (بالفسخ) فيسترجع المغبون نفس ماله.

(فان امتنع) الغابن من الفسخ (فسخه الحاكم) لانه ولى الممتنع (و ان تعذر) الحاكم، و امكن للمغبون الفسخ (فسخه المغبون) لانه حقه فله الوصول إليه بالصورة الممكنة، انتهى.

(و يمكن النظر فيه) اى فى ما ذكره المسالك (بان فسخ المغبون) للمعاملة الغبنية (اما بدخول العين فى ملكه) بان يكون حاصل الفسخ ان العين تنتقل الى المغبون رأسا.

ص: 160

و اما بدخول بدلها.

فعلى الاول لا حاجة الى الفسخ حتى يتكلم فى الفاسخ.

و على الثانى فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ الى غيره.

اللهم الا ان يقال: انه لا منافات لان البدل المستحق بالفسخ انما هو

______________________________

(و اما بدخول بدلها) حيث ان العين انتقلت من الغابن، فلا بدّ من دخول بدل العين فى ملك المغبون اذا فسخ المغبون المعاملة الغبنية.

(فعلى الاول)- بدخول العين فى ملكه- (لا حاجة الى الفسخ) اى فسخ المعاملة الثانية (حتى يتكلم فى الفاسخ) انه الغابن، و الا فالحاكم، و الا فالمغبون.

اذ: العين- تلقائيا- تنتقل الى المغبون بمجرد فسخ المغبون للمعاملة الاولى.

(و على الثانى)- بدخول بدلها- (ف) اذا فسخ المغبون اخذ بدل العين، و (لا وجه للعدول عما استحقه) المغبون اى البدل (بالفسخ الى غيره) و هو العين، حتى يتكلم فى ان للمغبون العين و انه لا بدّ من فسخ المعاملة الثانية.

(اللهم الا ان يقال) وجه للعدول، ف (انه لا منافات) بين استحقاق المغبون البدل- عند فسخه- و بين لزوم فسخ المعاملة الثانية ليأخذ المغبون عين ماله (لان البدل المستحق بالفسخ انما هو) استحقاقه

ص: 161

للحيلولة.

فاذا امكن رد العين وجب على الغابن تحصيلها.

لكن ذلك انما يتم مع كون العين باقية على ملك المغبون.

و اما مع عدمه، و تملك المغبون للبدل، فلا دليل على وجوب تحصيل العين.

ثم على القول بعدم وجوب الفسخ فى

______________________________

(للحيلولة) اى حيلولة الغابن بمعاملته بين المغبون و بين عين ماله.

(فاذا امكن رد العين) الى المغبون بفسخ الغابن (وجب على الغابن تحصيلها) فان فسخ فهو، و الا اجبره الحاكم، او فسخه نفس المغبون.

(لكن) يرد على «اللهم» ان (ذلك) اى استحقاق المغبون رد عينه (انما يتم مع كون العين باقية على ملك المغبون) فيأخذ المغبون بدلها مع الحيلولة، و عينه مع عدم الحيلولة.

(و اما مع عدمه) اى عدم بقاء العين على ملك المغبون (و) ذلك ل (تملك المغبون للبدل، فلا دليل على وجوب تحصيل العين) و لا يكلف الغابن بارجاع العين الى المغبون، فهو كما اذا القى الغاصب ملك المغبون فى البحر ثم اعطى المغبون بدله، فانه لا دليل على وجوب اخراج الغاصب الملك من البحر، لان ذمة الغاصب قد فرغت باعطاء البدل.

(ثم على القول بعدم وجوب الفسخ) على الغابن (فى) ما اذا اخرج

ص: 162

الجائز، لو اتفق عود الملك إليه لفسخ، فان كان ذلك قبل فسخ المغبون فالظاهر وجوب رد العين.

و ان كان بعده فالظاهر عدم وجوب ردّه، لعدم الدليل بعد تملك البدل.

و لو كان العود بعقد جديد فالاقوى عدم وجوب الرد مطلقا لانه ملك جديد تلقاه

______________________________

العين عن ملكه بالعقد (الجائز، لو اتفق عود الملك إليه) اى الى الغابن (لفسخ) منه، او ارجاع من الموهوب له- مثلا- (فان كان ذلك) العود (قبل فسخ المغبون، فالظاهر وجوب رد العين) اذا فسخ المغبون لان الفسخ معناه ارجاع كل بضاعة الى صاحبها الاول مع الامكان، و ذلك ممكن فى المقام بلا محذور.

(و ان كان) عود الملك الى الغابن (بعده) اى بعد فسخ المغبون (فالظاهر عدم وجوب ردّه) الى المغبون (لعدم الدليل) على وجوب رد العين الى المغبون (بعد تملك) المغبون (البدل) فانه مثل: ان يخرج الملك من البحر، بعد ان اعطى الملقى بدله الى المالك، فان اعادة اشتغال الذمة بعد فراغها- بسبب اعطاء البدل- خلاف الاصل (و لو كان العود) اى عود بضاعة المغبون الى الغابن بعد ان نقلها الغابن نقلا جائزا (بعقد جديد) كما لو اشتراه الغابن من الموهوب له (فالاقوى عدم وجوب الرد) الى المغبون (مطلقا) سواء كان فسخ المغبون قبل العود، او بعد العود (لانه ملك جديد) للغابن (تلقاه)

ص: 163

من مالكه، و الفاسخ انما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل.

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، فاما ان يكون بالنقيصة او بالزيادة، او بالامتزاج.

فان كان بالنقيصة، فاما ان يكون نقصا يوجب الأرش.

و اما ان يكون مما لا يوجبه، فان اوجب الارش، اخذه مع الارش كما هو

______________________________

الغابن (من مالكه) كالموهوب له فى المثال (و) المغبون (الفاسخ انما يملك) العين (بسبب ملكه السابق بعد) ان فسخ المعاملة، و بعد (ارتفاع السبب الناقل) و الحال ان الملك السابق ليس على حاله، بل ملك الغابن للعين انما هو ملك جديد.

(و لو تصرف الغابن) فى العين (تصرفا مغيرا للعين) المغبون فيها (فاما ان يكون بالنقيصة) كان شرب ماء الثلج، فنقص الثلج (او بالزيادة) كما اذا اعطى الشاة العلف فسمنت (او بالامتزاج) كما اذا مزج الدهن بدهن نفسه.

(فان كان) التصرف (بالنقيصة، فاما ان يكون نقصا يوجب الأرش) كمثال الثلج.

(و اما ان يكون مما لا يوجبه) كما اذا اذهب لون الخشب، و لم يكن ذلك يوجب نقص قيمة الخشب (فان اوجب) النقص (الارش اخذه) المغبون عينا (مع الأرش) بعد ان فسخ المعاملة (كما هو) اى الاخذ مع الأرش

ص: 164

مقتضى الفسخ لان الفائت مضمون بجزء من العوض، فاذا ردّ تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله.

و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين.

و ان كان مما لا يوجب شيئا

______________________________

(مقتضى الفسخ).

و انما كان مقتضى الفسخ الاخذ مع الارش (لان الفائت) اى القدر الناقص كبعض الثلج المذاب (مضمون بجزء من العوض) فان كل جزء من اجزاء الثلج فى قبال جزء من اجزاء النقد الّذي دفعه المشترى الى البائع، فاخذ منه الثلج (فاذا ردّ) المغبون (تمام العوض) الى الغابن (وجب) على الغابن (رد مجموع المعوض) كالثلج فى المثال و حيث لا يتمكن من رد مجموع الثلج (فيتدارك الفائت منه) اى من المعوض (ببدله) فيعطى قدرا من المال مع الثلج، و ذلك القدر من المال بقدر الثلج الّذي اذيب.

(و مثل ذلك) اى مثل ما لو نقص بعض البضاعة (ما لو تلف بعض العين) كما اذا كان مكان الثلج الكتاب، فتلف بعض اوراقه بدون ان يكون من جهة التغيير، فالفارق بين التصرف بالنقيصة و بين التلف هو العرف حيث يسمى بعض النقص تلفا و لا يسمى بعضه الآخر تلفا.

مثلا: اذا تكسرت رجل الشاة يسمى العرف ذلك تلفا، اما اذا هزلت الشاة لا يسميه تلفا بل نقصا.

(و ان كان) تصرف الغابن بالنقيصة (مما لا يوجب شيئا) اى الأرش،

ص: 165

ردّه بلا شي ء.

و منه ما لو وجد العين مستأجرة، فان على الفاسخ الصبر الى ان ينقضى مدة الاجارة، و لا يجب على الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة الى بقية المدة بعد الفسخ لان المنفعة من الزوائد المنفصلة

______________________________

كما اذا كان الثلج اذيب بقدر قليل بحيث لا يرى العرف نقصا فى قيمته بسبب هذا القدر من النقص (ردّه) الغابن (بلا شي ء) معه، اذ: المفروض ان النقص لم يوجب الأرش.

(و منه) اى من النقص الّذي لا يوجب الارش (ما لو وجد) المغبون (العين مستأجرة).

مثلا: لو باع دارا بالف و غبن فيها لان قيمتها الف و مائة فلما اراد استرجاعها وجد الدار و قد آجرها الغابن (فان على) البائع للدار (الفاسخ) بسبب الغبن (الصبر الى ان ينقضى مدة الاجارة) فان هذه النقيصة فى الدار بالاجارة لا ارش لها (و لا يجب على الغابن) المشترى (بذل عوض المنفعة المستوفاة) اى المنفعة التى استوفاها، و اخذها الغابن (بالنسبة الى بقية المدة بعد الفسخ) اى المدة الباقية من حين الفسخ الى آخر زمان الاجارة.

مثلا: لو آجرها بمائة لسنة، و فسخ البائع على رأس ستة اشهر، فانه لا يجب على الغابن المشترى ان يرد خمسين الى البائع المغبون (لان المنفعة من الزوائد) على اصل العين، فلم يتلف بعض العين ليكون لتلفه ارش (المنفصلة) عن الدار

ص: 166

المتخللة بين العقد و الفسخ، فهى ملك للمفسوخ عليه، فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق، فاذا تحقق فى زمان، ملك منفعة العين يأسرها و يحتمل انفساخ الاجارة فى بقية المدة لان ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل، و هو الّذي جزم به المحقق القمى

______________________________

(المتخللة) هذه المنفعة (بين العقد و الفسخ) و المنافع المتخللة ملك لمالك الدار فعلا (فهى ملك للمفسوخ عليه) اى الغابن (فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق) لا منفعة خصوص مدة كون الدار باقية فى ملك الغابن (فاذا تحقق) الملك المطلق (فى زمان) ما (ملك) مالك العين (منفعة العين بأسرها) الى الابد.

بمعنى: ان له ان يتصرف فى المنفعة الى الابد، و ذلك مثل ما اذا اشترى انسان دارا فان له كل منفعة الدار الى آخر زمان قيام الدار كمائة سنة مثلا فله ان يؤجرها مائة سنة فاذا وهب الدار بعد ذلك او اورث الدار، او صالح عنها، او باعها مع علم المشترى و المصالح لم يكن لهم الا الدار المسلوبة المنفعة.

(و) لكن (يحتمل انفساخ الاجارة فى بقية المدة) من حين فسخ المغبون، لان ملك الغابن للدار لما كان متزلزلا كانت المنفعة بعد الفسخ للغابن أيضا متزلزلا بخلاف المنفعة قبل الفسخ، فانها للغابن بلا اشكال (لان ملك) اى مالكية (منفعة الملك المتزلزل متزلزل) اذ لا يمكن ان يكون الاصل متزلزلا، و يكون الفرع مستقرا (و) هذا- و هو انفساخ الاجارة بعد فسخ المعاملة- (هو الّذي جزم به المحقق القمى) صاحب

ص: 167

فيما اذا فسخ البائع بخياره المشروط له فى البيع.

و فيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة.

نعم ذكر العلامة فى القواعد فيما اذا وقع التفاسخ لاجل اختلاف المتبايعين انه اذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الاجرة للمشترى المؤجر و وجب عليه للبائع اجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ،

______________________________

القوانين (فيما اذا فسخ البائع بخياره المشروط له فى البيع).

كما اذا باع داره بشرط ان له الخيار، ثم ان المشترى آجر الدار فاذا فسخ البائع انفسخت اجارة المشترى.

(و فيه) اى فى التلازم بين تزلزل الملك، و بين تزلزل المنفعة (نظر لمنع تزلزل ملك) اى مالكية الغابن (المنفعة) لما عرفت من ان الغابن مالك ملكا مطلقا للمنفعة.

(نعم ذكر العلامة) قولا ثالثا غير ان الاجرة للغابن، و غير ان الاجارة تنفسخ من حين فسخ المعاملة، و الاحتمال الثالث هو ان تكون الاجرة للغابن و يجب على الغابن ان يعطى اجرة المثل بقية المدة للمغبون.

ف (فى القواعد فيما اذا وقع التفاسخ لاجل اختلاف المتبايعين) قال: (انه اذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الاجرة للمشترى المؤجر) لانه قد اجر ملكه فله نفعه (و) لكن (وجب عليه) اى على المشترى المؤجر ان يعطى (للبائع اجرة المثل) سواء كانت ازيد من اجرة المسمى او اقل، او مساوية (للمدة الباقية) من الاجارة (بعد الفسخ) و كانه

ص: 168

و قرره على ذلك شراح الكتاب، و سيجي ء ما يمكن ان يكون فارقا بين المقامين.

و ان كان التغيير بالزيادة فان كانت حكمية محضة كقصارة الثوب، و تعليم الصنعة، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بان تقوم العين معها، و لا معها و يؤخذ النسبة.

______________________________

لاجل ان المنفعة بعد الفسخ للبائع فاللازم اعطائه اجرة المثل- بعد ان كانت داره مسلوبة المنفعة لاجارة سابقة على الفسخ- (و قرره على ذلك شراح الكتاب) اى شراح القواعد (و سيجي ء ما يمكن ان يكون فارقا بين المقامين) اى مسألة الفسخ لاجل الغبن، و مسألة الفسخ لاجل التفاسخ هذا كله فيما اذا كان التغيير بالنقيصة.

(و ان كان التغيير بالزيادة) بان زاد المتاع عند الغابن، ثم فسخ المغبون المعاملة (ف) هى اما زيادة حكمية، او عينيه، او كلتاهما معا.

ف (ان كانت) الزيادة (حكمية محضة، كقصارة الثوب) اى تنظيفه، فان القصار هو من يغسل الثياب (و تعليم الصنعة) للعبد و للحيوان (فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة).

و ذلك لان الزيادة حصلت فى ملك المغبون، فهى له، و بذلك يكون شريكا للغابن.

و معنى النسبة هو (بان تقوم العين معها) اى مع الزيادة تارة (و لا معها) تارة اخرى (و يؤخذ النسبة) مثلا: يؤخذان الكلب غير المعلم بسعر دينار، و الكلب المعلم سعره دينار و نصف، فيكون للمغبون

ص: 169

و لو لم يكن للزيادة مدخل فى زيادة القيمة، فالظاهر عدم شي ء لمحدثها لانه انما عمل فيما له و عمله لنفسه غير مضمون على غيره و لو لم يحصل منه فى الخارج ما يقابل المال، و لو فى ضمن العين.

و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس ففى تسلط المغبون على القلع بلا

______________________________

الّذي تعلم الكلب عنده نصف دينار.

(و لو لم يكن للزيادة) التى حدثت عند المغبون (مدخل فى زيادة القيمة) كما اذا صبغ الباب بما لم يزد قيمته (فالظاهر عدم شي ء لمحدثها) اى للمغبون المحدث لهذه الزيادة (لانه) اى المغبون (انما عمل) الزيادة (فيما له) لانه احدثها وقت كون العين للمغبون (و عمله لنفسه غير مضمون على غيره) لاصالة عدم الضمان (و لو لم يحصل منه) اى من عمل الزيادة (فى الخارج)- مقابل ماله الاعتبار- (ما يقابل المال، و لو) المال الّذي (فى ضمن العين).

اذ: قد تحدث الزيادة زيادة مستقلة كما اذا جعل للباب غلقا.

و قد تحدث الزيادة زيادة فى ضمن العين كما اذا قصر الثوب فصارت قيمته اكثر، و قد لا تحدث الزيادة شيئا اصلا- كما فيما نحن فيه- هذا كله فى الزيادة الحكمية.

(و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس) كما اذا اشترى المغبون ارضا فغرس فيها، ثم تبين انه مغبون فى الارض فردها (ففى) حالة الغرس بعد ارجاعه الارض احتمالات.

الاول: (تسلط المغبون على القلع) لاشجاره (بلا

ص: 170

ارش كما اختاره فى المختلف فى الشفعة، او عدم تسلطه عليه مطلقا، كما عليه المشهور فيما اذا رجع بائع الارض المغروسة بعد تفليس المشترى او تسلطه عليه مع الارش كما اختاره فى المسالك هنا و قيل به فى الشفعة و

______________________________

ارش) يأخذه عن مالك الارض لاجل نقص قيمة اشجاره، و لا ارش يعطيه لصاحب الارض لاجل الحفر التى احدثها القلع فى ارض الغابن (كما اختاره فى المختلف فى الشفعة) فيما اذا غرس المشترى اشجارا ثم جاء الشفيع و استرد الارض من المشترى فالمشترى يقلع اشجاره بلا ارش له و لا ارش عليه.

الثانى: (او عدم تسلطه) اى المغبون (عليه) اى على القلع (مطلقا) لا مع الارش و لا بلا ارش (كما عليه المشهور فيما اذا رجع بائع الارض المغروسة بعد تفليس المشترى) فان البائع اذا باع ارضا للمشترى و غرس المشترى فى الارض ثم ان المشترى فلّس فانه يحق للبائع ان يأخذ ارضه حيث ان المشترى لم يدفع له الثمن- فاذا اخذ البائع ارضه لم يكن للمشترى قلع شجره لا بارش و لا بلا ارش.

و لا يخفى ان مسألة المغبون من قبيل مسألة المفلس لوحدة المناط فيهما.

الثالث: (او تسلطه) اى المغبون (عليه) اى على القلع (مع الارش) اى يعطى المغبون ارش الحفر لصاحب الارض (كما اختاره) اى القلع مع الارش (فى المسالك هنا) فى مسألة المغبون (و قيل به فى الشفعة) كما تقدم توضيحه فى قوله: كما اختاره فى المختلف فى الشفعة (و

ص: 171

العارية وجوه من ان صفة كونه منصوبا- المستلزمة لزيادة قيمته- انما هى عبارة عن كونه فى مكان صار ملكا للغير، فلا حق للغرس كما اذا باع ارضا مشغولة بماله، و كان ماله فى تلك الارض ازيد قيمة.

مضافا الى ما فى المختلف فى مسألة الشفعة، من ان الفائت لما حدث فى محل معرض للزوال لم يجب تداركه

______________________________

العارية) اذا اعطى ارضا عارية، ثم ان المستعير إن زرع الارض و بعد ذلك استرجع المعير ارضه، ففى الزرع الكلام المتقدم (وجوه) ثلاثة.

وجه تسلط المغبون على القلع بلا ارش ما ذكره: (من ان صفة كونه) اى الزرع (منصوبا- المستلزمة) تلك الصفة (لزيادة قيمته- انما هى عبارة عن كونه) اى الزرع (فى مكان صار ملكا للغير) اى الغابن (فلا حق للغرس) فى البقاء، هناك حتى يكون لصاحب الغرس الارش، بل للمغبون زرعه يقلعه بدون ارش (كما اذا باع) الانسان (ارضا مشغولة بما له، و كان ماله فى تلك الارض ازيد قيمة) فان البائع يأخذ ماله من تلك الارض، لوجوب اخلاء المبيع و تسليمه الى المشترى، و ليس له ارش لنقص قيمة ماله يأخذه من تلك الارض.

(مضافا الى ما فى المختلف) من الاستدلال على عدم الارش بما ذكره (فى مسألة الشفعة، من ان الفائت) من قيمة الزرع الّذي فات بسبب القلع (لما حدث) ذلك الفائت (فى محل معرض للزوال) لانه غرس زرعه فى مكان متزلزل (لم يجب) على الغابن (تداركه) اذ المغبون هو الّذي وجّه الضرر الى نفسه.

ص: 172

و من ان الغرس المنصوب الّذي هو مال للمشترى، مال مغاير للمقلوع عرفا، و ليس كالمتاع الموضوع فى بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان.

______________________________

لا يقال: انه لم يكن يعلم ان هذا الغرس معرض للزوال، فلم يقدم على الضرر.

لانه يقال: عدم العلم لا مدخلية له، فهو كما اذا غرس زرعه فى ارض الغير و هو يجهل ان الارض للغير بل يزعم انها له، فان جهله و زعمه لا يفيد فى ان يكون الارش على صاحب الارض.

(و) وجه عدم تسلط المشترى المغبون على القلع مطلقا ان «ما يقلع غير الثابت» «فما يقلع ليس للمشترى المغبون» «و الثابت حاله حال ما اذا باع ارضا فيه غرس فانه تابع للارض» (من ان الغرس المنصوب الّذي هو مال للمشترى، مال مغاير للمقلوع عرفا) فان شجرة البرتقال مثلا مغايرة للعيدان الحاصلة عند قلع الشجرة (و ليس) الزرع (كالمتاع الموضوع فى بيت) اذ المتاع موضوعا و غير موضوع شي ء واحد عرفا- و ان تفاوتت قيمتهما- (بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان) و اذا تحقق كون المقلوع غير المنصوب، فلا حق للمغبون فى المقلوع- لانه ليس بماله-.

اما حقه فى المنصوب فيسقط عند ارجاع الارض الى الغابن، لان الزرع حينئذ حاله حال الزرع فى الارض ثم بيع الارض حيث ان الزرع يتبع الارض.

ص: 173

مضافا الى مفهوم قوله صلى الله عليه و آله و سلم ليس لعرق ظالم حق، فيكون كما لو باع الارض المغروسة.

و من ان الغرس انما وقع فى ملك متزلزل، و لا دليل على استحقاق الغرس على الارض البقاء.

و قياس الارض المغروسة

______________________________

(مضافا الى مفهوم قوله صلى الله عليه و آله و سلم ليس لعرق ظالم حق) فان معناه ان العرق له حق، او ليس له حق.

اما الزرع فهو تابع للارض فالزرع ليس فيه حتى المغبون (فيكون) الزرع (كما لو باع الارض المغروسة) حيث ينتقل الزرع الى المشترى و هنا ينتقل الزرع من المغبون الى الغابن- و لا يخفى ما فى هذا الوجه من التكلف الواضح-.

(و) وجه تسلطه عليه مع الارش (من ان الغرس انما وقع فى ملك متزلزل) و ان لم يعلم المغبون- حين الغرس- ان الملك متزلزل (و لا دليل على استحقاق الغرس على الارض البقاء) فعليه ان يزيل غرسه.

(و) ان قلت: لما ذا لا يكون حال الارض المبيعة حال الارض المستأجرة فى عدم تسلط صاحب الارض على قلع الزرع بعد الفسخ؟

فانه اذا استأجر ارضا فزرع فيها المستأجر، ثم بطلت الاجارة لاجل فسخ الموجر او المستأجر، يكون للمستأجر صاحب الزرع ابقاء زرعه فى الارض بدون اعطاء صاحب الارض اجرة الارض.

قلت: (قياس الارض المغروسة) فى مسئلتنا- و هى ما لو فسخ البيع

ص: 174

على الارض المستأجرة حيث لا يفسخ اجارتها، و لا تغرم لها اجرة المثل فاسد، للفرق بتملك المنفعة فى تمام المدّة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه فان المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان

______________________________

للغبن- (على الارض المستأجرة حيث لا يفسخ اجارتها) لعيب فى الارض او فى مال الاجرة، او ما اشبه العيب من اسباب الخيار (و لا تغرم) صاحب الزرع المستأجر (لها) اى للارض (اجرة المثل) فقياس ما نحن فيه بالارض المستأجرة (فاسد) اذ فى الارض المستأجرة منفعة الارض للمستأجر قبل ان يأتى الفسخ، فاذا فسخ كان حق الزرع سابقا على حق الفسخ و لذا لم يكن لصاحب الارض اجبار المستأجر بقلع زرعه، كما ليس لصاحب الارض اخذ اجرة الارض لبقاء زرع المستأجر فيها.

اما فى الارض المبيعة فان المشترى زرع فى ملك متزلزل، و اذا كان اصل الملك متزلزلا كان نفعه أيضا متزلزلا، فاذا فسخ البيع رجع نفع الارض الى مالك الارض، فيتمكن مالك الارض ان يجبر مالك الزرع على قلع زرعه و يأخذ منه ارش طمّ الحفر (للفرق بتملك) المستأجر (المنفعة فى تمام المدّة) اى مدّة الاجارة و يكون تملك المستأجر (قبل استحقاق الفاسخ هناك) اى فى باب الاجارة، فالحق السابق يقدم على الحق اللاحق (بخلاف ما نحن فيه) من مسألة زرع المغبون فى ارض الغابن (فان) المغبون لا يستحق نفع الارض الا تبعا، فاذا ذهبت الارض ذهب نفعها أيضا، اذ الشي ء (المستحق) الّذي يستحقه المغبون (هو الغرس المنصوب) فقط (من دون استحقاق مكان) الزرع

ص: 175

فى الارض، فالتحقيق: ان كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له على الآخر، و لا عليه له فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه فان اراد مالك الغرس قلعه فعليه ارش طمّ الحفر.

و ان اراد مالك الارض تخليصها، فعليه ارش الغرس اعنى تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما، و كونه مقلوعا.

و

______________________________

(فى الارض).

اقول: هذا ما فهمته من العبارة و فيه ما لا يخفى من الاشكال و لعل فى نسخة كتابى سقط.

و كيف كان (فالتحقيق: ان كلا من المالكين) مالك الارض و مالك الزرع فى مسألة بيع الغبن (يملك ماله) فيملك هذا ارضه و يملك هذا زرعه (لا بشرط حق له على الآخر، و لا عليه له) اى للآخر، فلا حق لمالك الارض على مالك الزرع، و لا حق على مالك الارض لمالك الزرع.

و اذا كان منهما يملك ماله (فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه).

و حينئذ (فان اراد مالك الغرس) تخليص ماله، و (قلعه، فعليه ارش طمّ الحفر) لانه اضرار بالغير يلزم تداركه.

(و ان اراد مالك الارض تخليصها) من الزرع (ف) له ذلك، لكن (عليه ارش الغرس اعنى تفاوت ما بين كونه) اى الزرع (منصوبا دائما، و) بين (كونه مقلوعا).

(و) ان قلت: ان كان لمالك الزرع بقائه منصوبا دائما فكيف يقلعه

ص: 176

كونه مالا للمالك على صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه على قلعه لان المال هو الغرس المنصوب، و مرجع دوامه الى دوام ثبوت هذا المال الخاص له فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان فافهم

______________________________

مالك الارض.

قلت: (كونه) اى الزرع (مالا للمالك) اى لمالك الزرع (على صفة النصب) نصبا (دائما ليس اعترافا) منّا (بعدم تسلطه) اى تسلط مالك الارض (على قلعه).

و انما لم يكن اعترافا، لان هناك ثلاثة امور.

الاول: ان يكون مال الغابن زرعا موقتا يقلع بعد ذلك الوقت.

الثانى: ان يكون ماله زرعا دائما باقيا فى هذا المكان الخاص.

الثالث: ان يكون ماله زرعا دائما فى اى مكان كان.

و الفرق بين الثانى و الثالث واضح فيما اذا كان الزرع يمكن بقائه بدون مكان، فالزرع للغابن دون كونه فى هذا المكان الخاص.

و كذا فيما اذا امكن قلعه و زرعه فى مكان آخر، كان الزرع الدائم للغابن، دون كونه فى ارض المغبون (لان المال) للغابن (هو الغرس المنصوب) لا انه فى ارض المغبون (و مرجع دوامه) اى كون الزرع منصوبا دائما (الى دوام ثبوت هذا المال الخاص له) اى للغابن (فليس هذا) الدوام (من باب استحقاق الغرس للمكان) فهو من قبيل الامر الثالث لا الامر الثانى (فافهم).

لعله اشارة الى انه لا شي ء على مالك الارض من ارش نقص قيمة الزرع

ص: 177

و يبقى الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الاكثر الى ان ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الارش.

و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس فى ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون انما تعلق بالارض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس، لان سبب

______________________________

اذا قلع، اذ لا حق لمالك الزرع فى هذه الارض فاللازم ان يقلعه هو بنفسه، و الا قلعه الحاكم، او مالك الارض.

(و يبقى الفرق بين ما نحن فيه) حيث يحق للبائع المغبون قلع غرس الغابن مع اعطائه الارش له (و بين مسألة التفليس) فيما اذا باع ارضا لانسان بدين، فغرسها ذلك الانسان ثم تفلس، فان صاحب الارض احق بارضه، فاذا اخذها فى قبال طلبه من المشترى لا يحق له ان يقلع الغرس و ان اعطى للمشترى ارش التفاوت (حيث ذهب الاكثر الى ان ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس) الّذي للمشترى المفلس (و لو مع) اعطاء البائع للمشترى (الارش) تفاوت قيمة الغرس قائما و مقلوعا.

(و يمكن الفرق بكون) البيع فى الغبن متزلزلا، فحق البائع المغبون فى ارضه اسبق من حق زرع الغابن، و البيع فى التفليس كان لازما فحق المشترى فى الارض اسبق من حق البائع الّذي اخذ حقه بسبب التفليس ف (حدوث ملك الغرس) للمشترى فى باب الغبن (فى ملك متزلزل) لمكان الغبن (فيما نحن فيه).

و عليه (فحق المغبون) اى البائع (انما تعلق بالارض قبل الغرس) اى الغرس الّذي هو حق للغابن (بخلاف مسألة التفليس، لان سبب

ص: 178

التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الارض المغروسة، و ليس للمشترى قلعه و لو مع الارش بلا خلاف، بل عرفت ان العلامة فى المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق ارش الغرس.

ثم اذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع، أم له مطالبة المالك بالقلع؟ و مع امتناعه يجبره الحاكم، او يقلعه وجوه، ذكروها

______________________________

التزلزل هناك) اى فى التفليس (بعد الغرس) لان البيع لازم، لكن لما تفلس المشترى صار للبائع حق ارجاع ارضه، و غرس المشترى كان قبل هذا التزلزل (فيشبه) اخذ البائع ارضه من المفلس (بيع الارض المغروسة) غرسا كان للبائع (و ليس للمشترى قلعه و لو مع) اعطاء المشترى (الارش) للبائع.

و ذلك لان حق الغرس اسبق من حق المشترى فى الارض (بلا خلاف) فى انه لا يحق للمشترى القلع (بل عرفت ان العلامة فى المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق ارش الغرس) فى مسألة الشفعة.

(ثم اذا جاز القلع) و لم نقل بانه لا حق للغابن فى الزرع بعد استرداد المغبون ارضه (فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع، أم له مطالبة المالك) الغابن (بالقلع؟ و مع امتناعه) اى امتناع المالك (يجبره الحاكم، او يقلعه) المغبون (وجوه) ثلاثة.

1- ان للمغبون القلع.

2- انه له القلع اذا امتنع المالك.

3- انه له القلع اذا امتنع المالك و لم يمكن جبر الحاكم له (ذكروها

ص: 179

فيما لو دخلت اغصان شجر الجار الى داره.

و يحتمل الفرق بين المقامين، من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك و لذا قيل فيه بعدم وجوب اجابة المالك الجار الى القلع، و ان جاز للجار قلعها بعد الامتناع او قبله،

______________________________

فيما لو دخلت اغصان شجر الجار الى داره) فانه لا شك فى ان لمالك الدار ازالة تلك الاغصان، لان: الناس مسلطون على اموالهم.

(و يحتمل الفرق بين المقامين) مقام الغبن و مقام دخول الاغصان (من جهة كون الدخول هناك) فى دخول الاغصان (بغير فعل المالك) نعم قد يعد من فعله كما اذ غرس الشجرة فى جنب حائط الجار مما يسبب دخول اغصانه فى دار الجار (و لذا قيل فيه) اى فى دخول الاغصان (بعد وجوب اجابة المالك الجار) «المالك» فاعل «اجابة» و «الجار» مفعولها (الى القلع) لان دخول الاغصان ليس فعل مالك الشجر فالاصل عدم وجوب شي ء عليه اذ الانسان لا يكلف بفعل غيره سواء كان غيره انسانا او طبيعة او حيوانا (و ان جاز للجار قلعها بعد الامتناع) من مالك الشجر (او قبله).

اما بعد الامتناع فلانه تصرف فى شجر الغير، فلا يجوز الا اذا امتنع عن اداء الحق الّذي هو الازالة.

و اما قبله فلان الانسان يجوز له دفع الضرر عن نفسه و لا احترام للضار، و لذا اذا وضع انسان يده على رأس انسان لا يلزم ان يقول ذلك الانسان ارفع يدك، بل له الحق ان يدفع يده و ان لم يرض

ص: 180

هذا كله حكم التخليص.

و اما لو اختار المغبون الابقاء، فمقتضى ما ذكرنا من عدم ثبوت حق لاحد المالكين على الآخر استحقاقه الاجرة على البقاء لان انتقال الارض الى المغبون بحق سابق على الغرس

______________________________

المدفوع.

هذا كله وجه انه ليس للجار قطع الاغصان الا بعد الامتناع من صاحب الشجر لانه لم يكن الادخال فعلا اختيار يا من مالك الشجر، و هذا بخلاف زرع الغابن، فانه حيث كان فعلا اختيار يا له، فانه يجوز للمغبون قلع زرعه ابتداء.

لكن يرد عليه أولا: ان هذا ليس بفارق.

و ثانيا قد يكون زرع الغابن طبيعيا- أيضا- لا اختياريا (هذا كله حكم التخليص) اى فيما لو اراد المغبون تخليص ارضه من الزرع.

(و اما لو اختار المغبون الابقاء) و لم يرد الغابن قلعه (فمقتضى ما ذكرنا من عدم ثبوت حق لاحد المالكين على الآخر) اى ليس لمالك الارض حق على مالك الزرع، و لا بالعكس (استحقاقه) «خبر» قوله «فمقتضى» اى استحقاق مالك الارض (الاجرة على البقاء) اى بقاء زرع الغابن فى ملكه (لان انتقال الارض الى) البائع (المغبون) انما هو (بحق سابق على الغرس) فان الفسخ عبارة عن ابطال الحق الطارئ اى البيع فيرجع الملك الى مالكه الاول، و كانه لم يحدث شي ء.

و حيث ان حق مالك الارض سابق على الغرس كان لمالك الارض اخذ

ص: 181

لا بسبب لاحق له، هذا كله حكم الشجر.

و اما الزرع ففى المسالك انه يتعين ابقائه بالاجرة لان له امدا ينتظر.

و لعله لامكان الجمع بين الحقين على وجه لا ضرر فيه على الطرفين بخلاف مسألة الشجر، فان فى تعيين ابقائه بالاجرة ضررا على مالك الارض، لطول مدة البقاء، فتأمّل.

______________________________

الاجرة من مالك الزرع (لا بسبب لاحق له) اى للغرس، فليس ملك مالك الارض لاحقا على الغرس حتى استحق الغرس البقاء (هذا كله حكم الشجر) الّذي غرسه المشترى الغابن فى ارض البائع المغبون.

(و اما الزرع) للغابن فى ارض المغبون (ففى المسالك انه يتعين) على المغبون (ابقائه بالاجرة) بان يأخذ الاجرة من الغابن المالك للزرع (لان له) اى للزرع (امدا ينتظر) كستة اشهر مثلا.

(و لعله) اى لعل ما ذكره المسالك من الفرق بين الشجر و بين الزرع (لامكان الجمع بين الحقين) حق مالك الارض و حق مالك الزرع، جمعا (على وجه لا ضرر فيه على الطرفين) فان قلع الزرع ضرر على مالك الزرع، و بقائه بدون اجرة، ضرر على مالك الارض (بخلاف مسألة الشجر، فان فى تعيين) الشارع و ايجاب (ابقائه بالاجرة ضررا على مالك الارض، لطول مدة البقاء) فان مالك الارض لا يريد انشغال ارضه ثلاثين سنة مثلا (فتأمل).

فانه لا فرق بينهما فى كون البقاء ضررا على مالك الارض و القلع ضررا على مالك الزرع و الشجر، و الوجوه الاعتبارية لا تصلح للفرق شرعا.

ص: 182

و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الارض منعه لاستلزامه نقص ارضه؟- فان كلا منهما مسلط على ماله، و لا يجوز تصرفه فى مال غيره الا باذنه- أم لا، لان التسلط على المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف فى ماله، وجهان أقواهما الثانى.

و لو كان التغير بالامتزاج.

فاما ان يكون بغير جنسه.

و اما ان يكون بجنسه

______________________________

(و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الارض منعه لاستلزامه) اى استلزام القلع (نقص ارضه؟) بالحفر و نحوها (- فان كلا منهما) اى مالك الارض و مالك الزرع (مسلط على ماله، و لا يجوز تصرفه فى مال غيره الا باذنه-) فلا يحق لمالك الغرس ان يتصرف فى مال مالك الارض الا باذنه (أم لا) بل لمالك الغرس ان يقلعه و ان كان ذلك تصرفا فى الارض (لان التسلط) اى تسلط مالك الارض (على المال) اى على ارضه (لا يوجب منع مالك آخر) و هو مالك الزرع (عن التصرف فى ماله) الّذي هو الزرع (وجهان أقواهما) عند المصنف (الثانى) و ان كان محل تأمل.

(و لو كان التغير) الّذي احدثه الغابن فى ملك المغبون (بالامتزاج) كما اذا اخذ الغابن لبنه و مزجه بلبن نفسه- مثلا-.

(فاما ان يكون بغير جنسه) كاللبن بالسكر.

(و اما ان يكون بجنسه) كاللبن باللبن.

ص: 183

فان كان بغير جنسه فان كان على وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم فى مثله بالشركة، كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت فهو فى حكم التالف يرجع الى قيمته.

و ان كان لا على وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الانجبين ففى كونه شريكا او كونه كالمعدوم

______________________________

(فان كان) المزج (بغير جنسه) فله صورتان: الاستهلاك، و عدمه (فان كان على وجه الاستهلاك عرفا) اى ان العرف يرى انه قد هلك مال المغبون (بحيث لا يحكم فى مثله بالشركة، كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت) الّذي هو للمشترى الغابن (فهو فى حكم التالف) لانه تلف لماء الورد عرفا، و (يرجع الى قيمته) ان كانت قيمية، و الا فالرجوع يكون الى مثله.

(و ان كان لا على وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الانجبين) اذ الممتزج منهما لا يقال له خل و لا انجبين، فلم يستهلك احدهما فى الآخر بل يعد كل واحد منهما موجودا ضمن هذا الممتزج الّذي يسمى بالسكنجبين (ففى كونه) اى المغبون و هو صاحب الخل فى المثال (شريكا) مع الغابن فى قدر العين، كما اذا كان الخل منّا و الانجبين منين كان المغبون شريكا فى الثلث او شريكا معه فى النسبة المالية، فلو كانت قيمة الخل ضعف قيمة الانجبين كان المغبون شريكا فى الثلثين او شريكا معه فى الامر المتوسط بين العين و القيمة، ففى المثال يكون شريكا فى النصف احتمالات- و ان كان الاشتراك فى القيمة اظهر- (او كونه كالمعدوم)

ص: 184

وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين.

و من تغير حقيقته فيكون كالتلف الرافع للخيار.

و ان كان الامتزاج بالجنس، فان كان بالمساوى يثبت الشركة.

و ان كان بالاردى فكذلك.

و فى استحقاقه لارش النقص، او تفاوت الرداءة من

______________________________

فالمرجع المثل او القيمة (وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين) و كذا اذا صار بعد المزج لمالكين، فان المغبون لما يفسخ يكون مالك الخل غير مالك الانجبين.

(و من تغير حقيقته) فالسكنجبين ليس خلا (فيكون كالتلف الرافع للخيار) فالمرجع: المثل او القيمة.

لكن الاول اقوى لان العرف لا يراه تالفا، فهو مثل البيض اذا صار فرخا، او اللبن اذا صار زبدا، او ما اشبه ذلك فانه هو هو بتغير.

(و ان كان الامتزاج بالجنس، فان كان بالمساوى) كالماء بالماء مع تساويهما (يثبت الشركة) لان الجنس لم يتلف، فكل جنس فى المجموع لمالكه.

(و ان كان بالاردى) بان كان جنس المغبون احسن (فكذلك) تثبت الشركة، لان الجنس لم يتلف عرفا و انما صار اردى.

(و فى استحقاقه) اى المغبون الّذي اخذ الاردى (لارش النقص) فان مائه الجيد كان يسوى عشرة و الآن بعد المزج و اخذه قدر مائه السابق يسوى مائه خمسة، فيأخذ الخمسة التالفة (او) يأخذ (تفاوت الرداءة من)

ص: 185

الجنس الممتزج، او من ثمنه، وجوه.

و لو كان بالاجود احتمل الشركة فى الثمن، بان يباع و يعطى من الثمن بنسبة قيمته.

______________________________

نفس (الجنس) فيأخذ من نفس الماء (الممتزج) بمقدار خمسة افلس (او من ثمنه) لا من مال خارج.

و لعل الفرق ان ثمن الجنس اقرب الى مال المغبون من الارش، و ان كان لم يظهر فرق حقيقى بين الامرين، لانه لا يخلو الحال اما ان يعطى من نفس الجنس بقدر التفاوت و اما ان يعطى من النقود بقدر التفاوت.

و لا فرق فى النقد ان يكون من ثمن نفس الجنس او من غيره (وجوه).

وجه نفس الجنس انه اقرب حيث ان فيه اجزاء من نفس جنس المغبون و وجه ثمنه ان نفس الجنس كالتالف، فاللازم ثمنه الّذي هو اقرب الى نفس الجنس.

و وجه الارش انه لا خصوصية لثمن الجنس و انما المعيار تدارك النقص.

(و لو كان) الامتزاج (ب) الجنس (الاجود) بان كان مال المغبون اردى من مال الغابن (احتمل الشركة فى الثمن).

مثلا: كان جنس المغبون يسوى عشرة دراهم، فللمغبون عشرة دراهم فى ثمن هذا الممتزج (بان يباع و يعطى من الثمن بنسبة قيمته) بدون ملاحظة الوزن فى الجنس الممتزج.

ص: 186

و يحتمل الشركة بنسبة القيمة، فاذا كان الاجود يساوى قيمتى الردي ء كان المجموع بينهما اثلاثا.

و ردّه الشيخ فى مسألة رجوع البائع على المفلس بعين ماله بانه يستلزم الربا.

قيل و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة.

______________________________

(و يحتمل الشركة بنسبة القيمة) مثلا (فاذا كان الاجود) الّذي هو للغابن (يساوى قيمتى الردي ء) الّذي هو للمغبون (كان المجموع بينهما اثلاثا) ثلث للمغبون و ثلثان للغابن.

و ذلك لان الملحوظ عند العرف فى هذه الموارد: المالية، و لا خصوصية للعين.

(و) لكن (ردّه الشيخ) اى رد الشركة بنسبة القيمة (فى مسألة رجوع البائع على المفلس بعين ماله) فيما اذا كان المفلس مزج مال البائع الردى بماله الجيد، فان مسألتنا و مسألة الشيخ من باب واحد (بانه) اى الشركة بنسبة القيمة (يستلزم الربا) لان المغبون يعطى الجنس الردي ء اكثر مما يأخذ من الجنس الجيّد و الربا يحدث بالتفاوت فى المقدار، و ان كان الاقل رديئا و الاكثر حسنا.

(قيل و هو) كلام الشيخ (حسن مع عموم الربا لكل معاوضة) و لو كانت معاوضة قهرية كالمقام، لكن لم يعلم عموم الربا للمعاوضات القهرية خصوصا، و ان العلة فى حرمة الربا ما ورد فى الحديث عن الرضا عليه السلام انه فساد المال، و فى المقام لا يوجب ذلك فساد المال.

ص: 187

بقى الكلام فى حكم تلف العوضين مع الغبن.

و تفصيله: ان التلف اما ان يكون فيما وصل الى الغابن او فيما وصل الى المغبون، و التلف اما بآفة او باتلاف احد هما، او باتلاف الاجنبى.

و حكمها انه لو تلف ما فى يد المغبون، فان كان بآفة فمقتضى ما تقدم من التذكرة فى الاخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم امكان الاستدراك

______________________________

(بقى الكلام فى حكم تلف) اىّ واحد من (العوضين مع) كون (الغبن) فى البين.

(و تفصيله: ان التلف اما ان يكون فيما وصل الى الغابن) كالبقال الّذي يبيع الدهن باغلى من قيمته (او فيما وصل الى المغبون) كالدهن فى المثال (و التلف اما بآفة) كما لو هبّ ريح فانكب الدهن، او جاءت صاعقة فاحرقت الدينار الّذي كان ثمنا للدهن (او باتلاف احدهما) اما الغابن او المغبون (او باتلاف الاجنبى) اى شخص ثالث.

(و حكمها) اى حكم هذه الاقسام (انه لو تلف ما فى يد المغبون) و هو الدهن- مثلا- (فان كان) التلف (بآفة) سماوية و نحوها (فمقتضى ما تقدم من التذكرة فى الاخراج عن الملك) اى اخراج المغبون ما فى يده، من ملكه، بان باع المغبون ما غبن فيه- مثلا- حيث قال العلامة انه يسقط خياره (من تعليل) العلامة (السقوط) اى سقوط الخيار (بعدم امكان الاستدراك) لان المغبون لا يتمكن من ارجاع العين الى الغابن.

فمقتضى هذا التعليل هناك

ص: 188

سقوط الخيار.

لكنك قد عرفت الكلام فى مورد التعليل، فضلا عن غيره.

و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار، فاذا فسخ غرم قيمته يوم التلف او يوم الفسخ.

و اخذ ما عند الغابن او بدله.

______________________________

(سقوط الخيار) هنا أيضا، لانه لا يقدر المغبون من ارجاع العين الى الغابن، بعد ان تلف العين بآفة سماوية.

(لكنك قد عرفت الكلام) اى اشكالنا على العلامة (فى مورد التعليل) و هو مورد اخراج المغبون عن ملكه، و ان ذلك لا يوجب سقوط خياره (فضلا عن غيره) اى غير مورد التعليل، و هو ما نحن فيه، و هو مورد التلف بآفة

(و لذا اختار غير واحد) من الفقهاء (بقاء الخيار) للمغبون بعد ان تلفت العين بآفة (فاذا فسخ) المغبون اخذ ثمنه من الغابن، و (غرم) المغبون (قيمته) اى قيمة العين التى تلفت، و هى القيمة فى (يوم التلف) (او) فى (يوم الفسخ).

مثلا: تلفت العين يوم الجمعة و كانت قيمتها حينذاك عشرة، و فسخ يوم السبت و كانت قيمتها خمس عشرة، و هذا فرع ان الضامن يضمن قيمة يوم التلف او غيره، كما سبق الكلام مفصلا فى قوله عليه السلام «قيمة بغل يوم خالف» فى صحيحة ابى ولّاد.

(و) اذا فسخ المغبون (اخذ ما عند الغابن) اذا كان موجودا (او بدله) اذا كان ما عند الغابن تالفا او نحوه.

ص: 189

و كذا لو كان باتلافه.

و لو كان باتلاف الاجنبى ففسخ المغبون اخذ الثمن و رجع الغابن الى المتلف، ان لم يرجع المغبون عليه.

و ان رجع عليه بالبدل ثم ظهر الغبن ففسخ رد على الغابن القيمة يوم التلف، او يوم الفسخ.

______________________________

(و كذا) الحال (لو كان) تلف ما عند المغبون (باتلافه) اى اتلاف المغبون له، لا بآفة سماوية- لان الملاك فيهما واحد-.

(و لو كان) تلف المتاع الّذي بيد المغبون (باتلاف الاجنبى) بدون ان يكون الاتلاف بامر من احد المتبايعين، و الا كان الاتلاف على الآمر و يكون بمنزلة تلف نفس الآمر (ففسخ المغبون اخذ) المغبون (الثمن) من الغابن (و رجع الغابن الى المتلف) لان المتلف عليه الضمان و لا يرجع الغابن الى المغبون.

اذ لا حق له عليه مع احتمال الرجوع إليه، لانه من باب تعاقب الايدى على المغصوب (ان لم يرجع المغبون عليه) اى الى المتلف، و الا كان الغابن يرجع الى المغبون.

و الظاهر ان له ان يرجع الى ايهما شاء، لانه من باب تعاقب الايدى (و ان رجع) المغبون (عليه) اى على المتلف (بالبدل) فيما اتلفه الاجنبى (ثم ظهر الغبن ففسخ) المغبون، العقد (رد على الغابن القيمة يوم التلف، او يوم الفسخ).

اما يوم التلف لانه فى هذا اليوم تحول الى البدل.

ص: 190

و لو كان باتلاف الغابن، فان لم يفسخ المغبون اخذ القيمة من الغابن، و ان فسخ اخذ الثمن.

و لو كان اتلافه قبل ظهور الغبن فابرئه المغبون من الغرامة، ثم ظهر الغبن، ففسخ، وجب عليه ردّ القيمة لان ما أبرأه بمنزلة المقبوض.

______________________________

و اما يوم الفسخ فلانه حيث فسخ وجب عليه ردّ العين، فان لم تكن عين لزم عليه ردّ بدلها، ثم يجب عليه رد القيمة اذا لم يكن الشي ء مثليا و الا لزم رد المثل.

(و لو كان) تلف العين المغبون فيها (باتلاف الغابن، فان لم يفسخ المغبون اخذ القيمة من الغابن) لقاعدة: اليد، و لو كان مثليا اخذ مثله- و لعل مراد المصنف من القيمة الاعم من المثل و القيمة- (و ان فسخ) المغبون ثم اتلفه الغابن (اخذ) المغبون (الثمن) الّذي قرر فى العقد من الغابن، لانه مقتضى الفسخ.

(و لو كان اتلافه) اى اتلاف الغابن (قبل ظهور الغبن فابرئه المغبون من الغرامة) بان اسقط ما فى ذمة الغابن المتلف من حقه فى قيمة ما اتلفه الغابن (ثم) بعد ذلك (ظهر الغبن، ففسخ) المغبون (وجب عليه) اى على المغبون (ردّ القيمة) اى قيمة المتاع الى الغابن بعد ان يأخذ من الغابن القيمة التى وقع عليها العقد.

و انما وجب على المغبون ذلك (لان ما أبرأه) المغبون حيث أبرأ الغابن المتلف (بمنزلة المقبوض) فكانه أخذ العين من الغابن المتلف، فاذا فسخ رد على الغابن بدل متاع الغابن، ليأخذ منه عين الثمن الّذي

ص: 191

و لو تلف ما فى يد الغابن بآفة او باتلافه، ففسخ المغبون، اخذ البدل.

و فى اعتبار القيمة يوم التلف او يوم الفسخ قولان.

ظاهر الاكثر الاول، و لكن صرح فى الدروس و المسالك و محكى حاشية الشرائع للمحقق الثانى و صاحب الحدائق و بعض آخر انه لو اشترى

______________________________

دفعه حال العقد.

هذا كله فيما اذا تلف ما فى يد المغبون.

(و) اما (لو تلف ما فى يد الغابن بآفة او باتلافه) اى اتلفه الغابن كما اذا اشترى دارا بالف منّ من الحنطة، و كان الغابن هو البائع و قد اتلف الغابن او أفّت الحنطة (ففسخ المغبون) و ارجع الدار (اخذ) المغبون (البدل).

و الظاهر انه المثل اذا كان مثليا و القيمة اذا كان قيميا.

(و فى اعتبار القيمة يوم التلف) اى تلف الحنطة (او يوم الفسخ) اذا كان هناك اختلاف بين القيمتين فى اليومين (قولان).

(ظاهر الاكثر الاول) لان يوم التلف هو يوم الانتقال الى القيمة (و لكن صرح فى الدروس و المسالك و محكى حاشية الشرائع للمحقق الثانى و صاحب الحدائق و بعض آخر) ما يظهر منه ذهابهم الى الثانى و انه يوم الفسخ، فانهم و ان لم يعنونوا هذه المسألة، الا انهم عنونوا مسألة اخرى شبيهة بهذه المسألة فى وحدة الملاك.

فانهم قالوا ب (انه لو اشترى

ص: 192

عينا بعين، فقبض إحداهما دون الاخرى، فباع المقبوض ثم تلف غير مقبوض ان البيع الاول ينفسخ بتلف متعلقه قبل القبض.

بخلاف البيع الثانى فيغرم البائع الثانى قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض و هذا ظاهر بل صريح فى ان العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين

______________________________

عينا بعين) فكان الثمن عينا أيضا لا نقدا (فقبض إحداهما دون الاخرى)

مثلا: باع دارا بثمن هو حنطة، و اخذ المشترى الدار و لم يقبض البائع الحنطة (فباع) المشترى- فى المثال- (المقبوض) و هى الدار (ثم تلف) عند المشترى الحنطة، و هى (غير مقبوض) للبائع.

قال هؤلاء الفقهاء (ان البيع الاول) اى بيع الدار بالحنطة (ينفسخ بتلف متعلقه) اى الحنطة (قبل القبض) لان البائع لم يقبض الحنطة- حسب الفرض-.

(بخلاف البيع الثانى) اى بيع المشترى الدار، و عليه فيلزم على المشترى الّذي باع الدار ان يسلم الى البائع الاول داره.

و حيث ان الدار قد باعها المشترى الى انسان ثالث (فيغرم البائع الثانى قيمة ما باعه) اى قيمة الدار (يوم تلف) الحنطة (غير المقبوض)

اذ الدار كانت فى مقابلة الحنطة، فاذا تلفت الحنطة انتقل بدل الحنطة- و هى القيمة- الى ذمة المشترى الاول، فان يوم تلف الحنطة هو يوم الانفساخ و يوم بيع المشترى الدار هو يوم تلف العين، اذ الدار بالبيع صارت تالفة (و هذا ظاهر بل صريح فى ان العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين).

ص: 193

و الفرق بين المسألتين مشكل، و تمام الكلام فى باب الاقالة ان شاء اللّه.

و لو تلف باتلاف الاجنبى رجع المغبون بعد الفسخ الى الغابن لانه الّذي يرد إليه العوض، فيؤخذ منه المعوض او بدله، و لانه ملك القيمة على المتلف

______________________________

(و الفرق بين المسألتين) و هما المسألة التى هى محل الكلام التى قال المشهور: ان العبرة بيوم التلف، و المسألة التى ذكرها الشهيدان و غيرهما التى قالوا «ان العبرة بيوم الفسخ» (مشكل) لان كلتيهما من باب واحد (و تمام الكلام فى باب الاقالة ان شاء الله) تعالى هذا فيما لو تلف ما فى يد الغابن بآفة او باتلاف الغابن.

(و لو تلف) ما فى يد الغابن (باتلاف الاجنبى رجع المغبون بعد الفسخ) اى بعد فسخ المغبون (الى الغابن) لا الى المتلف (لانه) اى الغابن هو (الّذي يرد إليه العوض، فيؤخذ منه المعوض) ان كان المعوض موجودا (او بدله) ان كان مفقودا.

و قوله «لانه» دليل عقلى، فان من له الغنم فعليه الغرم (و لانه) اى الغابن (ملك القيمة) اى قيمة التالف (على المتلف) اذ لما اتلف الاجنبى الشي ء كان فى ملك الغابن، و بعد ذلك حدث الفسخ.

و حيث كان المتلف ضامنا للغابن فلا يمكن ان يكون ضامنا للمغبون حتى يرجع المغبون إليه، لان ما فى ذمة المتلف لا يملكه شخصان.

ص: 194

و يحتمل الرجوع الى المتلف، لان المال فى ضمانه، و ما لم يدفع العوض فنفس المال فى عهدته.

و لذا صرح فى الشرائع بجواز المصالحة على ذلك المتلف بما لو صالح به على قيمته لزم الربا.

______________________________

(و يحتمل الرجوع) اى رجوع المغبون (الى المتلف، لان المال فى ضمانه) فان من اتلف مال الغير فهو له ضامن (و ما لم يدفع) المتلف (العوض) عما اتلفه (فنفس المال فى عهدته) فاذا فسخ المغبون كان المال فى عهدة المتلف فأخذه منه، و حيث قد اتلف عينه اخذ المغبون بدله.

(و لذا) الّذي كان المال فى ضمان المتلف (صرح فى الشرائع بجواز المصالحة على ذلك) المال (المتلف)- بصيغة اسم المفعول- (بما لو صالح به) مع المتلف (على قيمته) بان اعطى قيمة المتلف (لزم الربا) فان فى الصلح على القيمة عملين.

الاول: تبديل العين بالقيمة.

الثانى: جعل القيمة عوضا فى الصلح، فاذا كان المتلف قد اتلف العين فصالحه المغبون بعد ان فسخ المعاملة على ان يعطيه خمسين دينارا بدلا عن قيمة العين المتلفة كان ذلك ربا، لان المغبون اعطى للمتلف مائة، القيمة الحقيقية للعين المتلفة و اخذ منه خمسين.

و هذا بخلاف ما اذا صالح المغبون مع المتلف باعطاء المال للمغبون فى قبال تلفه للعين رأسا- حيث لم يقابل النقد بالنقد-.

ص: 195

و صرح العلامة بانه لو صالحه على نفس المتلف باقل من قيمته، لم يلزم الربا.

و ان صالحه على قيمته بالاقل، لزم الربا بناء على جريانه فى الصلح و يحتمل التخيير.

اما الغابن فلانه ملك البدل.

و اما المتلف فلان المال المتلف فى عهدته قبل اداء

______________________________

(و صرح العلامة بانه لو صالحه) اى لو صالح المغبون المتلف (على نفس المتلف)- بالفتح- (باقل من قيمته، لم يلزم الربا) لانه نقد فى قبال عين.

(و ان صالحه على قيمته) اى حوّل المتلف الى القيمة و صالح المغبون المتلف على تلك القيمة (بالاقل) او بالاكثر (لزم الربا) لانه يحصل التفاضل بين النقدين و هو ربا (بناء على جريانه) اى جريان الربا (فى الصلح).

(و) هنا احتمال ثالث فى رجوع المغبون الى الغابن او المتلف اذ (يحتمل) رجوعه على (التخيير) فان شاء رجع الى الغابن و ان شاء رجع الى المتلف.

(اما) الرجوع الى (الغابن فلانه) اى الغابن (ملك البدل) اذ المغبون يعطى عوض ما تلف من ماله الى الغابن.

(و اما المتلف) اى رجوع المغبون الى المتلف- بالكسر- (فلان المال المتلف) بالفسخ (فى عهدته) اى عهدة المتلف (قبل اداء) المتلف

ص: 196

القيمة.

و ان كان باتلاف المغبون فان لم يفسخ غرم بدله.

و لو أبرأه الغابن من بدل المتلف، فظهر الغبن، ففسخ، ردّ الثمن و اخذ قيمة المتلف، لان المبرئ منه كالمقبوض.

هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام، و ينبغى احالة الزائد على ما ذكروه فى غير هذا المقام، و اللّه العالم بالاحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات اللّه عليه و عليهم الى يوم القيام.

______________________________

(القيمة) فيستصحب بقائه فى عهدته فيرجع المغبون إليه.

(و ان كان) تلف ما فى يد الغابن (باتلاف المغبون) له (فان لم يفسخ) المغبون المعاملة (غرم) المغبون (بدله) اى بدل ما فى يد الغابن، لانه اتلف مال غيره.

(و لو أبرأه) اى ابرأ المغبون (الغابن من بدل المتلف) اى ما اتلفه المغبون (فظهر الغبن) بعد الابراء (ففسخ) المغبون المتلف (ردّ) المغبون (الثمن) الى الغابن (و اخذ) المغبون من الغابن (قيمة المتلف) و انما يأخذ القيمة (لان المبرئ منه) حيث برء الغابن المغبون عما اتلفه المغبون (كالمقبوض) للغابن.

(هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام) خيار الغبن (قابلا له من الكلام و ينبغى احالة الزائد على ما ذكروه) احالة (فى غير هذا المقام، و اللّه العالم بالاحكام، و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم الى يوم القيام) بل و ما بعده الى ما لا يعلم مداه الا القدير العلّام.

ص: 197

مسئلة الظاهر ثبوت خيار الغبن فى كل معاوضة مالية

بناء على الاستناد فى ثبوته فى البيع، الى نفى الضرر.

نعم لو استند الى الاجماعات المنقولة، امكن الرجوع فى غير البيع الى اصالة اللزوم.

______________________________

(مسألة: الظاهر ثبوت خيار الغبن فى كل معاوضة) لا فى الايقاعات فلو ظن ان عبده يسوى الفا، فاعتقه كفارة، ثم ظهر انه يسوى الفين، او ظن انه اذ اطلق زوجته يزوج باختها، ثم ظهر كذب ظنه، فلا خيار له فى ابطال العتق و الطلاق، و ان كان يسمى مغبونا- عرفا-.

فعليه يثبت خيار الغبن فى كل معاوضة (مالية) بخلاف ما اذا لم تكن مالية، كما اذا تعاهد شخصان ان يزور احدهما الامام امير المؤمنين عليه السلام فى النجف فى قبال ان يزور الآخر عنه الامام الحسين عليه السلام فى كربلاء، ثم تبين ان قيمة زيارة الامام امير المؤمنين عليه السلام اكثر، مع احتمال ان يجرى خيار الغبن هنا أيضا (بناء على الاستناد فى ثبوته) اى ثبوت خيار الغبن (فى البيع، الى) انه عقلائى، و قد أمضاه الشارع و الى (نفى الضرر) اذ كلا الوجهين جار فى سائر المعاملات.

(نعم لو استند الى الاجماعات المنقولة) فى البيع بان كان مستند خيار الغبن فى باب البيع الاجماع (امكن الرجوع فى غير البيع) اذ غبن فيه (الى اصالة اللزوم) لان الاصل لزوم كل عقد الا ما خرج بالدليل و حيث

ص: 198

و ممن حكى عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره فى شرح الارشاد، و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع.

و عن اجارة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا الى انه من توابع المعاوضات.

نعم حكى عن المهذب البارع: عدم جريانه فى الصلح.

و لعله لكون الغرض الاصلى فيه قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفى.

______________________________

لا اجماع فى غير البيع فالاصل اللزوم.

(و ممن حكى عنه التصريح بالعموم) و ان خيار الغبن جار فى كل معاوضة (فخر الدين قدس سره فى شرح الارشاد، و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع).

(و) كذلك حكى (عن اجارة جامع المقاصد جريانه) اى جريان خيار الغبن (فيها) اى فى الاجارة (مستندا الى انه من توابع المعاوضات) اى ان خيار الغبن من احكام المعاوضات، و الاجارة معاوضة فيجرى فيها خيار الغبن.

(نعم حكى عن المهذب البارع: عدم جريانه فى الصلح).

(و لعله) اى لعل وجه عدم الجريان (لكون الغرض الاصلى فيه) اى فى الصلح (قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ) لان الفسخ ارجاع الى المنازعة (و فيه ما لا يخفى).

اذ: لا منافات بين الغرض الاصلى، و بين عدم لزوم الصلح الّذي

ص: 199

و فى غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة فيجرى فيه، و بين الواقع على اسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر حقية ما يدعيه، و كان مغبونا فيما صالح به، و الواقع على ما فى الذمم، و كان مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح، و ظهر غبن احدهما على تأمل.

______________________________

غبن فيه، كما ان الغرض الاصلى من الاجارة الانتفاع بالعين، و مع ذلك يجرى فيها الفسخ المنافى لهذا الغرض.

و كذلك الغرض الاصلى فى البيع و غيره، كما هو واضح.

(و فى غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة فيجرى فيه) اى فى خيار الغبن، لانه كسائر المعاوضات التى يجرى فيها خيار الغبن، فللصلح حكم المعاوضة (و بين) الصلح (الواقع على اسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر) بعد الصلح (حقية ما يدعيه، و كان مغبونا فيما صالح به).

مثل: ان يدعى عليه الف دينار فصالحه على مائة، ثم ظهر انه يطلبه الفا، فانه يكون مغبونا حينئذ، لانه اخذ مائة فى قبال الألف (و) الصلح (الواقع) عطف على «بين الواقع» (على ما فى الذمم، و كان) ما فى الذمة (مجهولا) كما اذا طلب زيد من محمد شيئا، و لم يعلم قدره فصالحه على مائة (ثم ظهر) قدره (بعد عقد الصلح، و ظهر غبن احدهما) و ان ما فى الذمة كان الفا، او كان خمسين، فانه لا يجرى فيها الخيار (على تأمل) اى تأمل فى عدم جريان خيار الغبن فى هذين الصلحين، لاحتمال جريانه فيهما أيضا.

ص: 200

و لعله للاقدام فى هذين على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان، فقد اقدم على الضرر.

و حكى عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه على وجه المسامحة و كان الاقدام فيه على المعاملة مبنيا على عدم الالتفات الى النقص و الزيادة بيعا كان او صلحا او غيرهما، فانه لا يصدق فيه اسم الغبن.

و بين غيره.

و فيه- مع ان منع صدق الغبن

______________________________

(و لعله) اى لعل وجه عدم جريان الخيار فى هذين الصلحين اسقاط الدعوى، و ما فى الذمم (للاقدام فى هذين) القسمين (على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان) مقداره (فقد اقدم) المغبون (على الضرر) و المقدم على الضرر لا خيار له.

و وجه التأمل انه اقدم على الضرر القليل لا الضرر الكثير، فلم يقدم على هذا المقدار من الضرر، فيشمله دليل: لا ضرر.

(و حكى عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه) اى هذا الفرد الخارجى من العقد (على وجه المسامحة، و) ذلك بمعنى انه (كان الاقدام فيه) اى فى ذلك العقد (على المعاملة مبنيا على عدم الالتفات) فيه (الى النقص و الزيادة بيعا كان او صلحا او غيرهما، ف) لا خيار فيه ل (انه لا يصدق فيه اسم الغبن)

(و بين غيره) ففيه الخيار، لانه يصدق فيه اسم الغبن.

(و فيه- مع ان منع صدق الغبن) فيما كان مبنيا على عدم الالتفات

ص: 201

محل نظر- ان الحكم بالخيار لم يعلق فى دليل على مفهوم لفظ الغبن، حتى يتبع مصاديقه.

فان الفتاوى مختصة بغبن البيع، و حديث نفى الضرر عامّ لم يخرج منه الا ما استثنى فى الفتاوى من صورة الاقدام على الضرر عالما به.

______________________________

(محل نظر-) اذ يصدق الغبن، لكن يقال: انه لم يعتن بالغبن (ان) دليل الخيار يشمل صورة الاقدام المسامحى.

اما بالنسبة الى البيع فدليل الخيار يقول: البيع الغبنى، و هو موجود فى صورة المسامحة، لانه يسمى بيعا غبنيا.

و اما بالنسبة الى غير البيع، فدليل الخيار فيه هو الضرر، و الضرر موجود و ان اقدم فى المعاملة مسامحة.

فان (الحكم بالخيار) فى صورة الغبن (لم يعلق فى دليل على مفهوم لفظ الغبن، حتى يتبع مصاديقه) اى مصاديق الغبن، لنرى ان اىّ مكان يصدق انه غبن و اى مكان لا يصدق انه غبن، حتى يقول هذا المفصل «مع المسامحة لا يصدق الغبن» اذ الدليل على خيار الغبن اما الفتاوى و اما دليل: لا ضرر، و كلاهما لا يدل على عدم خيار الغبن فى صورة المسامحة (فان الفتاوى مختصة بغبن البيع) فلا مورد لها فى غير البيع (و حديث نفى الضرر عامّ) يشمل البيع و غيره، المسامحى و غيره، و (لم يخرج منه الا ما استثنى فى الفتاوى من صورة الاقدام على الضرر عالما به) و صورة الجهل بالضرر لا تدخل تحت المستثنى، و منه يعلم عدم كفاية المسامحة فى اسقاط الخيار فى صورة عدم العلم بالضرر.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 203

ص: 202

نعم لو استدل بآية: التجارة عن تراض، او النهى عن: اكل المال بالباطل امكن اختصاصها بما اذا اقدم على المعاملة محتملا للضرر مسامحا فى دفع ذلك الاحتمال.

______________________________

(نعم لو استدل) خيار الغبن (بآية: التجارة عن تراض، او النهى عن: اكل المال بالباطل) و هما جملتان فى آية واحدة، هى قوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ

وجه الاستدلال انه لا رضا مع الغبن، و انه اكل للمال بالباطل.

فلو استدل بهما (امكن) صحة دعوى المفصل «بانه اذا كان مبنى المعاملة على المسامحة لم يكن خيار» ل (اختصاصها) اى الآية بصورة الاقدام المسامحى بان الاقدام المسامحى «تجارة عن تراض» و ليس «اكلا بالباطل».

و عليه فلا خيار فى الاقدام المسامحى.

و الحاصل ان الاقدام المسامحى داخل فى «تراض» و ليس داخلا فى «الاكل بالباطل».

و لذا فلا خيار فى صورة الاقدام المسامحى فعدم الرضا المفهوم من «عن تراض» انه يوجب الخيار و «الاكل بالباطل» الموجب للخيار قد خصص (بما اذا اقدم على المعاملة محتملا للضرر) فى حالكونه (مسامحا فى دفع ذلك الاحتمال) اى لم يدفع هذا الاحتمال بترك المعاملة، بل اقدم على المعاملة.

و لا يخفى ان احسن احتمال فى استقامة عبارة المصنف اى قوله «امكن

ص: 203

و الحاصل: ان المسألة لا تخلو عن اشكال، من جهة اصالة اللزوم، و اختصاص معقد الاجماع و الشهرة بالبيع، و عدم تعرض الاكثر لدخول هذا الخيار فى غير البيع، كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس فى غير البيع

______________________________

اختصاصها بما اذا» ان «امكن» استثناء عن «بالباطل».

فكانه قال و لو استدل للخيار بآية: اكل المال بالباطل، كانت صورة المسامحة خارجة عن الآية- لانه مع الرضا، ليس اكلا بالباطل- فلا خيار، و يكون قوله «بآية التجارة» محذوف الاستدلال بها، لفهم الاستدلال بها من الاستدلال بالنهى عن اكل المال بالباطل، فيكون من قبيل:

نحن بما عندنا و انت بما عند ك راض و الرأى مختلف

(و الحاصل: ان المسألة) اى مسألة دخول خيار الغبن فى كل معاوضة (لا تخلو عن اشكال، من جهة اصالة اللزوم) فى المعاملة، فلا خيار (و اختصاص) دليل الخيار من (معقد الاجماع و الشهرة) المحققة (بالبيع) فلا اجماع و لا شهرة محققة فى دخول خيار الغبن فى غير البيع (و عدم تعرض الاكثر لدخول هذا الخيار فى غير البيع) مع انهم فى صدد بيان ان كل خيار يدخل فى غير البيع، أم لا (كما تعرضوا لجريان خيار الشرط) فى كل معاوضة.

(و) اما ما نرى من (تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس فى غير البيع) حيث ان المفهوم منه ان سائر الخيارات تدخل فى غير البيع

ص: 204

لكونه محل خلاف لبعض العامة فى بعض افراد ما عدا البيع، فلا يدل على عموم غيره لما عدا البيع، و من دلالة حديث: نفى الضرر، على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها فى صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت

______________________________

فليس له وجه، اذ لا مفهوم لهذا الكلام.

و انما تعرضوا لعدم دخول خيار المجلس فى سائر المعاوضات (لكونه) اى خيار المجلس (محل خلاف لبعض العامة فى بعض افراد ما عدا البيع).

حيث قال بعض العامة ان خيار المجلس يدخل فى بعض المعاوضات أيضا، كما يدخل فى البيع فالفقهاء قالوا بان خيار المجلس لا يدخل فى سائر المعاوضات لرد أولئك العامة (فلا يدل) كلام هؤلاء الفقهاء (على) ان خيار المجلس فقط لا يدخل فى المعاوضات- ما عدا البيع- حتى يدل كلامهم بالمفهوم على (عموم غيره) اى غير خيار المجلس (لما عدا البيع) حتى يفيد كلامهم بالمفهوم على دخول خيار الغبن فى سائر المعاوضات.

و لا يخفى ان قوله «و تعرضهم» مبتدأ خبره «لكونه».

هذا كله وجه عدم دخول خيار الغبن فى سائر المعاوضات.

اما وجه دخول خيار الغبن فى سائر المعاوضات فقد ذكره بقوله: (و من دلالة حديث: نفى الضرر، على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها فى صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت).

اما اذا بذل الغابن التفاوت، فلا دلالة لحديث: نفى الضرر،

ص: 205

بعد الحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الاصحاب.

و قد استدل به الاصحاب على اثبات كثير من الخيارات، فدخوله فيما عدا البيع لا يخلو عن قوة.

______________________________

اذ لا ضرر حينئذ، بل هو جمع بين اصالة اللزوم فى المعاملات، و بين حديث نفى الضرر، و اذا تم وجود خيار الغبن فى سائر المعاملات فى صورة امتناع بذل الغابن التفاوت، فنقول ان الخيار موجود فى صورة البذل أيضا، لعدم القول بالفصل.

ف (بعد الحاق غيرها) اى غير صورة امتناع البذل و هى صورة البذل بمعنى انا نلحق صورة البذل بصورة الامتناع من البذل.

و انما نلحق (بظهور عدم الفصل عند الاصحاب) بين الصورتين المطلوب، و هو دخول خيار الغبن فى كل معاملة مطلقا- اى سواء بذل الغابن التفاوت أم لم يبذل-.

(و قد استدل به) اى بحديث: نفى الضرر (الاصحاب على اثبات كثير من الخيارات).

فلا يقال: ان حديث: نفى الضرر، يدل على السلب، لا على الايجاب.

لانه يقال: الخيار سلب أيضا، اذ هو نفى لزوم المعاملة.

و على هذا (فدخوله) اى خيار الغبن (فيما عدا البيع) من سائر المعاملات (لا يخلو عن قوة).

ص: 206

نعم يبقى الاشكال فى شموله للصورة المتقدمة، و هى ما اذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان او غيره على عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية كما اذا احتاج المشترى الى قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية، او دنيوية، فانه لا يلاحظ فى شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه فان فى شمول الادلة.

______________________________

(نعم يبقى الاشكال فى شموله) اى خيار الغبن (للصورة المتقدمة و هى ما اذا علم من) الدليل (الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان او غيره على) التسامح، و (عدم المغابنة و المكايسة) فلا يهم احدهما بان يكون قد غبن، او صار الطرف الآخر اكيس و افطن منه، بل كل طرف يتسامح سواء غبن أم لا، لان مهمته انهاء النزاع و نحوه، فلا يهم المغبون ان يغبن (من حيث المالية).

و ذلك (كما اذا احتاج المشترى الى قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية) كما اذا اراد قطع دم جرحه لاجل تصحيح طوافه الضيق وقته، فاشترى قدر حمصة من الزاج بدرهم، بينما قدر مثقال منه يسوى بدرهم (او دنيوية) كما اذا اراد اشعال حطبه لغداء ضيوفه، فاشترى عود ثقاب بفلس، بينما ستون عودة منه بفلس (فانه لا يلاحظ فى شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه) بل همته ان يقضى حاجته المضيقة، حتى اذا قيل له انه غبن فيه قال: لا يهم ذلك (فان فى شمول الادلة) اى ادلة خيار الغبن من «لا ضرر» و ان «بناء العقلاء على الخيار فى الغبن و الشارع أمضاه بدليل انه لم يردع عنه» و ان «مع ابطال

ص: 207

لمثل هذا خفاء بل منعا، الا ان يتم بعدم القول بالفصل، و اللّه العالم.

______________________________

المغبون للمعاملة و عدم قبول الغابن لذلك يكون اكلا للمال بالباطل» (لمثل هذا خفاء بل منعا، الا ان يتم) الشمول (بعدم القول بالفصل) كما لا يبعد ذلك، بل لا يبعد شمول الادلة له أيضا (و اللّه) سبحانه (العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 208

مسئلة اختلف اصحابنا فى كون هذا الخيار على الفور او على التراخى على قولين.

و استند للقول الاول و هو المشهور ظاهرا الى كون الخيار على خلاف الاصل، فيقتصر فيه على المتيقن.

و قرره فى جامع المقاصد بان العموم فى افراد العقود يستتبع عموم الازمنة، و الّا لم ينتفع بعمومه،

______________________________

(مسألة: اختلف اصحابنا فى كون هذا الخيار) و هو خيار الغبن (على الفور او على التراخى) فاذا علم المغبون بالغبن يحق له ان لا يأخذ به الا بعد زمان، كيوم او اكثر (على قولين).

(و استند للقول الاول) و هو ان الخيار فورى (و هو المشهور ظاهرا) لتصريح بعضهم به و انصراف كلام بعض إليه (الى كون الخيار على خلاف الاصل) لان الاصل فى المعاملات: اللزوم (فيقتصر فيه) اى فى الخيار (على المتيقن) الّذي هو الفور، اذ لا نعلم بعد الفور هل هناك خيار، أم لا؟ فالمرجع اصالة اللزوم.

(و قرره) اى قرر الرجوع الى المتيقن الّذي هو الفور (فى جامع المقاصد بان العموم فى افراد العقود) اى فى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الشامل لكل عقد عقد (يستتبع عموم الازمنة) فهناك عمومان، عموم افرادى اى كل عقد عقد، و عموم ازمانى اى فى كل زمان زمان (و الا) يكن عموم ازمانى (لم ينتفع بعمومه)

ص: 209

انتهى.

و للقول الثانى الى الاستصحاب.

و ذكر فى الرياض ما حاصله ان المستند فى هذا الخيار ان كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب.

و ان كان نفى الضرر، وجب الاقتصار على الزمان الاول، اذ به يندفع الضرر.

______________________________

الافرادى، اذ لو كان الواجب الوفاء فى بعض الازمنة، فأيّة فائدة فى القول، بان كل عقد عقد يجب الوفاء به، و الحال انه لا وفاء لاىّ فرد، لكفاية الوفاء بقدر قليل (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و) استند (للقول الثانى) و هو تراخى الخيار (الى الاستصحاب) فانه اذا ظهر الغبن كان له الخيار، و لا نعلم هل انه يدوم الخيار فى الزمان الثانى و الثالث، أم لا؟ فمقتضى الاستصحاب دوام الخيار.

(و ذكر فى الرياض ما حاصله) ان كون الخيار فورا و متراخيا تابع لدليل الخيار، و (ان المستند فى هذا الخيار) اى خيار الغبن (ان كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب) و القول بالتراخى لان الاجماع يثبت الخيار فى الزمان الاول و حيث يشك فى الزمان الثانى كان المرجع الاستصحاب.

(و ان كان) المستند لهذا الخيار دليل (نفى الضرر وجب الاقتصار) فى الخيار (على الزمان الاول، اذ به) اى بكون الخيار فى الزمان الاول (يندفع الضرر) فانه اذا لم يأخذ بالخيار، فهو قد اضر نفسه و اقدم

ص: 210

اقول: و يمكن الخدشة فى جميع الوجوه المذكورة.

اما فى وجوب الاقتصار على المتيقن، فلانه غير متّجه مع الاستصحاب و اما ما ذكره فى جامع المقاصد من عموم الازمنة.

______________________________

على ضرر نفسه، لا ان الشارع قد اضرّ به حتى يرفع ضرره بدليل: لا ضرر (اقول: و يمكن الخدشة فى جميع الوجوه) الثلاثة (المذكورة).

(اما) الوجه لقول المشهور (فى وجوب الاقتصار على المتيقن، فلانه غير متّجه مع الاستصحاب) فان الاستصحاب يجرى الحكم الى ما بعد الزمان المتيقن، فيكون الحكم استمرار الخيار.

(و اما ما ذكره فى جامع المقاصد من عموم الازمنة) حيث قرّر المتيقن بهذا البيان.

فيرد عليه ان مع وجود العموم الا زمانى لا حاجة الى القدر المتيقن اذ ان العموم الا زمانى قسمان.

الاول: ما كان الزمان ملحوظا فيه على وجه الاستمرار حتى ان اكرام زيد- مثلا- من اليوم الى آخر الايام فرد واحد.

الثانى: ما كان الزمان ملحوظا فيه على وجه الانفراد، فاكرام زيد فى كل يوم فرد، فاذا قال: اكرم العلماء فى هذا الاسبوع- مثلا- و كان عددهم ثلاثة، كان على الاول ثلاثة افراد للعموم، و على الثانى واحد و عشرون فردا لانه يجب فى كل يوم ثلاثة اكرامات.

و اذا تحقق ان العموم الا زمانى قسمان فنقول بقول جامع المقاصد بالعموم الا زمانى، هل يراد منه القسم الاول و فيه يكون المرجع- عند

ص: 211

فان اراد به عمومها المستفاد من اطلاق الحكم بالنسبة الى زمانه الراجع بدليل الحكمة الى استمراره فى جميع الازمنة.

______________________________

الشك- الاستصحاب، لانه لما خرج هذا الفرد من العام عن العموم فى الزمان الاول فشك فى استمرار خروجه و الاستصحاب يقول باستمرار الخروج، فلا مجال للقدر المتيقن، او يراد منه القسم الثانى و فيه يكون المرجع- عند الشك- عموم العام، لان كل زمان فرد مغاير لزمان آخر فاذا خرج الفرد الاول و هو الزمان الاول و شك فى خروج الفرد الثانى و هو الزمان الثانى، كان اللازم الرجوع الى عموم العام، لان الّذي خرج منه فرد خاص.

و تسرية الحكم الى فرد آخر لا وجه له، و عليه فلا مجال أيضا للقدر المتيقن.

و على كلا الحالين لا يكون ما ذكره جامع المقاصد من العموم الا زمانى مؤيدا لكلام المشهور.

(ف) انه (ان اراد به) اى بعموم الازمنة (عمومها) اى عموم الازمنة (المستفاد) ذلك العموم (من اطلاق الحكم بالنسبة الى زمانه) اذ قد اطلق المولى و قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يقل فى كل زمان، او فى بعض الازمنة (الراجع) هذا الاطلاق (بدليل الحكمة) لانه لو اراد بعض الازمنة كانت الحكمة تقتضى ان يبين ذلك الزمان، فحيث اطلق و لم يبين دل كلامه (الى استمراره) اى استمرار حكم الوفاء (فى جميع الازمنة).

ص: 212

فلا يخفى ان هذا العموم فى كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم، فاذا فرض خروج فرد منه فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما، او فى زمان ما، اذ ليس فى خروجه دائما زيادة تخصيص فى العام حتى يقتصر عند الشك فيه على المتيقن،

______________________________

و هذا هو القسم الّذي ذكرناه: و مرجعه الى كون الزمان ظرفا، لا مفرّدا.

(فلا يخفى ان هذا العموم) و هو العموم الزمانى (فى كل فرد من موضوع الحكم) و هو كل فرد فرد من العقود (تابع) للعموم الزمانى (لدخوله تحت العموم) اى عموم: كل عقد عقد، فاذا كان هذا العقد مشمولا لاوفوا، كان له عموم زمانى، و استمرار فى وجوب الوفاء (فاذا فرض خروج فرد منه) اى من عموم كل عقد بان قال الشارع: العقد الغبنى لا يجب الوفاء به (فلا يفرق فيه) اى فى هذا الخروج (بين خروجه) اى خروج هذا الفرد (عن حكم العام) و هو- اوفوا- (دائما) بان يستمر خيار الغبن (او فى زمان ما) بان يكون خيار الغبن فورا فقط.

و انما لا فرق (اذ ليس فى خروجه دائما زيادة تخصيص فى العام) فان الخارج فرد واحد فى كلا الحالين، لفرض كون الزمان ظرفا، و انه لا يؤثر فى تكثير الفرد الواحد للعام (حتى يقتصر عند الشك فيه) بان شك فى انه هل فى الزمان الثانى خارج، فلا يجب الوفاء لوجود الخيار او ليس بخارج لعدم الخيار (على المتيقن) كما ذكره المشهور، و ايده جامع المقاصد.

ص: 213

نظير ما اذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم، و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل، لكن وقع الشك فى ان ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الازمنة، او عام لجميعها، فان اللازم هنا استصحاب حكم الخاص اعنى الحلّية، لا الرجوع فى ما بعد الزمان المتيقن الى عموم التحريم.

و ليس هذا من معارضة العموم للاستصحاب.

______________________________

فالمقام (نظير ما اذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم، و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل) كما اذا حرّم المولى على عبيده دخول داره بان قال: لا تدخلوا بيتى، ثم استثنى منهم عبده مباركا (لكن وقع الشك فى ان ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد) و هو: مبارك (مختص ببعض الازمنة) كيوم الجمعة، الّذي نهى فيه المولى عن دخول الدار (او عام لجميعها) بان يجوز لمبارك دخول الدار اى وقت شاء من ايام السنة (فان اللازم هنا استصحاب حكم الخاص اعنى الحلّية) لدخول مبارك للدار بعد يوم الجمعة (لا الرجوع فى ما بعد الزمان المتيقن) و الزمان المتيقن جوازه هو يوم الجمعة (الى عموم التحريم) فلا يقال «لا تدخلوا بيتى» عام لكل عبد و لكل يوم خرج منه «مبارك، فى يوم الجمعة» فمبارك فى سائر الايام يحرم عليه دخول الدار.

(و) لا يخفى ان تعدّى الاستصحاب للحكم الخاص فى المثال (ليس هذا من معارضة العموم) اى عموم «لا تدخلوا» (للاستصحاب) بل لا مجال للعموم اصلا، حتى و ان لم يكن استصحاب فى البين.

ص: 214

و السرّ فيه ما عرفت من تبعية العموم الزمانى للعموم الافرادى.

فاذا فرض خروج بعضها فلا مقتضى للعموم الزمانى فيه حتى يقتصر فيه من حيث الزمان على المتيقن، بل الفرد الخارج واحد، دام زمان خروجه او انقطع.

نعم لو فرض افادة الكلام للعموم الزمانى على وجه يكون

______________________________

(و السرّ فيه) اى فى اعطاء الحكم للاستصحاب (ما عرفت من تبعية العموم الزمانى) و هو عموم «عدم دخول كل يوم لكل عبد» و «دخول مبارك كل يوم» (للعموم الافرادى) فكل يوم تابع لكل عبد عبد، فان حرم على العبد الدخول حرم عليه كل يوم، و ان حلّ له الدخول حلّ كل يوم.

(فاذا فرض خروج بعضها) عن حكم العام كما فرضنا خروج مبارك عن عموم «لا تدخلوا بيتى» (فلا مقتضى للعموم الزمانى فيه) و لا مقتضى لان يقال: انه يحرم على مبارك الدخول فى كل يوم (حتى يقتصر فيه) اى فى جواز دخول مبارك (من حيث الزمان) اى زمان جواز الدخول (على المتيقن) و هو يوم الجمعة (بل الفرد الخارج) و هو مبارك (واحد، دام زمان خروجه او انقطع) فليس خروج مبارك، يوم الجمعة فردا و خروجه يوم السبت فردا آخر، حتى يقال خرج يوم الجمعة و لم يعلم خروجه يوم السبت، فليس بخارج، بل داخل فى عموم «لا تدخلوا بيتى»

(نعم) هذا شق ثان لقوله: فان اراد بها.

و حاصله: ان كان الزمان مفرّدا فى قبال الشق الاول الّذي حاصله ان كان الزمان ظرفا (لو فرض افادة الكلام للعموم الزمانى على وجه يكون

ص: 215

الزمان مكثرا لافراد العام بحيث يكون الفرد فى كل زمان مغايرا له فى زمان آخر، كان اللازم بعد العلم بخروج فرد فى زمان ما الاقتصار على المتيقن، لان خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه.

كما اذا قال المولى لعبده: اكرم العلماء فى كل يوم، بحيث كان اكرام كلّ

______________________________

الزمان مكثرا لافراد العام) كما عرفت فى مثال: اكرم العلماء (بحيث يكون الفرد فى كل زمان مغايرا له) اى للفرد (فى زمان آخر).

مثلا: زيد العالم فى يوم الجمعة غيره فى يوم السبت، و لذا وجب اكرامان، فكل يوم له اكرام مستقلّ، لا ان اكرامه فى مجموع الايام اكرام واحد (كان اللازم بعد العلم) اى بعد ان علمنا (بخروج فرد فى زمان ما الاقتصار على المتيقن) و ان الخارج هو ذلك الفرد لا اكثر و ذلك (لان خروج غيره من الزمان) كما اذا علم خروج يوم الجمعة فانه لا يلحق به يوم السبت.

اذ خروجه (مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه) فقد علم خروج يوم الجمعة و لم يعلم خروج يوم السبت، فيكون مثل اكرم العلماء الا زيدا.

فكما انه لا يتعدى من زيد الى خالد، كذلك لا يتعدى من يوم الجمعة الى السبت لانهما فرد ان حسب الفرض.

(كما اذا قال المولى لعبده: اكرم العلماء فى كل يوم، بحيث كان اكرام كلّ

ص: 216

عالم فى كل يوم واجبا مستقلا غير اكرام ذلك العالم فى اليوم الآخر.

فاذا علم بخروج زيد العالم و شك فى خروجه عن العموم يوما او ازيد وجب الرجوع فى ما بعد اليوم الاول الى عموم وجوب الاكرام، لا الى استصحاب عدم وجوبه، بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع الى اصل آخر كما ان فى الصورة الاولى لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب، لم يجز الرجوع الى العموم.

______________________________

عالم فى كل يوم واجبا مستقلا غير اكرام ذلك العالم فى اليوم الآخر) بحيث كان لكل يوم اطاعة و معصية، و ثواب و عقاب.

(فاذا علم بخروج زيد العالم) عن وجوب الاكرام (و شك فى خروجه عن العموم يوما او ازيد، وجب الرجوع فى ما بعد اليوم الاول) المعلوم خروجه- كالجمعة مثلا- حيث علم بانه لا يجب اكرامه فى الجمعة (الى عموم وجوب الاكرام) فاللازم اكرامه فى يوم السبت (لا الى استصحاب عدم وجوبه) اذ هو من تعدّ الحكم من موضوع الى موضوع آخر، و يشترط فى الاستصحاب وحدة الموضوع (بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم) و انما علم من الخارج ان كل يوم واجب مستقل، و علمنا بخروج اليوم الاول، و شككنا فى خروج اليوم الثانى (لم يجز التمسك بالاستصحاب) و الحكم بخروج اليوم الثانى (بل يجب الرجوع الى اصل آخر) من الاصول العمليّة ان لم يكن دليل اجتهادى غير العام فى البين (كما ان فى الصورة الاولى لو فرضنا عدم حجيّة الاستصحاب لم يجز الرجوع الى العموم).

ص: 217

فما اوضح الفرق بين الصورتين.

ثم لا يخفى: ان مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان فى الصورة الاولى من الاطلاق المحمول على العموم، بدليل الحكمة و كونه فى الصورة الثانية عموما لغويا، بل المناط كون الزمان فى الاولى ظرفا للحكم، و ان فرض عمومه لغويا فيكون الحكم فيه حكما واحدا مستمر الموضوع واحد

______________________________

(فما اوضح الفرق بين الصورتين) صورة كون الزمان ظرفا حيث ان الفرد المشكوك يجرى فيه الاستصحاب، و صورة كون الزمان مفرّدا حيث ان الفرد المشكوك يجرى فيه التمسك بالعام.

(ثم لا يخفى: ان مناط هذا الفرق) بين الظرف و المفرّد (ليس كون عموم الزمان فى الصورة الاولى) اى فى الظرف مستفادا (من الاطلاق المحمول) ذلك الاطلاق (على العموم) حملا (بدليل الحكمة) فان مقدمات الحكمة و هى: كون المولى فى مقام البيان و عدم نصب القرينة، و عدم وجود قدر متيقن فى البين، توجب حمل المطلق على العموم، و ان المولى يريد الفرد المستمر (و كونه فى الصورة الثانية) فى المفرّد (عموما لغويا) و العموم اللغوى كل زمان فيه فرد (بل المناط) فى الفرق المذكور (كون الزمان فى الاولى) اى فى الصورة الاولى و هو المستمر (ظرفا للحكم، و ان فرض عمومه) اى عموم الحكم (لغويا) بان كان المستعمل من المناط: العموم، لا من الفاظ الاطلاق (فيكون الحكم فيه) اى فى ما اذا كان الزمان ظرفا (حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد).

فاذا قال: اكرم العلماء، و قال: لا تكرم زيدا، كان عدم الاكرام حكما

ص: 218

فيكون مرجع الشك فيه الى الشك فى استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب.

و الزمان فى الثانية مكثر لافراد موضوع الحكم، فمرجع الشك فى وجود الحكم فى الآن الثانى الى ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الاول.

و معلوم ان المرجع فيه الى اصالة العموم، فافهم و اغتنم.

______________________________

واحدا مستمرا لموضوع واحد هو زيد (فيكون مرجع الشك فيه) اذا شك فى انه هل يكرمه يوم السبت- بعد ان علم انه لا يكرم يوم الجمعة- (الى الشك فى استمرار حكم واحد و انقطاعه) هل استمر؟ او انقطع؟ (فيستصحب) عدم الاكرام لتمام اركان الاستصحاب فيه.

(و الزمان فى) الصورة (الثانية) الّذي كان الزمان فيها مفرّدا، و كان كل زمان فردا (مكثر لافراد موضوع الحكم) فزيد يوم الجمعة فرد، و يوم السبت فرد، و هكذا (فمرجع الشك فى وجود الحكم) و هو عدم الاكرام (فى الآن الثانى) كيوم السبت (الى ثبوت حكم الخاص) و هو عدم الاكرام (لفرد من العام) و هو زيد فى يوم السبت (مغاير) ذلك الفرد (للفرد الاول) الّذي هو يوم الجمعة.

(و معلوم ان المرجع فيه) اى فى هذا الشك (الى اصالة العموم) لان القدر الخارج هو فرد يوم الجمعة، اما فرد يوم السبت فقد كان داخلا فى اكرم العلماء، و لم يعلم خروجه (فافهم و اغتنم).

فالفرق بين كون الزمان مفرّدا فالمرجع العام، و بين كون الزمان ظرفا

ص: 219

و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد بان آية: أَوْفُوا، و غيرها مطلقة، لا عامة فلا تنافى الاستصحاب الا ان يدعى ان العموم لا يرجع الا الى العموم الزمانى على الوجه الاول.

______________________________

فالمرجع الاستصحاب.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من ان الفارق المفرّد و الظرف، لا العموم و الاطلاق (يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد).

و كلام جامع المقاصد هو «ان عموم الافراد يستتبع عموم الازمنة» فلا استصحاب، و قد دفعه صاحب الجواهر (بان آية، أَوْفُوا) بِالْعُقُودِ (و غيرها) ك: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (مطلقة) فان «الوفاء» و «الحل» مطلق (لا عامّة) عموما لغويا (فلا تنافى الاستصحاب) اذ لا دلالة للاطلاق على كل فرد فرد، فاذا شك فى مكان كان المرجع الاستصحاب- كما قال بالاستصحاب القول الثانى- فى اوّل المسألة مقابل قول جامع المقاصد القائل بعدم الاستصحاب.

و انما قال المصنف «يظهر فساد» لما ذكرناه فى قولنا: ثم لا يخفى ان مناط هذا الفرق، حيث بينا ان المهمّ الظرف و المفرّد، لا العموم و الاطلاق (الا ان يدعى) صاحب الجواهر (ان العموم الاطلاقى) اى العموم المستفاد من الاطلاق (لا يرجع الا الى العموم الزمانى على الوجه الاول) اى ما كان الزمان فيه ظرفا لا مفرّدا، فاللازم استصحاب الحكم فى الآن الثانى، فيبطل كلام جامع المقاصد القائل بعدم الاستصحاب، و ان المرجع عموم العام.

ص: 220

فقد ظهر أيضا مما ذكرنا- من تغاير موردى الرجوع الى الاستصحاب و الرجوع الى العموم- فساد ما قيل فى الاصول من ان الاستصحاب قد يخصص العموم، و مثل له بالصورة الاولى زعما منه ان الاستصحاب قد خصص العموم.

و قد عرفت ان مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع الى العموم و لو على فرض عدم الاستصحاب.

و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع الى الاستصحاب و لو على فرض

______________________________

(فقد ظهر أيضا مما ذكرنا- من تغاير موردى الرجوع الى الاستصحاب) فى الزمان الظرفى (و الرجوع الى العموم-) فى الزمان المفرد (فساد ما قيل فى الاصول من ان الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الاولى) فيما كان الزمان ظرفا (زعما منه) اى من هذا القائل (ان الاستصحاب قد خصص العموم) و الحال انه لم يكن عموم لكل زمان، اذ لم يكن الزمان الا ظرفا لا مفردا.

(و قد عرفت ان مقام جريان الاستصحاب) فى الزمان الظرفى (لا يجوز فيه الرجوع الى العموم) لانه لا عموم بالنسبة الى كل زمان زمان (و لو على فرض عدم الاستصحاب) فاذا لم يكن استصحاب كان اللازم التماس دليل ثالث.

(و مقام جريان العموم) فى الزمان المفرّد (لا يجوز الرجوع الى الاستصحاب) لان الفرد الثانى غير الفرد الاول، فالاستصحاب معناه سحب الحكم من موضوع الى موضوع آخر (و لو على فرض

ص: 221

عدم العموم فليس شي ء منهما ممنوعا بالآخر فى شي ء من المقامين.

اذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الاول، لان العقد المغبون فيه اذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به فى زمان واحد، و بين عدم وجوبه رأسا نظير العقد الجائز دائما فليس الامر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته حتى يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن.

______________________________

عدم العموم) فاذا لم يكن عموم، كان اللازم التماس دليل ثالث (فليس شي ء منهما) اى من الاستصحاب و العموم (ممنوعا بالآخر فى شي ء من المقامين) و هو مقام الزمان الظرفى، و مقام الزمان المفرّد.

(اذا عرفت هذا) التفصيل بين الزمان الظرفى و الزمان المفرد (ف) اعلم ان (ما نحن فيه) و هو خيار الغبن (من قبيل الاول) و هو الزمان الظرفى، فاذا شك فى ان الخيار فور او تراخى يستصحب الخيار (لان) الزمان ظرف للخيار، فان (العقد المغبون فيه اذا خرج عن عموم وجوب الوفاء) بادلة الخيار (فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به فى زمان واحد) و هو الفور (و بين عدم وجوبه) و هو عدم وجوب الوفاء به (رأسا) الى الاخير، فيكون العقد الضررى الّذي فيه الغبن جائزا (نظير العقد الجائز دائما) مثل الهبة غير اللازمة (فليس الامر) فى الخيار الغبنى (دائرا بين قلة التخصيص) اذا كان الخيار فى الزمان الاول فورا (و كثرته) اذا كان الخيار دائما (حتى يتمسك بالعموم) اى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (فيما عدا) الغرر (المتيقن) و ما عداه الزمان الثانى و ما بعده، اذ الزمان ليس مفردا حتى يكون كل آن فردا، بل الزمان ظرف و عليه يستصحب

ص: 222

فلو فرض عدم جريان الاستصحاب فى الخيار على ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم أيضا.

نعم يتمسك فيه حينئذ باصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات.

و اما استناد القول بالتراخى الى الاستصحاب، فهو حسن على ما

______________________________

الخيار فى الزمان الثانى.

(فلو فرض عدم جريان الاستصحاب فى الخيار على ما سنشير إليه) و انه لا يجرى الاستصحاب عند قولنا: و اما استناد.

(لم يجز التمسك بالعموم) اى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (أيضا) لما تقدم من ان فى الزمان الظرفى لا مجال للعام اصلا، لان الزمان الثانى ليس فردا آخر.

(نعم يتمسك فيه حينئذ) اى حين عدم جريان الاستصحاب (باصالة اللزوم الثابتة) هذه الاصالة (بغير العمومات) كالضرورة و الاجماع و نحوهما فلا يقال: ان اصالة اللزوم مستفادة من العموم فكيف يتمسك بها مع منعكم التمسك بالعموم؟

و اعلم حيث منع المصنف جريان العموم فى الآن الثانى، اراد بيان انه لا يجرى الاستصحاب أيضا لعدم احراز الموضوع، اذ موضوع الخيار ما كان فى ترك الخيار فيه ضرر و هو الآن الاول، و الآن الثانى ليس كذلك.

(و اما استناد القول بالتراخى) فى الخيار (الى الاستصحاب، فهو حسن) بناء (على ما

ص: 223

اشتهر من المسامحة فى تشخيص الموضوع فى استصحاب الحكم الشرعى الثابت بغير الادلة اللفظية المشخصة للموضوع مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء.

و اما على التحقيق من عدم احراز الموضوع فى مثل ذلك

______________________________

اشتهر من المسامحة فى تشخيص الموضوع) فيكفى بقاء الموضوع المسامحى (فى استصحاب الحكم الشرعى الثابت) ذلك الموضوع (بغير الادلة اللفظية المشخصة للموضوع) مثل خيار الغبن الثابت بالاجماع.

اما اذا كان الموضوع مذكورا فى النص فيتحقق بذلك موضوع الاستصحاب بخلاف ما اذا لم يذكر فى النص، حيث ان الموضوع ليس له لفظ خاص حتى يستصحب فى الآن الثانى فلا يعلم بقاء الموضوع فى الآن الثانى مع ان الاستصحاب من اركانه بقاء الموضوع (مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء) اى فى المقتضى فان الشك فى المقتضى ليس مجرى للاستصحاب على رأى المصنف.

فاذا شككنا فى بقاء المال لزيد من جهة هل ان ماله كان عشرة، او مائة؟ لم يستصحب بقاء المال- بعد ان صرفت منه عشرة- فلا يعطى لزوجته اذا كان زيد غائبا و ابقى مالا مرددا بين ان يكون كله له، او ان عشرة منه له و التسعين الآخر لشخص آخر امانة عنده- مثلا-، و قوله «مع» اشكال آخر على استصحاب الخيار.

(و اما على التحقيق) الّذي هو محقق عندنا (من عدم احراز الموضوع فى مثل ذلك) اى المكان الّذي لا لفظ للموضوع، بل استفيد من الاجماع

ص: 224

على وجه التحقيق فلا يجرى فيما نحن فيه الاستصحاب، فان المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ.

فاذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع، فلا معنى لانسحابه فى الآن اللاحق، مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل لان هذا موضوع آخر يكون اثبات الحكم له من القياس المحرم.

______________________________

و نحوه، و قد تقدم ان الغبن لم يرد فى آية او رواية (على وجه التحقيق) اى لا لفظ محقق (فلا يجرى فيما نحن فيه) و هو الزمان الثانى- بعد الفور- (الاستصحاب) اى استصحاب الخيار (فان المتيقن سابقا) فى الآن الاول (ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ) لانه هو حال المغبون فى الآن الاول.

(فاذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع) لدلالة: لا ضرر، و الاجماع عليه (فلا معنى لانسحابه) اى الخيار (فى الآن اللاحق) و هو الآن الثانى بعد الفور (مع) تبدل الموضوع، ل (كون الشخص) المغبون (قد تمكن من التدارك و لم يفعل) فانه تمكن من الفسخ فى الآن الاول، و لم يفسخ فلا موضوع فى الآن الثانى.

اذ الموضوع هو: من لم يتمكن من التدارك (لان هذا) و هو: من تمكن و لم يتدارك (موضوع آخر) غير الموضوع الكائن فى الآن الاول ف (يكون اثبات الحكم) الخيارى (له) اى لهذا الموضوع الآخر (من القياس المحرم) الّذي هو اسراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر.

ص: 225

نعم لو احرز الموضوع من دليل لفظى على المستصحب او كان الشك فى رافع الحكم حتى لا يحتمل ان يكون الشك لاجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب.

و اما ما ذكره فى الرياض.

ففيه انه ان بنى الامر على التدقيق فى موضوع الاستصحاب كما اشرنا هنا و حققناه فى الاصول، فلا يجرى الاستصحاب

______________________________

(نعم) اذا اجتمع شرطان فى الموضوع صحّ استصحابه.

الاول: و هو ما (لو احرز الموضوع من دليل لفظى على المستصحب) لا من دليل عقلى و نحوه.

الثانى ما اشار إليه المصنف بقوله: (او كان الشك فى رافع الحكم) اى الشك فى المانع، لا فى المقتضى (حتى لا يحتمل ان يكون الشك لاجل تغير الموضوع) فان الشك فى المقتضى شك من جهة تغير الموضوع (اتجه التمسك بالاستصحاب) و كلا الشرطين مفقود ان فيما نحن فيه، فلا مجال لاستصحاب الخيار فى الزمان الثانى و الله العالم.

(و اما ما ذكره فى الرياض) فى الفرق بين ان يكون المستند الاجماع فالمرجع الاستصحاب، و بين ان يكون نفى الضرر فالمرجع فورية الخيار.

(ففيه انه) ليس المناط فى الفورية و التراخى ما ذكره، بل شي ء آخر لانه (ان بنى الامر على التدقيق فى موضوع الاستصحاب) و انه لا يستصحب الا اذا كان الموضوع الدقى باقيا (كما اشرنا هنا) الى احتماله (و حققناه فى الاصول) فى كتاب الرسائل، مفصلا (فلا يجرى الاستصحاب) فى الزمان

ص: 226

و ان كان المدرك للخيار الاجماع.

و ان بنى على المسامحة فيه كما اشتهر، جرى الاستصحاب، و ان استند فى الخيار الى قاعدة: الضرر، كما اعترف به ولده قدس سره فى المناهل، مستندا الى احتمال ان يكون الضرر علة محدثة يكفى فى بقاء الحكم و ان

______________________________

الثانى لعدم احراز الموضوع بالدقة، لاحتمال ان يكون الموضوع هو الضرر الّذي لم يتمكن المتضرر من تداركه، و الآن الثانى ليس كذلك لانه تمكن من تداركه فى الآن الاول (و ان كان المدرك للخيار الاجماع) «ان» وصلية.

و ذلك لان الاجماع دليل لبّى له قدر متيقن و هو ما اذا كان ضررا لم يتمكن من تداركه.

(و ان بنى على المسامحة فيه) اى فى موضوع الاستصحاب بان يرى العرف بقاء الموضوع، و ان رأى العقل بالدقة تغير الموضوع، او احتمل تغيره (كما اشتهر) من كفاية الموضوع المسامحى فى جريان الاستصحاب (جرى الاستصحاب، و ان استند فى الخيار الى قاعدة:

الضرر) اذ العرف يرى وجود الضرر فى الآن الثانى كما يراه فى الآن الاول (كما اعترف به) اى بجريان الاستصحاب (ولده قدس سره، فى) كتاب (المناهل، مستندا) اى انه استند فى جريان الاستصحاب (الى احتمال ان يكون الضرر علة محدثة).

ف (يكفى) وجود الضرر آنا ما (فى بقاء الحكم) و حكم الخيار (و ان

ص: 227

ارتفع، الا ان يدعى انه اذا استند الحكم الى الضرر، فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره، و هو غير محقق فى الزمان اللاحق كما اشرنا.

ثم انه بنى المسألة بعض المعاصرين على ما لا محصل له.

______________________________

ارتفع) الضرر فى الآن الثانى، كما ان التغير علة محدثة فى نجاسة الكر، فيبقى نجسا و ان ارتفع التغير (الا ان يدعى) صاحب الرياض فى تصحيح كلامه بانه ان كان مستند الخيار دليل: الضرر، فاللازم القول بفورية الخيار (انه اذا استند الحكم) بخيار الغبن (الى الضرر، ف) الخيار فورى، لان (الموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره، و هو) محقق فى الزمان الاول، لانه لم يعلم بالضرر قبل ذلك حتى يأخذ بالخيار، و (غير محقق فى الزمان اللاحق) لانه علم بالضرر فى الزمان الاول و لم يأخذ بالخيار (كما اشرنا) الى ذلك قبل اسطر عند قولنا: و قد تمكن من التدارك و لم يفعل.

(ثم انه بنى المسألة) اى مسألة ان الخيار فورى او تراخى (بعض المعاصرين) و هو الشيخ على فى خياراته- كما استظهره المحشى الشهيدى «ره»- (على ما لا محصل له) و هو لو كان استمرارية الملك مستفادة من الآية- باعتبار ان الوفاء معناه الاستمرار- كان اللازم القول بفورية الخيار، لان الفور هو القدر الخارج، و المرجع بعد الفور اللزوم.

و لو كان استمرارية الملك مستفادة من استصحاب لزوم العقد- لان الآية لا تدل الاعلى لزوم الزمان الاول فقط- كان اللازم القول باستمرارية

ص: 228

فقال ما لفظه: ان المسألة مبتنية على ان لزوم العقد معناه ان اثر العقد مستمر الى يوم القيامة، و ان عموم: الوفاء بالعقود، عموم زمانى للقطع بان ليس المراد بالآية الوفاء بالعقود آنا ما، بل على الدوام.

و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار ان الوفاء بها، العمل بمقتضاها و لا ريب ان مفاده عرفا، و بحسب قصد المتعاقدين الدوام

______________________________

الخيار، اذ استصحاب بقاء الخيار مقدم على استصحاب الملك، لان استصحاب بقاء الخيار وارد على استصحاب الملك.

و انما قال المصنف: لا محصل له، لان ما ذكره من الرجوع الى العموم فى الشق الاول هو فى الحقيقة رجوع الى الاستصحاب.

(فقال ما لفظه: ان المسألة) اى مسألة كون الخيار على الفور او التراخى (مبتنية على ان لزوم العقد) هل (معناه ان اثر العقد مستمر الى يوم القيامة، و ان عموم: الوفاء بالعقود) فى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، (عموم زمانى) بالإضافة الى عموم افرادى لكل عقد عقد.

و انما كان عموما زمانيا (للقطع بان ليس المراد بالآية) و هى آية: أَوْفُوا (الوفاء بالعقود آنا ما بل) الوفاء (على الدوام) فان الوفاء آنا ما لا يسمى وفاء.

(و قد فهم المشهور منها) اى من الآية (ذلك) اى الوفاء على الدوام و انما فهم المشهور ذلك (باعتبار ان الوفاء بها) اى بالعقود، و (العمل بمقتضاها).

(و لا ريب) انه كما تدل الآية على الآية كذلك (ان مفاده) اى مفاد العقد (عرفا، و بحسب قصد المتعاقدين، الدوام) أيضا.

ص: 229

فان دل دليل على ثبوت خيار، من ضرر، او اجماع، او نص فى ثبوته فى الماضى،.

او مطلقا بناء على الاهمال لا الاطلاق فى الاخبار فيكون استثناء من ذلك العام، و يبقى العام على عمومه كاستثناء ايام الاقامة و الثلاثين و وقت

______________________________

فالشرع و العرف و قصد المتعاقدين متطابقات على عموم الوفاء فى كل زمان، خرج من هذا العموم الفور فقط و بقى الباقى تحت العموم.

و الى هذا اشار بقوله: (فان دل دليل على ثبوت خيار) كخيار الغبن (من ضرر، او اجماع، او نص فى ثبوته فى الماضى) فان هذه الادلة الثلاثة تدل على ثبوت الخيار آنا ما فى الماضى- مقابل الآن الثانى-.

(او) دل دليل على ثبوت الخيار (مطلقا) اى بدون قيد: الماضى (بناء على الاهمال) فى دليل الخيار (لا الاطلاق) فى دليله.

فقوله «مطلقا» يريد به «الاهمال» (فى الاخبار) اى الاهمال فى الاخبار، فان: لا ضرر و الاجماع لا اطلاق لهما و الغرض ان النص مهمل أيضا.

و قوله: (فيكون) ذلك الدليل جواب «فان دل دليل» (استثناء من ذلك العام) و هو عام: اوفوا الدال على العموم لكل زمان (و يبقى العام على عمومه) بالنسبة الى الزمان الثانى، فيكون حال استثناء وقت الخيار عن عموم «أَوْفُوا» (كاستثناء ايام الاقامة، و) بقاء (الثلاثين) يوما مترددا (و وقت

ص: 230

المعصية و نحوها من حكم السفر.

او ان اللزوم ليس كالعموم، و انما يثبت ملكا سابقا و يبقى حكمه مستصحبا الى المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين، و الثانى وارد على الاول فيقدم عليه، و الاول اقوى، لان حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضى بعدم اعتبار السابق.

______________________________

المعصية و نحوها) كالمرور بالوطن (من حكم السفر).

فكما ان بعد زمان الاستثناء من حكم القصر فى السفر يرجع الى عموم ادلة السفر و يحكم بقصر الصلاة، كذلك بعد زمان الفور فى باب الخيار يرجع الى حكم اللزوم المستفاد من العموم الزمانى الدال عليه قوله تعالى: أَوْفُوا.

(او) عطف على قوله «ان لزوم العقد معناه .. الخ» (ان اللزوم ليس كالعموم) يفيد كل زمان (و انما يثبت) اللزوم فى الآية (ملكا سابقا) اى اوّل ازمان العقد فقط (و) انما (يبقى حكمه) اى اللزوم (مستصحبا الى) ان يأتى (المزيل، ف) اذا جاء المزيل كالخيار (تكون المعارضة بين استصحابين) استصحاب اللزوم و استصحاب المزيل بعد اللزوم (فيقدم) الثانى (عليه) اى على الاول (و الاول) اى الّذي ذكرناه فى قولنا «ان لزوم العقد معناه» فان عموم اللزوم الى يوم القيامة يستفاد من اللفظ، لا من الاستصحاب، فهو (اقوى).

و انما كان اقوى (لان حدوث الحادث) اى الخيار (مع زوال العلة السابقة) اى العقد الّذي هو سبب اللزوم (يقضى بعدم اعتبار السابق)

ص: 231

اما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق، انتهى.

و لا يخفى ان ما ذكره من المبنى للرجوع الى العموم و هو استمرار اللزوم مبنى لطرح العموم.

و الرجوع الى الاستصحاب.

______________________________

«يقضى» خبر «ان» فان الخيار يقضى بعدم اللزوم، اذا سقط اعتبار اللزوم.

(اما مع بقائها) اى بقاء علة اللزوم، و هى العقد- اذ العقد علة اللزوم- (فلا يلغو اعتبار السابق) الّذي هو اللزوم.

و استقامة العبارة هكذا: «لان حدوث الخيار يقضى بعدم اعتبار اللزوم، او عند زوال علة اللزوم، و هى العقد اما مع بقاء العقد فلا يلغو اعتبار اللزوم» و عليه فلا مكان للخيار فى الآن الثانى، و انما المرجع اللزوم (انتهى) كلام صاحب المناهل.

(و لا يخفى ان ما ذكره) فى الشق الاول (من المبنى للرجوع الى العموم) حيث قال: ان اثر العقد مستمر الى يوم القيامة (و هو استمرار اللزوم مبنى لطرح العموم).

اذ لو كان عموم لم يكن استمرار، بل كل زمان فرد للعام.

مثلا: لا يصح ان يقال: اكرم العلماء، يعنى يستمر العلماء، بل اللازم ان يقال: كل فرد عالم له حكم كذا.

(و) عليه فمعنى كلام الشيخ على (الرجوع الى الاستصحاب)- و كانه لذا قال المصنف فى اوّل كلامه: لا محصل له-

ص: 232

و اما ما ذكره اخير المبنى الرجوع الى الاستصحاب.

و حاصله ان اللزوم انما يثبت بالاستصحاب، فاذا ورد عليه استصحاب الخيار، قدم عليه.

ففيه ان الكل متفقون على الاستناد فى اصالة اللزوم الى عموم آية الوفاء، و ان امكن الاستناد فيه الى الاستصحاب أيضا فلا وجه للاغماض عن الآية، و ملاحظة الاستصحاب المقتضى للّزوم مع استصحاب الخيار.

______________________________

(و اما ما ذكره اخيرا) فى الشق الثانى (لمبنى الرجوع الى الاستصحاب) حيث قال: ان اللزوم ليس كالعموم.

(و حاصله ان اللزوم) الدائم (انما يثبت بالاستصحاب، فاذا ورد عليه) اى على اللزوم (استصحاب الخيار، قدم) استصحاب الخيار (عليه) اى على استصحاب اللزوم.

(ففيه) ان مستند اللزوم- سواء قلنا بالفور او بالتراخى- هو الآية باتفاق الكل، و قد اعرض عن ذلك الشيخ على و جعل مستند اللزوم الاستصحاب.

ف (ان الكل) القائلون بفورية الخيار و القائلون بتراخيه (متفقون على الاستناد فى اصالة اللزوم الى عموم آية الوفاء) و هى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فالآية هى مستند اصالة اللزوم- و لم يذكرها الشيخ على- (و ان امكن الاستناد فيه) اى فى اللزوم (الى الاستصحاب أيضا).

و عليه (فلا وجه للاغماض عن الآية) و عدم ذكرها (و ملاحظة الاستصحاب المقتضى للّزوم مع استصحاب الخيار) المقتضى لعدم اللزوم

ص: 233

ثم انه قد علم من تضاعيف ما اوردناه على كلمات الجماعة: ان الاقوى كون الخيار هنا على الفور، لانه لما لم يجز التمسك فى الزمان الثانى بالعموم لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزمانى فى هذا المقام الى استمرار الحكم فى الافراد، فاذا انقطع

______________________________

هذا.

لكن ربما يصحح كلام الشيخ على بما لا يرد عليه ايراد المصنف، و انه يريد ان يقول: ان مسألة فورية الخيار و تراخيه مبنية على وجود العموم الزمانى و عدمه.

فان كان عموم زمانى فى الآية كان المرجع- بعد الآن الاول- اللزوم و ان لم يكن عموم زمانى كان المرجع استصحاب الخيار.

(ثم انه قد علم من تضاعيف ما اوردناه على كلمات الجماعة: ان الاقوى كون الخيار هنا) اى فى خيار الغبن (على الفور).

لكن الظاهر انه على التراخى، لان ادلة الخيار- باستثناء الاجماع دليل على التراخى، لوجود: بناء العقلاء، و: لا ضرر، و: خيار الرؤية، و غيرها فى الآن الثانى أيضا (لانه) لا يكون المرجع فى المقام العموم و لا استصحاب الخيار فاللازم التماس دليل آخر و هو اصالة فساد فسخ المغبون فى الآن الثانى، فانه (لما لم يجز التمسك فى الزمان الثانى) اى بعد الفور (بالعموم) اى عموم: أَوْفُوا (لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزمانى فى هذا المقام) و هو مقام كون الزمان ظرفا لا مفرّدا (الى استمرار الحكم) و هو حكم اللزوم (فى الافراد، فاذا انقطع

ص: 234

الاستمرار فلا دليل على العود إليه.

كما فى جميع الاحكام المستمرة اذا طرأ عليها الانقطاع و لا باستصحاب الخيار لما عرفت من ان الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ، فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له، بل قد يستظهر ذلك من حديث نفى الضرر

______________________________

الاستمرار) فى اللزوم، بسبب دليل الخيار (فلا دليل على العود إليه) اى الى اللزوم، فى الآن الثانى.

(كما) انه كذلك لا دليل على العود (فى جميع الاحكام المستمرة اذا طرأ عليها الانقطاع) مثل الطهارة فانها مستمرة، اما اذا طرأ عليها الانقطاع بالنجاسة لم تعد الطهارة الا بسبب جديد.

و كذلك النكاح الطارئ عليه الطلاق، و الملك الطارئ عليه العتق و غيرهما (و لا باستصحاب الخيار) و هو عطف على «لم يجز التمسك ..

بالعموم» (لما عرفت من ان الموضوع غير محرز) لانه يشترط فى الاستصحاب احراز بقاء الموضوع (لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من) المغبون الّذي (لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ) فيشمل الخيار الآن الاول فقط (فلا يشمل الشخص) المغبون (المتمكن منه) اى من تدارك ضرره (التارك له) بان علم و لم يأخذ بالخيار فى الآن الاول (بل قد يستظهر ذلك) اى عدم الخيار لمن تمكن و لم يتدارك (من حديث نفى الضرر) اذ انه هو الّذي اقدم على ضرر نفسه بعد ان ترك الفسخ مع قدرته عليه.

ص: 235

تعين الرجوع الى اصالة فساد فسخ المغبون، و عدم ترتب الاثر عليه، و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة.

و هذا ليس كاستصحاب الخيار، لان الشك هنا فى الواقع فالموضوع محرز، كما فى استصحاب الطهارة بعد خروج المذى فافهم و اغتنم و الحمد لله

______________________________

و حديث: نفى الضرر، يدل على ان الشارع لا يشرع الحكم الضررى (تعين) جواب «لما» (الرجوع) فى الآن الثانى (الى اصالة فساد فسخ المغبون، و عدم ترتب الاثر عليه) اى على الفسخ، اذا فسخ فى الآن الثانى، لان الفسخ حادث و لا يعلم صحته، فالاصل عدم صحته (و) كذلك الاصل (بقاء آثار العقد) لانه اذا شك فى زوال الآثار بالفسخ كان الاصل بقائها (فيثبت اللزوم) للعقد (من هذه الجهة) و هى جهة اصالة بقاء الآثار.

(و هذا) الاصل و هو اصل عدم تأثير الفسخ (ليس كاستصحاب الخيار) حيث قلنا: ان موضوعه غير محرز (لان الشك هنا) فى صحة الفسخ و عدمه (فى الواقع) اى فى تأثير الامر الواقع (فالموضوع محرز) لانه لم يكن فسخ قبل ذلك (كما فى استصحاب الطهارة بعد خروج المذى) حيث ان الاصل ان المذى ليس برافع لآثار الطهارة، و على هذا فيثبت اللزوم فى مورد الشك فى ما لو كان الفسخ فى الآن الثانى من جهة الاصل العملى، لا من جهة العموم- على ما ذكره جامع المقاصد (فافهم و اغتنم و الحمد لله).

و يظهر ان الشيخ «ره» اتعب نفسه الشريفة فى هذا المقام حتى

ص: 236

هذا مضافا الى ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من اجازة عقد الفضولى و نكاحه و غيرهما من ان تجويز التأخير فيها ضرر على من عليه الخيار و فيه تأمّل.

ثم ان مقتضى ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الاخر، هى الفورية العرفية، لان الاقتصار على

______________________________

امر بالفهم و الاغتنام مرتين و لكنك قد عرفت ان الاقوى عدم فورية الخيار.

(هذا مضافا الى ما قد يقال هنا) فى وجه ان الخيار فورى (و فيما يشبهه من اجازة عقد الفضولى و نكاحه) حيث ان الفسخ فورى فاذا لم يفسخ فورا كان رضا و امضاءا (و غيرهما) كرهنه، و نحوه (من ان تجويز التأخير فيها) اى فى الاجازة و الفسخ فى هذه الموارد (ضرر على من عليه الخيار) كالغابن، لانه يبقى معلقا بين ان يكون له اصل المال، او بدله، فدليل: لا ضرر، ينفى التراخى (و فيه تأمّل).

اذ فى صورة علم الغابن بالغبن، فقد اقدم هو على ضرر نفسه، و يلحق به غير صورة علمه لعدم القول بالفصل.

(ثم) لو قلنا: بان الخيار فورى، فهل هو فور عرفى او فور حقيقى؟

ل (ان مقتضى ما استند إليه للفورية) كالاجماع، و لا ضرر، و نحوهما (عدا هذا المؤيد الاخير) و هو «مضافا الى ما قد يقال» (هى الفورية العرفية)

اما المؤيد الاخير، فيدل على اوسع من الفورية العرفية، اذ لا يتضرر الغابن بكونه معلقا يوما مثلا، فتأمل.

و انما كان مقتضى الادلة الفورية العرفية (لان الاقتصار على) الفورية

ص: 237

الحقيقية حرج على ذى الخيار، فلا ينبغى تدارك الضرر به، و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم على ردّه بين اهل هذا القول.

لكن الّذي يظهر من التذكرة فى خيار العيب على القول بفوريّة ما هو اوسع من الفور العرفى، قال: خيار العيب ليس على الفور- على ما تقدم- خلافا للشافعى فانه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو

______________________________

(الحقيقية حرج على ذى الخيار، فلا ينبغى) من الشارع الرافع للحرج (تدارك الضرر به) اى بالفور الحقيقى، اذ المغبون بحاجة الى شي ء من الفكر و الموازنة بين محاذير الفسخ و ارباحه فاذا كلف بان يفسخ فورا، او ان يترك الفسخ وقع فى الحرج (و الزائد عليها) اى على الفورية العرفية بان يكون للمغبون توسعة اسبوع مثلا (لا دليل عليه عدا الاستصحاب) اى استصحاب الخيار (المتسالم على ردّه بين اهل هذا القول) فان القائلين بالفور متسالمون على انه لا يستصحب الخيار، و الا قالوا بالتراخى، لان التراخى هو مقتضى الخيار.

(لكن الّذي يظهر من التذكرة فى خيار العيب على القول بفورية ما هو اوسع من الفور العرفى) و كلامه آت فى خيار الغبن، لان الكل من باب واحد (قال: خيار العيب ليس على الفور- على ما تقدم-) الكلام فيه (خلافا للشافعى، فانه اشترط الفورية، و المبادرة بالعادة) اى فورية عادة يراها العرف مبادرة و فورا، لا الفورية الحقيقية (فلا يؤمر) من حصل على المعيب (بالعدو

ص: 238

و لا الركض للردّ و ان كان مشغولا بصلاة او اكل او قضاء حاجة، فله الخيار الى ان يفرغ.

و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها فلا بأس اجماعا.

و كذا لو لبس ثوبا او اغلق بابا.

و لو اطلع على العيب ليلا فله التأخير الى ان يصبح و ان لم يكن عذر، انتهى.

و قد صرح فى الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب

______________________________

و لا الركض للردّ) لانه خلاف ظاهر الادلة (و ان كان مشغولا بصلاة) و لو نافلة جائزة القطع (او اكل او قضاء حاجة، فله الخيار) باق (الى ان يفرغ) بل و ان كان بامكانه الفسخ فى الصلاة بان يلقى المتاع الى الغابن اشارة الى ردّه.

(و كذا لو اطلع) على الغابن (حين دخل وقت هذه الامور) اى وقت الصلاة و وقت الاكل، الى غير ذلك (فاشتغل بها) و ترك الفسخ (فلا بأس) و لا يسقط خياره بهذا التأخير (اجماعا).

(و كذا لو لبس) بعد الاطلاع على العيب قبل ان يفسخ (ثوبا او اغلق بابا) او ما اشبه ذلك (و لو اطلع على العيب ليلا فله التأخير الى ان يصبح و ان لم يكن) له (عذر) فى التأخير (انتهى) كلام العلامة، فيفهم هذا الكلام ان الامر اوسع من الفورية العرفية.

(و قد صرح) العلامة أيضا (فى الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب

ص: 239

من ذلك و جعلها من الاعذار، و صرح فى الشفعة بانه لا تجب المبادرة على خلاف العادة، و رجع فى ذلك كله الى العرف، فكل ما لا يعدّ تقصيرا لا يبطل به الشفعة، و كل ما يعد تقصيرا و توانيا فى الطلب فانه مسقط لها، انتهى.

و المسألة لا تخلو عن اشكال لان جعل حضور وقت الصلاة او دخول الليل

______________________________

من ذلك) الكلام الّذي ذكره فى خيار العيب (و جعلها) اى الامور التى ذكرها فى خيار العيب (من الاعذار) التى لا تنافى الفورية (و صرح فى الشفعة) أيضا (بانه لا تجب المبادرة) الى الاخذ بالشفعة مبادرة (على خلاف العادة، و رجع) العلامة (فى ذلك كله) الّذي قال بانه لا يلزم مبادرة على خلاف العادة (الى العرف، فكل ما لا يعدّ) عند العرف (تقصيرا) فى الاخذ بالشفعة فورا عرفا (لا يبطل به الشفعة، و كل ما يعد تقصيرا و توانيا) فى الفورية العرفية و (فى الطلب) بالحصة المشتراة (فانه مسقط لها) اى للشفعة (انتهى) كلام العلامة فانه نص فى عدم الضرر بالفورية بما كان اوسع من الفور العرفى.

و الظاهر ان كلامه تام، لانه لا يتبادر من ادلة خيار العيب، و خيار الغبن، و الشفعة حتى الفورية العرفية فورا ضيقا- و ان قيل باصل الفورية- فان الفور أيضا ذو مراتب، ضيقة، و واسعة، و اوسع، مع الغض عن الفورية بالدقة العقلية.

(و المسألة) بهذه السعة التى ذكرها العلامة (لا تخلو) عند المصنف (عن اشكال، لان جعل) العلامة (حضور وقت الصلاة، او دخول الليل

ص: 240

عذرا فى ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله: فسخت، لا دليل عليه.

نعم لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم، او القاضى او على الاشهاد، توجه ما ذكر فى الجملة مع ان قيام الدليل عليه مشكل، الا ان يجعل الدليل على الفورية لزوم الاضرار لمن عليه الخيار

______________________________

عذرا فى ترك الفسخ المتحقق) ذلك الفسخ (بمجرد قوله: فسخت، لا دليل عليه).

لكن يمكن ان يقال: ان الادلة لا تدل على اكثر من ذلك بعد ما تقدم من ان من له الخيار يحتاج على الاكثر الى المشورة و التفكر فى ترجيح اى من الاجازة و الفسخ على الآخر.

(نعم لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم، او) عند (القاضى او على الاشهاد) بان يفسخ عند الشهود (توجه ما ذكر) ه العلامة (فى الجملة) اى بقدر تحصيل هذه الامور، لا من الليل الى النهار، او ما اشبه ذلك بالإطلاق الّذي اطلقه العلامة، فانه احيانا لا يتوقف الاشهاد على مجي ء النهار، او ما اشبه بل يمكن فى الليل (مع ان قيام الدليل عليه) اى على الاوسع من الفور العرفى (مشكل) حتى فى صورة الاحتياج الى حضور الخصم، او ما اشبه.

اذ الدليل انما دل على الفور، فما لا يمكن فيه الفور لا خيار (الا ان يجعل الدليل على الفورية لزوم الاضرار لمن عليه الخيار) كما ذكرناه فى المؤيد الاخير بقولنا «مضافا الى ما قد يقال» فانه ان كان دليل الفور هذا المؤيد يكون كلام العلامة «بالاوسع من الفور العرفى» فى محله.

ص: 241

فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعدّ متوانيا فيه.

فان هذا هو الّذي يضرّ بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه.

و كون تصرفاته فيه فى معرض النقص.

لكنك عرفت التأمّل فى هذا الدليل.

______________________________

(ف) انه على هذا (يدفع ذلك) و هو ضرر من عليه الخيار (بلزوم المبادرة العرفية) الواسعة.

اذ من الواضح ان التأخير من الليل الى النهار، او الى ما بعد الصلاة، لا يكون مضرا بحال من عليه الخيار، فانه اذا اخذ بالخيار فورا موسعا (بحيث لا يعدّ متوانيا فيه) اى فى الاخذ بالخيار لم يكن ضارا بحال من عليه الخيار.

(فان هذا) ما كان متوانيا فوق السعة (هو الّذي يضر بحال من عليه الخيار).

و انما كان يضر (من جهة عدم استقرار ملكه) اى ملك من عليه الخيار، لانه لا يعلم هل يفسخ المغبون، أم لا؟.

(و) من جهة (كون تصرفاته) اى تصرفات من عليه الخيار (فيه فى معرض النقص) و البطلان، و هذا ضرر بلا اشكال، هذا وجه كلام العلامة فى كون الخيار اوسع من الفور العرفى.

(لكنك عرفت التأمل فى هذا الدليل) المؤيد حيث قلنا «و فيه تأمّل».

ص: 242

فالانصاف انه ان تم الاجماع الّذي تقدم عن العلامة على عدم البأس بالامور المذكورة و عدم قدح امثالها فى الفورية، فهو، و الا وجب الاقتصار على اوّل مراتب الامكان ان شاء الفسخ، و الله العالم.

ثم ان الظاهر انه لا خلاف فى معذورية الجاهل بالخيار فى ترك المبادرة لعموم: نفى الضرر اذ لا فرق بين الجاهل بالغبن و الجاهل بحكمه.

______________________________

(فالانصاف انه ان تم الاجماع الّذي تقدم عن العلامة على عدم البأس بالامور المذكورة) من قضاء الحاجة، و انتظار الصباح، و الاشتغال بالصلاة، و غيرها (و عدم قدح امثالها فى الفورية) بان كان اجماع على عدم القدح (فهو) و نقول به (و الا وجب الاقتصار) فى الاخذ بالخيار (على اوّل مراتب الامكان) و هو امكان الفسخ (ان شاء الفسخ، و الله) سبحانه (العالم) بحقائق الاحكام.

(ثم ان الظاهر انه لا خلاف فى معذورية الجاهل بالخيار) بان كان المغبون لا يعلم ان له الخيار.

و قوله: (فى ترك المبادرة) متعلق ب «معذورية» فاذا لم يبادر الى الاخذ بالخيار- لجهله- لم يسقط خياره، بل متى علم اخذ بالخيار (لعموم: نفى الضرر).

اذ لو سقط خيار الجاهل لزم توجه الضرر إليه من قبل الشارع و الحال ان «لا ضرر» ينفى ذلك، فله الخيار متى علم (اذ لا فرق بين الجاهل ب) اصل (الغبن) بان لم يعلم انه مغبون (و الجاهل بحكمه) و بان له الاخذ بالخيار.

ص: 243

و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعى منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه.

______________________________

فكما ان الجاهل باصل الغبن لا يسقط خياره كذلك الجاهل بان له الخيار.

(و) ان قلت: ان الجاهل بان له الخيار غير معذور، لان الواجب معرفة احكام المعاملة، فاذا لم يكن معذورا كان ضرر ترك الاخذ بالخيار متوجها إليه من نفسه، بجهله، لا من الشارع، فلا يشمله دليل «لا ضرر»

قلت: (ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعى) و هو الحكم بان المغبون له الخيار (منافيا لمعذوريته) اى لكونه معذورا فى ترك الاخذ بالخيار.

و وجه عدم المنافات اطلاق ادلة: لا ضرر، الشاملة للجاهل بالحكم تصورا او تقصيرا خصوصا و ان: لا ضرر، وضع للامتنان و عدم المعذورية مع الجهل خلاف الامتنان.

فحال ترك الفحص عن ان له الخيار (ك) حال (ترك الفحص عن) الموضوع اى وجود (الغبن و عدمه).

فكما ان الجاهل بالغبن معذور، كذلك الجاهل بان له الخيار.

و لا دليل على ان اللازم على كل انسان معامل معرفة تفاصيل احكام المعاملات، بل الدليل دل على ان اللازم معرفة المقدار الّذي لا يقع معه فى الحرام.

ص: 244

و لو جهل الفورية، فظاهر بعض الوفاق على المعذورية.

و يشكل بعدم جريان نفى الضرر هنا، لتمكنه من الفسخ، و تدارك الضرر، فيرجع الى ما تقدم من اصالة بقاء آثار العقد، و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الاول.

و قد حكى عن بعض الاساطين عدم المعذورية فى خيار التأخير، و المناط واحد.

______________________________

(و لو جهل الفورية) مع علمه بانه مغبون، و بان له الخيار (فظاهر بعض الوفاق على المعذورية) و هذا هو الاقرب لتأتى الدليل فى معذورية الجاهل هنا أيضا.

(و) لكن المصنف يرى انه (يشكل) المعذورية (ب) سبب (عدم جريان نفى الضرر هنا) فى الجاهل بالفور (لتمكنه من الفسخ، و) من (تدارك الضرر، ف) اذا لم يفعل (يرجع الى ما تقدم من اصالة بقاء آثار العقد، و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الاول).

(و) اما توهم الاجماع فى ان له الحق فى الفسخ حيث قلنا: ان ظاهر بعض الوفاق على المعذورية، ففيه انه لا اجماع.

اذ: (قد حكى عن بعض الاساطين عدم المعذورية فى خيار التأخير) اذا علم بالخيار، و لم يعلم بالفورية فلم يأخذ بالخيار فورا، فانه لا يصح فسخه بعد الآن الاول، لان جهله بالفورية لا يوجب عذره (و المناط) فى خيار الغبن و خيار التأخير (واحد).

فكما لا يعذر الجاهل بفورية خيار التأخير، كذلك لا يعذر الجاهل

ص: 245

و لو ادعى الجهل بالخيار، فالاقوى القبول الا ان يكون مما لا يخفى عليه هذا الحكم الشرعى الا لعارض، ففيه نظر.

و قال فى التذكرة- فى باب الشفعة- انه لو قال: انى لم اعلم ثبوت حق الشفعة، او قال: اخّرت، لانى لم اعلم ان الشفعة على الفور فان كان قريب العهد بالاسلام او نشأ فى برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله، و له

______________________________

بفورية خيار الغبن.

(و لو) لم يأخذ بالخيار ثم (ادعى الجهل بالخيار) و ان له الفسخ (فالاقوى القبول) لان الاصل جهالة الانسان و جهله لا يعرف الا من قبله (الا ان يكون مما لا يخفى عليه هذا الحكم الشرعى الا لعارض) لانه من اهل الخبرة و الاطلاع (ففيه) اى فى قبول قوله: انه جاهل (نظر) لتعارض اصالة الجهل مع ظهور انه غير جاهل.

لكن الاقرب تقديم الاصل اذ لا دليل على ان الظاهر يعارض الاصل بل لا يبعد انه لو ادعى النسيان قبل أيضا، لانه مما لا يعرف الا من قبله و لا طريق له الى اثباته، فعدم حجية قوله يوجب ذهاب حقه- كما قالوا فى كل مورد لا يعرف الا من قبله-.

(و قال فى التذكرة- فى باب الشفعة- انه لو قال: انى لم اعلم ثبوت حق الشفعة، او قال: اخّرت) فى الاخذ بالشفعة (لانى) مع علمى بثبوت اصل حق الشفعة (لم اعلم ان الشفعة على الفور) حتى آخذ به فورا (فان كان قريب العهد بالاسلام او نشأ فى برية) و نحوها بحيث كان ممن (لا يعرفون الاحكام، قبل قوله، و له

ص: 246

الاخذ بالشفعة.

و الا فلا، انتهى.

فان اراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل فى حقه الجهل، فلا حاجة إليه لان اكثر العوام، و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الاحكام.

و ان اراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر فى حقه عدم العلم.

ففيه انه لا داعى الى اعتبار الظهور، مع ان الاصل العدم.

______________________________

الاخذ بالشفعة) لان دليل: لا ضرر، يشمله.

(و الا) يكن كذلك (فلا) يقبل قوله و ليس له الاخذ بالشفعة (انتهى) كلام العلامة.

(فان اراد بالتقييد المذكور) حيث قال «فان كان ...» (تخصيص السماع) لقوله (بمن يحتمل فى حقه الجهل، فلا حاجة إليه) اى الى التقييد المذكور (لان اكثر العوام، و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الاحكام) فلا حاجة الى مثال قرب العهد بالاسلام، و سكنى البرية.

(و ان اراد تخصيص السماع) لقوله (بمن يكون الظاهر فى حقه عدم العلم) و كان ما ذكره من باب المثال، لا الخصوصية.

(ففيه انه لا داعى الى اعتبار الظهور، مع ان الاصل العدم) اى عدم العلم.

اذ لا يتقدم الظاهر على الاصل، لوجود الدليل على حجية الاصل و عدم وجود الدليل على حجية الظاهر.

ص: 247

و الاقوى ان الناسى فى حكم الجاهل، و فى سماع دعواه النسيان نظر من انه مدع.

و من تعسر اقامة البينة عليه و انه لا يعرف الا من قبله.

و اما الشك فى ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته.

______________________________

ثم لا يخفى ان استقامة اشكال المصنف على العلامة تكون بعدم الترديد بين الشقين، بل كان اللازم ان يقول اصالة الجهالة محكمة، و ان كان الظاهر على خلاف الاصل، اذ ليس هناك اشكالان على العلامة كل اشكال على شق، بل اشكال واحد على كلا الشقين.

(و الاقوى ان الناسى فى حكم الجاهل) كما ذكرناه قبلا، و من اقسام الناسى الغافل و نحوه (و فى سماع دعواه النسيان نظر) لوجود احتمالين (من انه مدع) فالاصل عدم نسيانه.

(و من تعسر اقامة البينة عليه و انه لا يعرف الا من قبله).

و كلما كان كذلك يسمع قوله، و إلا لزم ابطال الحقوق.

ثم انه قال «تعسر» دون «تعذر» لامكان ان تطلع البينة على حاله بان كان كثير النسيان حتى تعلم البينة بانه يصدق فى نسيانه.

فان الصفات النفسانية و ان كانت مخفية لكنها تعرف بالمظاهر، كما فى العدالة و الشجاعة و نحوهما.

(و اما الشك فى ثبوت الخيار) بان لا يعلم هل ان له الخيار، أم لا؟

اما ما ذكره سابقا من الجهل، فالمراد به الجهل المركب- (فالظاهر معذوريته) فله الاخذ بالخيار اذا علم و ارتفع شكه، لاطلاق ادلة الخيار

ص: 248

و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع على الغبن، ثم السؤال عن صحته شرعا.

فهو متمكن من الفسخ العرفى، اذ: الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء، فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر، فافهم و الله العالم.

______________________________

مثل: لا ضرر، و المناط فى خيار الرؤية، و غيرهما.

(و يحتمل) احتمالا ضعيفا (عدم معذوريته) فاذا علم سقط خياره (لتمكنه من الفسخ) رجاء ان يكون له الفسخ (بعد الاطلاع على الغبن)

لكن فيه ان اطلاق الادلة لا يرفع بمثل هذا الاحتمال، اما ان يفسخ رجاء (ثم السؤال عن صحته) بان يسأل عن فسخه هل هو صحيح (شرعا)؟ و ليس هو شأن اهل العرف.

(ف) قول المصنف (هو) اى الشاك (متمكن من الفسخ العرفى، اذ:

الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء) اى إنشاء الفسخ (فهو) اذا لم يفسخ (مقصر بترك الفسخ) تركا (لا لعذر) فيسقط خياره، لا يخفى ما فيه.

و لعله اشار الى الاشكال الّذي ذكرناه بقوله: (فافهم و اللّه العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 249

الخامس خيار التأخير،

اشارة

قال فى التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الى المشترى و لا قبض الثمن، و لا شرط تأخيره و لو ساعة، لزم البيع ثلاثة ايام، فان جاء المشترى بالثمن فى هذه الثلاثة فهو احق بالعين، و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخيّر البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا اجمع.

و الاصل فى ذلك قبل الاجماع المحكى عن الانتصار و الخلاف، و الجواهر و غيرها المعتضد بدعوى الاتفاق

______________________________

(الخامس) من الخيارات (خيار التأخير، قال فى التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الى المشترى، و لا قبض الثمن، و لا شرط تأخيره و لو ساعة) سيأتى فى الشرط الثالث تفصيل الكلام حول ذلك، و الاشكال فيما ذكره المصنف هنا (لزم البيع ثلاثة ايام) فلاحق للبائع فى ان يتصرف فى ما باعه فى هذه الايام الثلاثة (فان جاء المشترى بالثمن فى هذه الثلاثة) الايام (فهو احق بالعين) اى ان المعاملة نافذة (و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخيّر البائع بين فسخ العقد) فاذا جاء المشترى بعد ذلك لم يكن له حق (و) بين (الصبر و المطالبة بالثمن) و اذا لم يعطه تمكن من اجباره بواسطة الحاكم (عند علمائنا اجمع) انتهى.

(و الاصل) اى الدليل (فى ذلك) الحكم الّذي ذكرناه (قبل الاجماع المحكى عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها المعتضد بدعوى الاتفاق

ص: 250

المصرح بها فى التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره فى التذكرة من ان الصبر ابدا مظنة الضرر المنفى بالخبر، بل الضرر هنا اشد من الضرر فى الغبن حيث ان المبيع هنا فى ضمانه، و تلفه منه، و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه، الاخبار المستفيضة.

منها رواية على بن يقطين، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن

______________________________

المصرح بها) اى بهذه الدعوى (فى التذكرة و الظاهرة) هذه الدعوى (من غيرها) اى غير التذكرة.

و اقول: قوله «بدعوى الاتفاق» مراده «الاجماع» الّذي ذكره التذكرة، و كان الانسب ان يقول «بدعوى الاجماع» لان الاتفاق عندهم اقل شأنا من الاجماع (و بما ذكره فى التذكرة) عطف على الاجماع (من ان الصبر ابدا) اذا كلف به البائع (مظنة الضرر) لانه يوجب عدم تمكن تصرف البائع فى المثمن، بينما هو غير قادر على التصرف فى الثمن (المنفى بالخبر) قال صلى الله عليه و آله «لا ضرر و لا ضرار» (بل الضرر هنا اشد من الضرر فى الغبن).

وجه الاشدية (حيث ان المبيع هنا) فى التأخير (فى ضمانه) اى ضمان البائع (و) معنى ضمانه: ان (تلفه منه) لانه تحت يده (و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه) بينما المغبون له التصرف فى المبيع، و اذا تلف كان من الغابن، لان التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له.

فعليه فالاصل فى ذلك (الاخبار المستفيضة) خبر قوله «و الاصل» (منها رواية على بن يقطين، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن

ص: 251

الرجل يبيع البيع، و لا يقبضه صاحبه، و لا يقبض الثمن، قال الاجل بينهما ثلاثة ايام، فان قبض بيعه، و الا فلا بيع بينهما.

و رواية اسحاق بن عمار عن العبد الصالح قال: من اشترى بيعا فمضت ثلاثة ايام، و لم يجئ فلا بيع له.

و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و اعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه ثم احتبست اياما

______________________________

الرجل يبيع البيع) اى يبيع بيعا، و اللام عوض عن التنوين (و لا يقبضه) اى لا يقبض المبيع (صاحبه) اى المشترى (و لا يقبض) البائع (الثمن) ما حكمه؟ (قال) عليه السلام (الاجل) اى المدة، فان الاجل يقال لغاية المدة، مثل قوله تعالى «فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ»* و لكل المدة، كما ان «الاجل» بسكون الجيم يستعمل فى اوّل المدة، كقوله تعالى «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا» اى كانت كتابتنا للحكم من ذلك الوقت (بينهما ثلاثة ايام، فان قبض) المشترى فى هذه المدة (بيعه) اى مبيعه، فهو (و الا فلا بيع بينهما) اى لا بيع لازم.

(و) منها (رواية اسحاق بن عمار عن العبد الصالح) موسى بن جعفر عليه السلام (قال: من اشترى بيعا) اى مبيعا، و يقال له البيع مجازا بعلاقة الحال و المحل، لان البيع يقع على المبيع، عكس: جرى النهر (فمضت ثلاثة ايام، و لم يجئ) المشترى (فلا بيع) لازم (له) اى للمشترى

(و) منها (رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا، و اعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه) اى البائع (ثم احتبست اياما) كناية

ص: 252

ثم جئت الى بائع المحمل لآخذه، فقال قد بعته فضحكت، ثم قلت: لا و اللّه لا ادعك، او اقاضيك، فقال أ ترضى بابى بكر بن عياش، قلت نعم، فاتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال ابو بكر بقول من تحب ان اقضى بينكما أ بقول صاحبك، او غيره؟ قلت: بقول صاحبى، قال سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام، و الا فلا بيع له.

و صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام، قلت له: الرجل يشترى من الرجل المتاع، ثم يدعه عنده، فيقول: آتيك بثمنه قال ان جاء ما بينه و

______________________________

عن عدم قدرته على الذهاب الى البائع لاخذ المحل (ثم جئت الى بائع المحمل لآخذه، فقال) البائع (قد بعته فضحكت، ثم قلت: لا و الله لا ادعك) اى لا اتركك (او اقاضيك) «او» بمعنى الا ان (فقال) البائع (أ ترضى بابى بكر بن عياش) قاضيا (قلت نعم، فاتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال ابو بكر بقول من) من الفقهاء (تحبّ ان اقضى بينكما أ بقول صاحبك) اى الامام الصادق عليه السلام (او غيره؟ قلت: بقول صاحبى قال سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء) المشترى (بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام) فهو (و الا فلا بيع له) اى للبائع فسخ المعاملة، و بهذا اعطى ابن عياش الحق للبائع.

(و) منها (صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام، قلت له:

الرجل يشترى من الرجل المتاع، ثم يدعه عنده) اى عند البائع (فيقول:

آتيك بثمنه) ما حكمه؟ (قال) عليه السلام: (ان جاء) بالثمن (ما بينه و

ص: 253

بين ثلاثة ايام و الا فلا بيع له.

و ظاهر هذه الاخبار بطلان البيع كما فهمه فى المبسوط، حيث قال روى اصحابنا انه اذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم، و قال للبائع: اجيئك بالثمن، و مضى، فان جاء فى مدة الثلاثة كان البيع له، و ان لم يرتجع بطل البيع، انتهى.

و ربما يحكى هذا عن ظاهر الاسكافى المعبّر بلفظ الروايات، و توقف فيه المحقق الاردبيلى، و قواه صاحب الكفاية، و جزم به فى الحدائق طاعنا على العلامة فى المختلف، حيث انه اعترف بظهور

______________________________

بين ثلاثة ايام) فالبيع لازم (و الا فلا بيع له) اى لازما.

(و ظاهر هذه الاخبار) حيث قال «لا بيع» (بطلان البيع) بعد ثلاثة ايام (كما فهمه فى المبسوط، حيث قال: روى اصحابنا انه اذا اشترى شيئا بعينه) فى قبال ما اذا كان المبيع كليا (بثمن معلوم، و قال) المشترى (للبائع: اجيئك بالثمن، و مضى) المشترى لشأنه (فان جاء فى مدة الثلاثة) بالثمن (كان البيع له، و ان لم يرتجع) اى لم يرجع المشترى بالثمن فى هذه المدة (بطل البيع، انتهى).

(و ربما يحكى هذا) اى مثل قول المبسوط (عن ظاهر الاسكافى المعبّر بلفظ الروايات، و توقف فيه) فى انه هل يبطل البيع او يكون للبائع الخيار (المحقق الاردبيلى، و قواه) اى البطلان (صاحب الكفاية) و هو السبزوارى (و جزم به) اى بالبطلان (فى الحدائق) فى حالكونه (طاعنا على العلامة فى المختلف، حيث انه) اى العلامة (اعترف بظهور

ص: 254

الاخبار فى خلاف المشهور.

ثم اختار المشهور، مستدلا بان الاصل بقاء صحة العقد.

و حمل الاخبار على نفى اللزوم.

اقول ظهور الاخبار فى الفساد فى محله الا ان فهم العلماء و حملهم الاخبار على نفى اللزوم مما يقرب هذا المعنى.

مضافا

______________________________

الاخبار فى خلاف المشهور) فالمشهور الخيار، و خلافه البطلان.

(ثم اختار) العلامة (المشهور، مستدلا) لعدم البطلان (بان الاصل بقاء صحة العقد) فلا وجه للقول بالبطلان.

(و حمل) العلامة (الاخبار) القائلة «لا بيع» (على نفى اللزوم) فان «لا» تأتى لنفى الحقيقة، و لنفى الكمال، و لنفى الصحة، و لنفى اللزوم (اقول ظهور الاخبار)- ظهورا بدويا- (فى الفساد) اى ان المعاملة فاسدة بعد ثلاثة ايام (فى محله) لان الاصل فى «لا» نفى الحقيقة (الا ان فهم العلماء و حملهم الاخبار على نفى اللزوم مما يقرب هذا المعنى) اى ان «لا» ليس لنفى الحقيقة، بل انما هو لنفى اللزوم.

(مضافا) الى ان العرف يفهم ان هذا الحكم وضع لمصلحة البائع و مصلحته انما هى فى نفى اللزوم، لا نفى الصحة، مثل ما ذكروا فى باب «لا ضرر» من انه ينفى لزوم الوضوء و الغسل و الصوم، لا انه ينفى اصل الجواز و الصحة فيما لم يكن الضرر كثيرا، و الا كان لنفى الصحة.

ص: 255

الى ما يقال من ان قوله عليه السلام فى اكثر تلك الاخبار: لا بيع له ظاهر فى انتفاء البيع بالنسبة الى المشترى فقط و لا يكون الا نفى اللزوم من طرف البائع، الا ان فى رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما.

و كيف كان فلا اقل من الشك، فيرجع الى استصحاب الآثار المترتبة على البيع.

و توهم كون الصحة سابقا فى ضمن اللزوم فيرتفع بارتفاعه

______________________________

و (الى ما يقال من ان قوله عليه السلام فى اكثر تلك الاخبار: لا بيع له، ظاهر فى انتفاء البيع بالنسبة الى المشترى فقط) لقوله «له» و لم يقل «لهما» (و لا يكون) نفى البيع بالنسبة الى المشترى فقط (الا نفى اللزوم من طرف البائع) فاذا لم يعقل ان يكون البيع من جانب واحد كان معنى النفى من جانب المشترى و لا لزوم على البائع (الا ان فى رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما) فهذه القرينة «اى: له» خاصة بغير رواية ابن يقطين.

(و كيف كان فلا اقل من الشك) فى انه يبطل البيع بالتأخير (فيرجع الى استصحاب الآثار المترتبة على البيع) بل يمكن الرجوع الى استصحاب نفس البيع بعد بقاء موضوعه عرفا.

(و توهم) انه لا يمكن الرجوع الى آثار البيع، ل (كون الصحة سابقا) قبل ثلاثة ايام، كانت (فى ضمن اللزوم فيرتفع) الصحة (بارتفاعه) اى بعد ان ارتفع اللزوم، و عليه فالصحة التى كانت فى ضمن اللزوم قد ارتفعت قطعا، و صحة غيرها لا يعلم بوجودها حتى تستصحب.

ص: 256

مندفع، بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة.

و انما هو حكم مقارن لها فى خصوص البيع الخالى من الخيار.

ثم انه يشترط فى هذا الخيار أمور.
احدها: عدم قبض المبيع.

______________________________

فهذا التوهم (مندفع، بان) الصحة و اللزوم امران لا يتلازمان اذ من الممكن الصحة بدون اللزوم، فان (اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة) حتى يكون ارتفاع الصحة ملازما لارتفاع اللزوم، مثل ارتفاع الانسان بارتفاع الناطق.

(و انما هو) اى اللزوم (حكم مقارن لها) اى للصحة (فى خصوص البيع الخالى من الخيار) فلا دليل على انه كلما ارتفع اللزوم ارتفعت الصحة، و عليه فاذا شككنا فى ارتفاع الصحة بعد ان ارتفع اللزوم كان الاصل بقائه.

(ثم) الظاهر انه يجب على المشترى احضار المال و اخذ المبيع فى اثناء الثلاثة من جهة وجوب الوفاء بالعقد، الا اذا لم يقدر على ذلك، او تعسّر عليه من باب رفع العسر، و نحوه.

و لا فرق فى حصول الخيار بعد الثلاثة بين ان يكون البائع و المشترى واحدا كالولى و الوكيل، أم لا، لاطلاق الادلة، و الانصراف الى المتعدد بدوى.

و لا يخفى (انه يشترط فى هذا الخيار امور).

(احدها: عدم قبض المبيع) بان لم يقبض المشترى المبيع لا بنفسه

ص: 257

و لا خلاف فى اشتراطه ظاهرا.

و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله فى صحيحة على ابن يقطين المتقدمة، فان قبض بيعه، و الا فلا بيع بينهما، بناء على ان البيع هنا بمعنى المبيع.

لكن فى الرياض انكار دلالة الاخبار على هذا الشرط، و تبعه بعض المعاصرين، و لا اعلم له وجها.

______________________________

و لا بوكيله (و لا خلاف فى اشتراطه ظاهرا) كما يظهر من كلماتهم، فاذا قبض المشترى المبيع لم يكن للبائع خيار، بل اذا اخّر المشترى فى اعطاء الثمن له جبره على ذلك.

(و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله) عليه السلام (فى صحيحة على ابن يقطين المتقدمة، فان قبض بيعه) فهو (و الا فلا بيع بينهما).

و انما تدل هذه الرواية على هذا الشرط (بناء على ان البيع هنا بمعنى المبيع) فيكون المعنى: ان قبض المشترى مبيعه، فالبيع لازم.

و يحتمل ان يكون «قبّض» بالتشديد اى ان قبض البائع للمشترى المبيع.

و على كلا الاحتمالين- و ان كان ثانيهما ضعيفا- يدل على ان القبض كاف فى عدم الخيار.

(لكن فى الرياض انكار دلالة الاخبار على هذا الشرط، و تبعه بعض المعاصرين) كانه صاحب الجواهر (و لا اعلم له) اى للانكار (وجها) معتدا به.

ص: 258

غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية.

و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد يعنى قبض بايعه الثمن.

و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال، لان استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، بل لم يوجد مع امكان اجراء اصالة عدم التشديد.

______________________________

(غير سقوط هذه الفقرة) «فان قبض بيعه» (عن النسخة المأخوذة منها الرواية) و ان صاحب الرياض لم يلتفت الى هذه الفقرة.

لكن يبعد هذا الاحتمال وجود هذه الفقرة فى نسخ الرياض و الجواهر- كما قالوا- و يحتمل انه كان فى نسخهم «فان قبض ثمنه» لقرب الكتابة بينهما، اذا كان الخط غير واضح.

(و) غير (احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد)- هذا احتمال ثان لاجل انكار صاحب الرياض هذا الشرط- (يعنى قبض بايعه الثمن) فانه اذا قبض البائع الثمن لم يكن له خيار الفسخ.

(و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال، لان استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر) فانه و ان كان يستعمل «البيّعان» تثنية، الا ان استعماله مفردا نادر، و النادر لا يؤخذ به فى الاستعمالات الا اذا علم بذلك لاصالة التكلم متعارفا- عند العقلاء-.

الا ترى ان من قرء «الدينار اسّ كل خطيئة» عوض «الدّنيا رأس كل خطيئة» خطّئ فى قراءته و ان كان ذلك فى نفسه محتملا (بل لم يوجد) حسب تتبع المصنف (مع امكان اجراء اصالة عدم التشديد) اذا دار الامر

ص: 259

نظير ما ذكره فى الروضة من اصالة عدم المدّ فى لفظ البكاء الوارد فى قواطع الصلاة.

ثم انه لو كان عدم قبض المشترى لعدو ان البائع بان بذل له الثمن فامتنع من اخذه، و اقباض المبيع، فالظاهر عدم الخيار، لان ظاهر النص و الفتوى كون هذا الخيار ارفاقا للبائع و دفعا لتضرره، فلا يجرى فيما اذا كان الامتناع من قبله.

______________________________

بين «بيعه» و «بيّعه» (نظير ما ذكره) الشهيد الثانى «ره» (فى الروضة) شرح اللمعة (من اصالة عدم المدّ فى لفظ البكاء الوارد فى قواطع الصلاة) فان «البكاء» بالمدّ هو مع الصوت، و بدون المدّ «بكا» هو بلا صوت، فاذا شككنا فى ابطال ما لا صوت له نتمسك باصالة عدم المد و نقول بلا صوت أيضا مبطل، اذا المدّ فى المقام: اى الياء الثانية المتولدة عند التشديد شي ء زائد لم يعلم وجوده، فالاصل عدمه.

(ثم انه لو كان عدم قبض المشترى لعدوان البائع بان بذل) المشترى (له) اى للبائع (الثمن، فامتنع) البائع (من اخذه، و) من (اقباض المبيع، فالظاهر عدم الخيار) للبائع (لان ظاهر النص و الفتوى) بقرينة الانصراف (كون هذا الخيار ارفاقا للبائع و دفعا لتضرره) حتى، لا يكون بيعه معلقا لا يتمكن ان يتصرف فى المثمن، لانه ملك الغير، و لا فى الثمن لان المشترى لم يعطه اياه (فلا يجرى) الخيار (فيما اذا كان الامتناع) فى الأخذ و العطاء (من قبله) اى من طرف البائع.

ص: 260

و لو قبضه المشترى على وجه يكون للبائع استرداده، كما اذا كان بدون اذنه مع عدم اقباض الثمن، ففى كونه كلا قبض مطلقا، او مع استرداده، او كونه قبضا، وجوه.

رابعها ابتناء المسألة على ما سيجي ء فى احكام القبض، من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه.

______________________________

(و لو قبضه) اى المتاع (المشترى) قبضا غير صحيح (على وجه يكون للبائع استرداده كما اذا كان) قبض المشترى (بدون اذنه) اذ يلزم ان يكون القبض بأذن المالك الاول كما ذكروه فى باب القبض (مع عدم اقباض الثمن) اما مع اقباضه فله الاخذ و لو جبرا، كما انه ليس للبائع الفسخ (ففى كونه كلا قبض مطلقا) فللبائع خيار الفسخ اذا لم يسلم الثمن لمدة ثلاثة ايام (او مع استرداده) اى استرد البائع المتاع من المشترى، و بعد الاسترداد يكون كلا قبض، فللبائع خيار الفسخ فى هذه الصورة فقط (او كونه قبضا) فلا خيار للبائع مطلقا، لانه قد قبض خارجا، و ان لم يكن قبضه مشروعا و الادلة تقول بالخيار اذا كان المتاع باق عنده (وجوه) ثلاثة.

(رابعها ابتناء المسألة) اى مسألة انه قبض، أم لا (على ما سيجي ء فى احكام القبض، من) انه هل يكون (ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض) فان البائع ما دام المتاع فى يده يكون ضامنا لدركه (و عدمه) و انه ليس بضامن.

فعلى الاول: فهو قبض للمشترى، و لا خيار للبائع.

ص: 261

و لعله الاقوى.

اذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر على البائع الا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه، و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة.

و اما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك، فيجرى دليل الضرر بالتقريب

______________________________

و على الثانى: لا يكون قبضا و يكون للبائع الخيار (و لعله) اى الوجه الرابع هو (الاقوى).

(اذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض) عن البائع (لا ضرر على البائع) حتى يتدارك بالخيار (الا من جهة وجوب حفظ المبيع) اذا استرد البائع المبيع (لمالكه) الّذي هو المشترى (و تضرره) اى البائع (بعدم وصول ثمنه إليه) لغرض ان المشترى لم يعط الثمن للبائع (و كلاهما ممكن الاندفاع).

اما الاول: فيمكن دفع ضرر البائع من حفظه للمبيع (بأخذ المبيع مقاصة) فى قبال الثمن الّذي لم يوصله المشترى إليه، فلا ضمان له بالنسبة الى المبيع.

و اما الثانى: فلانه اذا اخذ المبيع مقاصة فقد استوفى الثمن الّذي كان مستحقا له.

(و اما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك) بان كان قبض المشترى بدون اذن البائع كلا قبض «عطف على: اذ مع ارتفاع» (فيجرى) بالنسبة الى البائع (دليل الضرر بالتقريب

ص: 262

المتقدم و ان ادعى انصراف الاخبار الى غير هذه الصورة.

لكنه مشكل كدعوى شمولها، و لو قلنا بارتفاع الضمان.

و لو مكن المشترى من القبض فلم يقبض ف

______________________________

المتقدم) فان البائع يتضرر بلزوم حفظ المتاع مع عدم وصول الثمن إليه و عليه يكون له الخيار (و ان ادعى انصراف الاخبار) اى اخبار الخيار (الى غير هذه الصورة) و هى صورة قبض المشترى المتاع بدون اذن البائع، يعنى فلا خيار للبائع، لان القبض حاصل و هذا الادعاء:

دليل لقوله «او كونه قبضا مطلقا» (لكنه مشكل) اذ لا وجه للانصراف (كدعوى شمولها) اى اخبار الخيار (و لو قلنا بارتفاع الضمان) عن البائع بقبض المشترى بلا اذن.

فان هذه الدعوى مشكلة أيضا و هذا الادعاء: دليل لقوله «كلا قبض مطلقا».

ثم ان المصنف لم يذكر دليل قوله «او مع استرداده» لوضوح دليله اذ مع الاسترداد بطل قبض المشترى، بخلاف ما اذا لم يسترد.

و جوابه انه لا اهمية للاسترداد و عدمه بعد وضوح ان المعيار يكون فى الضمان و عدمه.

(و لو مكن) البائع (المشترى من القبض) للمتاع (فلم يقبض) المشترى (ف) هل يكون للبائع الخيار لاطلاق ادلة الخيار، أم لا؟ لان البائع لا يتضرر، اذ له ان يأخذ المبيع تقاصا كما ذكرنا قبل ذلك.

ص: 263

الاقوى أيضا ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان و عدمه.

و ربما يستظهر من قول السائل فى بعض الروايات، ثم يدعه عنده عدم كفاية التمكين، و فيه نظر.

و الاقوى عدم الخيار لعدم الضمان.

و فى كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر

______________________________

لكن (الاقوى أيضا ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان و عدمه).

فان قلنا: بان البائع ضامن، كان له الخيار.

و ان قلنا انه ليس بضامن بسبب تمكينه لم يكن له خيار، لما تقدم من وجه هذا البناء فى الفرع السابق.

(و ربما يستظهر من قول السائل فى بعض الروايات: ثم يدعه عنده، عدم كفاية التمكين) لانه مع تمكينه للمشترى الظاهر من: يدعه، قال الامام بالخيار، فيظهر منه ان لا اعتبار بتمكين البائع للمشترى، فى اسقاط الخيار، و ان للبائع الخيار مطلقا، مكّن او لم يمكن (و فيه نظر)

اذ هذا الاستظهار غير تام، فان قوله فى الرواية: يدعه عنده، اعم من كونه بعد التمكين و عدمه، و لا دلالة للاعم على الاخص، فقوله «يدعه عنده» مجمل.

(و الاقوى عدم الخيار) فى صورة تمكين البائع للمشترى (لعدم الضمان) اذ لو مكن البائع سقط ضمانه للمتاع، اذ الودعى لا يضمن الا بالتعدّى و التفريط.

(و فى كون قبض بعض المبيع كلا قبض) فللبائع الخيار (لظاهر

ص: 264

الاخبار، او كالقبض لدعوى انصرافها الى صورة عدم قبض شي ء منه، او تبعيض الخيار بالنسبة الى المقبوض و غيره استنادا- مع تسليم الانصراف المذكور- الى تحقق الضرر بالنسبة الى غير المقبوض، لا غيره وجوه.

الشرط الثانى: عدم قبض مجموع الثمن،

و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوى

______________________________

الاخبار) الدالة على ان قبض كل المبيع يوجب عدم خيار البائع (او كالقبض) فلا خيار للبائع (لدعوى انصرافها) اى اخبار الخيار (الى صورة عدم قبض شي ء منه) اى من المبيع (او تبعيض الخيار بالنسبة الى المقبوض) فلا خيار للبائع فيه (و غيره) اى غير المقبوض، فللبائع فيه الخيار (استنادا) فى هذا التفصيل (- مع تسليم الانصراف المذكور-) اى نسلم ان اخبار الخيار منصرفة الى صورة عدم قبض شي ء منه (الى تحقق الضرر) للبائع (بالنسبة الى غير المقبوض) ففيه الخيار (لا غيره) اى لا غير المقبوض.

اذ لا ضرر على البائع، لامكان تقاصه، كما تقدم، و قوله «الى تحقق» متعلق ب «استنادا» (وجوه) ثلاثة و ان كان لا يبعد الوجه الثالث، و الله سبحانه العالم.

(الشرط الثانى: عدم قبض) البائع (مجموع الثمن) فان قبض الكل لم يكن له خيار (و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوى).

فانه حيث كان عليه النص و الفتوى صارت المسألة اجماعية، و منه

ص: 265

و قبض البعض، كلا قبض بظاهر الاخبار المعتضد بفهم ابى بكر بن عياش فى رواية ابن الحجاج المتقدمة.

و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة.

و فيه نظر.

______________________________

يعلم انه لا تكرار فى قوله «مجمع عليه ... فتوى» كما انه لا تهافت بين قوله: مجمع عليه، و بين قوله: نصا، او المراد ان عليه اتفاق النصوص و اتفاق الفتاوى (و قبض) البائع (البعض، كلا قبض) فكانه لم يقبض اى شي ء يكون له الخيار.

لكن هذا هل يشمل ما لو قبض من الألف تسعا و تسعين، فيه اشكال، لانصراف النص و الفتوى عن ذلك، فلا يبعد القول بعدم الخيار فى امثال هذه الصورة.

و انما قلنا ان قبض البعض كلا قبض (ب) سبب (ظاهر الاخبار) لان ظاهرها انه اذا لم يقبض الثمن جميعا كان له الخيار (المعتضد) هذا الظاهر (بفهم ابى بكر بن عياش، فى رواية ابن الحجاج المتقدمة) لانه اجاب بان للبائع الخيار، مع انه كان قابضا لبعض الثمن، و اسند ذلك الى الامام عليه السلام.

(و ربما يستدل بتلك الرواية) على ان قبض بعض الثمن كلا قبض (تبعا للتذكرة).

(و) لكن هذا الاستدلال (فيه نظر) اذ كلام ابن عياش ليس بحجة حتى يصح الاستناد إليه.

ص: 266

و القبض بدون الاذن كعدمه، لظهور الاخبار فى اشتراط وقوعه بالاذن فى بقاء البيع على اللزوم مع ان ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه على وجه يجوز له التصرف فيه باق.

نعم لو كان القبض بدون الاذن حقا كما اذا عرض المبيع على المشترى فلم يقبضه، فالظاهر عدم الخيار.

______________________________

(و القبض) اى قبض البائع الثمن (بدون الاذن) من المشترى (كعدمه) فى انه لا يسقط خيار البائع (لظهور الاخبار فى اشتراط وقوعه) اى وقوع القبض (بالاذن) من المشترى (فى بقاء البيع على اللزوم).

و انما كان ظاهر الاخبار ذلك، لان المنصرف من قبض الثمن هو القبض المتعارف الّذي لا يكون الا باذن المشترى (مع ان) سبب الخيار كما تقدم- هو ان البائع ضامن للمبيع مع انه لا يتمكن من التصرف فى الثمن، و هذا السبب باق بعد ان قبض البائع الثمن بدون اذن المشترى، اذ لا يحق له التصرف فى الثمن مع انه ضامن للمبيع.

فان (ضرر ضمان) البائع (المبيع مع عدم وصول الثمن إليه) اى الى البائع، وصولا (على وجه يجوز له) اى للبائع (التصرف فيه) اى فى الثمن (باق) فاللازم ان يكون الخيار باقيا لبقاء سببه.

(نعم) استثناء من قوله: القبض بلا اذن كعدمه (لو كان القبض بدون الاذن) من المشترى (حقا) و جائزا شرعا (كما اذا عرض) البائع (المبيع على المشترى فلم يقبضه، فالظاهر عدم الخيار) لانه يكون اخذه

ص: 267

لعدم دخوله فى منصرف الاخبار، و عدم تضرر البائع بالتأخير.

و ربما يقال: بكفاية القبض هنا مطلقا، مع الاعتراف باعتبار الاذن فى الشرط السابق اعنى قبض المبيع

______________________________

للثمن صحيحا، و اذا كان آخذا للثمن لم يكن له الخيار، اذ الاخبار قالت بانه: اذا لم يقبض الثمن كان له الخيار و هذا قابض للثمن (لعدم دخوله فى منصرف الاخبار).

لان الاخبار قالت «لم يقبض الثمن» و المنصرف منها «لم يقبض قبضا صحيحا» و البائع فى المقام قد قبض قبضا صحيحا، فليس داخلا فى اخبار الخيار التى تجعل الخيار لمن لم يقبض قبضا صحيحا، فلا خيار لهذا البائع الّذي قبض الثمن قبضا صحيحا (و عدم تضرر البائع بالتأخير) اى تأخير اخذ المشترى للمتاع، فانه انما كان له الخيار، لانه كان متضررا، حيث انه كان ضامنا للمبيع و غير متمكن من التصرف فى الثمن فاذا عرض المبيع فلم يأخذه المشترى و اخذ الثمن، ارتفع هذا الضرر لانه يتصرف فى الثمن، و ليس عليه ضمان المبيع.

(و ربما يقال: بكفاية القبض هنا) اى فى الثمن (مطلقا) و لو كان قبضا بغير حق او كفايته بمعنى اسقاطه للخيار (مع الاعتراف) اى اعتراف هذا القائل (باعتبار الاذن) من البائع (فى الشرط السابق اعنى قبض المبيع).

فاذا قبض المشترى المتاع بدون اذن البائع لم يسقط خيار البائع اما اذا قبض البائع الثمن بدون اذن المشترى سقط خياره.

ص: 268

نظرا الى انهم شرطوا فى عناوين المسألة فى طرف المبيع عدم اقباض المبيع اياه، و فى طرف الثمن عدم قبضه.

و فيه نظر لان هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، فيعبّر فى طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له، و هو القبض فى الاول، و الاقباض فى الثانى.

______________________________

و انما قيل بهذا القول (نظرا الى) ظاهر الفتاوى المفيدة لاشتراط الاذن فى قبض المتاع، و لعدم اشتراط الاذن فى قبض الثمن.

ف (انهم شرطوا فى عناوين المسألة) و هى مسألة خيار البائع (فى طرف المبيع عدم اقباض المبيع اياه) و ظاهره ان يكون قبض المشترى للمبيع باجازة البائع، فان «اقبض» ظاهر فى كون الاقباض اختياريا (و) عنونوا (فى طرف الثمن عدم قبضه) اى عدم قبض البائع، له فاذا قبض سقط خياره، و القبض يحصل و لو مع عدم رضى المشترى.

(و فيه نظر) أولا: لان المناط فى كلتا المسألتين واحد، فلا وجه لهذا الفرق.

و ثانيا: انا لا نسلم ان الفقهاء فرقوا بين المسألتين.

و اختلاف التعبير ليس دليلا على ذلك (لان هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، ف) ان المسألة حيث كانت معنونة باسم البائع، حيث ان الخيار له (يعبّر فى طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له، و هو القبض فى الاول) اى فى الثمن فيقال «لم يقبضه» (و الاقباض فى الثانى) اى فى المثمن فيقال «لم يقبضه» من باب الافعال

ص: 269

فتأمل.

و لو اجاز المشترى قبض الثمن- بناء على اعتبار الاذن- كانت فى حكم الاذن، و هل هى كاشفة، او مثبتة، أقواهما الثانى.

و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فاجاز المشترى بعدها.

______________________________

(فتأمل).

حيث ان الفقهاء يلاحظون خصوصيات التعبير فلا يمكن حمل كلامهم على ذلك، و لعلهم عبروا بذلك تبعا للسؤال فى رواية ابن يقطين، و لا حجية فى السؤال و انما فى جواب الامام عليه السلام.

(و لو) قبض البائع الثمن بدون اذن المشترى مما يوجب بقاء الخيار للبائع ثم (اجاز المشترى قبض الثمن- بناء على اعتبار الاذن-) فى الايقاعات، اذا لقبض ايقاع (كانت فى حكم الاذن) لانه من قبيل اجازة الفضولى.

و مقتضى القاعدة جريان الفضولية فى كل الامور عقدا او ايقاعا الا ما خرج بالدليل و ليس المقام مما خرج (و هل هى) اى الاجازة فى المقام (كاشفة) بان القبض كان صحيحا من اوّل وقوعه بدون اذن (او مثبتة) للاذن من الآن اى حين صدور الاجازة احتمالان (أقواهما الثانى) و انها مثبتة.

(و يترتب عليه) اى على الفرق بين الكاشفة و المثبتة (ما لو قبض) البائع الثمن بدون اجازة المشترى (قبل الثلاثة) ايام (فاجاز المشترى بعدها) اى بعد الثلاثة.

ص: 270

الشرط الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين

لان المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر فى مخالفة الاصل على منصرف النص، مع انه فى الجملة اجماعى.

______________________________

فانه بناء على كون الاجازة كاشفة لم يكن حق للبائع فى الخيار لانه حصل القبض الصحيح قبل الثلاثة.

اما بناء على كون الاجازة مثبتة، كان للبائع حق الفسخ، لانه لم يحصل القبض الصحيح قبل الثلاثة.

و حيث قال المصنف «أقواهما الثانى» كان اللازم ان يكون للبائع حق الفسخ، و الله العالم.

(الشرط الثالث) من شروط خيار التأخير (عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين) فلو شرطا ذلك لم يكن للبائع الفسخ (لان المتبادر من النص) الجاعل للخيار (غير ذلك) اى صورة عدم اشتراط التأخير (فيقتصر فى مخالفة الاصل) لان الاصل هو اللزوم، و الاخيار خلاف الاصل (على منصرف النص) الّذي هو كون الخيار فيما لم يكن شرط التأخير (مع انه) اى هذا الشرط (فى الجملة اجماعى).

و انما قال فى الجملة، لانه اذا شرط تأخير ثلاثة ايام فلا خلاف فى انه لا خيار للبائع.

اما اذا شرطا تأخير ساعة ففى كونه مسقطا للخيار اشكال، و ان كان الاقرب انه يلزم ان يحسب الثلاثة من حين انقضاء الشرط.

و بهذا تبين ان اطلاق المصنف فى اوّل الخامس «و لا شرط تأخير

ص: 271

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا او شبهه كصاع من صبرة،

نص عليه الشيخ فى عبارته المتقدّمة فى نقل مضمون روايات اصحابنا، و ظاهره كونه مفتى به عندهم.

و صرح به فى التحرير، و المهذب البارع، و غاية المرام، و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال: لا فرق فى الثمن بين كونه عينا او فى الذمة.

______________________________

ساعة» ليس على ما ينبغى.

(الشرط الرابع) من شروط خيار التأخير (ان يكون المبيع عينا او شبهه) اى شخصا او شبه الشخص (كصاع من صبرة) فانه ليس شخصا لانه داخل فى الف صاع مثلا، لكنه شبه الشخص من حيث كونه فى الخارج لا فى الذمة.

و قد (نص عليه) اى على هذا الشرط (الشيخ فى عبارته المتقدمة فى نقل مضمون روايات اصحابنا) فى كلامه فى المبسوط فى اوائل الخامس (و ظاهره كونه) اى هذا الشرط (مفتى به عندهم).

(و) كذلك (صرح به) اى بهذا الشرط (فى التحرير، و المهذب البارع، و غاية المرام، و هو ظاهر جامع المقاصد) أيضا (حيث قال:

لا فرق فى الثمن بين كونه عينا او فى الذمة) فانه- حيث خصص عدم الفرق بالثمن- يظهر منه انه يفرق فى المبيع، و ان عنده لا بد و ان يكون المثمن عينا حتى يتحقق الخيار.

ص: 272

و قال فى الغنية: و روى اصحابنا ان المشترى اذا لم يقبض المبيع و قال: اجيئك بالثمن و مضى، فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا، ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن.

هذا اذا كان المبيع مما يصح بقائه، فان لم يكن كذلك كالخضروات فعليه الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار.

ثم ذكر ان تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشترى، و بعده من مال البائع.

______________________________

(و قال فى الغنية: و روى اصحابنا ان المشترى اذا لم يقبض المبيع و قال: اجيئك بالثمن) فلم يسلم الثمن الى البائع (و مضى) لشأنه، بعد ان اشترى (فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا) فلا يحق له فسخ العقد فى هذه الثلاثة (ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن) بانفاذ البيع حتى لا يكون له الفسخ، او ابقائه على حال الجواز، فله فى كل آن ان يفسخ او ينفذ.

و (هذا) الحكم الّذي ذكرناه (اذا كان المبيع مما يصح بقائه) كالثوب و الدار، و نحوهما (فان لم يكن كذلك كالخضروات) فى ايام الحر حيث لا وسائل لابقائها (فعليه) اى على البائع (الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار) بعد اليوم الواحد.

(ثم ذكر) ابن زهرة (ان تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشترى) لانه ماله، فتلفه عليه (و بعده من مال البائع) و سيأتى الكلام حول ذلك فى القريب العاجل ان شاء الله تعالى.

ص: 273

ثم قال: و يدل على ذلك كله اجماع الطائفة، انتهى.

و فى معقد اجماع الانتصار، و الخلاف، و جواهر القاضى: لو باع شيئا معينا بثمن معين.

لكن فى بعض نسخ الجواهر: لو باع شيئا غير معين.

و قد اخذ عنه فى مفتاح الكرامة و غيره، و نسب الى القاضى دعوى الاجماع على غير المعين، و اظن الغلط فى تلك النسخة.

______________________________

و لا يخفى ان قوله «مما يصح بقائه» و قوله «من مال المشترى» دليلان على ان مراده ما كان المبيع شخصيا، اذ الكلى يبقى و لا يتلف، كما هو واضح.

(ثم قال: و يدل على ذلك كله اجماع الطائفة، انتهى) كلام الغنية (و فى معقد اجماع الانتصار، و الخلاف، و جواهر القاضى) دلالة على ان الخيار انما هو فى البيع الشخصى، لا الكلى.

قالوا: (لو باع شيئا معينا بثمن معين) و الشي ء لا يكون معينا الا اذا كان المثمن شخصيا.

(لكن فى بعض نسخ الجواهر: لو باع شيئا غير معين) فيكون ظاهره الشمول للكلى، كما يشمل مثل الصاع فى الصبرة.

(و قد أخذ عنه فى مفتاح الكرامة و غيره، و نسب الى القاضى دعوى الاجماع على) الخيار فى (غير المعين، و) حيث لا اجماع فى الكلى و نحوه، ف (اظن) ان (الغلط فى تلك النسخة) التى اضافت كلمة «غير» هذا بالإضافة الى ان الروايات ظاهرة فى المعين، فكيف يترك

ص: 274

و الظاهر ان المراد بالثمن المعين فى معقد اجماعهم هو المعلوم فى مقابل المجهول، لان تشخّص الثمن غير معتبر اجماعا.

و لذا وصف فى التحرير تبعا للمبسوط المبيع، بالمعين، و الثمن بالمعلوم.

______________________________

الجواهر ذلك، و يذكر غير ما ذكر فى الروايات.

(و) اما قولهم «بثمن معين» فلا بد ان يصرف عن ظاهره اذ لا يشترط فى خيار البائع ان يكون الثمن معينا، بل الخيار موجود و ان كان الثمن كليا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 275

و بهذه القرينة لا بد و ان نقول: (الظاهر ان المراد بالثمن المعين فى معقد اجماعهم) اى اجماع الانتصار، و الخلاف و الجواهر (هو) الثمن (المعلوم فى مقابل المجهول).

فان الثمن اذا كان مجهولا كان البيع باطلا، و لا يبقى مجال لصحة البيع حتى يترتب عليه الخيار و ليس مرادهم «المعين» فى قبال «الكلى» (لان تشخّص الثمن) فى اثبات الخيار (غير معتبر اجماعا).

و لا يمكن ان يدعى هؤلاء العلماء الثلاثة الاجماع على خلاف اجماع الفقهاء، هذا بالإضافة الى انه لا وجه له بعد اطلاق الادلة.

(و لذا) الّذي ذكرنا ان المراد ب «المعين» فى كلامهم «المعلوم» لا المشخص (وصف فى التحرير تبعا للمبسوط المبيع، بالمعين، و الثمن بالمعلوم).

فان سياق كلامهما مع كلام السيد و القاضى انهما يقصدان شيئا

ص: 275

و من البعيد اختلاف عنوان ما نسبه فى الخلاف الى اجماع الفرقة و اخبارهم، مع ما نسبه فى المبسوط الى روايات اصحابنا مع انا نقول

______________________________

واحدا و هو «المعلوم».

(و) مضافا الى انه (من البعيد اختلاف عنوان ما نسبه فى الخلاف الى اجماع الفرقة و اخبارهم) من قوله «لو باع شيئا معينا بثمن معين» (مع ما نسبه) نفس الشيخ (فى المبسوط الى روايات اصحابنا) من قوله «اذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم».

و عليه فلا بد من ان يريد الشيخ فى الخلاف «المعلوم» من لفظ «المعين».

و اما وجه البعد، فلانه لا يصح تحقق الاجماع فى مسألة واحدة على معنيين احدهما اعم من الآخر، فلا بد ان يكون المراد منهما شيئا واحدا هو «المعلوم» لان النص و الاجماع لا يشترطان التشخص فى الثمن.

و لا يخفى ان كلام المصنف فى المثمن و قد اشترط ان يكون معيّنا.

ثم ذكر- استطرادا- حال الثمن، لرفع اشتباه نشأ فى كلام السيد و الشيخ، و القاضى.

و حيث انتهى من رفع الاشتباه رجع الى حال المثمن، و لزوم كونه شخصيا او شبه شخصى بقوله: (مع انا نقول) بالإضافة الى اقوال الفقهاء التى سمعتها و التى تنص على لزوم كون المبيع عينا او شبهه حتى يكون للبائع الخيار، ان دليل هذا الخيار اما الاجماع، و اما حديث نفى الضرر، و اما الروايات، و الكل يدل على هذا الشرط.

ص: 276

ان ظاهر المعين فى معاقد الاجماعات التشخص العينى، لا مجرد المعلوم فى مقابل المجهول، و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة الى الثمن للاجماع على عدم اعتبار التعيين فيه مع انه فرق بين الثمن المعين، و الشي ء المعين، فان الثانى ظاهر فى الشخصى

______________________________

اما الاجماع، ف (ان ظاهر) لفظ (المعين فى معاقد الاجماعات التشخص العينى، لا مجرد المعلوم فى مقابل المجهول، و لو كان) ذلك المعلوم (كليا).

فان المعين قد يطلق و يراد «المعلوم» فيشمل «الكلى».

و قد يطلق و يراد به «الشخص» فلا يشمل الكلى (خرجنا عن هذا الظاهر) اى ظهور «المعين» فى «التشخص» (بالنسبة الى الثمن) مع انهم ذكروا أيضا لزوم ان يكون الثمن «معينا» كما تقدم فى كلماتهم، و قلنا ان مرادهم بذلك «المعلوم» (للاجماع على عدم اعتبار التعيين فيه) و بقى ظهور «المعين» فى «الشخص» سالما عن التصرف فى باب المثمن و بهذا اجاب المصنف عن اشكال انه لو كان المراد من «المعين» المعلوم، لم يكن فرق بين الثمن و المثمن.

فكما لا يشترط فى الثمن التشخص كذلك لا يشترط فى المثمن (مع انه فرق بين الثمن المعين، و الشي ء المعين) حيث قالوا: لو باع شيئا معينا بثمن معين- كما تقدم- «فالمعين» فى المقامين ليس بمعنى واحد حتى نحتاج الى الخروج عن ظاهر المعين فى الثمن بالاجماع (فان الثانى) و هو الشي ء المعين (ظاهر فى الشخصى) فان «الشي ء»

ص: 277

بخلاف الاول.

و اما معقد اجماع التذكرة المتقدم فى عنوان المسألة فهو مختص بالشخصى، لانه ذكر فى معقد الاجماع ان المشترى لو جاء بالثمن فى الثلاثة فهو احق بالعين.

و لا يخفى ان العين ظاهر فى الشخصى هذه حال معاقد الاجماعات و اما حديث نفى الضرر فهو مختص بالشخصى، لانه المضمون على البائع قبل القبض.

______________________________

بدون القرينة يستعمل فى الامور الشخصية (بخلاف الاول) فانه يطلق على كل معلوم كليا كان او شخصيا.

(و اما معقد اجماع التذكرة المتقدم فى عنوان المسألة) و هى مسألة خيار البائع (فهو) اظهر فى دلالته على اشتراط ان يكون المثمن شخصيا

فالاجماع (مختص بالشخصى، لانه ذكر فى معقد الاجماع ان المشترى لو جاء بالثمن فى الثلاثة فهو احق بالعين).

(و) وجه الاختصاص ما ذكره بقوله: فانه (لا يخفى ان العين) فى عبارته (ظاهر فى الشخصى) اذ لا يطلق الكلى على «العين» (هذه حال معاقد الاجماعات) فى ظهورها فى لزوم كون المبيع شخصيا حتى يكون للبائع الخيار، فاذا كان المبيع كليا لم يكن له خيار.

(و اما حديث نفى الضرر) الّذي هو المستند الثانى للخيار (فهو مختص بالشخصى، لانه) اى الشخصى هو (المضمون على البائع قبل القبض).

ص: 278

فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه.

و عدم وصول بدله إليه، بخلاف الكلى.

و اما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان على لفظ البيع المراد به المبيع الّذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة للبيع، و لا مناسبة فى اطلاقه على الكلى، كما لا يخفى.

و رواية زرارة ظاهرة أيضا فى الشخصى من جهة لفظ المتاع و قوله

______________________________

(ف) اذا بقى عند البائع (يتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه).

(و) ذلك لانه مال المشترى مع (عدم وصول بدله) و هو الثمن (إليه) فهو ممنوع عن المعوض و العوض معا (بخلاف الكلى) فانه ليس هناك شي ء فى الخارج حتى يضمنه البائع، و يمنع عن التصرف فيه.

اقول: لكن يمكن ان يقال ان ارتباط البائع بالمشترى ضرر على البائع، و هو جار فى الكلى كما هو جار فى الشخصى.

كما يمكن ان يقال ان الفتاوى ليست صريحة فى الشخصى.

(و اما النصوص) فتدل أيضا على ما اذا كان البيع شخصيا (فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان على لفظ البيع المراد به المبيع).

قال عليه السلام «فان قبض بيعه».

و قال عليه السلام «من اشترى بيعا» (الّذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة للبيع، و لا مناسبة فى اطلاقه) اى البيع (على الكلى، كما لا يخفى) على من تأمّل.

(و رواية زرارة ظاهرة أيضا فى الشخصى من جهة لفظ المتاع و قوله)

ص: 279

يدعه عنده فلم يبق الا قوله عليه السلام فى رواية ابى بكر بن عياش: من اشترى شيئا، فان اطلاقه و ان شمل المعين و الكلى، الا ان الظاهر من لفظ الشي ء الموجود الخارجى، كما فى قول القائل: اشتريت شيئا، و لو فى ضمن امور متعددة، كصاع من صبرة و الكلى المبيع، ليس موجودا خارجيا اذ

______________________________

عليه السلام (يدعه عنده) قال يشترى من الرجل المتاع ثم يدعه عنده.

لكن يمكن ان يقال: لا دلالة فى كل ذلك على الشخصى لان كلا التعبيرين فى روايتى ابن يقطين و ابن عمار يعبران فى الكلى أيضا، و رواية زرارة لا تنفى ما عداها (فلم يبق الا قوله عليه السلام فى رواية ابى بكر بن عياش: من اشترى شيئا، فان اطلاقه) اى اطلاق الشي ء (و ان شمل المعين و الكلى) فان الشي ء يطلق على الشخصى و على الكلى (الا ان الظاهر من لفظ الشي ء) و لو بقرينة الانصراف (الموجود الخارجى، كما فى قول القائل: اشتريت شيئا) فان المنصرف انه اشترى عينا خارجية (و لو) كان ذلك الشي ء الخارجى (فى ضمن امور متعددة، كصاع من صبرة) لانه أيضا امر خارجى (و الكلى المبيع، ليس موجودا خارجيا).

فرواية ابن عياش لا تشمل الكلى.

و ان قلت: الكلى الطبيعى أيضا موجود فى الخارج فيطلق عليه الشي ء فانك اذا قلت «الانسان كلى» فالمبتدأ «كلى طبيعى» و الخبر «كلى منطقى» و المجموع من المبتدأ و الخبر «كلى عقلى».

قلت: كلامنا نحن فى الكلى الّذي يمكن ان يوجد فى الخارج أو لا (اذ

ص: 280

ليس المراد من الكلى هنا الكلى الطبيعى الموجود فى الخارج، لان المبيع قد يكون معدوما عند العقد، و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتى يملكه، بل هو امر اعتبارى يعامل فى العرف و الشرع معه معاملة الاملاك، و هذه المعاملة و ان اقتضت صحة اطلاق لفظ الشي ء عليه، او على ما يعمه، الا انه

______________________________

ليس المراد من الكلى هنا) فى باب البيع (الكلى الطبيعى الموجود فى الخارج) بل المراد: الكلى مقابل الشخصى (لان المبيع) الكلى (قد يكون معدوما عند العقد، و الموجود منه) على فرض وجود بعض افراده- فالاول كما اذا لم تكن حنطة اصلا، و باع منّا منها، و الثانى كما اذا كانت حنطة فى الخارج لكن البائع لا يملكه- (قد لا يملكه البائع حتى يملكه) للمشترى لانه لا يجوز بيع ما ليس عنده (بل هو) اى الكلّى الّذي يقال: البيع الكلى، فى قبال البيع الشخصى (امر اعتبارى) يعتبره العقلاء (يعامل فى العرف و الشرع معه) اى مع هذا الكلى (معاملة الاملاك) الخارجية (و هذه المعاملة) على الكلى الّذي هو امر اعتبارى (و ان اقتضت صحة اطلاق لفظ الشي ء عليه) اى على الكلى، فان المعاملات تقع على الاشياء (او على ما يعمه) فاذا قال:

عامل على شي ء يربحك، اراد الاعم من الكلى و الشخصى (الا انه) اى ان اطلاق الشي ء على الكلى، او الاعم لا يوجب ان نقول: ان المراد بالشي ء فى الرواية هو الاعم بل المتيقن من الرواية الشخصى، و يحتاج الى دخول الكلى فى لفظ الشي ء الوارد فى الرواية، الى قرينة.

ص: 281

ليس بحيث لو اريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجى الشخصى احتيج الى قرينة على التقييد.

فهو نظير المجاز المشهور.

و المطلق المنصرف الى بعض افراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق الى القرينة فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجى باصالة عدم القرينة

______________________________

ف (ليس) صحة اطلاق لفظ الشي ء على الكلى (بحيث لو اريد من اللفظ) اى لفظ الشي ء (خصوص ما عداه) اى ما عدا الكلى (من الموجود الخارجى الشخصى، احتيج) ذلك الموجود الخارجى (الى قرينة على التقييد) ف «الشي ء» منصرف الى العين الخارجية.

(فهو نظير المجاز المشهور) الّذي شهرته توجب حمل اللفظ على المجاز، و ان كان غيره حقيقة و «الشي ء» منصرف الى العين الخارجية، و ان كان استعماله فى «الكلى» حقيقة أيضا.

(و) نظير (المطلق المنصرف الى بعض افراده انصرافا) لا يوجب ان يكون استعمال المطلق فى الاطلاق مجازا، ف (لا يحوج إرادة) المعنى (المطلق) من المطلق (الى القرينة) حيث كان سبب ظهور «الشي ء» فى خصوص العين الخارجية هو الانصراف و الاخذ بالقدر المتيقن (فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجى باصالة عدم القرينة) بان يقال لفظ «الشي ء» مطلق يشمل الكلى و الشخصى، فاستعماله فى الشخصى فقط بحاجة الى القرينة.

ص: 282

فافهم.

فقد ظهر مما ذكرنا ان ليس فى ادلة المسألة من النصوص و الاجماعات المنقولة، و دليل الضرر ما يجرى فى المبيع الكلى.

و ربما ينسب التعميم الى ظاهر الاكثر لعدم تقييد هم البيع بالشخصى.

و فيه ان التأمل فى عباراتهم- مع الانصاف-

______________________________

و حيث ان الاصل عدم القرينة فلا بد و ان يكون الشي ء استعمل فى الاعم من الكلى و الشخصى، اذ جوابه ان الأخذ بالقدر المتيقن الناشئ من الانصراف يعين إرادة الشخصى من «الشي ء» (فافهم) فانه لا وجه لدعوى الانصراف و الأخذ بالقدر المتيقن ف «الشي ء» مستعمل فى المعنى المطلق الشامل للكلى و الشخصى.

(فقد ظهر مما ذكرنا ان ليس فى ادلة المسألة) و هى مسألة خيار التأخير للبائع (من النصوص و الاجماعات المنقولة، و دليل الضرر ما يجرى فى المبيع الكلى) فاذا باع الشي ء بيعا كليا ثم لم يتسلم الثمن و لم يسلم المبيع و مضى ثلاثة ايام لم يكن للبائع خيار الفسخ- هذا على رأى المصنف- و ان كان الظاهر ان له خيار الفسخ كما اشرنا الى ذلك (و ربما ينسب التعميم) و وجود خيار التأخير حتى فى الكلى (الى ظاهر الاكثر، لعدم تقييد هم البيع بالشخصى) و لو كان مرادهم الشخصى لقيّدوه، فان اطلاق كلام الفقهاء حجة، لانهم بصدد بيان كل الخصوصيات فى كتبهم.

(و فيه ان التأمل فى عباراتهم- مع الانصاف-) و الدقة فى

ص: 283

يعطى الاختصاص بالمعين، او الشك فى التعميم مع انه معارض بعدم تصريح احد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص، الا الشهيد فى الدروس حيث قال: ان الشيخ قدس سره قيد فى المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فانه ظاهر فى عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقى الاصحاب.

______________________________

ملاحظة كلماتهم (يعطى الاختصاص) اى اختصاص كلامهم (ب) المبيع (المعين، او) لا اقل من (الشك فى) ارادتهم (التعميم) فلا يمكن نسبة التعميم إليهم (مع انه) اى عدم تقييدهم البيع بالشخصى (معارض بعدم تصريح احد بكون المسألة) اى مسألة خيار التأخير (محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص).

وجه المعارضة: انهم حيث لم يذكروا ان المسألة ذات قولين، و ظاهر الشيخ انهم يقولون بالتقييد، دال على تصديقهم للشيخ و الحاصل ان سكوتهم على الشيخ دليل التقييد و هذا يعارض: ان عدم تقييدهم دليل التعميم (الا الشهيد فى الدروس حيث قال: ان الشيخ قدس سره قيد فى المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فانه) اى كلام الشهيد (ظاهر فى عدم فهم هذا التقييد) بالمعين (من كلمات باقى الاصحاب)

فالشهيد فهم ان التقييد خاص بالشيخ، بينما غير الشهيد لم يفهم هذا، و لذا لم ينسبوه الى الشيخ، و قد عرفت ان ظاهر الشيخ ان الاصحاب يقيدون.

ص: 284

لكنك عرفت ان الشيخ قدس سره قد اخذ هذا التقييد فى مضمون روايات اصحابنا.

و كيف كان فالتأمل فى ادلة المسألة، و فتاوى الاصحاب يشرف الفقيه على القطع باختصاص الحكم بالمعين.

ثم ان هنا امورا، قيل باعتبارها فى هذا الخيار.
منها: عدم الخيار لاحدهما، او لهما.

قال فى التحرير، و لا خيار للبائع لو كان فى المبيع خيار لاحدهما.

______________________________

(لكنك عرفت ان الشيخ قدس سره قد اخذ هذا التقييد) بالمعين (فى مضمون روايات اصحابنا) فكيف ينسب الشهيد التقييد الى الشيخ فقط، بينما ظاهر الشيخ ان الاصحاب يقيدون، لا الشيخ فقط.

(و كيف كان) كلام الشيخ و الشهيد (فالتأمل فى ادلة المسألة، و فتاوى الاصحاب) يعطى التعميم، و ان ذكر المصنف انه (يشرف الفقيه على القطع باختصاص الحكم) للخيار (بالمعين) فلا يجرى الخيار فى المبيع الكلى.

(ثم ان هنا) اى فى باب خيار التأخير (امورا، قيل باعتبارها فى هذا الخيار) حتى اذا لم توجد تلك الامور فلا خيار.

(منها: عدم الخيار لاحدهما) اى البائع و المشترى (اولهما) فاذا كان لهما او لاحدهما خيار لم يكن للبائع خيار التأخير.

(قال) العلامة (فى التحرير، و لا خيار للبائع لو كان فى المبيع خيار لاحدهما) و بالطريق الاولى لو كان الخيار لهما.

ص: 285

و فى السرائر قيد الحكم فى عنوان المسألة بقوله و لم يشترطا خيارا لهما او لاحدهما، و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط.

و يحتمل ان يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة فى كلامه بغير الحيوان، و هو المتاع.

و كيف كان فلا اعرف وجها معتمدا فى اشتراط هذا الشرط سواء اراد ما يعم خيار الحيوان، أم خصوص خيار الشرط و سواء اريد مطلق الخيار، و

______________________________

(و فى السرائر قيد الحكم فى عنوان المسألة بقوله) انما يكون خيار التأخير للبائع اذا اخّر المشترى التسليم و التسلم الى ثلاثة ايام (و لم يشترطا خيارا لهما او لاحدهما، و ظاهره) حيث لم يشترطا (الاختصاص بخيار الشرط) و ان خيار الشرط لا يدع مجالا لخيار التأخير.

(و يحتمل ان يكون الاقتصار عليه) اى على خيار الشرط، لا من جهة الخصوصية، بل (لعنوان المسألة فى كلامه بغير الحيوان، و) غير الحيوان (هو المتاع) و فى المتاع لا يكون خيار الحيوان، و الا فهو يرى ان كل خيار ينافى خيار التأخير.

و انما نحتمل هذا الاحتمال، لانه لا خصوصية لخيار الشرط.

(و كيف كان) سواء كان مراده العموم، او الخصوص (فلا اعرف وجها معتمدا فى اشتراط هذا الشرط) الّذي ذكرناه بقولنا: منها (سواء اراد) من اشتراط ان لا يكون خيار آخر (ما يعم خيار الحيوان، أم خصوص خيار الشرط) فلا تكون منافات بين خيار الحيوان و خيار التأخير (و سواء اريد مطلق الخيار) و ان وجود اى خيار يمنع من خيار التأخير (و) كذا

ص: 286

لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة، أم اريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة، سواء احدث فيها، أم بعدها.

و اوجه ما يقال فى توجيه هذا القول مضافا الى دعوى انصراف النصوص

______________________________

لا اعرف وجها لهذا الشرط (لو اختص) هذا الشرط (بما قبل انقضاء الثلاثة، أم اريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة) اى قالوا:

الشرط لخيار التأخير حيث لا يكون خيار، و هذا لا وجه له، سواء ارادوا بان لا يكون خيار فى الثلاثة كالحيوان او ارادوا ان لا يكون خيار بعد الثلاثة، كما اذا شرط الخيار بعد ثلاثة ايام من المبيع (سواء احدث فيها) اى فى الثلاثة، كان قال: لى الخيار من اليوم الثانى الى اسبوع (أم بعدها) كان قال: لى الخيار من اليوم الرابع الى اسبوع.

و قوله «سواء» متعلق بقوله «فيما بعد الثلاثة».

(و اوجه ما يقال فى توجيه هذا القول) اى قول من يشترط فى خيار التأخير ان لا يكون هناك خيار آخر ثلاثة امور.

الاول: انصراف ادلة خيار التأخير الى صورة عدم وجود الخيار فى البين الثانى: ان شرط الخيار معناه ان يكون تأخير المشترى بحق، و مع كون تأخير المشترى بالحق لم يكن للبائع خيار.

الثالث: ان خيار التأخير وضع لدفع ضرر البائع، فاذا كان ضرره مندفعا بخيار آخر، لم يكن وجه لجعل خيار التأخير.

و قد اشار المصنف الى الوجه الاول بقوله: (مضافا الى دعوى انصراف النصوص) اى نصوص خيار التأخير

ص: 287

الى غير هذا الفرض ان شرط الخيار فى قوة اشتراط التأخير، و تأخير المشترى بحق الخيار ينفى خيار البائع.

و توضيح ذلك ما ذكره فى التذكرة فى احكام الخيار من انه لا يجب على البائع تسليم المبيع، و لا على المشترى تسليم الثمن فى زمان الخيار

______________________________

(الى غير هذا الفرض) لان الخيار لاجل تدارك الضرر، فحيث لا ضرر لا خيار.

و اشار الى الوجه الثانى بقوله: (ان شرط الخيار) فى العقد (فى قوة اشتراط التأخير) اى تأخير المشترى اعطاء الثمن للبائع فان الخيار كما سيأتى- يوجب لصاحب الخيار الامتناع عن تسليم ما عنده (و تأخير المشترى) اعطاء الثمن (ب) سبب (حق الخيار) الّذي له (ينفى خيار البائع).

و حيث ان كلتا المقدمتين «شرط الخيار فى قوة اشتراط التأخير» «و تأخير المشترى بحق الخيار ينفى خيار البائع» تحتاج الى البرهان قال المصنف: (و توضيح ذلك ما ذكره فى التذكرة فى احكام الخيار من انه لا يجب على البائع تسليم المبيع، و لا على المشترى تسليم الثمن فى زمان الخيار).

و لعله لان «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يقول الوفاء بالعقد اللازم لازم اما العقد الجائز فلا يلزم الوفاء به، سواء كان جائزا بذاته كالهبة الجائزة، او بسبب الخيار، او لما ذكره شيخ الطائفة من ان الملك لا يكون الا بعد الخيار ففى حالة عدم ملك الطرف لا يجب تسليم شي ء إليه.

ص: 288

و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، و لا يجبر الآخر على تسليم ما فى يده، و له استرداد المدفوع قضية للخيار.

و قال بعض الشافعية ليس له استرداده، و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهى.

و حينئذ فوجه هذا الاشتراط ان ظاهر الاخبار كون عدم مجي ء المشترى بالثمن بغير حق التأخير، و ذو الخيار له حق التأخير.

______________________________

(و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره) لاصالة بقاء الخيار (و لا يجبر الآخر على تسليم ما فى يده).

مثلا: لو سلم البائع لم يبطل خياره، و لم يجبر المشترى على تسليم الثمن، لاصالة ان للمشترى الامتناع عن التسليم ما دام الخيار موجودا (و له) اى للذى سلّم (استرداد المدفوع) فكل تلك الاحكام الثلاثة (قضية للخيار) اى لانها مقتضى الخيار.

(و قال بعض الشافعية) اذا سلّم (ليس له استرداده، و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه) اى بدون رضا الصاحب.

فحال تسليم احدهما يكون (كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع) و لا وجه لكلامه (انتهى) كلام التذكرة.

(و حينئذ) اى حين تبين كلام التذكرة (فوجه هذا الاشتراط) اى اشتراط خيار التأخير بان لا يكون خيار آخر (ان ظاهر الاخبار كون عدم مجي ء المشترى بالثمن بغير حق التأخير) يوجب خيار البائع (و ذو الخيار له حق التأخير) فاذا كان للمشترى خيار حق فله ان يؤخر الثمن

ص: 289

و ظاهرها أيضا كون عدم اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له فى عدم الاقباض.

و الحاصل: ان الخيار بمنزلة تأجيل احد العوضين.

و فيه

______________________________

و اذا حق له لم يكن للبائع خيار.

(و ظاهرها) اى ظاهر الاخبار (أيضا كون عدم اقباض البائع) تابع (لعدم قبض) البائع (الثمن) من المشترى، فاذا لم يسلم احدهما حق للآخران لا يسلم (لا لحق) مستقل (له) اى للبائع (فى عدم الاقباض).

فاذا كان للمشترى خيار حق فله ان لا يسلم الثمن و اذا لم يسلم الثمن حق للبائع ان لا يسلم المبيع.

فخيار احدهما يوجب ان يحق لكليهما عدم تسليم ما عنده.

(و الحاصل) من استدلال العلامة فى بيان اشتراط خيار التأخير بعدم خيار آخر لاحدهما (ان الخيار) الكائن لاحدهما (بمنزلة) اشتراط (تأجيل احد العوضين).

فكما انه اذا كان هناك شرط التأجيل لم يكن خيار التأخير، كذلك اذا كان هناك خيار يكون بمنزلة شرط التأجيل.

(و فيه) ان هذا الدليل مبنى على ثلاث مقدمات.

الاولى: ان الخيار يوجب حق تأجيل ذى الخيار لما عنده.

الثانية: ان اخبار خيار التأخير انما تعطى الخيار لمن لا يحق له التأخير.

ص: 290

بعد تسليم الحكم فى الخيار و تسليم انصراف الاخبار الى كون التأخير بغير حق انه ينبغى على هذا القول

______________________________

الثالثة: انه اذا حق التأخير لا يكون خيار التأخير اصلا.

اذا عرفت هذا فنقول (بعد تسليم الحكم فى الخيار) و هو المقدمة الاولى (و تسليم انصراف الاخبار) اى اخبار خيار التأخير (الى كون التأخير بغير حق) و هو المقدمة الثانية (انه) نمنع المقدمة الثالثة اذ لا تلازم بين ان لا يكون خيار التأخير اصلا، و بين حق التأخير فى الجملة اذ نقول: انه ما دام للمشترى خيار حق له التأخير، اما اذا انتهى خياره فلا يحق له التأخير.

و اذا لم يحق له التأخير و اخّر، كان للبائع الخيار، لدليل: لا ضرر و غيره هذا أولا.

و نقول ثانيا لو كان خيار التأخير يتوقف على عدم وجود خيار، يلزم امران.

الاول: ان يكون مبدأ الثلاثة فى خيار التأخير بعد انتهاء المجلس اذ ما دام المجلس كان هناك خيار، مع ان ظاهرهم ان مبدأ خيار التأخير من حين العقد.

الثانى: ان لا يكون خيار التأخير فى بيع الحيوان اذ: خيار الحيوان موجود الى ثلاثة ايام، فلا مجال لخيار التأخير، مع انهم متفقون على وجود خيار التأخير فى بيع الحيوان.

و اشار المصنف الى الاول بقوله: (ينبغى على هذا القول) و هو

ص: 291

كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم على ثبوته فيه، كما يظهر من المختلف.

و ذهب الصدوق الى كون الخيار فى الجارية بعد شهر، الا ان يراد

______________________________

قول ان لا خيار للتأخير اذا كان هناك خيار (كون مبدأ الثلاثة) فى خيار التأخير (من حين التفرق) مع ان ظاهرهم انه من حين العقد.

و اشار الى الثانى بقوله: (و كون هذا الخيار) اى خيار التأخير (مختصا بغير الحيوان) لمكان خيار الحيوان (مع اتفاقهم على ثبوته) اى ثبوت خيار التأخير (فيه) اى فى بيع الحيوان (كما يظهر) الاتفاق (من المختلف) للعلامة.

(و) ان قلت: اذا كان اتفاق على ثبوت خيار التأخير فى الحيوان فكيف انكره الصدوق فانه (ذهب الصدوق الى كون الخيار) اى خيار التأخير (فى الجارية بعد شهر) و معنى ذلك انه لا خيار فى الثلاثة الايام الاول من بيع الجارية.

قلت: ان الصدوق لم ينكر اصل خيار التأخير، و انما جعل وقته بعد شهر، فليس كلامه منافيا لكلام المختلف الّذي ادعى الاتفاق على وجود خيار التأخير فى كل حيوان، و الجارية قسم من الحيوان (الا ان يراد) هذا اشكال على قوله «و كون هذا الخيار» فاصل الكلام هو انه «لو كان الخيار مانعا عن خيار التأخير، لزم ان لا يكون للحيوان خيار التأخير» و جوابه انه لا تلازم بين الامرين: «خيار الحيوان، و عدم خيار التأخير».

ص: 292

بما فى التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لاحدهما، فلا ينافى ثبوته فى الحيوان بعد الثلاثة.

و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة اخرى فيسقط معه هذا الخيار، لان خيار التأخير شرع لدفع ضرره و قد اندفع بغيره.

______________________________

اذ من الممكن ان يراد بخيار التأخير الموجود فى الحيوان حسب نقل العلامة الاتفاق (بما فى التحرير) من (عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار) اى خيار الحيوان (ثابتا لاحدهما، فلا ينافى) عدم خيار التأخير ما دام (ثبوته) اى ثبوت خيار التأخير (فى الحيوان بعد الثلاثة).

و بهذا تبين ان قولنا «و كون هذا الخيار» غير تام، و انه يعمّ ما ذكره ابن ادريس و العلامة من اشتراط خيار التأخير بان لا يكون هناك خيار، فاذا كان هناك خيار، لم يكن خيار التأخير.

الثالث من ادلة عدم خيار التأخير لمن له خيار ما اشار إليه بقوله:

(و قد يفصل) فانه دليل لهذا القول فى الجملة، و التفصيل هو: (بين ثبوت الخيار للبائع من جهة اخرى) غير خيار التأخير (فيسقط معه) اى مع ذلك الخيار (هذا الخيار) اى خيار التأخير، و بين ما اذا كان الخيار للمشترى فلا يسقط معه خيار التأخير، كما سيأتى هذا الشق من التفصيل بعد اسطر.

و انما يسقط خيار التأخير مع خيار البائع (لان خيار التأخير شرع لدفع ضرره) اى ضرر البائع، حيث لا يتضرر بعدم امكانه التصرف لا فى الثمن و لا فى المثمن (و قد اندفع) الضرر (بغيره) اى بغير خيار التأخير

ص: 293

و لدلالة النص و الفتوى على لزوم البيع فى الثلاثة، فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له.

قال و دعوى ان المراد من الاخبار اللزوم من هذه الجهة

______________________________

لان المفروض ان للبائع الخيار من جهة اخرى، فله الأخذ به و فسخ المعاملة فيتصرف فى المثمن ان شاء.

(و لدلالة النص و الفتوى على) ان خيار التأخير له شقان.

الاول: اللزوم فى الثلاثة فلا خيار له.

و الثانى: الخيار بعد الثلاثة فلا يجرى هذا النص و الفتوى فيما اذا لم يكن له لزوم فى الثلاثة.

و اذا كان للبائع خيار فى الثلاثة من جهة الشرط مثلا، لم يكن الاول

و اذا لم يكن الاول لم يكن الثانى، اذا فالنص و الفتوى دلا على (لزوم البيع فى الثلاثة، فيختص) خيار التأخير (بغير صورة ثبوت الخيار) فى الثلاثة (له) اى للبائع.

(قال) المفصل اشكالا على نفسه فى دعواه بقوله «لدلالة ..» و اراد بهذا بيان ردّه ليقوى برده دليله الثانى (و دعوى ان المراد من الاخبار اللزوم من هذه الجهة) اى جهة انه لا خيار للتأخير، فلا دلالة فى الاخبار على وجود خيار، او عدمه فى الثلاثة الايام فاخبار خيار التأخير تعمّ صورة جواز البيع فى الثلاثة من غير جهة للتأخير.

و الحاصل ان المفصل قال: و الاخبار تشمل ما كان فى الثلاثة لازما و بعد الثلاثة يكون الخيار، فلا تشمل ما اذا كان خيار فى الثلاثة، اذا

ص: 294

مدفوعة، بان التأخير سبب للخيار، و لا يتقيد الحكم بالسبب و بين ما اذا كان الخيار للمشترى فلا وجه لسقوطه.

______________________________

فلا خيار للتأخير اذا كان هناك خيار آخر.

و المستشكل اجاب بان الاخبار تدل على ان خيار التأخير لا وجود له فى الثلاثة، و له وجود بعدها، و هى تشمل ما اذا كان العقد فى الثلاثة لازما، أم لا.

فهذه الدعوى (مدفوعة، بان) الظاهر من اخبار خيار التأخير انه لا جنس للخيار فى الثلاثة اصلا، لا انه لا خيار للتأخير فقط.

فان (التأخير) عن الثلاثة (سبب للخيار، و لا يتقيد الحكم) و هو الخيار (بالسبب) و هو التأخير، فانه لا يصح ان يقال: التأخير سبب الخيار المقيد بالتأخير.

و انما لا يصح، لانه يستلزم تقدم الموضوع على الحكم مرة، لانه موضوع و تأخر الموضوع عن الحكم، مرة، لان الموضوع قيد للحكم، و قيد الحكم مؤخر عن الحكم.

و على هذا فلا يصح ان نقول: الاخبار ظاهرة، فى انه لا خيار فى الثلاثة من حيث انه خيار التأخير، بل اللازم ان نقول ظاهر الاخبار انه لا خيار فى الثلاثة مطلقا، و عليه فاذا كان هناك خيار لم يكن خيار التأخير، و هذا ما قصده المفصل فى الشق الاول من تفصيله.

اما شقه الثانى فهو ما اشار إليه بقوله: (و بين ما اذا كان الخيار للمشترى) فقط، و لم يكن خيار للبائع (فلا وجه لسقوطه) اى سقوط خيار

ص: 295

مع ان اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار فى الحيوان.

و وجه ضعف هذا التفصيل ان ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار فى الثلاثة.

______________________________

البائع اذا اخر المشترى تسليم الثمن الى ثلاثة ايام.

و انما لا وجه، لامرين.

الاول: اطلاقات ادلة الخيار الشاملة لما اذا كان للمشترى خيار أم لا الثانى: انه لو كان خيار البائع يسقط لاجل خيار المشترى لزم ان لا يكون للبائع خيار، فيما اذا باع الحيوان، لوجود الخيار للمشترى فى الحيوان ثلاثة ايام.

و الى هذا اشار بقوله: (مع ان اللازم منه) اى من عدم خيار البائع فيما كان للمشترى خيار (عدم ثبوت هذا الخيار) اى خيار التأخير (فى الحيوان) و الحال انه ثابت فى الحيوان لاطلاقات ادلة خيار التأخير الشاملة لما اذا كان المبيع حيوانا، و للاجماع الّذي تقدم عن العلامة فى وجود خيار التأخير فى الحيوان أيضا.

(و وجه ضعف هذا التفصيل) هذا اشكال على الشق الاول، حيث قال: فيسقط معه هذا الخيار، لان خيار التأخير شرع ..

و حاصله انكم قلتم: حكمة خيار التأخير دفع الضرر، و لا ضرر مع وجود خيار آخر، و الحال ان المقدمة الثانية غير تامة.

ف (ان ضرر الصبر بعد الثلاثة) اذا كان الخيار للبائع فى الثلاثة كما اذا اشترط خيار ثلاثة ايام لنفسه (لا يندفع بالخيار فى الثلاثة).

ص: 296

و اما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب، فلا يمنع من كون نفى الخيار فى الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير و لذا لا ينافى هذا الخيار خيار المجلس.

و منها: تعدد المتعاقدين

لان النص مختص بصورة التعدد.

______________________________

فدليل المفصل اخص من مدعاه، فان مدعاه «ان مع خيار خارجى لا خيار للتأخير» و دليله: لا ضرر، مع انه يكون احيانا ضرر مع وجود الخيار الخارجى.

(و اما ما ذكره) المفصل (من عدم تقييد الحكم بالسبب) الّذي هو كالموضوع (ف) فيه انه (لا يمنع من كون نفى الخيار فى الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير).

اذ تقيد الحكم بالسبب لا يقتضي انحصار السبب فى التأخير فلا ينافى وجود سبب آخر أيضا للخيار قبل هذا السبب (و لذا لا ينافى هذا الخيار خيار المجلس) هذا تمام الكلام فى الامر الّذي ذكر اشتراطه فى خيار التأخير.

الامر الثانى: هو: ما اشار إليه بقوله: (و منها) اشتراط (تعدد المتعاقدين) بان يكون البائع غير المشترى، فاذا كال انسان واحد كيلا عن المالكين، و باع من هذا لهذا، و لم يقبض المتاع و لا الثمن عنهما و مضى ثلاثة ايام لم يكن له ان يفسخ المعاملة بالخيار، و ذلك لامرين الاول (لان النص مختص بصورة التعدد) فلا يجرى فى غير المتعدد

ص: 297

و لان هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس، و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد الا مع اسقاطه.

و فيه ان المناط عدم الاقباض و القبض، و لا اشكال فى تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما.

و اما خيار المجلس فقد عرفت انه غير ثابت للوكيل فى مجرد العقد.

______________________________

(و) الثانى (لان هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس) لما تقدم فى الشرط الاول من انه ما دام للبائع خيار لم يكن له خيار التأخير (و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد) اذ لا يحصل افتراق حتى تنتهى مدة خيار المجلس (الا مع اسقاطه) اى اسقاط خيار المجلس، فاذا اسقط خيار المجلس ثبت خيار التأخير، لانه لا خيار حينئذ.

(و فيه) اما الاول، فيرد عليه (ان المناط) فى خيار التأخير (عدم الاقباض و القبض، و لا اشكال فى تصوره) اى تصور عدم الاقباض و القبض (من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما).

و اذا حصل المناط فى العاقد الواحد كان اللازم القول بوجود خيار التأخير فى العاقد الواحد أيضا.

(و اما) الدليل الثانى، و هو ان وجود (خيار المجلس) مانع عن خيار التأخير (ف) يرد عليه انك (قد عرفت) فى باب خيار المجلس (انه غير ثابت للوكيل فى مجرد العقد) اى فى اجراء الصيغة فقط.

و عليه ففى بعض الاماكن لا خيار للمجلس، فكيف يمكن ان يستدل على عدم خيار التأخير مطلقا بما هو اخص منه، اى بوجود خيار المجلس

ص: 298

و على تقديره فيمكن اسقاطه، او اشتراط عدمه.

نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الاولان اعنى عدم الاقباض و القبض.

و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد.

و منها: ان لا يكون المبيع حيوانا، او خصوص الجارية،

فان المحكى عن الصدوق فى المقنع: انه اذا اشترى جارية، فقال:

______________________________

الّذي ليس كليا.

(و على تقديره) اى تقدير وجود خيار المجلس كما اذا كان وكيلا مفوضا (فيمكن اسقاطه) اى اسقاط خيار المجلس بعد العقد (او اشتراط عدمه) حين العقد، فلا يكون خيار مجلس حيث يمتنع خيار التأخير معه.

(نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الاولان) اى شرطا خيار التأخير (اعنى عدم الاقباض و) عدم (القبض) و انما لم يتحققا، لان كون المالين تحت سيطرة الولى كاف فى حصول القبض و الاقباض.

(و) لكن (ليس ذلك) اى ليس عدم خيار التأخير فى الولى لهما (من جهة اشتراط التعدد) بل هو من جهة عدم شرط خيار التأخير، و الشرط هو عدم القبض و الاقباض.

(و منها) اى مما قيل باعتبارها فى خيار التأخير (ان لا يكون المبيع حيوانا، او) ان لا يكون (خصوص الجارية) اما سائر الحيوانات، فخيارها ثلاثة (فان المحكى عن الصدوق فى المقنع: انه اذا اشترى جارية فقال

ص: 299

اجيئك بالثمن، فان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له.

و ظاهر المختلف: نسبة الخلاف الى الصدوق، فى مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشترى جارية، فقال:

اجيئك بالثمن، فقال ان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له و لا دلالة فيها على صورة عدم اقباض الجارية.

و لا قرينة على حملها عليها، فيحتمل الحمل على

______________________________

اجيئك بالثمن، فان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر) فهو (و الا فلا بيع له) اى له الخيار- على ما تقدم من معنى لا بيع له-.

(و ظاهر المختلف: نسبة الخلاف الى الصدوق، فى مطلق الحيوان) انسانا كان او بهيمة.

(و) كيف كان، ف (المستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشترى جارية، فقال: اجيئك بالثمن) فما حكمه ان لم يأت بالثمن (فقال) عليه السلام (ان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر) فهو (و الا فلا بيع له).

و لعل العلامة فهم من الصدوق انه ذكر الجارية من باب المثال، و لذا نسب إليه القول فى مطلق الحيوان.

(و) هذه الرواية لا تدل على مطلوب الصدوق، اذ (لا دلالة فيها على صورة عدم اقباض الجارية) و قد سبق ان من شرط خيار التأخير عدم اقباض البائع المتاع.

(و لا قرينة) فى الداخل او الخارج (على حملها) اى رواية ابن يقطين (عليها) اى على صورة عدم اقباض الجارية (فيحتمل الحمل على

ص: 300

اشتراط المجي ء بالثمن الى شهر فى متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط.

و يحتمل الحمل على استحباب صبر البائع و عدم فسخه الى شهر و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم، فلا بد من حملها على بعض الوجوه.

ثم ان مبدأ الثلاثة من حين التفرق، او من حين العقد، وجهان.

من ظهور قوله فان جاء

______________________________

اشتراط المجي ء بالثمن الى شهر فى متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط).

و سبب هذا الحمل انه يدور امر الرواية بين الطرح، لانها مخالفة للقاعدة، او هذا الحمل، فهذا الحمل اولى.

(و يحتمل الحمل على استحباب صبر البائع و عدم فسخه الى شهر) حيث ان الرواية لا حجية فيها لاثبات حكم مخالف للاصل، اما الاستحباب فلا بأس، و ذلك للتسامح فى ادلة السنن.

(و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم، فلا بد من حملها على بعض الوجوه) فبعد كونها شاذة- كما عن الدروس- و ضعيفة السند- كما عن المختلف-، معرض عنها.

(ثم ان مبدأ الثلاثة) فى خيار التأخير حيث انه بعد الثلاثة له الخيار (من حين التفرق، او من حين العقد، وجهان).

وجه انه من حين التفرق (من ظهور قوله) عليه السلام (فان جاء

ص: 301

بالثمن بينه و بين ثلاثة ايام فى كون مدة الغيبة ثلاثة.

و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة ايام، كما هو ظاهر قوله عليه السلام فى رواية ابن يقطين: الاجل بينهما ثلاثة ايام، فان قبض بيعه، و الا فلا بيع بينهما، و هذا هو الاقوى.

______________________________

بالثمن بينه و بين ثلاثة ايام فى كون مدة الغيبة ثلاثة) فما داما فى المجلس لا يحسب ذلك من الثلاثة، هذا بالإضافة الى انه ما دام خيار المجلس، يكون للمشترى الحقّ فى عدم اعطاء الثمن- على ما تقدم-.

(و) وجه انه من حين العقد (من كون ذلك) اى بينه و بين ثلاثة ايام (كناية عن عدم التقابض ثلاثة ايام، كما هو ظاهر قوله عليه السلام فى رواية ابن يقطين: الاجل بينهما ثلاثة ايام، فان قبض) المشترى المبيع، كان (بيعه) تاما (و الا فلا بيع بينهما) اى لا بيع لازم- كما سبق- (و هذا هو الاقوى) لانه المنصرف من اطلاق النص و الفتوى.

ثم لا يبعد ان المراد بالثلاثة- كالمراد بالعشرة فى باب الاقامة- يراد ثلاث نهارات مع ليلتين متوسطتين.

ص: 302

مسئلة يسقط هذا الخيار بامور،
احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال و لا خلاف،

و فى سقوطه بالاسقاط فى الثلاثة وجهان، من ان السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا يتحقق الا بعد الثلاثة.

و لذا صرح فى التذكرة بعدم جواز اسقاط خيار الشرط قبل التفرق اذا قلنا بكون مبدئه بعده، مع انه اولى بالجواز.

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار) اى خيار التأخير (بامور).

(احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال و لا خلاف) و ذلك لان الخيار حق لذى الخيار، و ليس بحكم، و الحق قابل للاسقاط عرفا، و الشارع لم يحدث طريقة جديدة، و الا لبيّنها، فاللازم ان يكون قد امضى طريقة العرف، كما فى سائر موارد المعاملات (و فى سقوطه بالاسقاط فى الثلاثة وجهان).

وجه عدم السقوط (من ان السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا يتحقق) السبب (الا بعد الثلاثة) و حيث لا سبب لا مسبب، فلا خيار حتى يسقط (و لذا) الّذي لا يسقط الخيار قبل حصوله (صرح فى التذكرة بعدم جواز) اى عدم نفوذ (اسقاط خيار الشرط قبل التفرق، اذا قلنا بكون مبدئه) اى مبدأ خيار الشرط (بعده) اى بعد التفرق، و وجه كون مبدئه بعد التفرق انه ما دام المجلس، فخيار المجلس موجود، و مع خيار المجلس لا وجود لخيار الشرط، لانه لا فائدة منه (مع انه) اى خيار الشرط (اولى بالجواز) من خيار التأخير اى بجواز الاسقاط، لانه خيار مجعول من نفس المتعاقدين و ما جعلاه اقرب الى امكان اسقاط ما جعله الشارع و هو خيار التأخير و أيضا ان الشرط- و هو علة الخيار قد تحقق عند العقد، فاللازم امكان اسقاطه، بخلاف التأخير الّذي هو علة

ص: 303

و من ان العقد سبب الخيار فيكفى وجوده فى اسقاطه، مضافا الى فحوى جواز اشتراط سقوطه فى ضمن العقد.

الثانى: اشتراط سقوطه فى متن العقد،

حكى عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الارشاد، و لعله لعموم ادلة الشروط.

و يشكل على عدم جواز اسقاطه فى الثلاثة بناء على ان السبب فى هذا الخيار

______________________________

الخيار فانه لا يتحقق الا بعد الثلاثة.

(و) وجه عدم سقوطه بالاسقاط (من ان العقد سبب الخيار فيكفى وجوده) اى وجود العقد (فى اسقاطه) فانه لو لا العقد لم يكن خيار، فهو السبب الاولى (مضافا الى فحوى جواز اشتراط سقوطه فى ضمن العقد) فانه لا اشكال عندهم بجواز شرط اسقاط كل الخيارات فى ضمن العقد و هذا الخيار منها

فاذا صح اسقاطه ضمن العقد، صح اسقاطه بعد العقد بطريق اولى و الاولوية لانه اذا لم يتحقق بعد العقد و صح اسقاطه، صح اسقاطه بعد تحقق العقد قطعا.

(الثانى) من مسقطات خيار التأخير (اشتراط سقوطه فى متن العقد حكى) هذا المسقط (عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الارشاد، و لعله) اى لعل وجه السقوط بهذا المسقط (لعموم ادلة الشروط) فان «المؤمنون عند شروطهم» يشمل المقام، كما يشمل غيره.

(و يشكل) هذا المسقط بناء (على عدم جواز اسقاطه فى الثلاثة) التى ذكرناها فى المسقط الاول (بناء) فى وجه عدم اسقاطه فى الثلاثة (على ان السبب فى هذا الخيار

ص: 304

هو الضرر الحادث بالتأخير، دون العقد، فان الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط، و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط، فان كان اجماع على السقوط بالشرط كما حكاه بعض قلنا به بل بصحة الاسقاط بعد العقد لفحواه، و الا فللنظر فيه مجال.

الثالث: بذل المشترى للثمن بعد [الثلاثة]

______________________________

هو الضرر الحادث بالتأخير، دون) ان يكون السبب هو (العقد).

وجه الاشكال (فان الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط) لصحة اسقاطه، لانه حق ثابت الآن، و ان لم يكن شرط لاسقاطه و لذا لا يصح ان يقول غير المتزوج انى اسقطت حقّى على زوجتى (و لا يوجب) الشرط (شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط) فان هذا الاسقاط اذا لم يكن مشروعا لم ينفع شرط اسقاطه فى ضمن العقد فى سقوطه، لانه ليس بحق (فان كان اجماع على السقوط) لخيار التأخير (بالشرط) فى ضمن العقد (كما حكاه) اى الاجماع (بعض، قلنا به) اى بهذا المسقط (بل) قلنا (بصحة الاسقاط بعد العقد) أيضا (لفحواه) فانه اذا صح الاسقاط ضمن العقد، صح بعده بطريق اولى، كما تقدم وجه الفحوى (و الا) يكن اجماع (فللنظر فيه) اى فى هذا المسقط (مجال) لكن الاقوى السقوط، لان العقد هو السبب، و هو طريقة العقلاء فى المعاملات، و الشارع لم يحدث طريقا جديدا، و بذلك دلّ على انه امضاها.

(الثالث) من مسقطات خيار التأخير (بذل المشترى للثمن بعد

ص: 305

الثلاثة، فان المصرح به فى التذكرة سقوط الخيار حينئذ.

و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا، و هو حسن لو استند فى الخيار الى الاخبار.

و اما اذا استند فيه الى الضرر، فلا شك فى عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر ليتدارك بالخيار.

و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير، فالخيار لا يوجب تدارك ذلك، و

______________________________

الثلاثة) قبل فسخ البائع (فان المصرح به فى التذكرة سقوط الخيار حينئذ) اى حين البذل.

(و قيل بعدم السقوط بذلك) البذل (استصحابا) للخيار (و هو) اى عدم السقوط (حسن) لا للاستصحاب، بل (لو استند فى الخيار الى الاخبار) فان اطلاقها شامل لصورتى البذل و عدمه.

(و اما اذا استند فيه) اى فى الخيار (الى) دليل (الضرر ف) الاجمال للقول ببقاء الخيار، اذ (لا شك فى عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر) الآن (ليتدارك) هذا الضرر (بالخيار).

اللهم الا اذا كان هناك ضرر بعد الثلاثة بسبب ارتفاع القيمة بعد الثلاثة، فانه ضرر توجه الى المالك لسبب التأخير، و لا يتدارك ببذل الثمن، فتأمل.

(و لو فرض تضرره) اى البائع (سابقا) فى الثلاثة (بالتأخير فالخيار) الآن بعد البذل (لا يوجب تدارك ذلك) الضرر حتى يقال: ان الخيار لتدارك الضرر (و

ص: 306

انما يتدارك به الضرر المستقبل.

و دعوى ان حدوث الضرر قبل البذل يكفى فى بقاء الخيار، مدفوعة بان الاحكام المترتبة على نفى الضرر تابعة للضرر الفعلى، لا مجرد حدوث الضرر فى زمان.

و

______________________________

انما يتدارك به) اى بالخيار (الضرر المستقبل) و المفروض انه لا تأخير فى البذل عن المستقبل، حتى يوجب ضررا فيوجب خيارا.

(و دعوى ان حدوث الضرر قبل البذل) و لو آنا مّا (يكفى فى بقاء الخيار) مثل الطهارة، و النجاسة، و الملكية، و الزوجية، و الحرية، و الرقية، و غيرها مما يكون حدوثه و لو آنا مّا سببا لبقائه، الا اذا جاء ما ينقض ذلك.

فهذه الدعوى (مدفوعة بان الاحكام المترتبة على نفى الضرر تابعة للضرر الفعلى، لا مجرد حدوث الضرر فى زمان).

فان علية الضرر لتلك الاحكام التى منها الخيار فى المقام تقتضى دوران تلك الاحكام مدار الضرر الفعلى وجود او عدما، لا ان الضرر آنا مّا يكفى فى ترتب الاحكام الى الابد.

اما الامثلة التى ذكروها، فان الدليل الخارجى عقلا او نقلا، دل على ان المدار الحدوث آنا مّا.

(و) حيث ان المصنف ذكر أولا انه لو كان مبنى خيار التأخير على الاخبار، بقى الخيار و لو مع البذل بعد الثلاثة، بقوله «و هو حسن ..

ص: 307

لا يبعد دعوى انصراف الاخبار الى صورة التضرر فعلا بلزوم العقد، بان يقال بان عدم حضور المشترى علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجود او عدما و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.

الرابع: اخذ الثمن من المشترى بناء على عدم سقوطه بالبذل

و الا لم يحتج

______________________________

الخ» اراد ردّ هذا الحسن، و انه لا يكون خيار و ان كان المستند الاخبار.

اذ (لا يبعد دعوى انصراف الاخبار الى صورة التضرر فعلا بلزوم العقد) فمفاد الاخبار أيضا مفاد: لا ضرر، و كما ان البذل بعد الثلاثة يرفع الخيار المستند الى: لا ضرر، كذلك يرفع المستند الى الاخبار (بان يقال) ان ظاهر الاخبار يفيد (بان عدم حضور المشترى علة لانتفاء اللزوم) اى لزوم البيع، فللبائع الخيار ف (يدور) عدم اللزوم (معها) اى مع هذه العلة (وجودا و عدما) فاذا حضر المشترى صار اللزوم، و ان كان بعد الثلاثة.

(و كيف كان) الامر (فمختار التذكرة) بان بذل المشترى يوجب سقوط الخيار بعد الثلاثة (لا يخلو) عند المصنف (عن قوة) و ان كان الاظهر بقاء الخيار.

(الرابع) من مسقطات خيار التأخير (اخذ) البائع (الثمن من المشترى) فان الأخذ يسقط الخيار (بناء على عدم سقوطه) اى عدم سقوط الخيار (بالبذل) من المشترى، اى اذا قلنا ان المسقط الثالث البذل ليس مسقطا، يكون الاخذ مسقطا (و الا) بان كان البذل مسقطا (لم يحتج) الاسقاط

ص: 308

الى الاخذ به، و السقوط به، لانه التزام فعلى بالبيع و رضا بلزومه.

و هل يشترط افادة العلم بكونه لاجل الالتزام، او يكفى الظن فلو احتمل كون الاخذ بعنوان العارية، او غيرها لم ينفع، أم لا يعتبر الظن أيضا، وجوه، من عدم تحقق موضوع الالتزام الا بالعلم.

______________________________

(الى الاخذ) اى اخذ البائع (به) اى بالثمن لان المسقط حصل قبل الاخذ.

(و) كيف كان، ف (السقوط) للخيار (به) اى بالاخذ، انما هو (لانه) اى الاخذ (التزام فعلى بالبيع و رضا بلزومه) و بعد الرضا لا خيار.

(و هل يشترط) فى سقوط الخيار بأخذ البائع للثمن (افادة) الاخذ (العلم بكونه) اى بكون الأخذ (لاجل الالتزام) اى التزام البائع بالبيع (او يكفى) فى اسقاط الخيار (الظن) بان اخذه لاجل الالتزام (فلو احتمل) احتمالا ضد العلم او احتمالا لا يورث الشك ضد الظن (كون الاخذ) اى اخذ البائع الثمن انما كان (بعنوان العارية، او غيرها) كالوديعة (لم ينفع) الاخذ فى اسقاط الخيار (أم لا يعتبر الظن أيضا) كما لا يعتبر العلم (وجوه) ثلاثة.

وجه اعتبار العلم (من عدم تحقق موضوع الالتزام) و هو الرضا (الا بالعلم) فانا لا نعلم بان البائع التزم حتى يسقط خياره الا اذا علمنا انه اخذ الثمن بعنوان كونه ثمنا.

ص: 309

و من كون الفعل مع افادة الظن أمارة عرفية على الالتزام كالقول.

و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان او الشرط، بما كان رضاء نوعيا بالعقد، و هذا من اوضح افراده.

و قد بيّنا عدم اعتبار الظن الشخصى فى دلالة التصرف على الرضا.

و خير الوجوه اوسطها، لكن الاقوى الاخير.

و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن المصرح به فى التذكرة و غيرها العدم للاصل و عدم الدليل

______________________________

(و) وجه اعتبار الظن (من كون الفعل) اى الأخذ (مع افادة الظن) بانه اخذه بعنوان الثمن (أمارة عرفية على الالتزام) فيكون الفعل المورث للظن (كالقول) المورث له فى ان كليهما حجة عقلائية.

(و) وجه عدم اعتبار الظن أيضا (مما تقدم من سقوط خيار الحيوان او الشرط، بما كان رضاء نوعيا بالعقد، و هذا) اى أخذ الثمن (من اوضح افراده) اى افراد ما يوجب الرضا النوعى.

(و قد بيّنا) هناك (عدم اعتبار الظن الشخصى فى دلالة التصرف على الرضا) فيكفى الظن النوعى، و الاخذ يوجب الظن النوعى.

(و خير الوجوه اوسطها) و هو الظن الشخصى، لانه اقرب الى الاحتياط (لكن الاقوى الاخير) فيكفى الظن النوعى.

(و هل يسقط الخيار) اى خيار البائع (بمطالبة) البائع (الثمن المصرح به فى التذكرة و غيرها العدم) و انه لا يسقط الخيار بذلك (للاصل) فان الاستصحاب يقتضي بقاء الخيار (و عدم الدليل) على

ص: 310

و يحتمل السقوط لدلالته على الرضاء بالبيع.

و فيه ان سبب الخيار هو التضرر فى المستقبل لما عرفت من ان الخيار لا يتدارك به ما مضى من ضرر الصبر.

و مطالبة الثمن لا يدل على التزام الضرر المستقبل، حتى يكون التزاما بالبيع، بل مطالبة الثمن انما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ، لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار.

______________________________

السقوط، بل اطلاق ادلة الخيار يدل على بقاء الخيار.

(و يحتمل السقوط) للخيار، بسبب مطالبة البائع (لدلالته) اى الطلب للثمن (على الرضاء بالبيع) و قد تقدم ان الرضا يوجب سقوط الخيار.

(و فيه) ردّ لقوله «و يحتمل السقوط» (ان سبب الخيار هو التضرر فى المستقبل) و الطلب لا يرفع تضرر المستقبل، و ما دامت علة الخيار و هى التضرر المستقبلى موجودة، فالخيار باق (لما عرفت من ان الخيار لا يتدارك به ما مضى من ضرر الصبر) «من» بيان «ما»، و «لما» علة قوله «ان سبب ..».

(و مطالبة الثمن لا يدل على التزام الضرر المستقبل، حتى يكون) الطلب للثمن (التزاما بالبيع) و اسقاطا للخيار (بل مطالبة الثمن انما هو استدفاع) اى طلب دفع (للضرر المستقبل) فالمطالبة (كالفسخ) فى انه دفع ضرر المستقبل (لا) ان المطالبة تكون (الالتزام بذلك الضرر) المستقبلى (ليسقط الخيار) بسبب المطالبة.

ص: 311

و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر فى بيع الغبن، و نحوه ممّا كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتى يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الّذي هو سبب الخيار.

و بالجملة، فالمسقط لهذا الخيار ليس الا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن، او التزامه باسقاطه، او اشتراط سقوطه.

______________________________

(و) ان قلت: فلما ذا يكون الرضا بالعقد فى الغبن، اسقاطا للخيار قلت: هناك فرق بين الغبن و بين المقام، اذ: الضرر فى الغبن ماض، و الضرر فى المقام مستقبل، ف (ليس الضرر هنا) اى فى خيار التأخير (من قبيل الضرر فى بيع الغبن، و نحوه) كالمعيب (ممّا كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتى يكون الرضا به) اى بالعقد (بعد العقد) «بعد» متعلق ب «الرضا» (و العلم بالضرر) اى الرضا مع العلم بالضرر و قوله: (التزاما بالضرر الّذي هو سبب الخيار) خبر «يكون».

(و بالجملة فالمسقط لهذا الخيار) اى خيار التأخير (ليس الا دفع الضرر المستقبل) دفعا (ببذل الثمن) فان البذل يوجب ان لا يكون ضرر و حيث ارتفع الضرر سقط الخيار (او التزامه) اى التزام البائع (باسقاطه) بان يسقط البائع خياره (او اشتراط سقوطه) بان يشترط فى ضمن البيع ان لا يكون للبائع خيار، اما مجرد طلب البائع الثمن فلا دليل على انه مسقط للخيار.

(و) لا ينتقض بان الخيارات السابقة كالغبن تسقط بمجرد الرضا فلما ذا لا يسقط هنا بمجرد الرضا.

ص: 312

ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل على الرضا فانما هو حيث يكون العقد سببا للخيار، و لو من جهة التضرر بلزومه، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل مع ان سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر، لعدم كونه تصرفا و اللّه العالم.

______________________________

اذ: (ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل على الرضا فانما هو حيث يكون العقد سببا للخيار، و لو) كانت سببيته (من جهة التضرر بلزومه) اى بلزوم العقد (و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل) اذ ليس العقد سببا لخيار التأخير، بل السبب للخيار هو التأخير (مع ان سقوط تلك الخيارات) كالغبن (بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر).

فلا نقول بالسقوط بمجرد مطالبة الثمن (لعدم كونه) اى لعدم كون الطلب للثمن فى تلك الخيارات (تصرفا) و الّذي يسقط تلك الخيارات هو التصرف، فاذا لم يسقط تلك الخيارات طلب الثمن، فلا وجه لان يكون طلب الثمن فى خيار التأخير مسقطا له (و الله) سبحانه (العالم)

ص: 313

مسئلة فى كون هذا الخيار على الفور او التراخى، قولان،

و قد تقدم ما يصلح ان يستند إليه لكل من القولين فى مطلق الخيار، مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد.

و قد عرفت ان الاقوى الفور.

و يمكن ان يقال فى خصوص ما نحن فيه ان ظاهر قوله عليه السلام:

لا بيع له، نفى البيع رأسا.

و الانسب بنفى الحقيقة بعد عدم إرادة نفى الصحة

______________________________

(مسألة: فى كون هذا الخيار) اى خيار التأخير (على الفور) بعد ثلاثة ايام (او) على (التراخى، قولان، و قد تقدم) فى بعض الخيارات السابقة (ما يصلح ان يستند إليه لكل من القولين فى مطلق الخيار) من اطلاق الدليل المقتضى للتراخى، و من ان القدر المتيقن الفور العرفى (مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد) و الادلة الخاصة بكل مورد مورد (و قد عرفت ان الاقوى) عند المصنف (الفور) و ان كان الاقرب عندنا تبعا للمشهور فى المقام التراخى، و قد سبق ان بينّا وجه ذلك.

(و يمكن ان يقال فى خصوص ما نحن فيه) من خيار التأخير التراخى ف (ان ظاهر قوله عليه السلام: لا بيع له، نفى البيع رأسا) بعد الثلاثة.

(و الانسب بنفى الحقيقة بعد عدم إرادة نفى الصحة) اذ قد تقدم ان

ص: 314

هو نفى لزومه رأسا بان لا يعود لازما ابدا، فتأمل.

ثم على تقدير اهمال النص، و عدم ظهوره فى العموم يمكن التمسك بالاستصحاب هنا، لان اللزوم اذا ارتفع عن البيع فى زمان فعوده يحتاج الى دليل.

و

______________________________

المشهور هو عدم لزوم البيع، لا عدم البيع و بطلانه (هو نفى لزومه رأسا بان لا يعود لازما ابدا).

اذ كما ان نفى الحقيقة معناه العدم الابدى، كذلك نفى اللزوم معناه عدم اللزوم ابدا، و معنى ذلك ان الخيار على التراخى (فتأمل).

فان علة هذا الخيار ضرر البائع، و ذلك ينفى بمجرد الخيار، و لو آنا ما، و هذا يصلح ان يكون قرينة للفور، فلا يسلم ظاهر الرواية دليلا على التراخى.

(ثم على تقدير اهمال النص، و عدم ظهوره فى العموم) اى فى عموم الخيار لما بعد الفور، بان قلنا: ان النص يدل على وجود الخيار فى الجملة، فلا يثبت الخيار فيما بعد الفور و لا ينفيه (يمكن التمسك بالاستصحاب هنا) فى خيار التأخير (لان اللزوم اذا ارتفع عن البيع فى زمان فعوده) اى اللزوم (يحتاج الى دليل) و اذ فقد الدليل كان المرجع استصحاب الخيار.

(و) ان قلت: نشك فى الآن الثانى فى موضوع الاستصحاب، و مع الشك فى الموضوع لا يجرى الاستصحاب، كما تقدم مثل هذا الشك فى

ص: 315

ليس الشك هنا فى موضوع المستصحب نظير ما تقدم فى استصحاب الخيار لان الموضوع مستفاد من النص فراجع.

و كيف كان، فالقول بالتراخى لا يخلو عن قوة، اما لظهور النص، و اما للاستصحاب.

______________________________

بعض الخيارات السابقة.

قلت: (ليس الشك هنا) فى خيار التأخير (فى موضوع المستصحب) حتى لا يجرى الاستصحاب (نظير ما تقدم فى استصحاب الخيار).

و انما لم يكن الشك كذلك (لان الموضوع) فى المقام (مستفاد من النص فراجع) اذ موضوع الخيار هنا «من لم يجئ المشترى إليه بالثمن» و هذا الموضوع باق.

(و كيف كان، فالقول بالتراخى) فى هذا الخيار (لا يخلو عن قوة اما لظهور النص، و اما للاستصحاب) بل عرفت سابقا ان التراخى هو مقتضى الدليل فى كل الخيارات.

ص: 316

مسئلة لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع اجماعا مستفيضا، بل متواترا،

كما فى الرياض.

و يدل عليه النبوى المشهور،- و ان كان فى كتب روايات اصحابنا غير مسطور-: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه.

و اطلاقه كمعاقد الاجماعات يعم: ما لو تلف فى حال الخيار، أم تلف بعد بطلانه كما لو قلنا بكونه

______________________________

(مسألة: لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع) فهو الّذي يخسره لا المشترى (اجماعا مستفيضا، بل متواترا، كما فى الرياض) دعوى الاجماع عليه.

(و يدل عليه النبوى) صلى الله عليه و آله و سلم (المشهور،- و ان كان) هذا النبوى (فى كتب روايات اصحابنا غير مسطور-) و انما سطر فى كتب الفتاوى، و ذلك كاف فى الحجية بعد ان اعتمد المشهور عليه و هو (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه).

و الظاهر انه يشمل الثمن أيضا، لان الثمن أيضا مبيع و البائع يطلق على المشترى أيضا، فان البيع يطلق على كلا الامرين، و الانصراف امر قيل به، فهو بدوى.

(و اطلاقه) اى النبوى (كمعاقد الاجماعات يعم: ما لو تلف فى حال الخيار، أم تلف بعد بطلانه) اى انتهاء مدة الخيار (كما لو قلنا بكونه) اى

ص: 317

على الفور فبطل بالتأخير، او بذل المشترى الثمن فتلف العين فى هذا الحال.

و قد يعارض النبوى بقاعدة الملازمة بين النماء و الدرك المستفادة من النص، و الاستقراء.

______________________________

الخيار (على الفور فبطل بالتأخير) او اسقط الخيار، اذا قلنا بانه دائم (او بذل المشترى الثمن) فانه مسقط للخيار كما تقدم (فتلف العين) بعد البذل (فى هذا الحال) او شرطا سقوط الخيار فى اليوم الخامس من البيع مثلا فيما قلنا بان الخيار دائمى.

(و قد يعارض النبوى بقاعدة الملازمة بين النماء و الدرك).

فان القاعدة تقول: كل من له النماء فعليه الدرك، و لا شك ان نماء المبيع قبل القبض للمشترى، فكيف يكون الدرك على البائع (المستفادة) هذه القاعدة (من النص) و هو النبوى صلى الله عليه و آله المشهور الخراج بالضمان اى ان الفائدة فى قبال الدرك، و قد تقدم هذا الحديث بتفصيله (و الاستقراء) فان استقراء النصوص المتفرقة يعطى ان كل من له الفائدة فعليه الدرك، كرواية اسحاق، قلت: أ رأيت لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة، قال: للمشترى، الا ترى انه لو احترقت كانت من ماله؟

و قريب منها رواية معاوية بن ميسرة، و كرواية اسحاق، ثم قال عليه السلام: أ رأيت لو كان ثمنه اى ثمن العبد مائة دينار، فزاد و بلغ مائتي دينار، لمن يكون؟ قلت: لمولاه، قال عليه السلام: كذلك يكون عليه ما

ص: 318

و القاعدة المجمع عليها من ان التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له لكن النبوى اخص من القاعدة الاولى فلا معارضة.

و القاعدة الثانية لا عموم فيها يشمل جميع افراد الخيار، و لا جميع احوال البيع حتى قبل القبض، بل التحقيق فيها- كما سيجي ء ان شاء الله- اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان، مع كون التلف بعد القبض

______________________________

يكون له (و القاعدة المجمع عليها من ان التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له) فان البائع هو الّذي له الخيار و المشترى لا خيار له، فاللازم ان يكون التلف من المشترى، لا من البائع (لكن النبوى اخص من القاعدة الاولى).

لان القاعدة تشمل ما بعد القبض و ما قبله، بينما النبوى خاص بما قبل القبض.

و القاعدة شاملة للبيع و غيره، بينما النبوى خاص بالبيع (فلا معارضة) بين النبوى و القاعدة، بل يقدم النبوى صلى الله عليه و آله و سلم عليها (و القاعدة الثانية) و هى: التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له (لا عموم فيها يشمل جميع افراد الخيار) حتى خيار التأخير (و لا جميع احوال البيع حتى قبل القبض) ليشمل ما نحن فيه، و هو كون التلف قبل قبض المشترى للمبيع (بل التحقيق فيها) اى فى القاعدة الثانية (- كما سيجي ء ان شاء الله- اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان) فقط (مع كون التلف بعد القبض).

ص: 319

و لو تلف فى الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع أيضا.

و عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم: المفيد و السيدان مدعين عليه الاجماع، و هو مع قاعدة ضمان المالك لما له يصح حجة لهذا القول.

لكن الاجماع معارض، بل موهون.

______________________________

و اما الاستقراء فهو بالإضافة الى انه ناقص فهو يشبه التمثيل اى القياس الممنوع العمل به شرعا، اعم من النبوى صلى الله عليه و آله و سلم «كل مبيع تلف ...».

اذ الاستقراء يشمل البيع و غيره، و قبل القبض و بعده بينما النبوى خاص بالبيع و قبل القبض.

(و لو تلف) المبيع (فى الثلاثة) فى حال عدم كون الخيار للبائع (فالمشهور كونه من مال البائع أيضا) كما ان تلفه بعد الثلاثة من مال البائع.

(و عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم المفيد و السيدان) المرتضى و ابن زهرة، فقالوا: ان التلف من مال المشترى (مدعين عليه الاجماع، و هو) اى الاجماع (مع قاعدة ضمان المالك لما له) فالمشترى الّذي هو مالك للمتاع ضامن للمتاع، و لا علاقة لتلفه بالبائع (يصح، حجة لهذا القول) الّذي ذهب إليه المفيد و السيّدان.

(لكن الاجماع معارض) بالاجماع المتقدم فى اوّل المسألة (بل موهون) لان المشهور على خلاف فتوى المفيد و السيدين، فكيف يمكن

ص: 320

و القاعدة مخصصة بالنبوى المذكور المنجبر من حيث الصدور مضافا الى رواية عقبة بن خالد فى رجل اشترى متاعا من رجل، و اوجبه، غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال: آتيك غدا ان شاء الله تعالى، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الّذي هو فى بيته حتى يقبض المال و يخرجه من بيته، فاذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه حقه.

______________________________

الاستناد الى مثل هذا الاجماع.

(و القاعدة) و هى: قاعدة ضمان المالك (مخصصة بالنبوى المذكور) و هو: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال مالكه (المنجبر من حيث الصدور) فانه و ان كان ضعيف السند الا ان عمل المشهور به يسنده (مضافا الى رواية عقبة بن خالد) الدالة على المشهور (فى رجل اشترى متاعا من رجل، و اوجبه) اى اوجب البيع (غير انه) اى المشترى (ترك المتاع عنده) اى عند البائع (و لم يقبضه) عن البائع، و (قال) المشترى للبائع (آتيك غدا ان شاء الله تعالى) لآخذ المتاع (فسرق المتاع، من مال من يكون) المتاع المسروق (قال: من مال صاحب المتاع الّذي هو فى بيته) اى من مال البائع (حتى يقبض) المشترى (المال و يخرجه) اى المشترى (من بيته) اى بيت البائع (فاذا اخرجه) المشترى (من بيته) اى بيت البائع (فالمبتاع) اى المشترى (ضامن لحقه) اى حق البائع بمعنى الثمن (حتى يرد) المشترى (إليه) اى الى البائع (حقه) و هو الثمن.

ص: 321

و لو مكنه من القبض فلم يتسلم فضمان البائع مبنى على ارتفاع الضمان بذلك و هو الاقوى.

قال الشيخ فى النهاية: اذا باع الانسان شيئا و لم يقبض المتاع، و لا قبض الثمن و مضى المبتاع فان العقد موقوف ثلاثة ايام فان جاء المبتاع

______________________________

فان هذا الخبر يدل على المشهور، و عليه ففتوى المفيد و السيدين غير تامة.

(و لو مكنه) اى مكّن البائع المشترى (من القبض) اى قبض المتاع (فلم يتسلم) المشترى المتاع (ف) تلف المتاع، فهل يضمن البائع أيضا او ان المال ذهب من كيس المشترى.

الظاهر ان (ضمان البائع) و عدمه للمتاع المتلف (مبنى على ارتفاع الضمان) من البائع (بذلك) اى بتمكين المشترى، و عدم ارتفاع الضمان اى انه هل يكفى هذا التمكين فى رفع الضمان، أم لا يكفى؟

فمن يرى الكفاية يقول: انه لا ضمان على البائع، و من يرى عدم الكفاية يقول: بان البائع ضامن (و هو) اى ارتفاع الضمان من البائع بتمكين المشترى (الاقوى) فلا ضمان على البائع و انما يكون التلف من كيس المشترى.

(قال الشيخ فى النهاية: اذا باع الانسان شيئا و لم يقبّض) البائع بتشديد الباء فى يقبض- (المتاع) الى المشترى (و لا قبض) البائع (الثمن) من المشترى (و مضى المبتاع) اى المشترى (فان العقد موقوف) و ثابت (ثلاثة ايام، فان جاء المبتاع) اى المشترى

ص: 322

فى مدة ثلاثة ايام، كان المبيع له، و ان مضت ثلاثة ايام، كان البائع اولى بالمتاع فان هلك المتاع فى هذه الثلاثة ايام و لم يكن قبضه اياه كان من مال البائع دون المبتاع و ان كان قبّضه اياه ثم هلك فى مدة ثلاثة ايام، كان من مال المبتاع.

و ان هلك بعد الثلاثة ايام، كان من مال البائع على كل حال لان الخيار له بعدها، انتهى المحكى فى المختلف و قال:- بعد الحكاية- و فيه نظر

______________________________

(فى مدة ثلاثة ايام) ليأخذ المبيع و يعطى الثمن (كان المبيع له) اى للمشترى (و ان مضت ثلاثة ايام) و لم يأت المشترى (كان البائع اولى بالمتاع) ان شاء فسخ، و ان شاء صبر- كما تقدم- (فان هلك المتاع فى هذه الثلاثة ايام و لم يكن قبضه)- بالتشديد- اى اعطاه البائع (اياه) المشترى (كان من مال البائع) لان التلف قبل القبض من مال بائعه (دون المبتاع) اى المشترى (و ان كان قبضه اياه ثم هلك) المتاع (فى مدة ثلاثة ايام كان) التلف (من مال المبتاع) اى المشترى.

(و ان هلك بعد الثلاثة ايام، كان من مال البائع على كل حال) و سيأتى معنى على كل حال-.

و انما كان من مال البائع (لان الخيار له بعدها) اى بعد الثلاثة (انتهى المحكى) عن الشيخ الّذي حكاه (فى المختلف) عنه.

(و قال) العلامة (- بعد الحكاية-) المذكورة (و فيه نظر) اى فى قول الشيخ «و ان هلك بعد الثلاثة ايام كان من مال البائع على كل

ص: 323

اذ مع القبض يلزم البيع، انتهى.

اقول كانه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين فتشمل ما بعد القبض و ما قبله خصوصا مع قوله على كل حال

______________________________

حال» (اذ مع القبض) قبض المشترى للمتاع (يلزم البيع) فاذا لزم البيع كان التلف من مال المشترى لا من مال البائع هذا أولا.

و ثانيا لا مجال لقول الشيخ «لان الخيار له بعدها» اذ لا خيار بعد القبض (انتهى) كلام العلامة.

(اقول كانه) اى العلامة (جعل الفقرة الثالثة) «و ان هلك بعد الثلاثة ايام ...» (مقابلة للفقرتين) و هما «فان هلك المتاع ... و لم يكن قبضه ..» و «و ان كان قبضه اياه» (فتشمل) الفقرة الثالثة (ما بعد القبض و ما قبله) فكان الشيخ قال «ان هلك بعد الثلاثة كان من مال البائع سواء قبضه المشترى، أم لا».

فقد عمم العلامة الفقرة الثالثة لما قبل القبض و ما بعد القبض (خصوصا مع قوله) اى قول الشيخ: (على كل حال) الظاهر فيما قبل القبض و ما بعده.

فهناك قرينتان استند إليهما العلامة فى ان الشيخ اراد من الفقرة الثالثة الاعم.

الاولى: انه جعل الفقرة الثالثة مقابل الفقرتين.

الثانية: ان الشيخ قال «على كل حال» لكن الشيخ لم يرد الاعم و انما اراد «قبل القبض فقط» و ذلك لقرينتين.

ص: 324

لكن التعميم مع انه خلاف الاجماع مناف لتعليل الحكم بعد ذلك بقوله لان الخيار له بعد ثلاثة ايام،

______________________________

الاولى: الاجماع على انه اذا قبض المشترى يكون تلفه على المشترى لا على البائع.

الثانية: انه اذا قبضه المشترى لم يكن هناك خيار، مع ان الشيخ قال «لان الخيار له بعدها» اذا فالشيخ اراد بالفقرة الثالثة خصوص «ما قبل القبض».

و على هذا فالمراد ب «على كل حال» ان البائع سواء فسخ او لم يفسخ، كان تلف المبيع عليه.

اما اذا فسخ فلوضوح انه ملك له فتلفه عليه.

و اما اذا لم يفسخ كان عليه لان التلف قبل القبض من مال مالكه.

و على هذا فقوله «لان الخيار له بعدها» علة لبيان ان المالك يمكن له ان يفسخ، كما يمكن له ان لا يفسخ.

فالعلة: هى لقوله: على كل حال، اى ان العلة لتصويران هناك حالين بعد الثلاثة الايام حال الفسخ، و حال الاجازة.

و قد اشار المصنف الى الاشكالين اللذين ذكرناهما على كلام العلامة بقوله: (لكن التعميم) للفقرة الثالثة بالنسبة الى ما قبل القبض و ما بعده (مع انه خلاف الاجماع) اذ لو قبض المشترى لا يكون المتلف من كيس البائع، فهو (مناف لتعليل الحكم) فى كلام الشيخ (بعد ذلك) اى بعد الفقرة الثالثة (بقوله) اى قول الشيخ (لان الخيار له بعد ثلاثة ايام).

ص: 325

فان المعلوم ان الخيار انما يكون له مع عدم القبض، فيدل ذلك على ان الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض.

______________________________

و انما ينافى التعليل للتعميم (فان المعلوم ان الخيار انما يكون له) اى للبائع (مع عدم القبض) اما اذا حصل القبض فلا خيار للبائع (فيدل ذلك) التعليل (على ان الحكم المعلل) فى كلام الشيخ بقوله: كان من مال البائع (مفروض فيما قبل القبض).

ثم ان غرض المصنف من نقل كلام الشيخ و ايراد العلامة و ردّ ايراد العلامة ان الشيخ لا يقول بمقالة السيدين و المفيد، كما توهم ذلك العلامة من كلام الشيخ و ردّه.

و المصنف ردّ العلامة حتى يبين عدم دلالة كلام الشيخ على مقالة المفيد و السيدين.

و لا يخفى ان عبارة الشيخ غير خالية عن شوب اشكال، و الله سبحانه العالم بحقائق المقال و الحال.

ص: 326

مسئلة: لو اشترى ما يفسد من يومه فان جاء بالثمن ما بينه و بين الليل، و الا فلا بيع له

كما فى مرسلة محمد بن ابى حمزة، و المراد من نفى البيع نفى لزومه.

و يدل عليه قاعدة نفى الضرر فان البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف

______________________________

(مسألة: لو اشترى ما يفسد من يومه) «من» للنشوء تدخل على العلة باعتبار نشو المعلول منها.

و تسمى بالابتدائيّة أيضا، لان العلة مبدأ لوجود المعلول (فان جاء بالثمن ما بينه و بين الليل) فالبيع لازم لاصالة اللزوم (و الا فلا بيع له) اى للمشترى، و يحق الفسخ للبائع (كما فى مرسلة محمد بن ابى حمزة) بل قيل: انه يدل عليه أيضا مرسلة ابن رباط عن الصادق عليه السلام، قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل (و المراد من نفى البيع نفى لزومه) كما تقدم فى المسألة السابقة فى خيار التأخير.

و وجه ذلك فلا يراد به ان البيع باطل كما هو مقتضى «لا» بالنظرة الابتدائية.

(و يدل عليه) اى على هذا الخيار (قاعدة نفى الضرر، ف) انه لو لم يكن خيار للبائع لزم ضرر البائع.

اذ (ان البائع ضامن للمبيع) و (ممنوع عن التصرف

ص: 327

فيه، محروم عن الثمن.

و من هنا يمكن تعدية الحكم الى كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر و ان خرج عن مورد النص، كما اذا كان المبيع مما يفسد فى نصف يوم، او فى يومين، فيثبت فيه الخيار فى زمان يكون التأخير عنه ضررا على البائع.

______________________________

فيه) و يكون تلفه عليه فلا يستفاد منه و (محروم عن الثمن) لانه لم يقبض شيئا.

و معنى ذلك انه لو لا الخيار كان قد ذهب ماله من كفه و لم يصل بدله إليه.

(و من هنا) استنادا الى قاعدة: نفى الضرر (يمكن تعدية الحكم) بالخيار (الى كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر) بان يكون البائع ضامنا ممنوعا عن التصرف محروما عن الثمن (و ان خرج عن مورد النص) اى نص الخيار ليومه، و تلك التعدية تكون للمناط فى الرواية، و لادلة: لا ضرر التى ترفع اللزوم، فلا يقال: ان ادلة: لا ضرر لا تثبت الخيار، لانها للنفى لا للاثبات (كما اذا كان المبيع مما يفسد فى نصف يوم، او فى يومين) او فى خمسة ايام- مثلا- (فيثبت فيه الخيار فى زمان يكون التأخير عنه ضررا على البائع) بل لا يبعدان لا يكون الفساد هو المحور الوحيد، بل لو كان ابقاء المتاع الى وقت كذا يوجب تنزله او عدم حصول المشترى له او يحتاج الى حفظ هو عسير، او ضرر على البائع، او ما اشبه ذلك.

مثلا: هذا اليوم يوم زيارة الحسين عليه السلام، فيشترى الزوار هذا المتاع بقيمة دينار فاذا بقى الى غد صارت قيمته نصف دينار الى غير

ص: 328

لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا لان الموضوع فيه ما يفسد من يومه، و الحكم فيه بثبوت الخيار من اوّل الليل، فيكون الخيار فى اوّل ازمنة الفساد، و من المعلوم ان الخيار حينئذ لا يجدى للبائع شيئا.

لكن المراد من اليوم اليوم و ليلة.

______________________________

ذلك من الامثلة.

(لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا) بقولنا «فيثبت فيه الخيار ..

الخ»

و انما يوهم النص خلاف ذلك (لان الموضوع فيه) اى فى النص (ما يفسد من يومه، و الحكم فيه) كائن (بثبوت الخيار من اوّل الليل).

و عليه (فيكون الخيار فى اوّل ازمنة الفساد، و من المعلوم ان الخيار حينئذ) اى حين ما يظهر الفساد فى المتاع (لا يجدى للبائع شيئا) معتدا به، اذ تكون القيمة حينئذ اقلّ.

(لكن) نقول: انا لا نسلم ان ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا.

اذ (المراد من اليوم) فى النص (اليوم و ليلة) فان اليوم له اطلاقات الاول: جزء منه مثل قوله ثلاثة ايام درست عند محمد، و يريد بذلك جزء اليوم.

الثانى: كل النهار، مثل قوله: عملت فى دار زيد بالبناء ثلاثة ايام الثالث: كل النهار و الليل، مثل قوله: بقيت فى البلد الفلانى عشرة ايام، و القرائن الخارجية تعين احد المعانى و هنا تدل القرينة التى ذكرناها على ان المراد باليوم المعنى الثالث.

ص: 329

فالمعنى انه لا يبقى على صفة الصلاح ازيد من يوم بليلة، فيكون المفسد له المبيت، لا مجرد دخول الليل، فاذا فسخ البائع اوّل الليل امكن له الانتفاع به و ببدله.

و لاجل ذلك عبّر فى الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و انه ثابت عند دخول الليل.

و فى معقد اجماع الغنية ان على البائع الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار.

______________________________

(فالمعنى) فى النص (انه) اى المتاع (لا يبقى على صفة الصلاح ازيد من يوم بليلة، فيكون المفسد له) اى للمتاع (المبيت) و بقائه الى الصباح (لا مجرد دخول الليل) او اذا كان وقت بيعه الليل، فكان يفسده البقاء الى الليل القادم، فالخيار يشرع من اوّل النهار (فاذا فسخ البائع اوّل الليل)- فى فرض المصنف- (امكن له الانتفاع به) بان يتصرف فى نفس المتاع اكلا و نحوه (و ببدله) بان يبيعه و يتصرف فى الثمن.

(و لاجل ذلك) الّذي ذكرنا ان المراد من اليوم فى النص النهار بليله (عبّر فى الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت، و) قال (انه) اى الخيار (ثابت عند دخول الليل).

(و) قال: (فى معقد اجماع الغنية ان على البائع الصبر يوما) اى نهارا (واحدا، ثم هو) من اوّل الليل (بالخيار).

و لا يخفى انه اذا كان عدم الفسخ و عدم التصرف يوجب الاسراف، وجب، لكن الوجوب تكليفا لا يستتبع بطلان العقد تلقائيا، بل يتوقف

ص: 330

و فى محكى الوسيلة: ان خيار الفواكه للبائع، فاذا مرّ على المبيع يوم، و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع.

نعم عبارات جماعة من الاصحاب لا يخلو عن اختلال فى التعبير.

لكن الاجماع على عدم الخيار للبائع فى النهار يوجب تأويلها الى ما يوافق الدروس.

و احسن تلك العبارات عبارة الصدوق فى الفقيه التى اسندها فى

______________________________

البطلان على الابطال.

(و فى محكى الوسيلة: ان خيار الفواكه للبائع، فاذا) باعها، و (مرّ على المبيع يوم، و لم يقبض المبتاع) اى المشترى المتاع (كان البائع بالخيار، و نحوها عبارة جامع الشرائع).

و لا يخفى ان غرض المصنف من نقل هذه العبارات بيان اختلافهم فى التعبير، و ان كان المستظهر انهم يريدون شيئا واحدا هو ما ذكرناه سابقا.

(نعم عبارات جماعة من الاصحاب) ليست كالعبارات السابقة ظاهرة فيما ذكرناه، بل انها (لا يخلو عن اختلال فى التعبير) حتى ان بعضها توهم وجود الخيار فى نفس النهار، كما ان بعض العبارات السابقة كانت توهم ان الخيار بعد يوم بليلة.

(لكن الاجماع على عدم الخيار للبائع فى النهار يوجب تأويلها الى ما يوافق الدروس) فيما نقلناه عنه قبل اسطر.

(و احسن تلك العبارات عبارة الصدوق فى الفقيه التى اسندها فى

ص: 331

الوسائل الى رواية زرارة، قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل، فان المراد بالعهدة عهدة البائع.

و قال فى النهاية و اذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها، و لم يقبض المبتاع، و لا قبض الثمن، كان الخيار فيه يوما، فان جاء المبتاع بالثمن فى ذلك اليوم، و الا فلا بيع له، انتهى.

______________________________

الوسائل الى رواية زرارة) عن الصادق عليه السلام، و لا يبعد ان كلام الوسائل يكون اقرب (قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل).

فان ظاهر «الى الليل» ان العهدة تنتهى بمجي ء الليل (فان المراد بالعهدة عهدة البائع).

و معناها: ان بعد مجي ء الليل لا عهدة و لا ضمان للبائع، و ذلك لا يكون الا بالخيار، و ان ناقش بعض فى دلالة هذا الكلام كما ناقشوا فى كونه رواية، أم لا، الا ان ظاهرها بيان الخيار كما يتراءى منها عند عرضها على العرف.

ثم لا يخفى ان المراد: الفواكه و البطيخ التى تفسد، و الا فمثل بعض اقسام الرمان و الرقى و نحوهما لا تفسد مدة طويلة.

(و قال فى النهاية و اذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها، و لم يقبض المبتاع) اى المشترى للمتاع (و لا قبض) البائع (الثمن، كان الخيار فيه يوما، فان جاء المبتاع بالثمن فى ذلك اليوم) كان المبيع له (و الا فلا بيع له) بمعنى ان للبائع الخيار (انتهى).

ص: 332

و نحوها عبارة السرائر، و الظاهر ان المراد بالخيار اختيار المشترى فى تأخير القبض و الاقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم و اما المتأخرون، فظاهر اكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار و ان اختلفوا بين من عبّر بكون الخيار يوما، و من عبر بان الخيار الى الليل، و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات، مع وضوح المقصد

______________________________

فان ظاهر هذه العبارة ان الخيار يشرع من نفس النهار.

لكنك قد عرفت الاجماع على عدم الخيار فى النهار.

و قد اشار المصنف الى الاختلال فى بعض العبارات.

(و نحوها عبارة السرائر) لابن ادريس.

هذا و لكن المصنف تفاديا عن الاختلال الّذي ذكرناه فى العبارة قال: (و الظاهر ان المراد بالخيار) فى قوله «كان الخيار فيه يوما» (اختيار المشترى فى تأخير القبض و الاقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم) فاذا جاء الليل انتهى اختيار المشترى، و شرع خيار البائع فتأمل (و اما المتأخرون، فظاهر اكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار) و ان الخيار يكون بالنهار، فاذا دخل الليل فقد انتهى الخيار (و ان اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما) حيث ان ظاهره انه فى النهار (و من عبر بان الخيار الى الليل) الّذي هو نص فى ان الخيار فى النهار (و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات، مع وضوح المقصد) اى مقصد المعبرين.

حيث انهم ارادوا ما اراده المتقدمون من كون الخيار يبدأ بابتداء

ص: 333

الا متابعة عبارة الشيخ فى النهاية، لكنك عرفت ان المراد بالخيار فيه اختيار المشترى، و ان له تأخير القبض و الاقباض.

و هذا الاستعمال فى كلام المتأخرين، خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار فلا يحسن المتابعة هنا فى التعبير.

و الاولى: تعبير الدروس كما عرفت.

ثم الظاهر ان شروط هذا الخيار شروط خيار التأخير، لانه فرد من افراده

______________________________

الليل (الا متابعة عبارة الشيخ فى النهاية، لكنك عرفت) امكان ان لا يريد المتأخرون من الخيار خيار البائع المصطلح عليه، بل يراد به اختيار المشترى و هو المعنى اللغوى للخيار.

ف (ان المراد بالخيار فيه) اى فى كلام الشيخ (اختيار المشترى و ان له تأخير القبض) من البائع (و الاقباض) للثمن.

(و هذا) المعنى للخيار، و ان كان تاما فى كلام الشيخ، الا ان هذا (الاستعمال فى كلام المتأخرين، خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار) كانهم يريدون الاصطلاح لا المعنى اللغوى (فلا يحسن) لهم (المتابعة هنا) للشيخ (فى التعبير).

(و الاولى: تعبير الدروس كما عرفت) قبل اسطر.

(ثم الظاهر) من وحدة الملاك و وحدة الادلة- غالبا- (ان شروط هذا الخيار) اى خيار اليوم (شروط خيار التأخير) الى ثلاثة ايام، و قد ذكرنا تلك الشروط فى مسألة سابقة (لانه) اى خيار اليوم (فرد من افراده)

ص: 334

كما هو صريح عنوان الغنية، و غيرها فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط نعم لا ينبغى التأمل هنا فى اختصاص الحكم بالبيع الشخصى او ما فى حكمه كالصاع من الصبرة.

و قد عرفت هناك ان التأمل فى الادلة و الفتاوى يشرف الفقيه على القطع بالاختصاص أيضا.

و حكم الهلاك فى اليوم هنا و فيما بعده حكم المبيع هناك

______________________________

فان التأخير يشمل اليوم و الثلاثة ايام (كما هو) اى كون العنوان بحيث يشمل الخيارين (صريح عنوان الغنية، و غيرها).

و على هذا (فيشترط فيه) اى فى خيار اليوم (جميع ما سبق من الشروط) فى خيار الثلاثة.

(نعم لا ينبغى التأمل هنا فى اختصاص الحكم) بخيار اليوم (بالبيع الشخصى) لانه الّذي يفسد ليومه، لا الكلى (او ما فى حكمه كالصاع من الصبرة) فانه كالشخصى، و ان كان كليا فى الجملة.

(و قد عرفت هناك) اى فى خيار الثلاثة انه يشمل الكلى أيضا، و ان قال المصنف: (ان التأمل فى الادلة و الفتاوى يشرف الفقيه على القطع بالاختصاص) بالشخصى (أيضا) كما فى خيار اليوم.

(و) فى خيار اليوم مسألة اخرى، هى: ان (حكم الهلاك) للمبيع (فى اليوم هنا) كما اذا فسد البطيخ فى النهار، مثلا (و فيما بعده) اى بعد اليوم بان لم يفسخ البائع ففسد فى الليل (حكم المبيع هناك) اى فى خيار الثلاثة

ص: 335

فى كونه من البائع فى الحالين.

و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا، كما صرح به فى الغنية حيث جعله قبل الليل من المشترى.

ثم ان المراد بالفساد فى النص و الفتوى ليس الفساد الحقيقى، لان مورد هما هو الخضر و الفواكه و البقول، و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك بل المراد ما يشمل تغير العين، نظير التغير الحادث فى هذه الامور

______________________________

(فى كونه) تلف (من) كيس (البائع فى الحالين) قبل الخيار و فى حال الخيار- كما هو المشهور هناك-.

(و لازم القول الآخر هناك) و هو قول المفيد و السيدين فى خيار الثلاثة (جريانه) اى جريان ذلك القول (هنا) أيضا (كما صرح به) اى بهذا القول الآخر فى خيار اليوم (فى الغنية، حيث جعله) اى جعل التلف (قبل الليل من المشترى) لا من البائع، كما هو المشهور.

(ثم ان المراد بالفساد فى النص و الفتوى) فى: خيار ما يفسد ليومه (ليس الفساد الحقيقى) بالتلف و التعفن (لان موردهما) اى مورد النص و الفتوى (هو الخضر و الفواكه و البقول) فالخضر كالباذنجان و البامية، و الفواكه كالتفاح و الموز، و البقول كالنعناع و الاشبنت (و هذه) على الاغلب (لا تضيع بالمبيت، و لا تهلك) فقرينة الموضوع توجب حمل المتعلق و هو الفساد على الاعم من الفساد الحقيقى.

و لذا قال: (بل المراد) بالفساد (ما يشمل تغير العين، نظير التغير الحادث فى هذه الامور

ص: 336

بسبب المبيت.

و لو لم يحدث فى المبيع إلا فوات السوق ففى الحاقة بتغير العين وجهان، من كونه ضررا.

و من امكان منع ذلك، لكونه فوت نفع لا ضرر.

______________________________

بسبب المبيت) كذهاب النضارة و تعكن القشر مما يقلل الرغبة فى شرائه و استعماله.

و من المناط و غيره نعرف تعدى حكم الخيار الى مثل اللحم و السمك و الشرابت التى تفسد بالبقاء.

(و لو لم يحدث فى المبيع إلا فوات السوق ففى الحاقة بتغير العين) فى وجود الخيار (وجهان، من كونه ضررا) فالخيار موجود.

(و من امكان منع ذلك) الضرر (لكونه فوت نفع لا ضرر) و فوت النفع لا يسمى ضررا.

و الاقرب الاول للمناط و لدليل الضرر، و فوت النفع فى بعض المواضع ضرر حقيقة، و فى بعضها ضرر عرفا فتشمله ادلة الضرر.

لكن الظاهر: ان مدة الخيار لا تقيد باليوم و الثلاثة حينئذ، بل بما يدفع الضرر و لو بعد شهر او بعد ساعة، كما اذا كان المبيع ثلجا فى الصيف فانه يذوب بعد ساعة.

و لا يخفى ان فروع المسألة كثيرة لكنا اضربنا عنها لخروجها عن مقصد الشرح

ص: 337

السادس: خيار الرؤية

اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان.

و يدل عليه- قبل الاجماع المحقق و المستفيض- حديث نفى الضرر و استدل عليه أيضا باخبار منها: صحيحة جميل بن دراج، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما ان نقد المال صار الى الضيعة، فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه

______________________________

(السادس) من الخيارات (خيار الرؤية و) هو من اضافة المعلول الى العلة، لان (المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع) رؤية بالعين او بالقلب، او بسائر الحواس، فاذا كان اعمى و شرط لين ملمس البضاعة ثم وجدها على خلاف ذلك، كان من مورد خيار الرؤية (على خلاف ما اشترطه فيه) اى فى البيع (المتبايعان) فاعل ما اشترطه.

(و يدل عليه) اى على هذا الخيار (- قبل الاجماع المحقق) وجوده (و المستفيض-) نقله فى كلماتهم (حديث نفى الضرر) فانه اذا كان البيع لازما كان ضررا على المشترى، فلا ضرر يدل على رفع اللزوم، و ذلك معنى الخيار.

(و استدل عليه أيضا) بالإضافة الى الاجماع، و: لا ضرر (باخبار، منها: صحيحة جميل بن دراج، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة) اى بستانا و نحوها (و قد كان يدخلها و يخرج منها) قبل ذلك اى كان مطلعا عليها (فلما ان نقد المال) اى اعطى الثمن لصاحب الضيعة (صار) اى ذهب (الى الضيعة، فقلبها) اى لاحظها بدقة فلم يرها كما كان يظن (ثم رجع) المشترى (فاستقال صاحبه) اى

ص: 338

فلم يقله فقال ابو عبد الله عليه السلام انه لو قلب منها و نظر الى تسع و تسعين قطعة، ثم بقى منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية.

و لا بد من حملها على صورة يصح معها بيع الضيعة امّا بوصف القطعة غير المرئية، او بدلالة ما رآه منها على ما لم يره.

و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصابين

______________________________

البائع بان يأخذ الضيعة و يرد الثمن (فلم يقله) البائع فما هو الحكم؟

(فقال ابو عبد الله عليه السلام انه) اى المشترى (لو قلب منها) اى من الضيعة (و نظر الى تسع و تسعين قطعة) قبل ان يشتريها (ثم بقى منها قطعة لم يرها) قبلا (لكان له فيها خيار الرؤية).

(و) حيث ان بيع المجهول غير صحيح (لا بدّ من حملها) اى الرواية (على صورة يصح معها بيع الضيعة) بجميعها حتى القطعة غير المرئية منها (امّا بوصف) البائع (القطعة غير المرئية) منها (او بدلالة ما رآه منها على ما لم يره) و هذا نوع آخر من الاشتراء بالوصف.

(و قد يستدل) لخيار الرؤية (بصحيحة زيد الشحام، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصابين) و هى ان أربعة من القصابين يتشاركون، فيعطى احدهم عشرة دنانير، و الآخر عشرين و الثالث ثلاثين، و الرابع اربعين، و بهذه المائة يشترون قطيعا فيه مائة رأس من الغنم، ثم تدخل الاغنام الدار و يقف شخص على الباب ثم يخرج الاغنام واحدا واحدا باسم القصاب الاول، فيأخذها الى عشرة

ص: 339

من قبل ان يخرج السهم فقال عليه السلام لا يشتر شيئا حتى يعلم اين يخرج السهم

______________________________

ثم يخرج اغنام اخر الى عشرين باسم القصاب الثانى و هكذا.

و هذا النحو من التقسيم بين القصابين لا بد و ان يتم بالرضا لانهم اذا اشتروها مشاعا كان للاول عشر الجميع، و للثانى خمسه، و للثالث اقل من ثلثه، و للرابع خمسيه.

اما افراز هذه الكسور بالاعداد قرعة كما بينا وجه القرعة اى وقوف شخص على باب الدار و اخراج الاغنام واحدا واحدا، فهو مراضاة بينهم، و الا فعشرة اغنام قد لا تسوى عشرة دنانير، و قد تسوى اكثر، و هكذا.

ثم انه اذا أتى شخص و اشترى سهم احدهم كسهم القصاب الاول صاحب العشرة مثلا، فاذا كان الشراء بعد الافراز و الرؤية لم يكن به بأس اما اذا كان الشراء قبل الافراز كان له بعد الافراز خيار الرؤية، لانه لم ير سهم الاول قبل اخراجه من الدار، هذا ان قلنا بصحة مثل هذا البيع.

نعم لا اشكال فى ان يشترى العشر من الاغنام اى قدر سهم الاول، فيكون بمنزلة القصاب الاول مشتركا مع الآخرين فى الاغنام بقدر عشر الاغنام، ثم يرضى بهذه العشرة التى تخرج من الدار عن حصته التى هى عشر الاغنام.

اذا عرفت هذا قلنا فالسائل سأل عن اشتراء السهام (من قبل ان يخرج السهم) من الدار مثلا (فقال عليه السلام لا يشتر شيئا) اى اعداد الاغنام التى سوف تخرج (حتى يعلم اين يخرج السهم) اى يرى الاعداد

ص: 340

فان اشترى شيئا فهو بالخيار اذا خرج.

قال فى الحدائق و توضيح معنى هذا الخبر ما رواه فى الكافى و التهذيب فى الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول- قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الغنم او يشترى الغنم جماعة، ثم تدخل دارا.

______________________________

التى خرجت سهما لهذا القصاب الّذي اشترى سهمه (فان اشترى شيئا فهو بالخيار اذا خرج).

و قد يقال: ان معنى هذه الجملة انه ان اراد الاشتراء فهو مختار فى عمله هذا، لكن ليكن ذلك الاشتراء اذا خرجت الغنم من الدار.

و انما فسرت الجملة بهذا المعنى حتى تطابق الجملة السابقة و هى «لا يشترى ...» و ان لم نفسّرها بهذا المعنى لزم تضاد الجملتين اذ «لا يشترى ...» نهى، و «فان اشترى ..» إباحة، و لا يعقل ذلك.

و قد يقال: ان الرواية فى خيار الرؤية و انه يصح للمشترى من القصاب ان يشترى سهمه فاذا خرج السهم و رآه المشترى على غير ما يرام كان له الفسخ.

(قال فى الحدائق و توضيح معنى هذا الخبر ما رواه فى الكافى، و التهذيب فى الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج) و الخبر الى هنا صحيح (عن منهال القصاب- و هو مجهول-) اى ان منهال مجهول (قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الغنم) اى انا احد القصابين الذين يشترون قطيع الغنم (او يشترى الغنم جماعة) و لست انا احدهم (ثم تدخل) الاغنام «تدخل»- بصيغة المجهول- (دارا

ص: 341

ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة، ثم يخرج السهم، قال لا يصلح هذا انما تصلح السهام اذا عدلت القسمة الخبر.

اقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه، لان المشترى لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا

______________________________

ثم يقوم رجل على الباب) للدار (فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثم يخرج السهم) اى بمقدار سهم القصاب الاول، و بعده الثانى و هكذا، هل يصلح هذا النحو من التقسيم؟ (قال) عليه السلام (لا يصلح هذا) النحو من التقسيم (انما تصلح السهام) بان تخرج بهذه الكيفية التعدادية (اذا عدلت القسمة) اى كانت الافراد للمجموع متساوية الى آخر (الخبر).

كما اذا كانت عشرة اقفزة من الحنطة، او عشر طاقات من قماش متساوى الطاقات، او ما اشبه ذلك، و هذا ما فهمته من معنى الرواية.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 342

و الظاهران الحدائق اراد ان يقول: ان الرواية الثانية تفسير للرواية الاولى من حيث بيان ان سهام القصابين ما هى كيفيتها، لا انه اراد بيان ان الرواية الثانية تفسر كل خصوصيات الرواية الاولى التى منها مسألة خيار الرؤية.

و على ما ذكرناه، فلا يرد على الحدائق اشكال المصنف.

(اقول لم يعلم وجه الاستشهاد به) اى بهذا الخبر الثانى (لما نحن فيه، لان المشترى لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا) بان صار له سهم

ص: 342

فلا مورد لخيار الرؤية.

و ان اشترى سهمه المعين الّذي يخرج فهو شراء فرد غير معين، و هو باطل، و على الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع.

و يمكن حمله على شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة، و يكون له

______________________________

مشاع مع بقية القصابين (فلا مورد لخيار الرؤية) لما تقدم من ان خيار الرؤية مورده الشخصى، لا الكلى، و المشاع كلى.

و فيه ان المشاع فى المعين من قبيل الشخصى.

مثلا وصف القصاب ان الاغنام كلها سمان فظهرت ضعافا.

(و ان اشترى سهمه المعين الّذي يخرج) عند اخراج الاغنام من باب الدار (فهو شراء فرد غير معين، و هو باطل) فلا بيع اصلا حتى يأتى فيه خيار الرؤية.

و انما يبطل شراء فرد غير معين، لانه مجهول، فيوجب الغرر، و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر (و على الصحة) بان نقول انه غير مجهول لان المشترى رأى كل افراد الغنم و كلها شبه متساو مما لا يوجب غررا عرفا باى منها صارت القسمة (فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع) الّذي اذا قسم لم يكن فيه خيار.

(و يمكن حمله) اى الحديث (على شراء) المشترى ل (عدد معين) فانه يعلم ان نصيبه عشرة مثلا- كما فى المثال السابق- و يكون ذلك العدد مختلطا فى مائة (نظير الصاع من الصبرة، و يكون له) اى للمشترى

ص: 343

خيار الحيوان اذا خرج السهم.

ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشترى.

و الظاهر الاتفاق على ان هذا الخيار يثبت للبائع أيضا اذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره، فتبين كونه زائدا على ما وصف.

و حكى عن بعض انه يحتمل فى صحيحة جميل ان يكون التفتيش من البائع بان يكون البائع باعه بوصف المشترى و حينئذ فيكون الجواب

______________________________

(خيار الحيوان اذا خرج السهم) كما فى كل بيع حيوان.

و لا يخفى ان فى المقام كلاما طويلا حول الروايتين، لكنا تركناه رعاية لمقتضى الشرح.

(ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشترى) و انه هو الّذي له خيار الرؤية.

(و) لكن (الظاهر الاتفاق) من العلماء (على ان هذا الخيار يثبت للبائع أيضا اذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره) او باعه بوصف انه هزيل (فتبين) انه صار سمينا، او تبين (كونه زائدا على ما وصف) او ناقصا عنه اذا كان النقص يوجب زيادة القيمة، كما اذا كان الثور السمين لا يقدر على الكرب فباعه ثم تبين انه صار هزيلا صالحا للكرب.

(و حكى عن بعض انه يحتمل فى صحيحة جميل ان يكون التفتيش من البائع) فقوله «صار الى الضيعة» اى صار البائع الى الضيعة (بان يكون البائع باعه بوصف المشترى) للبائع ضيعته، فبعد ان باعه رأى ان ضيعته احسن مما كان يتصور (و حينئذ فيكون الجواب) اى جواب الامام

ص: 344

عاما بالنسبة إليهما على تقدير هذا الاحتمال و لا يخفى بعده، و ابعد منه دعوى عموم الجواب و الله العالم.

______________________________

عليه السلام (عاما بالنسبة إليهما) اى الى البائع و المشترى (على تقدير هذا الاحتمال).

فقوله عليه السلام: «لو قلب» اراد كلا من البائع و المشترى (و لا يخفى بعده) اى بعد الاحتمال المذكور بان يكون التفتيش من البائع (و ابعد منه دعوى عموم الجواب) لانه على تقدير ان يكون صدر الكلام فى البائع فالجواب أيضا يكون للبائع، لا الاعم منه و من المشترى (و الله العالم)

ثم انه قد يكون لكليهما خيار الرؤية بالنسبة الى المبيع، او الثمن، او لكليهما، كما اذا وصف المبيع لهما اجنبى فرأى كل منهما خلاف الوصف، و هكذا.

ص: 345

مسئلة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة.

و المعروف انه يشترط فى صحته ذكر اوصاف المبيع التى يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر، اذ لو لاها لكان غررا.

و عبّر بعضهم عن هذه الاوصاف بما يختلف الثمن باختلافه كما فى الوسيلة و جامع المقاصد، و غيرهما.

و آخر بما يعتبر فى صحة السلم.

______________________________

(مسألة: مورد هذا الخيار) اى خيار الرؤية (بيع العين الشخصية الغائبة) عن البصر، و ان كانت حاضرة، كما اذا اشتراه الاعمى و هو عنده، على انه اسود فظهر ابيض، مثلا.

(و المعروف انه يشترط فى صحته) اى صحة البيع (ذكر اوصاف المبيع) و قوله: (التى) صفة لاوصاف (يرتفع بها الجهالة الموجبة) تلك الجهالة (للغرر، اذ لولاها) اى لو لا معرفة الاوصاف المذكورة (لكان) البيع (غررا) فاللازم ذكرها حتى يرتفع الغرر، بسبب الذكر.

(و عبّر بعضهم عن هذه الاوصاف) التى يجب ذكرها (بما يختلف الثمن باختلافه) اى باختلاف كل وصف وصف (كما فى الوسيلة، و جامع المقاصد، و غيرهما).

(و) عبر بعض (آخر بما يعتبر فى صحة السلم) فان فى بيع السلف «السلم» و هو ما كان الثمن نقد او المتاع نسيئة ان يذكر الاوصاف للمبيع

ص: 346

و آخرون كالشيخين و الحلى اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة.

و الظاهر ان مرجع الجميع واحد، و لذا ادعى الاجماع على كل واحد منها.

ففى موضع من التذكرة يشترط فى بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفى فى السلم عندنا.

و عنه فى موضع آخر من التذكرة ان شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا اجمع، و يجب ذكر اللفظ الدال على الجنس

______________________________

(و آخرون كالشيخين و الحلى اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة) و ظاهرها الصفة التى توجب اختلاف الرغبات.

(و الظاهر)- و لو بالقرائن الخارجية- (ان مرجع الجميع واحد، و لذا) نرى انه (ادعى الاجماع على كل واحد منها) فلو لا وحدة المراد لم يصح ذلك.

(ففى موضع من التذكرة) قال: (يشترط فى بيع خيار الرؤية) اى البيع الّذي يوجب ذلك (وصف المبيع وصفا يكفى) ذلك الوصف (فى) بيع (السلم عندنا) و «عندنا» عبارة اخرى عن الاجماع.

(و عنه) اى عن العلامة (فى موضع آخر من التذكرة) قال: (ان شرط صحة بيع) العين (الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا اجمع).

قال: (و يجب ذكر اللفظ الدال على الجنس) بان البيع حنطة او شعير مثلا و «اللفظ» من باب المثال، و انما المقصود بيان الجنس.

ص: 347

ثم ذكر انه يجب ذكر اللفظ الدال على التميز و ذلك بذكر جميع الصفات التى تختلف الاثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها انتهى.

و فى جامع المقاصد: ضابط ذلك ان كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه، و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره فلا بدّ من استقصاء اوصاف السلم، انتهى.

______________________________

(ثم ذكر) العلامة (انه يجب ذكر اللفظ الدال على التميز) اى تميز حنطة عن حنطة ان اراد شراء الحنطة مثلا (و ذلك بذكر جميع الصفات التى تختلف الاثمان باختلافها) مثل الحنطة العراقية الشديدة الحمرة الكبيرة الحجم (و) ما اشبه ذلك بحيث لا (يتطرق الجهالة بترك بعضها) و الا لم يصح البيع، لانه من بيع المجهول، و ذلك مبطل للبيع (انتهى) كلام العلامة.

(و) قال المحقق الثانى (فى جامع المقاصد) و (ضابط ذلك) اى ضابط ذكر الاوصاف فى ما يستلزم خيار الرؤية (ان كل وصف يتفاوت الرغبات) العرفية (بثبوته و انتفائه) فيكون وجود ذلك الوصف مرغوبا او غير مرغوب (و يتفاوت به) اى بذلك الوصف (القيمة تفاوتا ظاهرا) بحيث (لا يتسامح به) اى بذلك التفاوت مثل تفاوت دينار فى خمسة دنانير، لا مثل التفاوت بعشرة افلس فى خمسة دنانير- مثلا- (يجب ذكره) عند العقد (فلا بدّ من استقصاء اوصاف السلم) «استقصاء» بمعنى ذكر الجميع (انتهى).

ص: 348

و ربما يتراءى التنافى بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه، و كفاية ذكر اوصاف السلم من جهة انه قد يتسامح فى السلم فى ذكر بعض الاوصاف، لافضائه الى عزة الوجود، او لتعذر الاستقصاء على التحقيق و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه.

______________________________

(و ربما يتراءى) اى يظن بانه يرى (التنافى بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه) فان معناه وجوب ذكر كل وصف هكذا شأنه (و) بين (كفاية ذكر اوصاف السلم).

و انما كان بين هذين تنافيا (من جهة) ان الثانى اعم من الاول، ف (انه قد يتسامح فى السلم فى ذكر بعض الاوصاف) فلا يذكرونها، و انما لا يذكرونها و ليس ذكرها معتبرا (لافضائه) اى ان الذكر يسبب (الى عزة الوجود) و قلته، و قلة الوجود توجب تعريض المبيع الى خطر عدم الوجود فى زمان التسليم.

مثلا: اذا قال حنطة عراقية جنوبية بصرية حمراء سمينة الحب، اوجب ذلك قلة وجود هذا النوع، و لعل فى فصل الحنطة لم توجد هذه الاوصاف (او لتعذر الاستقصاء) لاوصاف شي ء لا يوجد الآن فى السلم (على التحقيق) متعلق ب «تعذر» اى على الدقة، و انما يوجد قسم قريب من الموصوف وصفا بالدقة (و هذا المانع) اى عزة الوجود او عدمه بسبب دقة الاوصاف (مفقود فيما نحن فيه) فى مورد خيار الرؤية، و كذا يوصف هنا كل الصفات بالدقة.

و انما كان المانع مفقودا لان المبيع موجود خارجا، و الموجود الخارجى

ص: 349

قال فى التذكرة فى باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان باوصافه المقصودة، و ان تفاوت به الغرض و القيمة لافضائه الى عزة الوجود انتهى.

و قال فى السلم فى الاحجار المتخذة للبناء انه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها، فيقول ما يحمل البعير منها اثنتين او ثلاثا او اربعا على

______________________________

يمكن وصفه على الدقة، و كذا الدقة المعتبرة فى «السلم» اقل من الدقة المعتبرة فيما نحن فيه.

و من هنا اشكلنا انه كيف جمع الاصحاب بين الامرين فى المقام.

و يدل على ما ذكرنا من ان كل الاوصاف لا يقال فى السلم خوفا من قلة الوجود ما ذكره العلامة، فانه (قال فى التذكرة فى باب السلم لا يشترط) فى صحة البيع (وصف كل عضو من) اعضاء (الحيوان) المراد اشترائه (باوصافه المقصودة) للمشترى (و ان تفاوت به) اى بالوصف غير المذكور (الغرض) عند العقلاء (و القيمة) بان كان ذو الوصف اكثر قيمة.

و انما لا يشترط (لافضائه) اى انجرار الذكر (الى عزة) و قلة (الوجود) الموجبة لتعذر التسليم، و العقلاء يرجحون تفويت غرض اصغر لغرض اكبر (انتهى).

(و قال) العلامة (فى السلم فى الاحجار المتخذة للبناء) اذا اشتراها سلما (انه يذكر نوعها و لونها، و يصف عظمها، فيقول) مثلا النوع العراقى الاصفر اللون من (ما يحمل البعير منها اثنتين او ثلاثا او اربعا) فان كل ذلك (على

ص: 350

سبيل التقريب دون التحقيق، لتعذر التحقيق.

و يمكن ان يقال ان المراد ما يعتبر فى السلم فى حد ذاته مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة فى بعض افراد السلم و ان كان يمكن ان يورد على مسامحتهم هناك ان الاستقصاء فى الاوصاف شرط فى السلم

______________________________

سبيل التقريب).

اذ من الممكن اختلاف الوان الاصفر، و كذلك تختلف نواحى العراق فى قوة الحجر و هشاشته، و البعير القوى يحمل الاثقل و البعير العادى يحمل العادى (دون التحقيق، لتعذر التحقيق) هذا نهاية اشكال المصنف الّذي ذكره بقوله «و ربما يتراءى».

(و يمكن ان يقال) فى جواب الاشكال المذكور (ان المراد) فى خيار الرؤية (ما يعتبر فى السلم) من الاوصاف (فى حد ذاته) اى يلزم أيضا فى السلم الاوصاف الدقيقة (مع قطع النظر عن العذر)- تعذر الوجود او تعسره- (الموجب) ذلك العذر (للمسامحة فى بعض افراد السلم).

فالسلم و خيار الرؤية من باب واحد، الا ان بعض افراد السلم خارج عن لزوم الوصف الدقيق لامر خارجى و هو التعذر او التعسر، فلا تنافى بين الامرين اللذين قال أو لا «و ربما يتراءى ..» (و ان كان يمكن ان يورد على مسامحتهم هناك) اى فى باب السلم، انها غير صحيحة، و كلما لم يكن الوصف الدقيق فى السلم، لم يصح بيع السلم.

وجه الايراد (ان الاستقصاء فى الاوصاف شرط فى) صحة (السلم)

ص: 351

غير مقيد بحال التمكن.

فتعذره يوجب فساد السلم، لا الحكم بعدم اشتراطه، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط اوصافه، و تمام الكلام فى محله.

ثم ان الأوصاف التى يختلف الثمن من اجلها غير محصورة خصوصا فى العبيد و الاماء فان مراتبهم الكمالية التى يختلف بها اثمانهم غير محصورة جدّا

______________________________

و هو (غير مقيد بحال التمكن) من الاداء بعد ذلك.

(فتعذره) اى تعذر التسليم لذى الاوصاف الدقيقة (يوجب فساد السلم، لا الحكم بعدم اشتراطه) بان يقال حيث يتعذر الاوصاف الدقيقة فهى غير مشروطة فى باب السلم (كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط اوصافه) و لم يقولوا انه حيث لا يمكن ضبط الاوصاف، فالاوصاف ليست بشرط، و ان السلم صحيح بدون ذكر تلك الاوصاف (و تمام الكلام) فى السلم (فى محله) ان شاء الله تعالى.

(ثم) انه بعد ان ذكرنا اشكالا على الضابطين بانهما متنافيان، كما تقدم فى قولنا «ربما يتراءى التنافى ..» نريد الآن بيان الاشكال على الضابط الاول فى نفسه الّذي هو اعتبار «ما يختلف الثمن باختلافه» ف (ان الاوصاف التى يختلف الثمن من اجلها غير محصورة خصوصا فى العبيد و الاماء) كالجمال و مراتبه، و الكمال و مراتبه و لذا كانت الجارية تباع من الف درهم الى اكثر، كما يظهر من التواريخ (فان مراتبهم الكمالية) و الجمالية (التى يختلف بها اثمانهم غير محصورة جدا).

و كذلك تختلف الصفات فى بعض الاشياء الاخر كالدار، و لذا نرى

ص: 352

و الاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر احالة على مجهول، بل يوجب الاكتفاء على ما دون صفات السلم، لانتفاء الغرر عرفا

______________________________

دارا بمليون دينار و دارا بعشرة آلاف دينار فى زماننا فى الخليج و غيره فمراده من غير محصورة كثرة التفاوت، لا عدم الانحصار حقيقة، كما ان مراده فى بعض الاشياء لا فى كلها كما هو واضح.

و كيف كان فاذا كانت الاوصاف غير محصورة، لزم عدم امكان بيع العين الغائبة بالتوصيف، لعدم امكان او تعسر ذكر جميع اوصافها الدخيلة فى القيمة، فكيف جعل هذا الضابط الاول: فصل باعتبار ما يختلف الثمن باعتباره.

و كيف كان فهذا الاعتبار للاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها، لا يخلو عن احد حالين.

الاول: ان يراد به ذكر كل الصفات و قد عرفت انه متعذر.

(و) الثانى: ان يراد به ذكر ما يرفع به معظم الغرر.

و فيه أولا: ان (الاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر احالة على مجهول) لان معظم الغرر امر تشكيكى، له بحيث طويل.

و ثانيا: (بل يوجب) هذا الاقتصار (الاكتفاء على ما دون صفات السلم) لان ذكر الصفات التى يرتفع به معظم الغرر لا يكفى فى السلم.

ففى السلم يلزم ذكر كل الصفات التى يرتفع بها الغرر، و قد ذكرنا ان اللازم فى هذا الباب و هو باب خيار الرؤية، هو ما يلزم فى السلم فكيف يكتفى هنا باقل مما يكتفى به فى السلم (لانتفاء) معظم (الغرر عرفا

ص: 353

بذلك مع انا علمنا ان الغرر العرفى اخصّ من الشرعى.

و كيف كان فالمسألة لا تخلو عن اشكال.

______________________________

بذلك) اى بذكر ما دون صفات السلم، و قوله «لانتفاء» علة ل «للاكتفاء»

و الحاصل انهم ذكروا تارة اعتبار ذكر صفات السلم هنا، و تارة كفاية ذكر ما يرتفع به معظم الغرر، و هما متنافيان.

اذ لا يكفى فى السلم ذكر ما يرتفع به معظم الغرر.

و ثالثا: ان ارتفاع معظم الغرر العرفى اى الغرر الّذي لا يقدم عليه العرف، لا يكفى فى صحة المعاملة، بل اللازم ارتفاع الغرر الشرعى الّذي هو ادق من الغرر العرفى فان العرف يتسامح بها لا يتسامح به الشرع.

و هذا الاشكال ذكره بقوله: (مع انا علمنا ان الغرر العرفي اخص من الشرعى) اى ان قيود الغرر الشرعى اكثر من قيود الغرر العرفى، فلا يكفى رفع الغرر العرفى، فى صحة المعاملة.

و صورة الاشكال الثالث هكذا «الاكتفاء على ذكر ما يرفع به معظم الغرر اكتفاء برفع الغرر العرفى» «مع ان المعاملة لا تصح بذلك، و انما تصح بارتفاع الغرر الشرعى».

(و كيف كان) امر تمامية كل اشكال من الاشكالات الثلاثة (ف) على اى حال (المسألة) اى مسألة الضابط الاول و هى اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه (لا تخلو عن اشكال) فلا يمكن جعل هذا ضابطا للاوصاف التى يجب ذكرها فى باب خيار الرؤية.

ص: 354

و اشكل من ذلك ان الظاهر ان الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة فى بيع العين الحاضرة.

و على هذا فيجب ان يعتبر فى الرؤية ان يحصل بها

______________________________

(و اشكل من ذلك) اى اشكل مما ذكروه فى ضابط الاوصاف التى لا بد من ذكرها فى بيع العين الغائبة، و الضابط هو ما تقدم من اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه، اشكل من ذلك و هو الاكتفاء بالرؤية فى صحة البيع للعين الحاضرة.

وجه الاشكال ان الوصف فى بيع الغائب قائم مقام الرؤية فى بيع الحاضرة، فاللازم ان لا يحتاج فى الوصف الى اكثر مما يعتبر فى الرؤية لان الوصف فرع الرؤية، و الفرع لا يزيد على الاصل، مع انهم لم يذكروا احتياج الرؤية على كل الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها.

و الحاصل انه تناف بين قولهم «يحتاج بيع العين الغائبة الى ذكر الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها» و بين قولهم «لا يحتاج بيع العين الحاضرة الى رؤية الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها»

وجه التنافى: انه يلزم منه زيادة الفرع و هو الوصف فى الغائبة، على الاصل و هو الرؤية فى الحاضرة.

ف (ان الظاهر ان الوصف) فى الغائبة (يقوم مقام الرؤية المتحققة فى بيع العين الحاضرة).

(و على هذا) الّذي ذكر من لزوم ذكر الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها (فيجب ان يعتبر فى الرؤية ان يحصل بها) اى بالرؤية

ص: 355

الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة فى العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه.

قال فى التذكرة يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا مطويا او عينا حاضرة، لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لاجله كان كبيع الغائب، يبطل ان لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى.

و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما

______________________________

(الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة فى العين الغائبة مما) اى من الصفات التى (يختلف الثمن باختلافه) مع انهم لا يشترطون مثل هذا الاطلاع فى بيع العين الحاضرة، بل يكتفون بالرؤية اجمالا.

مثلا: يقولون اذا اراد ان ببيع الحنطة غائبا، يلزم ان يعين انها عراقية او شامية، بينما اذا اراد ان يشتريها و هى حاضرة لا يلزم ان يعرف انها عراقية او شامية.

و يؤيد ما ذكرنا من الاشكال بقولنا «و اشكل» ان العلامة جعل بيع الحاضرة مثل بيع الغائبة، فكيف لا يعتبر المشهور ذلك، كما سيأتى بقوله «و من المعلوم».

(قال فى التذكرة يشترط) فى بيع العين الحاضرة (رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا مطويا او عينا حاضرة، لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لاجله، كان كبيع الغائب) الّذي (يبطل) بيع الغائب (ان لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى) كلام العلامة.

(و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما) اى على الاوصاف

ص: 356

يعتبر فى صحة السلم، و بيع الغائب.

و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية على جميع الصفات المعتبرة فى السلم، و بيع العين الغائبة، فانه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن الجارية، بل و لا على نوعها و لا غيرها من الامور التى لا يعرفها الا اهل المعرفة بها فضلا عن مرتبة كمالها الانسانى المطلوبة فى الجوارى المبذول بإزائها الاموال، و يبعد كل البعد التزام ذلك

______________________________

التى (يعتبر فى صحة السلم، و) فى (بيع الغائب).

(و) اذا تحققت المقدمة الاولى للاشكال و هى اعتبار الدقة فى المشاهدة، كما تعتبر الدقة فى السلم و الغائبة نقول فى بيان المقدمة الثانية ان (من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية) فى العين الحاضرة (على جميع الصفات المعتبرة فى السلم، و) فى (بيع العين الغائبة) مثلا (فانه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن الجارية بل و لا على نوعها) و انها من النوع الإفريقى او من النوع الامريكى مع اختلاف صفاتهما النفسية اختلافا كثيرا (و لا غيرها من الامور التى لا يعرفها الا اهل المعرفة بها) كالنخاسين الذين يعرفون الخصوصيات و المزايا و الصفات فى كل جارية من الامور المخفية على سائر الناس من غير اهل الخبرة.

فان غالب الناس لا يعرفون هذه الامور الظاهرة (فضلا عن مرتبه كمالها الانسانى المطلوبة) تلك المرتبة (فى الجوارى المبذول بإزائها الاموال و) هذه السيرة تخالف الدليل، اذ (يبعد كل البعد التزام ذلك) و انه

ص: 357

او ما دون ذلك فى المشاهدة، بل يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف باوصاف المبيع الراجعة الى نوعه، او صنفه او شخصه، بل هو بالنسبة الى الاوصاف التى اعتبروها، كالاعمى، لا بد من مراجعته لبصير عارف، و لا اجد فى المسألة اوثق من ان يقال:

______________________________

فى صورة المشاهدة لا يعتبر الاطلاع على هذه الصفات (او ما دون ذلك) الّذي يعتبر فى بيع العين الغائبة (فى) ما كان الاشتراء ب (المشاهدة بل) لو قلنا: بانه يشترط فى العين المشاهدة الاطلاع على كل تلك الصفات بالدقة، كما يعتبر فى السلم و بيع الغائبة (يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف باوصاف المبيع الراجعة) تلك الاوصاف (الى نوعه) كالحنطة العراقية، مقابل الشامية (او صنفه) كالصنف اللذيذ الطعم من اصناف حنطة العراق (او شخصه) كشخص ارض فلان التى هى اجود الاقسام.

و اذا اشكل ما تعتبره السيرة من عدم الاعتبار بالدقة، فاللازم ان نقول: (بل هو) اى اشتراء العين الحاضرة (بالنسبة الى الاوصاف التى اعتبروها) بالاطلاع عليها فى صحة البيع، يكون حاله (كالاعمى لا بد من مراجعته لبصير عارف) و الا لم تصح المعاملة، فتحصل وجه الاشكال فى بيع العين الحاضرة: ان السيرة لا تعتبر الدقة، و القاعدة تقتضى الدقة (و لا اجد فى المسألة) اى مسألة بيع العين الحاضرة (اوثق من ان يقال): انه يعتبر الاطلاع على امر وسط بين الدقة و بين تسامح السيرة، و ان بيع العين الحاضرة و بيع الغائبة من هذه الجهة على

ص: 358

ان المعتبر هو الغرر العرفى فى العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة.

فان دل على اعتبار ازيد من ذلك حجة معتبرة اخذ به.

و ليس فيما ادعاه العلامة فى التذكرة من الاجماع حجة مع استناده فى ذلك الى كونه غررا عرفا، حيث قال فى اوّل مسألة اشتراط العلم بالعوضين: انه

______________________________

حد سواء ف (ان المعتبر هو) الوصف و الرؤية الطارئان ل (الغرر العرفى) بان يقول العرف انه لا غرر فى البين، سواء (فى العين الحاضرة) المرئية (و الغائبة الموصوفة).

و بهذا يرتفع الاشكال و التنافى الّذي ذكرناه بقولنا «و ربما يتراءى» و بقولنا «و اشكل من ذلك».

(فان دل على اعتبار ازيد من ذلك) اى بان يجب ان تذكر اوصاف اكثر مما يرفع الغرر العرفى (حجة معتبرة اخذ به) اى بذلك الدليل الدال على اعتبار الازيد.

(و) ان قلت: هناك دليل على ذلك، و هو اجماع العلامة.

قلت: (ليس فيما ادعاه العلامة فى التذكرة من الاجماع) الّذي تقدم نقلنا عنه (حجة).

و انما لا يكون حجة، لما ذكره المصنف بقوله: (مع استناده فى ذلك) الاجماع (الى كونه غررا عرفا) فان مستند اجماعه الغرر عرفا.

و حيث انا نرى انه لا غرر، فنعرف عدم صحة اجماعه (حيث قال) العلامة (فى اوّل مسألة اشتراط العلم بالعوضين) فى صحة البيع (انه

ص: 359

اجمع علمائنا على اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما ملك بإزاء ما بذل، فينتفى الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم يتقدم رؤية، او يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى.

و لا ريب ان المراد بمعرفة ما ملك معرفته على وجه وسط بين طرفى الاجمال و التفصيل.

ثم انه يمكن الاستشكال فى صحة هذا العقد

______________________________

اجمع علمائنا على اشتراط العلم بالعوضين).

و انما اجمعوا (ليعرف) كل من المتبايعين (ما ملك بإزاء ما بذل) و اذا علم (فينتفى الغرر) و على لزوم العلم (فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم تتقدم) رؤية المنتقل إليه لتلك العين (رؤية) توجب علمه بها (او يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى) كلام العلامة.

(و لا ريب ان المراد) اى مراد العلامة (بمعرفة ما ملك، معرفته على وجه وسط بين طرفى الاجمال) المسامحى (و التفصيل) الدقى.

و منه علم ان لا اجماع يدل على لزوم الدقة فى الوصف و فى الرؤية ازيد مما يرفع الجهالة عرفا.

و لذلك جرت السيرة فى بيع الشي ء غائبا او حاضرا ان يرى و يوصف بحيث يسمى فى العرف انه ليس بمغرور.

(ثم انه يمكن الاستشكال فى صحة هذا العقد) و هو عقد الغائب سواء ذكرت الاوصاف، أم لا، لانه ان ذكرت الاوصاف بالدقة يمكن تعذر وجوده، فالاقدام على المعاملة بما يمكن تعذر وجوده غرر، و ان لم تذكر

ص: 360

بان ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا، لان الغرر بدون اخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع، فاذا اخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود، لان العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده فى الخارج، و الغرر فيه اعظم

و يمكن ان يقال:

______________________________

الاوصاف بالدقة لزم الغرر من حيث الجهالة بصفات المبيع.

و عليه فالعقد على الشي ء الغائب لا يصح مطلقا (ب) كلتا صورتيه.

ف (ان ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا) سواء ذكرت الاوصاف بالدقة او بدون دقة (لان الغرر بدون اخذ الصفات) الدقيقة يكون (من حيث الجهل بصفات المبيع) و بيع الغرر باطل (فاذا اخذت) الصفات الدقيقة (فيه) اى فى العقد (مقيدا) المبيع (بها) اى بتلك الصفات (صار) الشي ء المتصف بتلك الصفات (مشكوك الوجود) و بيع مشكوك الوجود غرر (لان العبد) الغائب المشترى (المتصف بتلك الصفات) الدقيقة، كان يكون من افريقيا عمره عشرون سنة، و وزنه ستون كيلوغراما، و طوله متعارف، و كان حافظا للقرآن، الى غير ذلك (مثلا لا يعلم وجوده فى الخارج، و) من المعلوم ان (الغرر فيه) اى فى مثل هذا البيع (اعظم) من الغرر فى الشي ء الموصوف بصفات قليلة مسامحة لان الدقة توجب الشك فى اصل العبد، و المسامحة توجب احتمال انتفاء بعض اغراض المشترى.

(و يمكن ان يقال) ان الاخذ بالاوصاف الدقيقة لا يوجب غررا اعظم

ص: 361

ان اخذ الاوصاف فى معنى الاشتراط لا التقييد، فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا، و لا غرر فيه حينئذ عرفا.

و قد صرح فى النهاية و المسالك- فى مسألة ما لو رأى المبيع ثم تغيّر عما رآه- ان الرؤية بمنزلة الاشتراط، و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا.

______________________________

مع انتفاء اصل المبيع.

و ذلك ل (ان اخذ الاوصاف فى معنى الاشتراط) فلا يبطل فقدها البيع، بل يكون للمشروط له حق الفسخ (لا) فى معنى (التقييد) حتى يكون فقد كل وصف يوجب بطلان البيع، و يحصل بذلك الغرر الاعظم كما ذكره المستشكل (فيبيع العبد) عند ذكر الاوصاف الدقيقة (مثلا) فى حالكونه (ملتزما بكونه كذا و كذا) من الصفات (و لا غرر فيه حينئذ) اى حين الشرط (عرفا) اذ العرف يرى انه لو وجد مثل هذا العبد فهو، و ان لم يوجد كان للمشترى اخذ فاقد الاوصاف، كما يكون له فسخ المعاملة.

(و) لذا الّذي ذكرنا ان الاوصاف الدقيقة ليست قيدا (قد صرح فى النهاية و المسالك- فى مسألة ما لو رأى المبيع ثم تغير عما رآه-) لكن المشترى لم يعلم بالتغير، بل اشتراه على ما رأى (ان الرؤية بمنزلة الاشتراط) كان يشترط المشترى على البائع ان يكون المبيع على ما رآه من الاوصاف اى ليس كالقيد (و لازمه) اى لازم كونها كمنزلة الاشتراط (كون الوصف) فى اشتراط العين الغائبة (القائم مقام الرؤية) فى تصحيح البيع لانه لا يصح البيع الا بالرؤية او بالوصف (اشتراطا) فيصح ما

ص: 362

و يمكن ان يقال: ببناء هذا البيع على تصديق البائع او غيره فى اخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة، كما يجوز الاعتماد عليه فى الكيل و الوزن.

و لذا ذكروا انه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما.

______________________________

ذكرناه من ان الاوصاف الدقيقة لا توجب الغرر.

(و يمكن ان يقال) فى جواب الاستشكال المتقدم، بجواب آخر.

فان المستشكل قال: ان ذكر الاوصاف الدقيقة كان غررا لاحتمال عدم وجوده، و ان لم يذكر الاوصاف الدقيقة كان غررا، لجهل المشترى به و كان الجواب الاول: «يمكن ان يقال ان اخذ ...» ردا للشق الاول من الاشكال، و هذا الجواب أيضا رد للشق الاول ببيان آخر و هو ان ذكر الاوصاف الدقيقة لا يوجب احتمال المشترى عدم وجود المبيع لان المشترى يصدق البائع فى وجود الشي ء ذى الاوصاف الدقيقة و ذلك (ببناء هذا البيع على تصديق البائع او غيره) اذا كان الواصف غير البائع، تصديقا (فى اخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة) الدقيقة (كما يجوز الاعتماد عليه) اى على البائع و غيره، و (فى الكيل و الوزن) اذا قال البائع- مثلا- ان هذه الصبرة مائة كيلو، او بمقدار كرّ.

(و لذا) الّذي يجوز الاعتماد عليه (ذكروا انه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة) تجوز (المبايعة بوصف) شخص (ثالث لهما) اى للمتبايعين، فاذا جاز بوصف ثالث، جاز بوصف البائع بطريق

ص: 363

و كيف كان فلا غرر عرفا فى بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة.

و لا دليل شرعا أيضا على المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات، فيتعين الحكم بجوازه مضافا الى الاجماع عليه ممن عدا بعض العامة.

ثم ان الخيار بين الرد و

______________________________

اولى، و لا يكون حينئذ غررا.

(و كيف كان فلا غرر عرفا فى بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة) و لا يلزم ذكر الصفات بدقة عقلية، و لا يجوز ذكرها باقل مما يرى العرف لانها اقل من الكفاية.

(و لا دليل شرعا أيضا) كمالا دليل عرفا (على المنع) من مثل هذا البيع.

و توهم ان مثل هذا البيع باطل (من حيث) انه غرر ل (عدم العلم بوجود تلك الصفات) فى الخارج قد عرفت جوابه، و ان تطابق العقل و الشرع على صحة مثل هذا البيع بالصفات المتوسطة بين الدقة و المسامحة (فيتعين الحكم بجوازه) لشمول مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و غيرهما له (مضافا الى الاجماع عليه) اى على جواز هذا البيع (ممن عدا بعض العامة) حيث منعوه، لكن خلافهم لا يضر كما لا يخفى.

(ثم ان الخيار) اى خيار الرؤية عند تخلف الوصف (بين الردّ و

ص: 364

الامساك مجانا هو المشهور بين الاصحاب.

و صريح السرائر تخييره بين الرد و الامساك بالارش، و انه لا يجبر على احدهما.

و يضعف بانه لا دليل على الارش.

نعم لو كان للوصف المفقود دخل فى الصحة، توجه اخذ الارش لكن بخيار العيب، لا خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصفه، اذ لو لا الوصف، ثبت خيار العيب

______________________________

الامساك مجانا) امساكا بلا ارش (هو المشهور بين الاصحاب).

(و) لكن (صريح السرائر تخييره) اى من خلّفت عليه الرؤية (بين الرد و الامساك بالارش) فاذا رأى العبد حافظا للقرآن ثم اشتراه و قد نساه، و كان التفاوت بين الحافظ و غيره ثلث الثمن، كان له ان يقبل العبد و يأخذ ثلث الثمن (و انه لا يجبر على احدهما) فان شاء فسخ، و ان شاء قبله مع الارش.

(و يضعف بانه لا دليل على الارش).

اقول: يكفى دليلا عليه بناء العقلاء، و لم يردعه الشارع، فيشمله اطلاقات الادلة بالإضافة الى المناط فى ارش المعيب.

(نعم لو كان للوصف المفقود دخل فى الصحة) كما لو رأى الدابة صحيحة ثم ظهرت ناقصة (توجه) صحة (اخذ الارش، لكن) الارش (بخيار العيب، لا) ب (خيار رؤية المبيع، على خلاف ما وصفه).

و انما كان خيار العيب (اذ لو لا) تخلف (الوصف، ثبت خيار العيب

ص: 365

أيضا.

و سيجي ء عدم اشتراط ذكر الاوصاف الراجعة الى وصف الصحة.

و اضعف من هذا ما ينسب الى ظاهر المقنعة، و النهاية، و المراسم من بطلان البيع اذا وجد على خلاف ما وصف.

لكن الموجود فى المقنعة، و النهاية انه ان لم يكن على الوصف كان البيع مردودا.

و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد، لا الباطل فعلا.

______________________________

أيضا) فله خياران، احدهما يوجب صحة اخذ الارش.

(و) ان قلت: لم يذكرا وصف الصحة فى العقد فكيف يمكن الاخذ بخيار العيب.

قلت: (سيجي ء عدم اشتراط ذكر الاوصاف الراجعة الى وصف الصحة) و انه ثابت ذكراه، أم لا، و ذلك لبناء العقد عليه دائما.

(و اضعف من هذا) الّذي ذكره ابن ادريس من حقه فى اخذ الارش (ما ينسب الى ظاهر المقنعة، و النهاية، و المراسم، من بطلان البيع اذا وجد) المشترى المبيع (على خلاف ما وصف) ه البائع.

(لكن) من الممكن عدم صحة النسبة، لان (الموجود فى المقنعة، و النهاية انه ان لم يكن) المبيع (على الوصف) الّذي ذكره البائع (كان البيع مردودا) انتهى.

(و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد) اى ما فيه الخيار (لا الباطل فعلا).

ص: 366

و قد عبر فى النهاية عن خيار الغبن بذلك فقال: و لا بأس بان يبيع الانسان متاعا باكثر مما يسوى، اذا كان المبتاع من اهل المعرفة، فان لم يكن كذلك كان البيع مردودا.

و على تقدير وجود القول بالبطلان فلا يخفى ضعفه، لعدم الدليل على البطلان، بعد انعقاده صحيحا عدا ما فى مجمع البرهان.

و حاصله وقوع العقد على شي ء مغاير للموجود،

______________________________

(و) يؤيد هذا الاحتمال انه (قد عبر فى النهاية عن خيار الغبن بذلك) اى مردودا مع ان مراده الخيار (فقال: و لا بأس بان يبيع الانسان متاعا باكثر مما يسوى، اذا كان المبتاع من اهل المعرفة) اى انه يعرف ان قيمة المتاع اقل (فان لم يكن) المبتاع (كذلك) اى من اهل المعرفة (كان البيع مردودا) اى كان للمبتاع ان يرد البيع بخيار الغبن انتهى كلامه.

(و على تقدير وجود القول بالبطلان) اى بطلان البيع الّذي تخلف فيه الوصف (فلا يخفى ضعفه، لعدم الدليل على البطلان، بعد انعقاده صحيحا).

و انما ينعقد صحيحا لاطلاق ادلة حلية البيع و نحوها، الا ان يقال:

ان المفهوم من آية «عَنْ تَرٰاضٍ» الرضا الواقعى، و هذا ليس برضا فى الواقع بالنسبة إليه، و فيه ان الرضا موجود حال البيع (عدا ما فى مجمع البرهان) من توجيه البطلان.

(و حاصله وقوع العقد على شي ء مغاير للموجود) اذ كان العقد على

ص: 367

فالمعقود عليه غير موجود، و الموجود غير معقود عليه.

و يضعف بان محل الكلام، فى تخلف الاوصاف التى لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا بان يقال ان المبيع فاقد للاوصاف المأخوذة فيه لا انه مغاير للموجود.

نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل فى حقيقة المبيع عرفا فالظاهر عدم الخلاف فى البطلان و لو اخذ فى عبارة العقد على وجه الاشتراط

______________________________

ذى الوصف، و المبيع الموجود فاقد الوصف (فالمعقود عليه غير موجود، و الموجود غير معقود عليه) فلم يحصل متعلق البيع و هذا هو معنى البطلان.

(و يضعف) هذا الوجه (بان محل الكلام، فى تخلف الاوصاف التى لا يوجب مغايرة الموصوف) الّذي وقع عليه العقد (للموجود) مغايرة (عرفا) بل العرف يرى ان الموجود هو ما وقع عليه العقد، لكنه فاقد لبعض اوصافه (بان يقال) عرفا (ان المبيع فاقد للاوصاف المأخوذة فيه) و (لا) يقال: (انه مغاير للموجود) و عليه فالمعقود عليه هو الموجود، و الموجود هو المعقود عليه و ذلك لان العقد لم يقع على خصوص المتصف على نحو التقييد، بل على نحو تعدد المطلوب.

(نعم لو كان ظهور الخلاف فيما) اى فى وصف (له دخل فى حقيقة المبيع عرفا) بان رأى العرف ان الموجود غير المعقود عليه (فالظاهر عدم الخلاف فى البطلان) اى بطلان العقد (و لو) ان الوصف المذكور الموجب فقده للبطلان (اخذ فى عبارة العقد على وجه الاشتراط) «لو»

ص: 368

كان يقول: بعتك ما فى البيت على انه عبد حبشى، فبان حمارا وحشيا.

الا ان يقال: ان الموجود و ان لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا، الا ان اشتراط اتصافه بالاوصاف فى معنى كون القصد الى بيعه بانيا على تلك الاوصاف فاذا فقد ما بنى عليه العقد فالمقصود غير حاصل، فينبغى بطلان البيع.

______________________________

وصليّة.

و انما قال «و لو» لان العبرة ليست بكيفية صياغة اللفظ، بل بواقع المراد (كان يقول) لما يكون له مدخلية فى حقيقة المبيع- و ان كان بلفظ الشرط- (بعتك ما فى البيت على انه عبد حبشى، فبان حمارا وحشيا) او قال: بعتك هذا الحب على انه حنطة فبان ارزا، فان البيع باطل حينئذ لان الموجود لم يعقد عليه.

(الا ان يقال) فى توجيه كلام مجمع البرهان بان البيع باطل و ان لم يكن الوصف داخلا فى حقيقة المبيع (ان الموجود و ان لم يعد) عرفا (مغايرا للمعقود عليه) بل كان (عرفا) هو هو (الا ان اشتراط اتصافه) اى المعقود عليه (بالاوصاف) التى ذكراها عند العقد (فى معنى كون القصد الى بيعه) اى بيع المتصف (بانيا على تلك الاوصاف) فالمبيع هو المتصف (فاذا فقد ما بنى عليه العقد فالمقصود غير حاصل) فما قصد لم يكن، و ما كان لم يقصد (فينبغى بطلان البيع) لا صحته متزلزلا بخيار تخلف الوصف.

ص: 369

و لذا التزم اكثر المتأخرين بفساد العقد، بفساد شرطه.

فان قصد الشرط ان كان مؤثرا فى المعقود عليه فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد، و الا لم يوجب فساده فساد العقد بل غاية الامر ثبوت الخيار.

و من هنا يظهر ان دفع ما ذكر فى وجه البطلان

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الموجود غير مقصود بالبيع اذا فقد الوصف (التزم اكثر المتأخرين بفساد العقد، ب) سبب (فساد شرطه) بان شرطا شرطا فاسدا.

(فان قصد الشرط ان كان مؤثرا فى المعقود عليه) حتى استلزم فساد الشرط فساد العقد- كما التزمه كثير من المتأخرين- (فالواجب كون تخلفه) اى تخلف الشرط الصحيح (موجبا لبطلان العقد، و الا) يكن تخلف الشرط موجبا لبطلان العقد (لم يوجب فساده) اى فساد الشرط (فساد العقد) لتلازم الامرين، فان الشرط ان كان له مدخلية فى حقيقة العقد اوجب تخلفه البطلان، كما اوجب فساده البطلان و ان لم يكن له مدخلية لم يوجب تخلفه البطلان، و لم يوجب فساده البطلان.

و حيث قالوا بان فساده يوجب البطلان فاللازم ان يوجب تخلفه البطلان أيضا (بل غاية الامر ثبوت الخيار) بفساد الشرط، فلما ذا ذكروا ان فساده يوجب بطلان العقد.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان نظر مجمع البرهان الى ما بيناه بقولنا «الا ان يقال ...» (يظهر ان دفع ما ذكر فى وجه البطلان) اذا تخلف

ص: 370

الّذي جعله المحقق الاردبيلى موافقا للقاعدة.

و احتمله العلامة ره فى النهاية فيما اذا ظهر ما رآه سابقا على خلاف ما راه بانه اشتباه

______________________________

الوصف بانه اشتباه، مجازفة الدافع و هو الشيخ على آل كاشف الغطاء كما فى بعض الحواشى قال «بانه اشتباه» و المصنف رده بان كلام الدافع «مجازفة» (الّذي جعله) الضمير فى «جعله» عائد الى «وجه البطلان» (المحقق الاردبيلى موافقا للقاعدة).

فقال: ان القاعدة تقتضى بطلان العقد بتخلف الوصف.

(و احتمله) اى البطلان (العلامة ره فى النهاية فيما اذا ظهر ما رآه سابقا على خلاف ما راه).

فالدافع قال: (بانه) اى القول بالبطلان (اشتباه) و خلط بين «بيع الكلى و بيع الشخصى» و بين «الوصف الذاتى و الوصف العرضى» فالبطلان انما هو فى وصف الكلى، و فى وصف الشخصى اذا كان الوصف ذاتيا.

اما اذا كان الوصف للشخص، و كان الوصف عرضيا لم يكن بطلان.

قال: ان المخالفة فى الوصف انما يضر فى مكانين.

الاول: فى الكلى كما اذا باعه حنطة حمراء فاراد ان يسلمه صفراء فانه من قبيل الوفاء بغير الجنس، لان العقد لم يقع على الحنطة الصفراء.

الثانى: فى الشخصى اذا كان الوصف مقوما، كما اذا باعه حيوانا

ص: 371

ناش عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات، و الوصف المعين فى الشخصيات، و بين الوصف الذاتى و العرضى و ان اقصى ما هناك كونه من باب تعارض الاشارة و الوصف، و الاشارة اقوى، مجازفة لا محصل لها

______________________________

ناطقا فظهر حيوانا ناهقا.

اما اذا كان المبيع شخصيا و كان الوصف عرضيا لم يضر، بل كان من باب تعارض الاشارة و الوصف و تقدم الاشارة حينئذ، كما اذا باعه ما فى الحجرة على انه حنطة حمراء فظهرت صفراء.

فتحصل ان القول بالبطلان فى تخلف الوصف فى البيع الشخصى اشتباه (ناش) هذا الاشتباه (عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات) فى بيع الكلى (و الوصف المعين فى الشخصيات) فى بيع الشخصى (و بين الوصف الذاتى) فى الشخصى (و العرضى) فى الشخصى (و ان اقصى ما هناك) فى مورد التخلف فى الوصف الشخصى العرضى (كونه من باب تعارض الاشارة و الوصف، و) عند تعارضهما تقدم (الاشارة) لانها (اقوى) هذا تمام كلام الدافع فى ايراده على مجمع البرهان، و قد رده المصنف بانه (مجازفة لا محصل لها).

و قوله «مجازفة» خبر قوله «ان دفع ما ذكر».

و حيث ان ايراد الدافع كان فى البيع الشخصى فى الوصف العرضى اذ يراه صحيحا، لا فى الكلى بوصفيه العرضى و الذاتى، و لا فى الشخصى بوصفه الذاتى، حيث يرى هذه الثلاثة باطلة، كان جواب المصنف على القسم الّذي يرى انه صحيح.

ص: 372

و اما كون الاشارة اقوى من الوصف عند التعارض فلو جرى فيما نحن فيه

______________________________

و حاصل اشكال المصنف عليه انه حيث كان قصد المتبايعين المتصف و كان رضا هما المعاملى مقيدا بالمتصف، لم يكن وجه لصحة العقد بالنسبة الى غير المتصف، اذ لا قصد بالنسبة إليه و لا رضا لهما به.

اذا لا اشتباه فى كلام الاردبيلى حيث حكم ببطلان الشخصى العرضى.

و الحاصل: ان الرضا مقيد بالموصوف، لا بالفاقد للوصف، و لا فرق فى ذلك بين الكلى و الشخصى و الوصف الذاتى و العرضى، و حيث لا رضا لم يصح العقد.

(و اما كون الاشارة اقوى من الوصف عند التعارض) الّذي ذكره فى آخر كلامه، فيرد عليه ان التمسك بتقديم الاشارة على الوصف انما يكون فيما اذا كان هناك ظهوران ظهور الاشارة و ظهور الوصف، و شك فى تعيين ايهما، فانه يرجع الى قوة دلالة الاشارة على دلالة الوصف، او بالعكس.

و ليس المقام من باب تعارض ظهورين، بل انا نعلم ان المشترى اراد كلا الامرين الوصف و الاشارة معا فإنه اراد الحنطة الحمراء التى فى الحجرة، فاذا ظهرت مفقودة الوصف لم يكن راضيا بها، و لذا كان الموجود غير مقصود له (ف) الحاصل: ان كون الاشارة اقوى من الوصف غير جار فى المقام.

و (لو جرى فيما نحن فيه) من ظهور تخلف الوصف

ص: 373

لم يكن اعتبار بالوصف فينبغى لزوم العقد.

و اثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص، لا مشخصا لكلى، حتى يتقوم به، و كونه عرضيا لا ذاتيا، اعادة للكلام السابق.

______________________________

(لم يكن اعتبار بالوصف) اصلا، اذ حسب كلام الدافع الاشارة مقدمة على الوصف (فينبغى لزوم العقد) لا ان يكون فيه الخيار.

اذ بعد تقدم الاشارة لا وجه لتزلزل العقد حتى يكون فيه خيار.

(و) ان قلت: انما يقول الدافع باثبات الخيار، لان الوصف عرضى فى البيع الشخصى فاذا انتفى كان له الخيار.

ف (اثبات الخيار) انما هو (من جهة كونه) اى كون الوصف المفقود (وصفا لشخص، لا) من جهة كونه (مشخصا لكلى، حتى يتقوم) الكلى (به) اى بذلك الوصف، حيث يكون انتفائه موجبا لبطلان البيع (و) الوصف الشخصى لدى (كونه عرضيا لا ذاتيا) لا يوجب تخلفه بطلان البيع، بل يوجب تزلزله و الخيار فيه.

قلت: هذا (اعادة للكلام السابق) الّذي ذكره الدافع من الفرق بين الكلى و الشخصى، و الذاتى و العرضى.

و قد عرفت ان ما نحن فيه لا يستقيم فيه هذا الكلام، لان الرضا قد تعلق بالشخصى المقيد بهذا الوصف، فعدم الوصف لا رضا به، و حيث لم يكن رضا فالعقد باطل، لا انه متزلزل.

فقوله «اعادة» خبر لقوله «و اثبات الخيار».

ص: 374

و يمكن ان يقال ان المستفاد من النصوص و الاجماعات فى الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع، سواء علم القصد إليها من الخارج أم اشترطت فى العقد كالحكم بمضى العقد على المعيب مع عدم القصد الا الى الصحيح و منه المصراة و كالحكم

______________________________

(و يمكن ان يقال) فى جواب اشكالنا السابق الّذي ذكرناه بقولنا «الا ان يقال ان الموجود ..» حيث كان حاصله الاشكال فى صحة البيع مع فقد الوصف بسبب ان المقصود غير موجود، فلم يقع البيع عليه و لا كان رضا به (ان المستفاد من النصوص و الاجماعات فى الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة) للمشترى (غير المتقومة للمبيع)

و هذا الاستقراء يوجب فهم كلى هو عبارة عن «ان فقد الصفة لا يوجب بطلان البيع» و من افراد هذا الكلى ما نحن فيه و هو مورد خيار الرؤية (سواء علم القصد إليها) اى الى تلك الصفة المفقودة (من الخارج) كما فى صفة الصحة، فانها و ان لم تذكر فى المعاملة، الا انها مقصودة.

و لذا اذا فقدت كان للمشترى خيار العيب- (أم اشترطت فى العقد) ففى ما نحن فيه من تخلف الرؤية بمضى العقد (كالحكم) اى كحكمهم (بمضى العقد على المعيب مع عدم القصد) للمشترى (الا الى الصحيح، و منه) اى من موارد صحة البيع مع عدم الوصف بيع الشاة (المصراة) حيث يخدع البائع فيجمع الحليب فى ثدى الحيوان، فيظهر انه يعطى حليبا كثيرا، و يشتريه المشترى بهذا الوصف، ثم اذا ظهرت له الخدعة كان له الخيار، مع انه قد فقد الوصف، لا ان البيع باطل (و كالحكم

ص: 375

فى النص و الفتوى بتبعيض الصفقة اذا باع ما يملك و ما لم يملك، و غير ذلك، فتأمل و سيجي ء بعض الكلام فى مسألة الشرط الفاسد ان شاء الله

نعم هنا اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل فى الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار.

______________________________

فى النص و الفتوى بتبعيض الصفقة اذا باع ما يملك و ما لم يملك) مع ان صفة الاجتماع التى كانت مقصودة للبائع قد انتفت، و مع ذلك حكم عليه بالخيار، لا ببطلان المعاملة (و غير ذلك) كبيع ما يملك و ما لا يملك كالخل و الخمر، حيث ان البيع ليس بباطل، بل له الخيار بعد ظهور بطلان البيع بالنسبة الى ما لا يملك و قد فقد وصف الاجتماع فى المبيع (فتأمل)

لعله اشارة الى ان استقراء الناقص لا يوجب العلم بالكلي، حتى يثبت الحكم بسبب ذلك الكلى فى ما نحن فيه الّذي هو تخلف الرؤية (و سيجي ء بعض الكلام) المفيد للمقام (فى مسألة الشرط الفاسد ان شاء الله) تعالى، هذا

(نعم هنا) اى فى مسألة تخلف الوصف الموجب للخيار، و تخلف الحقيقة الموجب للبطلان (اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل فى الحقيقة) اى فى حقيقة المبيع كالناطق و الناهق (عرفا) بان يرى العرف انه داخل فى حقيقة المبيع (الموجب ظهور خلافه) و ان المبيع ليس مشتملا على هذا الوصف و هو (بطلان البيع و) الوصف (الخارج عنها) اى عن الحقيقة (الموجب ظهور خلافه) فى البيع (للخيار) مثل:

الهزال و السمن فى الغنم مثلا.

ص: 376

فان الظاهر دخول الذكورة و الانوثة فى المماليك فى حقيقة المبيع لا فى مثل الغنم، و كذا الرومى و الزنجى حقيقتان عرفا.

و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الاوصاف، كما اذا باعه الدهن او الجبن او اللبن على انه من الغنم، فبان من الجاموس، و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر.

و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته على العرف

______________________________

و لنذكر بعض هذه الاقسام (فان الظاهر دخول الذكورة و الانوثة فى المماليك فى حقيقة المبيع) فاذا اشترى جارية فظهر عبدا بطل البيع، و كذا العكس (لا فى مثل الغنم) اذ العرف يرى عدم الفرق الا فى وصف خارج عن الحقيقة (و كذا الرومى) الا بيض (و الزنجى) الاسود فى العبيد (حقيقتان عرفا) مع انهما وصفان ليسا داخلين فى الحقيقة عقلا

(و ربما يتغاير الحقيقتان) واقعا (مع كونه) اى الحقيقة (فيما نحن فيه من قبيل الاوصاف) فيرى العرف ان عدمه لا يضر بالحقيقة، و انما يضر بالصفة فقط، فللمشترى الخيار، فلا يكون البيع باطلا (كما اذا باعه الدهن او الجبن او اللبن على انه من الغنم، فبان من الجاموس) فان الحقيقة قد تغيرت، و مع ذلك فيه الخيار لان العرف يرى ان الوصف قد تغير (و كذا لو باعه خل الزبيب فبان) انه (من التمر) الى غير ذلك من الامثلة.

(و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته على العرف).

فان رأى اتحاد الجنس فالخيار، و ان رأى مغايرة الجنس فالبطلان

ص: 377

و ان خالف ضابطة التغاير المذكورة فى باب الرباء فتأمّل.

______________________________

و ذلك لان العرف هو الميزان فى رؤية ان هذا هو المبيع او غيره (و ان خالف ضابطة التغاير المذكورة فى باب الرباء) لان فى الربا يلاحظ اصل الشي ء، فجبن الغنم و جبن الجاموس شيئان، و لذا يجوز فيهما التفاضل (فتأمل).

لعله اشارة الى ان احالة التغاير و الاتحاد الى العرف احالة على المجهول، اذ العرف كثيرا ما يختلفون، فبينما يرى بعضهم انهما جنسان و يرى بعض آخر انهما جنس واحد و اللّه سبحانه العالم.

ص: 378

مسئلة الاكثر على ان الخيار عند الرؤية فورى،

بل نسب الى ظاهر الاصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين الا من احمد، حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الّذي وقعت فيه الرؤية.

و احتمل فى نهاية الاحكام و لم اجد لهم دليلا صالحا على ذلك الا وجوب الاقتصار فى مخالفة لزوم العقد على المتيقن.

و يبقى على القائلين بالتراخى فى مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين.

______________________________

(مسألة: الاكثر) من الفقهاء (على ان الخيار عند الرؤية فورى) فاذا علم به و اخذ فورا، كان له ذلك، و الا سقط خياره (بل نسب) هذا القول (الى ظاهر الاصحاب، بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين الا من احمد) بن حنبل (حيث جعله) اى الخيار (ممتدا) زمانا (بامتداد المجلس الّذي وقعت فيه الرؤية) سواء طال المجلس، او قصر.

(و احتمل) الفور (فى نهاية الاحكام و) لكنّى (لم اجد لهم دليلا صالحا على ذلك) الفور (الا وجوب الاقتصار فى مخالفة لزوم العقد) مخالفة بسبب الخيار (على المتيقن) الّذي هو الفور.

(و) على هذا، ف (يبقى على القائلين بالتراخى فى مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين) لان دليل المقامين واحد، فاذا اقتضى فى احد المقامين الفور اقتضى فى المقام الثانى الفور أيضا

ص: 379

مع ان صحيحة جميل المتقدمة فى صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك- بعدم بيان مدة الخيار فيها- على عدم الفورية، و ان كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه فى بعض الخيارات المستندة الى النص.

و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب فى اثبات التراخى، و ان استندوا إليه فى بعض الخيارات السابقة.

______________________________

(مع ان صحيحة جميل المتقدمة فى صدر المسألة) الدالة على خيار الرؤية (مطلقة) من حيث الفور و التراخى و (يمكن التمسك- ب) سبب (عدم بيان مدة الخيار فيها- على عدم الفورية) لانه لو كان الخيار فورا لزم بيان ذلك، فعدم البيان دليل عدم الفور (و ان كان) التمسك بالإطلاق دليلا على التراخى (خلاف التحقيق كما نبهنا عليه فى بعض الخيارات المستندة الى النص).

اذ قلنا هناك ان المنصرف من الخبر هو الخيار فى صورة التضرر، و التضرر لا يكون الا بعدم الخيار فورا.

اما اذا لم يختر فتضرر، فقد اخّر هو على نفسه بنفسه، و قد ذكرنا هناك ان الانصراف لا وجه له.

(و قد بينا سابقا) هناك (ضعف التمسك بالاستصحاب فى اثبات التراخى).

و بيان الاستصحاب انه كان خيار و نشك فى زواله فى الآن الثانى فالاصل بقائه (و ان استندوا إليه) اى الى الاستصحاب (فى بعض الخيارات السابقة)

و حيث ان كل تفاصيل ذلك قد تقدمت فلا داعى الى اعادة الكلام فى ذلك.

ص: 380

مسئلة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا على الوجه المتقدم فى خيار الغبن،

و باسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها.

و لو تصرف قبلها ففى سقوط الخيار، وجوه.

ثالثها: ابتناء ذلك على جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا) بناء على القول بانه فور، لكنك قد عرفت سابقا ان مقتضى القاعدة التراخى فلا يسقط بترك المبادرة (على الوجه المتقدم فى خيار الغبن) بالمراد بالفور، و المراد بالتراخى بان لا يكون تراخيا طويلا يوجب ضرر البائع- مثلا- (و باسقاطه) اى اسقاط الخيار (بعد الرؤية) لانه حق لذى الخيار فله اسقاطه (و بالتصرف بعدها) اى بعد الرؤية، لان التصرف دليل الرضا كما سبق فى بعض الخيارات-.

(و لو تصرف قبلها) اى قبل الرؤية، كما لو قال لولده، تصرف فيه او باعه او ما اشبه ذلك (ففى سقوط الخيار) مطلقا، او عدم سقوطه مطلقا (وجوه) ثلاثة.

(ثالثها: ابتناء ذلك) السقوط و عدمه (على جواز اسقاط الخيار) و هو خيار الرؤية (قولا) اى بالقول، بان يقول: اسقطت خيارى (قبل الرؤية) فيجوز السقوط الفعلى أيضا قبل الرؤية.

و عدم جواز اسقاطه قبل الرؤية- قولا- فلا يجوز اسقاطه فعلا أيضا

ص: 381

بناء على ان التصرف اسقاط فعلى.

و فى جواز اسقاطه قبل الرؤية، وجهان مبنيان على ان الرؤية سبب، او كاشف.

قال فى التذكرة: لو اختار امضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم، لتعلق الخيار بالرؤية، انتهى، و حكى ذلك من غيرها أيضا.

و ظاهره ان الخيار يحدث بالرؤية، لا انه يظهر بها.

______________________________

(بناء على ان التصرف اسقاط فعلى) فيتبع الاسقاط القولى و قوله «بناء» وجه لقوله «ابتناء ذلك».

(و) على هذا ف (فى) لزوم التكلم حول (جواز اسقاطه قبل الرؤية) اسقاطا بالقول (وجهان) الاسقاط و عدمه، و هما (مبنيان على ان الرؤية سبب) للخيار، فقبلها لا خيار حتى يسقطها (او كاشف) عن كون الخيار من حين العقد فهو حق له، فله اسقاطه قبل الرؤية.

(قال فى التذكرة) مرجحا ان الرؤية سبب فليس له اسقاط الخيار قبل الرؤية (لو اختار امضاء العقد) باسقاط الخيار (قبل الرؤية لم يلزم) الامضاء، بل خياره باق (لتعلق الخيار بالرؤية) و لم تحصل الرؤية بعد فلا خيار فلا اسقاط (انتهى، و حكى ذلك) القول الّذي قال به العلامة (من غيرها) اى من غير التذكرة (أيضا).

(و ظاهره) اى ظاهر هذا القول (ان الخيار يحدث بالرؤية، لا انه) اى الخيار ثابت بالعقد، و انه (يظهر بها) اى بالرؤية.

ص: 382

و لو جعلت الرؤية شرطا، لا سببا، امكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق السبب، و هو العقد، و لا يخلو عن قوة.

و لو شرط سقوط هذا الخيار ففى فساده و افساده للعقد كما عن العلامة و جماعة او عدمهما كما عن النهاية، و بعض

______________________________

(و لو جعلت الرؤية شرطا) للخيار (لا سببا) فالخيار يثبت بالعقد بشرط الرؤية (امكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق السبب، و هو العقد)

و ذلك لان بعض مقوم الخيار قد حدث، فيسقط المشترى هذا المقوم (و لا يخلو) هذا الاحتمال الثالث فى قبال الاحتمالين الاولين (عن قوة).

اذ لا وجه للقول بان العقد سبب كامل لتعلق الخيار بالرؤية فى النص و الفتوى، و لا للقول بان العقد لا مدخلية له اصلا، لوضوح انه لو لا العقد لم يكن خيار اصلا، فاللازم القول بمدخلية كل من العقد و الرؤية فى الخيار.

لكن الاظهر ان العقد سبب فله اسقاطه اذ الرؤية كاشفة بحتة عن عدم انطباق المشترى مع الموصوف.

(و لو شرط) حين العقد (سقوط هذا الخيار).

«1» (ففى فساده) بنفسه (و افساده للعقد) فلا بيع (كما عن العلامة و جماعة).

«2» (او عدمهما) فلا فساد و لا افساد، بل العقد صحيح، و لا خيار (كما عن النهاية، و بعض).

ص: 383

او الفساد دون الافساد وجوه، بل اقوال، من كونه موجبا لكون العقد غررا كما فى جامع المقاصد من ان الوصف قام مقام الرؤية، فاذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئى و لا موصوف.

و من ان دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتى يثبت بارتفاعه،

______________________________

«3» (او الفساد دون الافساد) فالعقد صحيح، لكن الشرط فاسد (وجوه) ثلاثة (بل اقوال) حتى الوجه الثالث قد ذهب إليه بعض.

الوجه الاول «الفساد و الافساد» (من كونه موجبا لكون العقد غررا) لانه لا يعلم كيف يوجب المبيع و الغرر بطلان العقد (كما) بيّنه (فى جامع المقاصد) بقوله: (من ان الوصف) للمبيع (قام مقام الرؤية) فان كليهما يرفعان الغرر (فاذا شرط) فى العقد (عدم الاعتداد به) اى بالوصف لان معنى عدم الخيار عند تخالف الوصف: انه لا اعتبار بالوصف (كان المبيع غير مرئى) حقيقة، لانه لم يره- فرضا- (و لا موصوف) اعتبارا لانه شرط ما يسقط الوصف، و مثله غرر بلا اشكال، و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر، كما انه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن الغرر.

(و) وجه الثانى «عدم الفساد و عدم الافساد» انه لا يلزم (من) اسقاط الخيار الغرر اذ عدم الغرر لم يكن بسبب الخيار، حتى يكون اسقاط الخيار سببا للغرر.

ف (ان دفع الغرر عن هذا البيع) و هو بيع غير المرئى، اعتمادا على الوصف (ليس بالخيار حتى يثبت) الغرر (بارتفاعه) اى بارتفاع

ص: 384

فان الخيار حكم شرعى لو اثر فى دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا

و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فان الغرر هو الاقدام على شراء العين الغائبة على اى صفة كانت و لو كان الالتزام المذكور

______________________________

الخيار.

و انما لم يكن الخيار سببا لعدم الغرر (فان الخيار حكم شرعى) لا وصف للمبيع، و الرافع للغرر وصف المبيع لا الحكم الشرعى.

و (لو اثر) حكم الشرع بالخيار (فى دفع الغرر، جاز بيع كل مجهول) بيعا (متزلزلا) مع وضوح انه لا يجوز بيع المجهول بيعا متزلزلا.

(و) الحاصل ان صحة بيع غير المرئى كانت مستندة الى وصفه، و العلم بالمبيع الحاصل من الوصف سبب عدم الغرر، ف (العلم بالمبيع) غير المرئى المصحح لبيعه (لا يرتفع بالتزام) المشترى (عدم الفسخ عند تبين المخالفة) اى مخالفة الرؤية للوصف (فان الغرر هو الاقدام على شراء العين الغائبة على اى صفة كانت) تلك العين، و الحال ان مثل ذلك لا يكون فيما نحن فيه، اذ العين مشتراة بصفة ذكرها البائع.

و ان شئت قلت: ان العين الموصوفة ان كانت مجهولة لم يجز بيعها و ان كان خيار، لان الخيار لا يغلب الجهل علما بالعين، و ان لم تكن مجهولة جاز بيعها و ان لم يكن خيار: بان شرط سقوط خيار الرؤية عند العقد هذا هو جواب الحلّى عن المسألة.

ثم اجاب المصنف جوابا نقضيا بقوله: (و لو كان الالتزام المذكور)

ص: 385

مؤديا الى الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه، لانه بمنزلة بيع الشي ء صحيحا او معيبا باى عيب كان، و لا شك انه غرر.

و انما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة

______________________________

اى الالتزام بسقوط خيار الرؤية (مؤديا الى الغرر)- كما اشار إليه القول الاول و هو «الفساد و الافساد»- (لكان اشتراط البراءة من العيوب) فى المبيع المحتمل كونه معيبا (أيضا مؤديا إليه) اى الى الغرر (لانه) اى المبيع مع البراءة من العيوب (بمنزلة بيع الشي ء صحيحا او معيبا باى عيب كان)- فانه معنى البراءة من كل عيب- (و لا شك انه) اى بيع الشي ء صحيحا او معيبا باى عيب (غرر) فما تقولونه فى صحة بيع الشي ء بشرط البراءة من العيوب، فقولوا به فى صحة بيع غير المرئى بشرط سقوط الخيار.

(و) ان قلت: الفرق بين البراءة من العيوب، و بين سقوط خيار الرؤية، المستلزم للبراءة من الوصف هو ان ذكر الصحة غير لازم فى البيع و لذا يصح اسقاط الصحة، بالبراءة من العيب او ذكر الوصف لازم فى بيع غير المرئى، و لذا لا يصح اسقاط الوصف، باسقاط خيار الرؤية.

قلت: هذا الفرق غير تام، اذ ذكر الصحة أيضا لازم اما بنفسه او ببدله، و بدله هو الاعتماد على اصالة الصحة، اذا فذكر الصحة، لفظا او بدلا، لازم، و ذكر الوصف لازم أيضا و كما يصح اشتراط سقوط وصف الصحة فلا خيار للعيب، كذلك يصح اشتراط سقوط الوصف فلا خيار للرؤية ف (انما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة) فلا يلزم شرط الصحة فى

ص: 386

اعتمادا على اصالة الصحة، لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب فى المبيع، لان تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش من تخالف افراد الصحيح.

و اقتصارهم فى بيان الاوصاف المعتبرة فى بيع العين الغائبة

______________________________

العقد (اعتمادا على اصالة الصحة) القائمة مقام شرط الصحة (لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب فى المبيع) مطلقا.

و انما يلزم ذكر الصحة لفظا، او اعتمادا على الاصل (لان) البيع بدون ذلك غرر.

فان (تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش) و اكثر ايجابا للغرر (من تخالف افراد الصحيح) كما فى ما اشتراه بالوصف، فظهر بدون الوصف.

فتحصل ان شرط الوصف مثل شرط الصحة كلاهما يرفع الغرر فكما ان اشتراط سقوط الخيار- خيار العيب- فى شرط الصحة لا يوجب الغرر كذلك اشتراط سقوط الخيار- خيار الرؤية- فى وصف المبيع لا يوجب الغرر.

(و) ان قلت: اذا كانت الصحة اهم من سائر الاوصاف لما ذكرتم من ان تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش من تخالف افراد الصحيح، فلما ذا تذكر الاوصاف فى العين الغائبة، و لا تذكر الصحة غالبا؟ و لم يشترط احد لزوم ذكر وصف الصحة عند تعدد الاوصاف فى بيع العين الغائبة.

قلت: (اقتصارهم فى بيان الاوصاف المعتبرة فى بيع العين الغائبة

ص: 387

على ما عدا الصفات الراجعة الى العيب انما هو للاستغناء عن تلك الاوصاف باصالة الصحة، لا لجواز اهمالها عند البيع.

فحينئذ فاذا شرط البراءة من العيوب، كان راجعا الى عدم الاعتداد بوجود تلك الاوصاف و عدمها، فيلزم الغرر خصوصا على ما حكاه فى الدروس عن ظاهر الشيخ و اتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره، كالبيض و الجوز

______________________________

على ما عدا الصفات الراجعة الى العيب) اى المقابلة للعيب.

مثلا: يقولون شاة سليمة، سمينة، ذكر، و لا يذكرون انها غير عوجاء و لا عمياء و لا مجدوعة (انما هو) الاقتصار و عدم ذكر الصحة (للاستغناء عن) ذكر (تلك الاوصاف) اى اوصاف الصحة (باصالة الصحة) المعتبرة عند العقلاء فى كل بيع لم ينصّ فيه على ان المبيع معيب (لا لجواز اهمالها) اى اهمال اوصاف الصحة (عند البيع).

(فحينئذ) اى حين كان وصف الصحة اهم من سائر الاوصاف، و انه يجب ذكره او الاعتماد على اصل الصحة (فاذا شرط البراءة من العيوب كان) هذا الشرط (راجعا الى عدم الاعتداد بوجود تلك الاوصاف) اى اوصاف الصحة «فان كل وصف فى مقابل نقص او مرض» (و عدمها، فيلزم الغرر) بل اشد الغرر احيانا (خصوصا) و هذا بيان لاشد الغرر (على ما حكاه فى الدروس عن ظاهر الشيخ و اتباعه من جواز اشتراط البراءة) اى براءة البائع- عند البيع- (من العيوب) حتى (فيما لا قيمة) لمعيبه و (لمكسوره) بان لا يستفيد المشترى منه شيئا (كالبيض و الجوز

ص: 388

الفاسدين كذلك حيث ان مرجعه على ما ذكروه هنا فى اشتراط سقوط خيار الرؤية الى اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع.

و لذا

______________________________

الفاسدين) فانهما اذا كسرا لم يكن له نفع اصلا (كذلك) اى مكسورا مع ان اشتراط البراءة معناه ذهاب مال المشترى بلا بدل.

اقول: لعل نظر الشيخ الى ان البيض و الجوز الفاسدين لهما مالية، لان البيض يصلح للجمال و الجوز للّعب.

فمعنى قبول المشترى لاشتراط البراءة انه مقدم على اشتراء ما قيمته اقل مما يدفعه من الثمن «فى صورة كونهما فاسدين واقعا» فهو اقدم على ضرر نفسه باعطاء ثمن اكثر فى قبال متاع اقل قيمة.

و اذا كان هذا الشرط و هو شرط البراءة من العيب صحيحا، صح شرط تخلف الوصف فيما نحن فيه (حيث ان مرجعه) اى مرجع شرط البراءة من العيب (على ما ذكروه هنا فى اشتراط سقوط خيار الرؤية) فانهم قالوا: لا يصح اشتراط سقوط خيار الرؤية، لانه يوجب الغرر بكون الثمن اكثر من قيمة المبيع (الى اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع).

و الحاصل: انه اذا كان شرط تخلف الوصف غير صحيح، كان شرط البراءة من العيب غير صحيح بطريق اولى، لان فى تخلف الوصف ضرر قليل و فى العيب خصوصا مثل فساد البيض و الجوز ضرر كثير، و احيانا يكون كله ضررا.

(و لذا) الّذي يوجب شرط البراءة فى مثل الجوز و البيض، عدم

ص: 389

اعترض عليهم- الشهيد و اتباعه- بفساد البيع مع هذا الشرط.

لكن مقتضى اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة، لان مرجعه الى عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا باىّ عيب.

و الغرر فيه افحش من البيع، مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا باىّ وصف كان.

______________________________

الاعتداد بمالية المبيع (اعترض عليهم) اى على الشيخ و اتباعه و هم (- الشهيد و اتباعه- بفساد البيع مع هذا الشرط) اى شرط البراءة فى الجوز و البيض، لانه لا مالية له فى قبال الثمن، فلا يتحقق بيع اصلا

(لكن مقتضى اعتراضهم) اى اعتراض الشهيد و اتباعه (فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب) لا فى خصوص البيض و الجوز (و لو كان للمعيب قيمة).

و انما كان مقتضى اعتراضهم ذلك (لان مرجعه) اى مرجع اشتراط البراءة (الى عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا، و معيبا باىّ عيب) كان (و) من المعلوم ان (الغرر فيه) اى فى شرط البراءة (افحش من البيع، مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا باىّ وصف كان).

فكيف يجوز شرط البراءة- حتى فيما لمعيبه قيمة، كما تسالم عليه الشهيد و اتباعه، بل ما ذكره الشيخ و اتباعه- و لا يجوز شرط سقوط خيار تخلف الوصف.

اقول: لا يخفى ان فى عبارة المصنف لفّا و تكرارا، و لعل الاضطراب

ص: 390

ثم انه قد يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر فى البيع حتى يلزم فساد البيع، و لو على القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد، بل من جهة انه اسقاط لما لم يتحقق، بناء على ما عرفت من ان الخيار انما يتحقق بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها.

فاشتراط الاسقاط لغو، و فساده

______________________________

واقع فى نسختى.

(ثم) ان المصنف ذكر فى أوّل المسألة اقوالا ثلاثة، و قد ذكر وجهى «الفساد و الافساد» و «الصحة بدون فساد و لا افساد».

و الآن يريد بيان الوجه الثالث و هو «فساد الشرط- شرط البراءة من الوصف- دون افساده العقد».

ف (انه قد يثبت فساد هذا الشرط) اى شرط سقوط خيار تخلف الوصف (لا من جهة لزوم الغرر فى البيع حتى يلزم فساد البيع) أيضا، فانه لو كان غررا فسد البيع (و لو على القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد) لانه لو كان غررا لفسد، لا من ناحية ان الشرط الفاسد مفسد، بل لان الغرر- مهما كان سببه- يكون مفسدا.

فبطلان الشرط ليس من هذه الجهة (بل من جهة انه اسقاط لما لم يتحقق، بناء على ما عرفت) سابقا (من ان الخيار انما يتحقق بالرؤية فلا يجوز) اى لا يصح (اسقاطه) اى اسقاط الخيار (قبلها) اى قبل الرؤية فهو مثل اسقاط خيار الغبن قبل البيع مثلا حيث ان هذا الاسقاط لا يؤثر (فاشتراط الاسقاط) لخيار الرؤية قبل الرؤية (لغو، و فساده) اى

ص: 391

من هذه الجهة لا يؤثر فى فساد العقد، فيتعين المصير الى ثالث الاقوال المتقدمة.

لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول.

و اقوى الاقوال اوّلها، لان دفع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم يكن لثبوت الخيار لان الخيار حكم شرعى، لا دخل له فى الغرر العرفى

______________________________

فساد الشرط (من هذه الجهة) اى من جهة انه اسقاط لما لم يجب، و انه لغو (لا يؤثر فى فساد العقد) اذ لا علاقة بين الامرين.

و على هذا (فيتعين المصير الى ثالث الاقوال المتقدمة) و هو «فساد الشرط دون فساد العقد».

(لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول) لان اسقاط الخيار ليس اسقاطا لما لم يجب، فان العقد سبب، اما كاملا او فى الجملة.

و فى كلا الحالين يصح اشتراط سقوط الخيار فى ضمنه، فلا يبقى الا احد القولين من الفساد و الافساد، او الصحة عقدا و شرطا.

(و اقوى الاقوال) لدى المصنف (اولها) و هو «الفساد و الافساد» (لان دفع الغرر عن هذه المعاملة) انما هو بالاوصاف لوضوح انه لو لا الاوصاف كانت المعاملة غررية.

فاشتراط سقوط الخيار الّذي معناه عدم الالتزام بالاوصاف يعيد الغرر الى المعاملة فرفع الغرر (و ان لم يكن لثبوت الخيار)- اذ الخيار لا يرفع الغرر- (لان الخيار حكم شرعى، لا دخل له فى الغرر العرفى).

فان الغرر عرفا- ان كان- فهو حاصل، و ان كان خيار.

ص: 392

المتحقق فى البيع، الا انه لاجل سبب الخيار، و هو اشتراط تلك الاوصاف المنحل الى ارتباط الالتزام العقدى بوجود هذه الصفات لانها اما شروط للبيع، و اما قيود للمبيع كما تقدم سابقا و اشتراط سقوط الخيار راجع الى الالتزام بالعقد على تقديرى وجود تلك الصفات و عدمها و التنافى بين الامرين واضح.

______________________________

و ان لم يكن فليس بحاصل، و ان لم يكن خيار (المتحقق) ذلك الغرر (فى البيع، الا انه) اى دفع الغرر (لاجل سبب الخيار، و) علته سبب الخيار الّذي (هو اشتراط تلك الاوصاف) فى المبيع (المنحل) ذلك الاشتراط (الى ارتباط الالتزام العقدى بوجود هذه الصفات).

فان معنى اشتراط الاوصاف فى البيع: ان المشترط ملتزم بالعقد الّذي فيه هذه الاوصاف.

و انما كان ارتباط بين الالتزام العقدى، و بين هذه الصفات (لانها اما شروط للبيع) فالبيع لا يكون الا مقيدا بهذه الصفات (و اما قيود للمبيع) اى ان المبيع الّذي له هذه الصفات هو الشي ء الواقع عليه العقد (كما تقدم سابقا) من الربط بين الالتزام العقدى، و بين هذه الصفات.

اذا فدفع الغرر منوط باشتراط هذه الصفات (و اشتراط سقوط الخيار راجع الى الالتزام بالعقد على تقديرى وجود تلك الصفات و عدمها) فكانه قال: انى لا التزم بالصفات (و التنافى بين الامرين) و هما:

اشتراط الاوصاف و: اشتراط سقوط الخيار (واضح).

فشرط السقوط للخيار معناه اسقاط اشتراط الاوصاف و سقوط الاوصاف

ص: 393

و اما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بان نفى العيوب ليس مأخوذا فى البيع على وجه الاشتراط او التقييد، و انما اعتمد المشترى فيهما على اصالة الصحة، لا على تعهد البائع

______________________________

يوجب الغرر، و اذا جاء الغرر بطل العقد.

اذا فهذا الشرط فاسد فى نفسه و مفسد للعقد.

اقول: قد تعرض غير واحد من المعلقين لردّ كلام المصنف و تقوية ان هذا الشرط ليس بفاسد و لا مفسد فراجع كلماتهم.

(و) ان قلت: اذا كان هذا الشرط فاسدا مفسدا، فلما ذا يكون شرط البراءة من العيوب صحيحا، مع ان شرط البراءة من العيوب كشرط اسقاط خيار الرؤية، و كلاهما يوجب الغرر فى البيع.

قلت: (اما قياس هذا الاشتراط) اى اشتراط سقوط خيار الرؤية (باشتراط البراءة) كما تقدم بيان هذا القياس (فيدفعه الفرق بينهما بان) البائع لم يتعهد نفى العيوب حتى ينافى ذلك براءته من العيوب و فى المقام البائع تعهد الاوصاف فينافى ذلك اشتراط البراءة اى نفى تعهد الاوصاف.

فان (نفى العيوب ليس مأخوذا فى البيع على وجه الاشتراط، او التقييد) فلم يقل: بعتك بشرط ان لا يكون معيبا، و كذا لم يقل: بعتك هذا المبيع مقيدا بان لا يكون معيبا (و انما اعتمد المشترى فيهما) اى فى الاشتراط او التقييد (على اصالة الصحة) اذ الاصل فى كل شي ء ان يكون صحيحا (لا على تعهد البائع

ص: 394

لانتفائها حتى ينافى ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها بخلاف الصفات فيما نحن فيه فان البائع يتعهد لوجودها فى المبيع، و المشترى يعتمد على هذا التعهد، فاشتراط البائع على المشترى عدم تعهده لها، و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافات لذلك.

نعم

______________________________

لانتفائها) فلم يتعهد البائع بانتفاء العيوب (حتى ينافى ذلك) اى ينافى تعهده انتفاء العيوب (اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها) فيقع البائع فى امرين متنافيين.

اذا فنفى شرط البراءة من العيوب، تعهد واحد من البائع (بخلاف الصفات فيما نحن فيه) اى فى البيع بخيار الرؤية (فان البائع يتعهد لوجودها) اى لوجود تلك الصفات (فى المبيع، و المشترى يعتمد على هذا التعهد) و هذا التعهد قائم مقام الرؤية (فاشتراط البائع على المشترى عدم تعهده لها).

فان معنى البراءة من مخالفة الصفات باسقاط الخيار، معناه عدم تعهد البائع بالصفات (و التزام) البائع (العقد عليه) اى على المبيع (بدونها) اى بدون تلك الصفات (ظاهر المنافات لذلك) التوصيف.

فبالوصف قال البائع: انى ملتزم بالمبيع ذى الصفات.

و بالبراءة قال البائع: انى لست ملتزما بالمبيع ذى الصفات.

(نعم) لو كان اعتماد المشترى فى وجود الصفات على ما رآه سابقا- لا على التزام البائع- فشرط البائع البراءة، كاشتراط البائع البراءة، من

ص: 395

لو شاهده المشترى و اشتراه معتمدا على اصالة بقاء تلك الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ، لو ظهرت المخالفة، كان نظير اشتراط البراءة من العيوب كما انه لو اخبر بكيله او وزنه، فصدقه المشترى فاشترط عدم الخيار، لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه.

______________________________

العيب، و لم تكن هناك منافات.

ف (لو شاهده المشترى) سابقا (و اشتراه معتمدا على اصالة بقاء تلك الصفات) بدون التزام البائع للصفات (فاشترط البائع) براءته من الخيار اذا ظهرت الصفات مخالفة ب (لزوم العقد عليه) اى على المشترى (و عدم) حق للمشترى فى (الفسخ، لو ظهرت المخالفة) للصفات (كان نظير اشتراط البراءة من العيوب) فان هذا الشرط غير ضارّ حينئذ، اذ لا منافات بين مشاهدة المشترى للصفات و بين اشتراط البائع البراءة من الصفات.

اذا فالبيع اعتمادا على مشاهدة الصفات لا يضره شرط البراءة، و البيع اعتمادا على اخبار البائع بالصفات يضره شرط البراءة.

و كذلك: البيع اعتمادا على اخبار البائع بالوزن يضره شرط عدم الخيار للمشترى لو ظهر النقص، و البيع اعتمادا على معرفة المشترى بالوزن لا يضرّه شرط عدم الخيار للمشترى لو ظهر النقص (كما انه لو اخبر) البائع (بكيله او وزنه، فصدقه المشترى) فى باب المكيل و الموزون (فاشترط) البائع (عدم الخيار، لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه) فى الفساد و الافساد، لان الشرط ينافى الاخبار، مثل ما نحن فيه مما كان

ص: 396

كما يظهر من التحرير فى بعض فروع الاخبار بالكيل.

و الضابط فى ذلك: ان كل وصف تعهده البائع و كان رفع الغرر بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، و كل وصف اعتمد المشترى فى رفع الغرر على أمارة اخرى جاز اشتراط سقوط خيار فقده، كالاصل، او غلبة مساوات باطن الصبرة لظاهرها

______________________________

شرط البراءة ينافى الوصف (كما يظهر) التنافى بين الاخبار بالكيل، و شرط عدم الخيار، لو ظهر النقص (من التحرير فى بعض فروع الاخبار بالكيل) و الوزن.

(و الضابط فى ذلك) فى ان البراءة تكون فاسدة و مفسدة او تكون صحيحة لا فاسدة و لا مفسدة (ان كل وصف تعهده البائع) صفة او صحة او كيلا او وزنا (و كان رفع الغرر بذلك) الوصف (لم يجز) اى لم يصح، و يوجب فساد او افسادا (اشتراط سقوط خيار فقده) اى الخيار الناشئ من عدم ذلك الوصف (و كل وصف اعتمد المشترى فى رفع الغرر) الغرر الناشئ من عدم ذلك الوصف (على أمارة اخرى) من رؤية سابقة، او علم شخص بذلك الوصف (جاز اشتراط سقوط خيار فقده).

و قد تقدم السبب فى هذا الضابط و انه ان اوجب التنافى، فسد و افسد، و ان لم يوجب صح الشرط و صح العقد.

ثم مثل المصنف بما اعتمد المشترى عليه من أمارة اخرى، لا تعهد البائع (كالاصل) اى اصالة السلامة من العيب، فاشترط البائع البراءة من العيب (او غلبة مساوات باطن الصبرة لظاهرها) تلك الغلبة الموجبة

ص: 397

او نحو ذلك.

و مما ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد و غيره فى المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة فى بيع العين الغائبة، و بين اشتراط البراءة من العيوب فى العين المشكوك فى صحته و فساده.

و ظهر أيضا انه لو تيقن المشترى بوجود الصفات المذكورة فى العقد فى المبيع، فالظاهر جواز اشتراط

______________________________

للظن العقلائى الموجب للاقدام و ان اسقط البائع الخيار، اذا ظهر للمشترى لكل الصبرة ان باطنها أردأ من ظاهرها (او نحو ذلك).

كما اذا علم المشترى بالوصف من رؤيته له سابقا، فاشترط البائع سقوط خياره ان ظهر خلاف ما رآه.

(و مما ذكرنا) من الفرق بين وصف البائع، فلا يصح الشرط، و بين اعتماد المشترى على شي ء آخر فيصح الشرط (ظهر وجه فرق الشهيد و غيره) من الأعلام (فى المنع) مكانا (و الجواز) مكانا آخر (بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة فى بيع العين الغائبة) حيث منعوا هذا الشرط (و بين اشتراط البراءة من العيوب فى العين المشكوك فى صحته و فساده) حيث اجازوا مثل هذا الشرط.

و وجه الفرق ما تقدم من ان الشرط فى الاول يوجب التنافى، و الشرط فى الثانى لا يوجب التنافى.

(و) كذلك (ظهر أيضا انه لو تيقن المشترى بوجود الصفات المذكورة فى العقد) بان علم وجودها (فى المبيع، فالظاهر جواز اشتراط) البائع

ص: 398

عدم الخيار على تقدير فقدها لان رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها.

و كذا لو اطمئن بوجودها و لم يتيقن.

و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه هذا

______________________________

(عدم الخيار) للمشترى (على تقدير فقدها) اى فقد تلك الصفات.

و انما جاز شرط عدم الخيار (لان رفع الغرر ليس ب) سبب (التزام) البائع (تلك الصفات) حتى يكون التزام البائع، و عدم التزامه الناشئ ذلك من اسقاط الخيار متنافيان (بل لعلمه) اى علم المشترى (بها) اى بتلك الصفات.

و من المعلوم: ان علم المشترى بالصفات لا ينافى التزام البائع بعدم الخيار.

(و كذا لو اطمئن) المشترى (بوجودها) اى بوجود تلك الصفات (و لم يتيقن) فان الاطمينان اقل مرتبة من العلم، فان اطمينان المشترى بوجود الصفات لا ينافى اشتراط البائع عدم الخيار، لو فقدت تلك الصفات.

(و) كيف كان، ف (الضابط) فى المنع عن الشرط، و جوازه (كون اندفاع الغرر باشتراط) البائع (الصفات و تعهدها من البائع) على نفسه، فلا يصح اشتراط اسقاط الخيار (و عدمه) اى عدم تعهد البائع للصفات، فيصح اشتراط عدم الخيار، لما عرفت من عدم التنافى (هذا) تمام الجواب عن اشكال انه كيف لا يجوز اشتراط سقوط الخيار مع وصف

ص: 399

مع امكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها فى البيع، خرج اشتراط التبرى من العيوب بالنص و الاجماع لان قاعدة نفى الغرر قابلة للتخصيص، كما اشرنا إليه سابقا.

و ظهر أيضا ضعف ما يقال من ان الاقوى فى محل الكلام

______________________________

البائع مع جواز اشتراط سقوط الخيار فى ما لو ظهر المبيع على خلاف وصف الصحة (مع امكان) ان نذكر جوابا آخر، و هو: انه لا يجوز اشتراط سقوط الخيار مطلقا، اى خيار يوجب الغرر، سواء تعهد البائع بذلك الوصف، او علم به المشترى من الرؤية، او غيرهما الا انه استثنى من هذه الكلية اسقاط خيار العيب و الاستثناء انما هو بالدليل الخاص.

و ذلك ب (التزام فساد اشتراط) البائع (عدم الخيار) للمشترى (على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها) اى العلم بتلك الصفات (فى البيع).

و ذلك لان شرط عدم الخيار يوجب الغرر مطلقا (خرج) من هذه الكلية (اشتراط) البائع (التبرى من العيوب) خروجا (بالنص و الاجماع) فانه يجوز هذا الشرط.

ان قلت: كيف خرج هذا الشرط فجاز مع انه يوجب الغرر.

قلت: (لان قاعدة نفى الغرر قابلة للتخصيص، كما اشرنا إليه سابقا) فان القاعدة ليست عقلية، حتى يقال: انها لا تقبل التخصيص.

(و ظهر أيضا) بما ذكرناه من ان نفس الخيار ليس مجديا فى دفع الغرر، بل المجدى التزام البائع وجود الوصف (ضعف ما يقال) و القائل هو صاحب الجواهر (من ان الاقوى فى محل الكلام) اشتراط سقوط

ص: 400

الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول.

و لو ان الغرر ثابت فى البيع نفسه لم يجد فى الصحة ثبوت الخيار و الا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار، و هو معلوم العدم و

______________________________

خيار الرؤية ب (الصحة) لان الاشكال فى تعلق البيع بالمجهول، و لان المشترى لا يعلم هل هو واجد للصفات، أم لا؟ و هذا الاشكال غير تام (لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول) فان اسقاط الخيار لا يوجب جهالة البيع.

و المبيع- عند ذكر الصفة- ان كان معلوما لم يضره اسقاط الخيار و ان كان مجهولا لم ينفعه ثبوت الخيار لان الخيار لا يحول المجهول معلوما.

(و) ذلك لانه (لو ان الغرر ثابت فى البيع نفسه لم يجد فى الصحة) اى صحة البيع (ثبوت الخيار) لما ذكرنا من ان الغرر لا يرتفع بالخيار (و الا) فان كان الخيار يرفع الغرر (لصح ما فيه الغرر من البيع) كالبيع المجهول المطلق (مع اشتراط الخيار، و) الحال ان هذا (هو معلوم العدم) اذ يصدق الغرر المنهى عنه فى قوله: نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، عن بيع الغرر، و قوله نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، عن الغرر.

(و) ان قلت: اذا اقدم انسان على ضرر نفسه لم يكن بذلك بأس اذا لم يكن ضررا زائدا ممنوعا شرعا، و لذا جاز ان يقدم على اشتراء الشي ء

ص: 401

اقدامه على الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمينان بالوصف ادخال الغرر عليه من قبل نفسه، انتهى.

توضيح الضعف ان المجدى فى الصحة ما هو سبب الخيار، و هو التزام البائع وجود

______________________________

بازيد من ثمنه، و ان يقدم على شراء ما يحتمل العيب باسقاط خيار العيب

قلت: هذا انما يصح اذا لم ينه الشارع عنه، و لذا لا يصح الاقدام على بيع المجهول، و فى ما نحن فيه اذا قلنا بان البيع غررى لا يصح اقدامه و ان كان خيار، لان الشارع نهى عن بيع الغرر، ف (اقدامه) اى اقدام المشترى (على الرضا بالبيع) لغير المرئى (المشترط فيه) اى فى ذلك البيع (السقوط) لخيار الرؤية (مع عدم الاطمينان بالوصف) الّذي ذكره البائع حين البيع (ادخال الغرر عليه من قبل نفسه) هذا غاية ما يقال فى تفسير قوله: و اقدامه ..

لكن الظاهر: ان مراد الجواهر: ان الضرر القليل الوارد على المشترى غير ضار، بعد ان اقدم هو على ضرر نفسه.

و انما فسرنا كلامه: ادخال الغرر، بالضرر القليل حتى لا ينافى مع قوله قبلا: «لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول» فتأمل (انتهى) كلام الجواهر.

(توضيح الضعف) الّذي ظهر من كلامنا السابق، على كلام الجواهر أولا (ان المجدى) و المفيد (فى الصحة) اى صحة بيع غير المرئى (ما هو سبب الخيار) اى ما كان عدمه سببا للخيار (و هو التزام البائع وجود

ص: 402

الوصف، لا نفس الخيار.

و اما كون الاقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة فى البيع الغررى و المسألة موضع اشكال.

______________________________

الوصف، لا) ان المجدى (نفس الخيار) لانه قد تقدم ان الخيار لا يرفع الغرر، و الا لجاز بيع كل مجهول بشرط الخيار، مع انه ليس بصحيح.

اذا فالمجدى التزام البائع، بينما الظاهر عن كلام الجواهر ان المجدى نفس الخيار، حيث قال «لم يجد فى الصحة ثبوت الخيار».

و ثانيا: ان قول الجواهر «ادخال الغرر عليه من قبل نفسه» ظاهر فى ان الغرر اذا كان من قبل نفسه لم يضر، بينما الغرر ضار مطلقا سواء كان من قبل نفسه، أم لا.

و إليه اشار بقوله: (و اما كون الاقدام من قبل نفسه) فلا يضر- كما ذكره الجواهر- (ف) فيه انه غير تام.

اذ: الاقدام على الغرر (لا يوجب الرخصة فى البيع الغررى) لان الشارع منع عنه كما تقدم.

(و) كيف كان، ف (المسألة) اى مسألة اشتراط البائع سقوط خيار الرؤية (موضع اشكال) و الله العالم بحقيقة الحال.

ص: 403

قريبا جدا سيصدر الجزء الثالث عشر من الموسوعة الضخمة (ايصال الطالب الى المكاسب) عن قريب ان شاء الله تعالى.

الناشر

ص: 404

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة مقدمة الشارح 2

فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع فقط 3

الرابع: خيار الغبن 32

فى شرائط خيار الغبن 64

فى ان ظهور الغبن هل هو شرط شرعى او كاشف عقلى 102

فى مسقطات خيار الغبن 113

فى اسقاطه بعد العقد 113

فى اسقاطه فى متن العقد 124

فى ان تصرف المغبون مسقط لخيار الغبن 130

فى ثبوت خيار الغبن فى كل معاوضة مالية 198

فى كون خيار الغبن على الفور او التراخى 209

الخامس: خيار التأخير 250

فى شروط خيار التأخير 257

فى مسقطات خيار التأخير 303

فى اسقاطه بعد الثلاثة 303

فى اشتراط سقوطه فى متن العقد 304

ص: 405

فى ان بذل المشترى للثمن بعد الثلاثة مسقط 305

فى ان اخذ الثمن من المشترى مسقط 308

فى كون خيار التأخير على الفور او التراخى 314

فى ان تلف المبيع بعد الثلاثة من البائع 317

فى ما لو اشترى ما يفسد من يومه 327

السادس: خيار الرؤية 338

فى مورد خيار الرؤية 346

فى ان خيار الرؤية فورى 379

فى مسقطات خيار الرؤية 381

محتويات الكتاب 407

ص: 406

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.